مرمر الحنونه
مرمر الحنونه
أحاديث من السُّنة الشريفة في حقِّ الجار وحسن الجوار :



يا أيها الأخوة ، لا يقبل من الجار أن يكفّ أذاه عن جاره فقط ، ولا أن يدفع عنه بيده أو بجاهه أذى غيره ، بل يدخل في حسن الجوار أن يجامل الجار بنحو التعزية عند المصيبة ، والتهنئة عند الفرح ، والعيادة عند المرض ، والنصح له وإكرامه .
إذاً كفّ الأذى أن تكف أذاك عن جارك هذا موقف سلبي ، أو أن تكُفّ أذى غيرك عنه إما بيدك أو بجاهك هذا أيضاً لا يُعدّ فقط من حسن الجوار ، حسن الجوار أن تعزيه إذا أصابته مصيبة ، وأن تهنئه إذا أصابه خير ، وأن تعوده إذا مرض ، أن تقرضه ، أن توصله ، أن تزوره ، أن تبدأه بالسلام ، وأن تنصحه في دينه ودنياه ، وأن تكرمه ، إضافة إلى كفّ الأذى عنه ، وكفّ أذى الآخرين بيدك أو بجاهك ، هذا مجمل ما يعني حسن الجوار .
(( من أغلق بابه دون جاره مخافةً على أهله وماله فليس ذلك الجار بمؤمن )).
‏الخرائطي في مساوي الأخلاق عن ابن عمرو‏‏]
لمجرد أن تخاف من جارك فهذا الجار ليس مؤمناً ، الجار المؤمن تأمنه على مالك وعلى عرضك ، إذا يوجد خوف أو قلق ففي ذلك مشكلة .


(( من أغلق بابه دون جاره مخافةً على أهله وماله فليس ذلك الجار بمؤمن )).
‏الخرائطي في مساوي الأخلاق عن ابن عمرو‏‏]
(( َلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ )) .

قال صلّى الله عليه وسلّم :
أتدرى ماحقّ الجار ؟ إذا استعان بك أعنته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر عدت عليه ، وإن مرض عدته ، وإن أصابه خير هنّأته ، وإذا أصابته مصيبةٌ، عزيته ، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهةً فأهدِ له منها وإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده ، ولا تؤذه بقتارِ قدرك إلا أن تغرف له منه . هذا الحديث أصل في الإحسان إلى الجار .
لكنّ الشيء الذي يلفت النظر أن النبي صلّى الله عليه وسلم عدَّ إكرام الجار من لوازم الإيمان :
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ)).

مرمر الحنونه
مرمر الحنونه

أيها الأخوة الكرام ، الجيران لهم حقوقٌ ثلاثة على تباين ، فأيُّ جار ولو كان غير مسلمٍ ، ولو كان مجوسياً ، له عليك حقُ الجوار ، لكنّ الجار المسلم له عليك حقّان حقُّ الجوار وحقُّ الإسلام ، لكنّ الجار القريب المسلم له عليك ثلاثة حقوق : حقُّ الجوار وحقُّ الإسلام وحقُّ القرابة .
(( الجيران ثلاثة ، جارٌ له حق وهو المشرك ، وجار له حقّان وهو المسلم ، حقُّ الجوار وحقُّ الإسلام ، وجار له ثلاثة حقوق مسلمٌ له رحم ، فله حقُّ الجوار والإسلام والرحم )).

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول مجاهد : كنت عند عبد الله بن عمر وغلامٌ له يسلخ شاةً ، فقال : يا غلام إذا سلخت الشاة فابدأ بجارنا اليهودي ، حتى قال ذلك مراراً لأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول :
(( مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ )).

تقول السيدة عائشة : " لا تبالي المرأة إذا نزلت بين بيتين من الأنصار صالحين إلا أن تنزل بين أبويها ".
أي لقدسية الجار ، امرأة الجار كأنّها بنت أو أخت ، أي إذا الإنسان تجاوز الحد مع أيّةِ امرأة فمع امرأة الجار الإثم مئة ضعف أو ألف ضعف أحاديث بهذا المعنى .
قال : من الإحسان إلى الجار أن تبذل له ما يطلب من نحو النار والماء والملح ، وأن تعيره بعض الأواني وحاجات المنزل كالقدر والصفحة والسكين والقدوم والغربال وحمل مفسرون كثيرون قوله تعالى :

( سورة الماعون آية "7 " )
أي يمنعون هذه الحاجات عن جيرانهم ، الحقيقة أن الإنسان الآن أصبح في تدابر وقطيعة ، ولكن أحياناً تكون الأسرة منعقدة على الطعام ويلزمهم نصف ليمونة ، أو شيء من الحاجات الأساسية بكمية قليلة ، أو رغيف من الخبز أحياناً ، أو وعاء ، فإذا وجدت المودة بين الجيران فلا توجد مشكلة ، أحياناً يكون عند الجيران ضيفٌ فتحتاج لطاولة طعام مثلاً .
مرمر الحنونه
مرمر الحنونه
حق الجار مقدس :



