كشف الحساب

الأسرة والمجتمع


أنا سيدة متزوجة ولدي ثلاثة أطفال وقد قرأت رسالة مواقف الحياة للأب المعذب الذي يشكو من جحود ابنته الشابة له واجترائها عليه وانحيازها لأمها غير الأمينة علي زوجها ولا علي ابنائها‏..‏ ويصف مدي تألمه لوقاحة ابنته أبنة السبعة عشر عاما عليه وإنكارها له وطلبها منه أن يغرب عن وجهها ويدعها لنفسها هي وأمها وأريد أن أقص عليه وعلي ابنته قصة أسرتي لعلها تخفف عنه بعض أحزانه‏..‏ وتعيد هذه الابنة الضالة إلي رشدها قبل أن تدفع ثمن جحودها لأبيها غاليا من حياتها وسعادتها‏,‏ فلقد نشأت بين أب طيب مسالم‏..‏ وأم شرسة معتزة ببياض بشرتها وجمالها وسطوة أسرتها‏,‏ في بيت لا يعرف الاستقرار إلا قليلا‏,‏ وتفتحت عيوننا وآذاننا علي أمنا القوية الشرسة وهي تشتبك مع أبي في كل مناسبة وتعيره بسمرة بشرته وهوان أسرته بالقياس لسطوة أسرتها المعروفة بالشراسة وتنعي حظها الذي دفن جمالها مع هذا الرجل الأسمر الجلف كما كانت تدعوه أمامنا‏,‏ وهو يتحمل ويصبر ويغضب في بعض الأحيان ويهجرها لفترة من الوقت ثم يتدخل الوسطاء بينهما فيعود‏.‏ ويقول لنا بعدعودته أنه لم يرجع إلا من أجلنا لأنه يخشي علينا من الضياع إذا تركنا لرعاية أمنا وحدها‏.‏
إلي أن بدأت أمنا تشركنا في مصاداماتها مع أبينا‏..‏ وتأمرنا في غمرة الشجار بأن نسبه بأقزع السباب وإلا فالويل لنا ان لم نفعل ذلك فكنا نمتثل لأوامرها خوفا من بطشها بنا وتنطق ألسنتنا بأبشع الألفاظ والكلمات ضد أبينا ولا نتوقف ونحن صغار للأسف أمام نظرة الحسرة والألم في وجهه ونحن نفعل ذلك‏,‏ ولا نبادره للأسف بالاعتذار بعد ذلك‏,‏ وإنما نشارك أمنا في خصامه لفترات طويلة ولا نكاد نجيب له طلبا إلا إذا أمرتنا أمنا بذلك وهي تشجعنا علي ذلك‏..‏ وتشجع شقيقنا الوحيد الذي كان يسرق من نقود أبي من حين لآخر ويعطيها مايسرقه علي أن يستمر في ذلك وعلي عصيان أبيه‏,‏ وتحميه من الحساب‏..‏ وتحمينا كذلك من أي عقاب مع أن أبي لم يكن يعاقب أحدا منا‏..‏ وإنما كان يكتفي بلومه وبتذكيره بعقاب ربنا لمن يجحد أباه أو يسيء الأدب معه‏..‏ ويقول لنا انه لم يقبل باستمرار الحياة مع أمنا بعد مالقيه ويلقاه منها إلا لكيلا ينفر منا الخطاب في المستقبل حين يجدون أمنا في بيت رجل آخر غير أبيهم وأباهم متزوجا من إمرأة غير أمهم‏..,‏ وبالرغم من ذلك فلم توقف إساءة شقيقاتي له‏..‏ وبلغ أبي قمة الشعور بالألم حين قرأ ذات يوم اسم شقيقتي علي كراسة لها فإذا بها تنسب نفسها بتحريض من أمنا لا إليه كما هو الطبيعي وإنما إلي خالها ذي المنصب المرموق‏..,‏ فتوقف أمام الأسم المنتحل متألما وسألها متحسرا‏:‏ إلي هذا احد تنكرين أباك وتتمسحين باسم خالك ؟
ثم غادرها دامعا ومتألما‏..‏
ومضت الحياة بنا بالرغم من كل شيء وارتبطت إحدي شقيقاتي بزميل لها بالجامعة لم يرض أبي عنه في حين خالفته أمي كالعادة وشجعتها علي الارتباط به وطالبتها بألا تأبه لموقف إبينا لأنها سوف تزوجها منه رغما عنه وبالفعل تحدت شقيقتي أباها وأعلنت له أنها سوف تتزوجه رغما عنه بمساعدة أهل أمي‏.‏ وعادت أمي في تشجيعها علي ذلك وحددت لهذا الشاب موعدا لزيارتنا ليطلب يدها من أبي بالرغم من إعلانه لرفضه له‏,‏ وقبل أن يحل هذا الموعد بأيام قليلة أصيب أبي بالشلل كمدا وحزنا وحسرة علي حياته الضائعة بين جفاء زوجته وجحود ابنائه‏,‏ وتمت الخطبة وهو مريض حسير‏,‏ وبعد فترة معاناة طويلة مع المرض رحل أبي عن الحياة‏,‏ ومضينا نحن في طريقنا فتزوجت البنات واحدة بعد أخري‏..‏ وانفردت أمي بنفسها وجبروتها في بيت أبي وعاما بعد عام راحت تتوالي علي الإخوة الذين جحدوا أباهم وأساءوا إليه في حياته المتاعب والمعاناة‏..‏ فتعثرت حياة أختي الكبري التي نسبت نفسها ذات يوم الي أسرة أمها دون أبيها‏..‏ وبعد سنوات من استقرار حياتها الزوجية مع رجل محترم اذا به يتهم في جريمة اخلاقية ويتورط في فضيحة مدوية سوف تدفع أبناءه للخجل من الانتساب أبيهم كما خجلت أمهم ذات يوم من الانتساب الي ابيهم ناهيك عن جحيم المتاعب القضائية‏..‏ وتكاليفها وضيق ذات اليد بعدها‏.‏
