كلمات في التوكل

نزهة المتفائلين

كلمات في التوكل. إذا كان للتوحيد قلب ينبض فهو التوكل!
أ. أناهيد بنت عيد السميري.
المتوكل كلما جاءته الأخبار نبض توحيده بالتوكل، وكلما جاءته الرغبات نبض توحيده بالتوكل! وهذا يعني أن التوكل هو حياة التوحيد! لماذا؟
لماذا كان للتوكل هذا المقام الرفيع، وبأي شيء استحق هذه المنزلة؟!
الجواب: لأن التوكل ينبئ عن قوة الإيمان بأسماء الله، وصفاته، وأفعاله؛ فمن صدق في الإيمان بصفات الله اعتمد عليه! الله تعالى سمى نفسه في القرآن عدة مرات بالوكيل، وسمى نفسه بالكفيل، والكافي، والحفيظ؛ فمن آمن بهذه الأسماء وما فيها من صفات، ووحد الله بها، ووصفه بكمالها؛ تأثر بهذا الإيمان قلبه؛ فتيقن بكفاية الله له، وتيقن بقيام الله به، وتيقن أن غير الله لا يقوم به. "هذه عقيدة القلب". ولا بد لهذه العقيدة أن ينتج عنها عمل، وهو السكون والطمأنينة، والتفويض والتسليم؛ فلو أن النفس أصابها قلق فعملت عمل المضطرب؛ سكّنها صاحبها وأدبها بما معه من عقيدة صحيحة بأن الله هو الوكيل، وهو الحفيظ ، وهو الكافي، وأن غيره لا يفعل ذلك. هناك خانتان في القلب: (خانة عقيدة، وخانة عمل)؛ فمكان العقيدة هو مكان العلم عن الله وصفاته، ومكان العمل هو مكان الشعور بهذا العلم والانفعال به، وهذا المكان هو الذي يضطرب في المواقف، لأنه مثل العلبة الفارغة التي تنتظر ما يثقلها لتستقر خصوصا لما تهب الريح، وعلى هذا؛ فماذا يفعل المؤمن ليحل مشكلة اضطرابه؟
يأخذ من عقيدته مثل الشيء الثقيل، و يضعه في مكان العمل؛ فيحصل السكون و الهدوء، و تسكن الاضطرابات!
يستورد من عقيدته ويضعه فيما لأجله تعلم تلك العقيدة!
لسان حاله يقول: إنما تعلمت هذا العلم لأجل هذه المواقف!
إنما تعلمت هذا العلم لأنجو به في أوقات أزمتي وضعفي!
كيف أشقى وأضطرب وقد علمني سبحانه أنه خير وكيل؟!
كيف أشقى وأضطرب وقد علمني سبحانه أنه نعم المولى ونعم النصير؟!
كيف أشقى وأضطرب وقد علمني سبحانه أنه خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين؟!
كيف أشقى وأضطرب وقد علمني سبحانه أنه الذي يدفع البلاء، وأنه الذي يرفعه إذا وقع؟! ثم يكفّر به الذنوب، ويرفع به الدرجات؟!
الإنسان دائماً يواجه مخاطر يضطرب لها قلبه من الخوف، لكن حال المتوكل غير حال الناس كلهم؛ فالمتوكل بمجرد ما تحصل حركة الخوف عنده يوكل الله مباشرة على الشأن الذي هو فيه، لا يغيب عنه هذا المعنى أبدًا:
- فلو كان مريضًا قال: أنا أوكل الله أن يشفيني لأنه الشافي!
- وإن كان خائفًا من وقوع بلاء قال: أنا أوكل الله أن يؤمنني، لأنه المؤمن.
- وإن كان مديونًا قال: أنا أوكل الله أن يرزقني، لأنه الرزاق!
- وإن كان جاهلًا قال: أنا أوكل الله أن يعلمني، لأنه الرب المصلح!
- وإن كان صاحب تجارة وعمل وذهب الممولون وأصحاب الأموال قال: أنا أوكل الله أن يدبرني، لأنه مالك الأرض والسماء الحي الذي لا يموت ولا يشغله شأن عن شأن.
- وإن كان مكسور القلب قال: أنا متوكل على الله أن يجبر كسري، لأنه الجبار!
وهكذا المتوكل ينطلق من (التوكل) لكل أسماء الله الحسنى!
وبهذا نفهم أن التوكل شأن عظيم، و هو دليل على إيمانك بالله، و بصفاته، و بأفعاله، فإذا آمن العبد حقاً بأسماء الله و صفاته، ووحده بها؛ فلا بد أن يظهر هذا في توكله. وعلى هذا؛ لا يمكن للمؤمن أن يتوكل إلا إذا جمع علمًا عن صفات الله؛ فأنت توكل الله على سائر أمورك لأنك تعرف أنه المدبر، وأنه الحفيظ، وأنه القدير، وأنه السلام، وأنه الشافي، وأنه مُصرف الأمور، و أنه الوهاب، و أنه الغني الذي يغني عباده، وأنه السميع البصير، القريب المجيب، فتناديه و تُناجيه وتسند إليه ما أهمك! كل هذا يجعلك في أي شأن معتمدًا على الله متوكلًا عليه !
ولأجل ذلك كان التوكل قلب التوحيد النابض؛ فالتوحيد بدن، والتوكل قلب له؛ كلما جاءت الأخبار نبض، وكلما جاءت الرغبات نبض!
