قَالَ الصَّغِيرُ وَدَمْعُهُ مِدْرَارُ

أُمَّاهُ أَشْعُرُ أَنَّنِي أَنْهَارُ

أُمَّاهُ، هَذَا الْجُوعُ مَزَّقَ بَاطِنِي

وَسَرَتْ بِأَحْشَائِي وَقَلْبِي النَّارُ

الْمَاءُ أَشْرَبُهُ لَيُبْرِدَ غُلَّتِي

فَكَأَنَّمَا تَبْرِيدُهُ إِسْعَارُ

لِي لَيْلَتَانِ أَلُوكُ بَعْضَ "بَلِيلَةٍ"

قَدْ خَالَطَتْ حَبَّاتِهَا الْأَحْجَارُ

لاَ طَعْمَ فِيهَا، غَيْرَ أَنَّ لِرِيحِهَا

نَتْنًا وَشَابَ مَذَاقَهَا إِمْرَارُ

رِجْلاَيَ خَانَتْنِي فَلَيْسَ تُقِلُّنِي

فَبَقِيتُ مَأْسُورًا وَلاَ أَسْوَارُ

هَا هُمْ رِفَاقِي فِي الطَّرِيقِ تَوَاثَبُوا

فِي خِفَّةٍ فَكَأنَّهُمْ أَطْيَارُ

لِلْعِيدِ قَدْ لَبِسُوا الْجَدِيدَ وَهَلَّلُوا

بِثِيَابِهِمْ تَتَلأْلأُ الْأَنْوَارُ

وَحْدِي بَقِيتُ أَنَا أُجَرَّعُ غُصَّةً

فِي غُصَّةٍ وَبِعَيْنِيَ اسْتِعْبَارُ

أُمَّاهُ أَيْنَ أَبِي؟ فَمَا حَلَّتْ بِنَا

إِذْ كَانَ يَعْمُرُ بَيْتَنَا أَضْرَارُ

أُمَّاهُ أَيْنَ أَبِي؟ فَمَا عَادَتْ لَنَا

مُذْ غَابَ مَنْزِلَةٌ وَلاَ إِكْبَارُ

أُمَّاهُ أَيْنَ أَبِي؟ وَأَيْنَ حَنَانُهُ؟

قَدْ كَانَ نَهْرًا دُونَهُ الْأَنْهَارُ

لاَ زِلْتُ أَذْكُرُ كَمْ حَبَوْتُ لِحِجْرِهِ

فَتَلَقَّفَتْنِ يَدَاهُ وَالْأَبْصَارُ

لاَ زِلْتُ أَذْكُرُ كَيْفَ أَضْحَى مَرْكِبًا

لِي صَدْرُهُ وَبِوَجْهِهِ اسْتِبْشَارُ