الإنسان إذا كانت علاقاته مع الجيران متماسكة ومتينة جداً هو في بحبوحة كبيرة جداً لأنّ الحياة أخذ وعطاء ، دين ووفاء ، فإذا الإنسان كانت علاقاته مع الجيران طيبة جداً ، أحياناً يضطر يلبس ثيابه ويخرج من المنزل حتى يشتري ليمونة ، فهناك أطعمة تحتاج إلى الليمون ، وأحياناً يحتاج إلى سلم أو منضدة أو كرسي ، جاءه ضيوف أكثر من عدد الكراسي الموجودة لديه فيحتاج إلى كرسيين ، إذا كان هناك مودة ومحبة تجدهم متعاونين ، أنا أعرف الجيران أحياناً يصبح البيتان بيتاً واحداً إذا كان عنده لازمة أو فرح يفتحون البيتين على بعض .
هذا الدرس في الحقيقة للصغار والكبار ، فنحن نتعلّم ككبار مع الصغار ، فالدرس عن تربية الأولاد لكننا إذا عرفنا حقوق الجار يمكن أن نلقنها إلى صغارنا .
كان لعبد الله بن المبارك وهو من كبار العارفين بالله جار يهودي ، أراد هذا الجار أن يبيع بيته ، فقيل له : بكم تبيع البيت ؟ قال : بألفين ، قيل له : دارُك لا تساوي إلا ألفاً واحداً فلم طلبت الألفين ؟ قال : صدقتم لكن ألفاً للدار وألفاً لجوار عبد الله بن المبارك .
يريد سعراً عالياً لبيته بسبب جاره ، هذا اليهودي جار كريم ، طلب ألفاً لبيته وألفاً ثمن جيرة عبد الله بن المبارك ، يقولون أُخبر ابن المبارك بذلك ، فدعا جاره وأعطاه ثمن الدار وقال : لا تبعها .
لولا ما لقيه اليهودي من ابن المبارك من حسن الخلق وكرم المعاملة لما وقف من بيع الدار هذا الموقف .
رووا أيضاً عن عبد القادر الجزائري رحمه الله تعالى كان له جار مسلم ولكنَّه فقير ، اضطر أن يبيع بيته فطلب فيه ثمناً ، دفعوا له أقل فغضب قال : والله أنا لا أبيع جيرة الأمير بهذا المبلغ ، أيضاً الأمير بلغه ذلك ، ودفع لجاره ثمن بيته وقال : ابقَ جارنا .
الجار مقدس ، والإنسان إذا كان بينه وبين جيرانه محبة ومودة تجده مطمئِناً ، الحياة فيها مخاوف ومفاجآت ومتاعب ، الإنسان يضطر أن يسافر أحياناً ، وأنا سمعت عدداً من القصص من العجيب .
ابن الجار أصيب بحادث سيارة ، والأب مسافر ، الجار يعامله كابنه أخذه من مشفى إلى مشفى ، ومن طبيب إلى طبيب ، فحصه ، وصوره ، وحلل له كأنّه ابنه ، جاء وعطل عمله يومين أو ثلاثة وهو يتنقل بابن جاره من طبيب إلى طبيب ، ومن مشفى إلى مشفى ، ومن تصوير إلى تحليل ، وهو ينفق ، هذا هو الجار ، جاري مسافر وهذا ابنه وأنا أقرب الناس له ، فعندما يسافر الإنسان ويكون له جيران ذوو أخلاق عالية ، مؤمنون طيّبون يطمئن فكل الأمور تُحَل في غيبته .
مرمر الحنونه
مرمر الحنونه

الحقيقة عندما يكون الإنسان محسناً لجاره فالمكسب معه ، فقد دخل في عالم الأمن ، عالم الحب ، عالم المودة ، عالم تبادل المنافع ، عالم العطاء .
أول أبواب حسن الجوار أن تحتمل أذى جارك :
مرة ثانية أحد أبواب حسن الجوار أن تحتمل أذى الجار ، أي يجب أن يكون عندك قدرة على امتصاص الإساءات ، تجد شخصاً لا يتحمّل فوراً يرد على الإساءة بإساءة ، لكنّ المؤمن عنده قدرة اسمها : امتصاص الإساءة ، أي أنّ الجار أساء وكأنّه لم يسيء ولكن هذا لا يطيقه إلا مؤمن هدفه إرضاء الله عزَّ وجلَّ ، هدفه إرضاء الله ، فإذا أخطأ الجار أو تجاوز جهلاً أو خطأً أو غفلةً ، فليس عنده هذا الحقد ، تجده يمتصّ الإساءات وكأنّها لم تقع ، هذا المؤمن ، فأولى بنود حسن الجوار كفُّ الأذى عن الجار .