تجد في أحوال الناس من البلاءات في نفوسهم، أو في أموالهم، أو في فقد أحبتهم ما يجعلك تظن أنك مهما قلت وواسيت ستبقى تلك القلوب مكسورة مجروحة؛ ولا يمر على خاطرك أو خواطرهم أن هناك شيئا ما يستطيع جبر هذا الكسر أبدًا؛ فلا تجد حينها بلسما ينساب إلى أفئدتهم خيرًا من التوكل!
قل لهم: توكلوا على الله واعتمدوا عليه يأتكم الجبر من حيث لا تحتسبون، وتُمسح الآلام وتفرج الكروب!
توكلوا على ربكم و هو يكفيكم ما أهمكم من جهة قلوبكم و جروحكم، و يكفيكم ما أهمكم من جهة ما فقدتم .
المتوكل يعيش حياة غير حياة الناس، ويسعى لأن يعيش الناس تلك الحياة!
المتوكل ينتفع بتربية الله له، ويسعى للفت أنظار الناس لتلك التربية!
يقول لنفسه ولمن حوله: قد كنا من قبل في ضيق وفرج الله، قد كنا في حزن وأزاله الله، قد أوشكنا أن نفضح وسترنا الله؛ فكيف يخيبنا اليوم الله ؟ والله لا يخيبنا أبداً ! قد عودنا أن يُنجينا و أن يعطينا وأن يسترنا وأن يجبرنا وأن يرحمنا وأن يؤوينا وأن يغنينا.
فأظهر لله حال الطمأنينة، وقل: ما دمت معي فلن يقعدني خوف، وهذا لا ينافي أن تشعر بالخوف الطبيعي؛ فلا تظ
ن أن المطلوب منك عدم الخوف، لأن عدم الخوف من قسوة القلب، وقد أخبرنا الله تعالى أنه يرسل بالآيات تخويفًا، وعلّمنا أن موسى عليه السلام حين جاءه ما يخيف خاف، وخرج منها خائفًا يترقب؛ لكنه لما خاف نادى ربِّ! ربِّ!
فلا بد من الخوف؛ لكن تسكن نفسك باللجوء إلى الله، فما تَسكُن النفوس إلا بذكر الله، و ما تَسكُن النفوس إلا بالتوكل على الله، ولذلك حين قال النبي ﷺ للصحابة عن يوم القيامة ما أفزغ قلوبهم قالوا: فما نصنع يا رسول الله؟
قال: قولوا: "حسبنا لله و نعم الوكيل، توكلنا على الله "!
يعني يكفينا الله ما أهمنا من شأن الآخرة.
قد يقول قائل : هناك أبواب معينة أصبحت بعد التوكل لا أخاف منها؛ فهل هذا من قسوة القلب؟
نقول: هناك نقاط نمارس فيها التوكل، ونمارسه حتى يصبح من أصل عقيدتنا، من أصل حركة قلوبنا، فهذا ليس قسوة؛ بل هو مصداق حديث الرسول ﷺ : "تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ..." الحديث. أخرجه مسلم.
هذا القلب الذي صار أبيض مثل الصفا قد جاءته التجربة الأولى، والثانية، والثالثة، والرابعة، و هو ينجح، و ينجح، و ينجح إلى أن يثبّته الله عز وجل، وهنا نقول: إن هذا المكان قد اكتوى بمعرفة الله؛ فلم يعد يخاف من هذه الفتنة بالتحديد، ويبقى عليه أن يفعل مثل ذلك في كل نقطة. وهذا مثال يوضح هذا الكيَّ النافع:
خائف من المرض لأنه لم يمرض من قبل، وأنت قد جربت المرض، وتوكلت على الشافي؛ فشفاك؛ فتقول له بناءً على ما مررت به ومارسته: لا تخف، توكل على الله تجده خير وكيل!
أنت الآن قد نجحت بالتوكل في نقطة الشفاء حتى أصبح هذا التوكل من أصل حركة قلبك، أما هو فما زال عليه الجهاد في هذه النقطة. وهكذا قل في كل النقاط، ولكن لا بد أن تعلم أنه لأجل أن يحصل هذا التوكل لا بُد أن يجمع المؤمن بين أمرين مهمين:
1- لا بُد أن يكون الله تعالى "نعم الوكيل" في نفسه، وهذا لا يأتي إلا من معرفة صفاته! 2- ولا بد أن تكون "وكفى بالله وكيلًا" في نفسه أيضًا، بمعنى أن يكون متيقنًا أن غيره لا يفعل شيئًا.
اسأل الله بمنه و كرمه أن يجعلنا من الموحدين المخلصين، المشغولين بذكره عن ذكر كل شيء. وعلينا أن نحذر من أن يكون ذكر المرض والوباء، وذكر عواقبه وآثاره أكثر في قلوبنا وألسنتا من ذكر الله، فو الله هذه هي المصيبة؛ لأن الوباء يأتي ابتلاءً لأجل أن نذكر الله، ونخاف منه، و نعود إليه، و نستغفره؛ فكيف بعد ذلك نذكر الوباء أكثر مما نذكر الله، ونهرب من الوباء أكثر مما نهرب من سخط الله، و نخاف من الوباء أكثر مما نخاف من الله ؟!
صرف الله عنا الوباء، و البلاء، و شفى مرضى المسلمين، و أعاد علينا نعماءه كما كانت و أفضل. اللهم آمين.
0
431

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️