الحمد لله المتفرد بالبقاء والقهر ، الواحد الأحد ذي العزة والستر ، كتب الفناء على أهل هذه الدار ، وجعل الجنة عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ، جعل بعد الشدة فرجا ، وبعد الضيق مخرجا ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، عدة الصابرين ، وسلوة المصابين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله تحمل في سبيل الله مالم يتحمله سواه ، وقام بالصبر حتى أبلغه رضاه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فإن الله جعل الموت محتوما على العباد من الإنس والجان وجميع الحيوان ، وكل من عليها فان .
أيها الإخوة والأخوات :
فقد الأحبة من الآباء والأبناء والأزواج وغيرهم ، خطب مؤلم ، بل هو من أثقل الأنكاد التي تمر بالإنسان ، نار تستعر ، وحرقة تضطرم ، لكن نقول :
كم من منحة في محنة ، وكم من محبوب في مكروه .
فلرب أمر محزن ….. لك في عواقبه الرضا
ولربما اتسع المضيق ….. وربما ضاق الفضا
وهل رأيتم أو سمعتم بإنسان لم يصب بمصيبة دقت أو جلت . لا والله .
على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة …… وميت ومولود وبشر وأحزان
ثمانية لا بد منها على الفتى ….. ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة ….. ويسر وعسر ثم سقم وعافية
إخوتي في الله :
والكربة مهما عظمت وكبرت فإنها تكشف بإذن الله ، ومن أسباب كشف الكربة عند فقد الأحبة ما يلي :
أولا : التأمل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،ليرى العبد ما أعده الله له من الأجر عن هو رضي وصبر :
يقول تعالى :(( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين *الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون *أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )).
إنا لله وإنا إليه راجعون علاج لكل من أصيب ، فإذا علم العبد أن كل شيء لله وإنما هو وديعة عنده رضي وسلم .
وما المال والأهلون إلا ودائع ……. ولا بد يوما تسترد الودائع
يروي الأصمعي قال: خرجت مع صاحب لي إلى البادية فضللنا الطريق ، وإذا نحن بخباء ، وإذا امرأة في الخباء ، فقالت ماشأنكم ؟ قلنا : قوم ضلوا الطريق . فرمت لنا فراشا وذهبت تحر لنا طعاما ، وإذا بعير وعليه راكب قادم من بعيد ، فقالت المرأة : اللهم إني اسألك خير القادم ، أما البعير فبعير ابني وأما الراكب فليس ابني .
فلما جاء قال : يا أم عقيل عظم الله أجرك في عقيل ، قالت : أومات ابني ؟ قال: نعم ، قالت : كيف ذاك ؟ قال : تزاحمت عليه الإبل فألقته في البئر .
فقالت انزل ودفعت إليه كبشا فذبحه وطبخته ثم قدمته لنا ، فلما انتهينا ونحن نعجب من صنيعها قالت : أوتحفظون من كتاب الله شيء أتعزى به .
قلنا : نعم ، فقرأنا عليها قول الله تعالى :((ولنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع …..)). إلى آخر الايات السابقة
فقالت : آلله إنها لفي كتاب الله ؟
فقلنا: آلله إنها لفي كتاب الله .
فقالت : إنا لله وإنا غليه راجعون ، اللهم إني أحتسب عندك عقيلا ، اللهم إني صبرت كما أمرتني فأنجز لي ما وعدتني .
قال : فمضينا ونحن نعجب من صبرها .
وفي السنة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها ، إلا آجره الله في مصيبنه وآجره خيرا منها )).
قالت أم سلمة : فلما مات أبو سلمة قلت ومن خير من أبي سلمة ؟ ثم هداني الله فقلتها ، فعوضني الله عنه رسول الله . ومن خير من رسول الله
صلى عليه الله جل جلاله ……….. ما لاح نور في البروق اللمع .
ويروى أن امرأة من بني عامر خرجت ببنيها التسعة إلى البر ، ثم تركتهم في غار وذهبت لبعض حاجتها ، فلما رجعت وجدت الغار قد انطبق على أبنائها التسعة ، وقفت عند الغار وهي تسمع أنينهم وتتلظى بعويلهم ، وهي لا تملك لهم حولا ولا طولا ، تئن وتزفر :
زفرات قطعت أحشاءها ……. والذي عانى البلايا عرفا
ثم سكن الصوت فعلمت أنهم قد فارقوا الحياة ، فأنشأت تقول :
ربيتهم تسعة حتى إذا اتسقوا ……. أفردت منهم كقرن الأعظب الوحد
وكل أم وإن سرت بما ولدت ……. يوما ستفقد من ربت من الولد
وفي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم (( ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه )).
وسئل عليه الصلاة والسلام : أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الناس على قدر دينهم ، فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه ، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه ، وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي في الناس وما عليه خطيئة )).
ويقول عليه الصلاة والسلام :(( لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة )).
ويقول عليه الصلاة والسلام :(( لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم )).
يشير إلى قوله تعالى :(( وإن منكم إلا واردها ……)).
ولقد جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها فقالت : يا رسول الله ادع الله له ، فلقد دفنت ثلاثة قبله ، فقال عليه الصلاة والسلام :(( دفنت ثلاثة ؟ )). مستعظما أمرها ، قالت : نعم قال :(( لقد احتظرت بحظار شديد من النار )). أي لقد احتميت .
فما أعظم الأجر وما أكمل الثواب ، وما أجدر أن يستعذب العذاب في طلب مثل هذا الثواب .
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى إذا قبض ولد العبد للملائكة : (( أقبضتم ولد عبدي )) تقول الملائكة نعم ، فيقول (( أقبضتم فلذة فؤاده )) تقول الملائكة نعم ، فيقول الله تعالى (( ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد )).
يا لها من بشارة بالموت على الإيمان ودخول الجنة ، لأن الله إذا أمر ببناء بيت للعبد في الجنة فلا بد لذلك العبد من دخول ذلك البيت .
وجاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له :(( أتحبه ))ز فقال الرجل : يا رسول الله احبك الله كما أحبه . ثم سال عنه النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا إن ابنه مات ، فأرسل إليه فلما جاءه قال :(( أما تحب أن تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته عليه ينتظرك )).
فقال رجل : أله خاصة أم لنا عامة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام :(( بل لكم عامة )).
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى :(( ما لعبدي المؤمن جزاء عندي إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة )).
فعندك اللهم نحتسب أصفياءنا وأحبابنا وأصدقاءنا وآباءنا وأمهاتنا وأنت حسبنا ووكيلنا حسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون .
أخي المصاب . أخي المكروب :
هذه بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قد قدمت بين يديك فلعل لك بها سلوة ، ولعلها كشف لكربتك ، وإني لأظنك قد سلوت ، وكشف ما بك ن فاحمد الله وأحسن نيتك واحتسب مصيبتك ، وارض بما قسم الله لك ، فلعل لك عند الله منزلة لا تبلغها بعملك ، وإنما تبلغها بصبرك على البلاء .
حمدا لله حمدا ، وشكرا لله شكرا ، ورضا بقضائه رضا ، ولهجا بإنا لله وإنا له راجعون .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
الوائلي
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض .... على الماء خانته فروج الأصابع
الوائلي. @aloayly
عضو متميز
هذا الموضوع مغلق.
الصفحة الأخيرة
والله إنك نعم الأخ ونعم المواسي ،،
لا حرمنا الله عطاياك ،، ومنحك ،،