وتزوجت الأخت الثانية من الشاب الذي تحدت به أبي واحضرته إلي بيته رغما عنه وهو مريض ومحسور‏,‏ وسافرت معه الي إحدي الدول العربية فذاقت معه كل انواع الشقاء ولم تهنأ بحياتها الزوجية معه يوما واحدا ومات فجأة في سن مبكرة وتركها بلا عائل ولا معاش‏,‏ فلم تجد في النهاية سوي معاش أبيها وتقدمت بطلب لإعادة صرفه لها كأرملة لا مورد لها‏..‏ وهي الآن تعتمد في معيشتها علي معاش الأب الذي تحدته وقهرته وعجلت بمجيء المرض إليه‏.‏
أما الأبن الوحيد الذي كان يسرق من أبيه ليعطي أمه ويتجرأ عليه في حمايتها‏,‏ فلقد حرمه الله سبحانه وتعالي من الاستقرار في أي عمل ومن النجاح في أي مشروع يقيمه‏,‏ وما من عمل يبدأه أو مشروع صغير ينفذه إلا ويسرقه فيه من يعمل معه ويخسر فيه الجلد والسقط ويرجع لنقطة البداية من جديد‏,‏ ناهيك عن تعاسته الزوجية التي صارت مضرب الأمثال مع زوجة من أسرة أمي‏..‏ ولولا خوفه علي أطفاله منها لطلقها واستراح منذ زمن طويل‏.‏
ويأتي الدور للحديث عني وقد شاركت للأسف في التستر علي أمي في ايذائها لأبي وساعدتها أحيانا في ذلك فأقول لك أنني سعيدة في حياتي الزوجية الآن وأطفالي بخير كلهم والحمد لله‏..‏ لكني خائفة حتي المرض مما سوف يحمله لي المستقبل وأشعر بالذنب لما فعلت مع أبي وبالندم الشديد عليه واترقب عقاب السماء لي عنه وأنا واجفة القلب‏..‏ وتمضي علي أحيانا بضع ليال لا أذوق فيها طعم الراحة‏.‏
وأري في نومي كثيرا أبي الراحل يرحمه الله جالسا تحت شجرة جرداء لا أوراق تحميه من لهيب الشمس‏..‏ مرتديا جلبابا متسخا للغاية وكلما هممت بالاقتراب منه نهض من مجلسه وأدار ظهره لي وابتعد عني وهو يعرج في مشيته بطريقة غريبة وانهض من نومي منقبضة الصدر وافسر رموز هذا الحلم بان الشجرة الجرداء التي كان يحتمي بظلها فلا تظله بأي ظل لأنها بلا أوراق‏..‏ هي نحن أبناء هذا الأب الطيب الصابر الذي لم نظله في حياتنا بحبنا واحترامنا له وتعاطفنا معه‏..‏ وان هذا الجلباب المتسخ الذي يرتديه رغما عنه هو أمنا المفترية عليه والجاحدة لفضله‏..‏ ولا عجب في ذلك فلقد طردتنا في النهاية من بيت ابينا وحرمتنا من آخر ميراثه الذي استولي عليه أهلها ذوو السطوة والشراسة‏.‏
وكلما نظرت إلي زوجي الذي يحسن معاملتي واحسن معاملته وإلي أطفالي الصغار الذين يضيئون حياتي بالحب والبهجة والأمل‏..‏ استسلم للخواطر السوداء وأتساءل‏:‏ من أي اتجاه يارب سوف يجيء قصاصك العادل مني لجحودي لأبي ومشاركته لأمي في إيذائه ؟ وتنهمر دموعي طويلا وابتهل إلي الله العلي القدير أن يغفر لي ماتقدم من ذنبي‏,‏ وأن يترفق بي في قصاصه فلا يصيب أحدا من أفراد أسرتي الصغيرة سواي وأرجو أن تشاركني أنت وقراء ‏««‏بريد الجمعة‏»»‏ هذا الابتهال وان تدعو ابنة كاتبة رسالة مواقف الحياة الجاحدة لأبيها الي أن تقرأ قصتي جيدا وتفيق من غيها وحمقها وترجع الي أبيها وتطلب صفحه وعفوه قبل ان يحل بها قصاص السماء العادل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

منقوووول
2
507

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

فضه بنت ذهب
فضه بنت ذهب
يالله من جد حزنت على هالاب
دموعي قريبه وطبوعي
لا استطيع كتابة رد