أعلى درجة في حسن الجوار أن تكف أذى الآخرين عن جارك :
الدرجة الأعلى أن تكُّفَّ عنه أذى الآخرين ، فأحياناً يوجد جار آخر سفيه وأنت الجار الأقرب ، فرأيت تطاولاً فدافعت عن جارك ، أو عملت وساطة ، أو أصلحت بينهما ، وإذا كنت قوياً تمنع جارك الثاني السيّئ منعاً قطعيّاً .
الباب الثالث الإحسان إلى الجار :
الباب الثالث الإحسان إلى الجار .
الباب الرابع تجاوز أخطاء الجار :
الباب الرابع تجاوز أخطاء الجار ، فإذا أخطأ فعليك أن تتجاوز عن هذا الخطأ ، فإذا أخطأ عن غير قصد فمن باب أولى أن تتجاوز عنه ، وإذا أخطأ عن غير قصد واعتذر منك فالأولى أن تعفو عنه .
أصبح هناك خطأ يجب أن تتجاوزه ، وخطأ عن غير قصد أولى أن تتجاوزه ، وخطأ عن غير قصد مع اعتذار فمن باب أولى أن تتجاوزه وأن تعفو عنه .
الحقيقة أعلى المراتب ، أن تحلم على من جهل عليك ، وأن تحسن إلى من أساء إليك ، وأن تعفو عمن ظلمك ، هذه بالكلام سهلة ، لكن بعالم الواقع عندما يتلقّى الإنسان إساءة من إنسان يتمنى أن يقطّعه قطعاً ، أو أن يحطمه ، ويتمنى أن ينتقم منه أشدّ الانتقام ، أو يكيل له الصاع عشرة ، هكذا النفس البشريّة ، فعندما ينتصر الإنسان على نفسه ويعفو عمن أساء إليه ، ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه ، ويعفو عمن ظلمه ، ويحلم على من جهل عليه ، هذه مرتبةٌ عاليةٌ جداً وقال العلماء : إنّها مرتبة الصدّيقيّة .
مرمر الحنونه
مرمر الحنونه
عليك بالإحسان إلى جارك لأن الإحسان يقطع اليد ويقصّ اللسان :



قال الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم :
(( أمرني ربي بتسع خشية الله في السر والعلانية ، كلمة العدل في الغضب والرضا ، القصد في الفقر والغنى ، وأن أصل من قطعني ، وأن أعفو عمن ظلمني ، وأن أعطي من حرمني ، وأن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرة )) .

بالمناسبة أنت لا تعلم ماذا يعني العفو عن جارك ؟ الإنسان بحكم غريزته وبهيميته يتمنى أن ينتقم ، أما لو عفا ، أي أنّ أحد وسائل معالجة المسيء أن تعفو عنه أحياناً ممكن بعفوك أن تقرّبه ، فسيّدنا عكرمة بن أبي جهل أهدر النبي دمه ولو تعلّق بأستار الكعبة فلمّا طلب منه أن يعفو عنه عفا عنه ، صار عكرمة من أقرب الناس لرسول الله ومن أشدّ الصحابة الكرام دفاعاً عن رسول الله ، فأنت إذا كان لك جار خصم وتعفو عنه ، قد لا تصدّق أنّ هذا الجار المزعج أصبح أقرب الناس إليك .
النبيّ الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم كان عنده قدرة كبيرة جداً أن يجلب إليه الناس ، عنده قدرة يصبح بها أعداؤه الألدّاء أشدّ الناس حباً له ، فالمؤمن من باب أولى ، النبي الكريم عنده هذه القدرة وأنت مؤمن فيجب أن تحاول أن تستجلب الخصوم ، ودائماً الإحسان هو الذي يجلب ، فالجار السفيه بالإحسان إليه يسكت لسانه ، الجار المؤذي الإحسان إليه يقطع يده ، الإحسان يقطع اليد ويقصّ اللسان ، فالموفّقون والأذكياء في الحياة يصلون إلى مآربهم بأسلوبٍ سهلٍ .
مثلما أخبرتكم من قبل عن سيّدنا معاوية عندما جاءه كتابٌ من عبد الله بن الزبير يقول فيه : أما بعد ، يا معاوية إنّ رجالك قد دخلوا أرضي فانههم عن ذلك وإلا كان لي ولك شأنٌ والسلام ، بالطبع كان يزيد فيه دم الشباب ، فلما قرأ الكتاب قال : أرى أن ترسل له جيشاً أوّله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه ، ولكن سيّدنا معاوية كتب : أما بعد ، لقد وقفت على كتاب ولد حواريّ رسول الله ، ولقد ساءني ما ساءه ، والدنيا كلُّها هيّنة جنب رضاه ، فجاء الجواب : أما بعد ، فيا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك ، ولا أعدمك الرأي الذي أحلّك من قومك هذا المحل .
لاحظ لو كان قد أخذ سيّدنا معاوية برأي ابنه يزيد لحدثت حرب بينهم وقتلى وفتن لسنوات عدّة ، وصلح ونقض لوقف إطلاق النار ، وإطلاق نار من جديد ، وتستمر لسنوات ، لكن بهذا الموقف الحليم الذي فيه عفو قص به لسانه ، فقط تطاول أولاً بقوله : أما بعد ، يا معاوية ، أما بعد ذلك قال : أما بعد ، فيا أمير المؤمنين . فقد اختلف الكلام .