تعريف الحج وحكمه
تعريف الحج
الحج لغة: قصد الشيء المعظم وإتيانه.
وشرعا: قصد البيت الحرام والمشاعر العظام وإتيانها، في وقت مخصوص، على وجه مخصوص، وهوالصفة المعلومة في الشرع من: الإحرام، والتلبية، والوقوف بعرفة، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بالمشاعر ورمي الجمرات وما يتبع ذلك من الأفعال المشروعة فيه، فإن ذلك كله من تمام قصد البيت.
حكم الحج
الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو خاصة هذا الدين الحنيف، وسرالتوحيد. فرضه الله على أهل الإسلام بقوله سبحانه: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين .
فسمى تعالى تاركه كافرا، فدل على كفر من تركه مع الاستطاعة، وحيث دل على كفره فقد دل على آكدية ركنيته. وقد حاءت السنه الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتصريح بأنه أحد أركان الإسلام، ففي الصحيحين عن ابن عمر- رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام .
وفي حديث جبريل في رواية عمر- رضي الله عنه- عند مسلم، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا . وأحاديث كثيرة - في الصحيحين وغيرهما - في هذا المعنى، وبفرضه كمل بناء الدين وتم بناؤه على أركانه الخمسة.
وأجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه، إجماعا ضروريا، وهو من العلم المستفيض الذي توارثته الأمة خلفا عن سلف.
وفي مسند أحمد وغيره بسند حسن عن عياش بن أبي ربيعة مرفوعا : لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة - يعني الكعبة حق تعظيمها، فإذا تركوها وضيعوها هلكوا .
قال بعض أهل العلم: الحج على الأمه فرض كفاية كل عام على من لم يجب عليه عينا. فيجب الحج على كل: مسلم، حر، مكلف، قادر، في عمره مرة واحدة. وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم.
والقدرة : هي استطاعة السبيل التي جعلها الشارع مناط الوجوب. روى الدارقطني بإسناده عن أنس- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: من استطاع إليه سبيلا . قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة . وعن ابن عباس عند ابن ماجة، والدارقطني بنحوه .
وعن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضا للاحتجاج بها، ومنها عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة. قال الترمذي : العمل عليه عند أهل العلم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد سرد الآثار فيه: هذه الأحاديث مسندة من طرق حسان مرسلة وموقوفة تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة.
قلت: المراد بالزاد: ما يحتاج إليه الحاج في سفره إلى الحج ذهابا وإيابا من: مأكول، ومشروب، وكسوة ونحو ذلك، ومؤونة أهله حال غيابه حتى يرجع.
والمراد بالراحلة: المركوب الذي يمتطيه في سفره إلى الحج ورجوعه منه بحسب حاله وزمانه.
وتعتبرالراحلة مع بعد المسافة فقط وهو ما تقصرفيه الصلاة لا فيما دونها. والمعتبر شرعا في الزاد والراحلة في حق كل أحد، ما يليق بحاله عرفا وعادة لاختلاف أحوال الناس.
ويشترط للوجوب سعة الوقت عند بعض أهل العلم، لتعذر الحج مع ضيقه. واعتبر أهل العلم من الاستطاعة أمن الطريق بلا خفارة، فإن احتاج إلى خفارة لم يجب، وهو الذي عليه الجمهور.
قلت: وقد أوضح الله تبارك وتعالى في سياق ذكر فرض الحج على الناس وإيجابه عليهم بشرطه، محاسن البيت وعظم شأنه بما يدعو النفوس الخيرة إلى قصده وحجه، فقال سبحانه: إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا الآية. وفي موضع آخرأخبر سبحانه أنه إنما شرع حج البيت ليشهدوا منافع لهم الآية. وكل ذلك مما يدل على الاعتناء به والتنويه بذكره والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره، ولو لم يكن إلا إضافته إليه سبحانه بقوله: وطهر بيتي للطائفين لكفى بذلك شرفا وفضلا.
فهذه النصوص وأمثالها هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه حبا له وشوقا إلى رؤيته فلا يرجع قاصده منه إلا وتجدد حنينه إليه وجد في طلب السبيل إليه.
أما من كفر بنعمة الله في شرعه وأعرض عنه وجفاه فلا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا: ومن كفر فإن الله غني عن العالمين فله سبحانه الغنى الكامل التام عن كل أحد من خلقه من كل وجه وبكل اعتبار فإنه سبحانه هو الغني الحميد
كيفية حج الرسول صلى الله عليه وسلم
حج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة ، ونحن نسوق لك كيفية حجه صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله .
فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مدى بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله وما عمل من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .
وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته . قال جابر رضي الله عنه : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت . فكان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا ، فرقي عليه حتى رأى البيت ، واستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده .
ثم دعا بين ذلك ؛ قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى ، حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ؛ حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه ، واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا ، بل لأبد أبد .
وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل.. ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : إن أبي أمرني بهذا ، قال : فكان علي يقول بالعراق ، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت ، مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال : صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم . قال : فإن معي الهدي فلا تحل .
قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن ، والذي أتى به صلى الله عليه وسلم مائة ، قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ؛ فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش في الجاهلية - فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس ، أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي
فخطب الناس قال : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا ، دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد ، فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله.. إلى قوله : ولهن عليكم رزقهن ، وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ، إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت . فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس ، اللهم أشهد ، (ثلاث مرات) ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة .
فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلقه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس : السكينة السكينة ، كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حق تصعد ، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، وصلى الفجر حين تبين ثم ركب القصواء ، حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره هلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس .
وأردف الفضل بن عباس ، وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه حتى أتى بطن محسر ، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا.. فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة .
واجبات الحج
الواجبات جمع واجب ، والواجب في فريضة الحج بالذات هو ما لو تركه الحاج لا يبطل حجه ، ولكنه يأثم ، بتركه عمدا ويجب عليه فيه دم .
وواجبات الحج كثيرة ، منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه ، فالمتفق على وجوبه أربعة :
(1)
الإحرام من الميقات لمن كان خارجه ، وهو واجب باتفاق العلماء ، لحديث لا تجاوزوا الميقات إلا بإحرام والمراد هنا الميقات المكاني وقد مر تحديد المواقيت المكانية ، أما الميقات الزماني فهو أشهر الحج وقد سبقت أيضا . فمن عبر الميقات بدون إحرام فإن الواجب عليه ذبح شاة ، وقد كان ابن عباس يرد من جاوز الميقات بدون إحرام حتى يحرم منه .
(2)
رمي الجمار .
(3)
الذبح للمتمتع والقارن ، وسيأتي توضيح لهذين الواجبين .
(4)
البعد عن المحرمات ، وابن حزم يرى أن الوقوع في المعاصي أثناء الحج يبطل الحج وفي ذلك يقول : كل من تعمد معصية أي معصية كانت - وهو ذاكر لحجه مذ يحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة - فقد بطل حجه .
والمختلف في وجوبه وغيره تسعة : (1)
التلبية وقت الإحرام : وهي واجبة عند مالك على المشهور ، وسنة عند الشافعي وأحمد وشرط عند أبي حنيفة ، أما التلبية بعد الإحرام فهي سنة عند الجميع .
(2)
طواف القدوم : وهو واجب عند مالك وسنة عند غيره .
(3)
صلاة الطواف : وهي واجبة عند الأحناف ، وقول لمالك والشافعي ، وسنة عند أحمد والأصح عند الشافعي .
(4)
السعي بين الصفا والمروة : وهو واجب يجبر بدم عند الأحناف ، والصحيح عند أحمد ، وركن عند مالك والشافعي ورواية عن أحمد .
(5)
مد الوقوف بعرفة إلى ما بعد الغروب لمن وقف نهارا ؟ وهو واجب عند الأحناف ومالك وأحمد ، وسنة عند الشافعي وابن حزم ، ومن وقف ليلا فلا شيء عليه .
(6)
الحلق أو التقصير : وهو ركن عند الشافعي ، وواجب عند الثلاثة .
(7)
طواف الوداع : وهو واجب عند الأحناف والشافعي وأحمد ، وسنة عند مالك وفرض عند ابن حزم يجب على من تركه العودة للقيام به ولو كان ولده في أقصى الأرض وكل ذلك سبق ذكره والخلاف فيه .
(9,8)
المبيت بمزدلفة والوقوف بها وهذان لم يسبق الكلام عليهما ، وإليك التفصيل والبيان عنهما وعن رمي الجمار ، والذبح .
المناسك المطلوبة بمزدلفة
التعريف بمزدلفة
المزدلفة عبارة عن واد يمتد من محسر غربا إلى المأزمين شرقا ، طوله نحو أربعة آلاف متر ، وسمي بذلك لأن الناس يأتون إليه في زلف (أي : ساعات) من الليل ، ويقال له : جمع ، لاجتماع الناس به ، والمزدلفة من الحرم ، وفيها يرى على يمين السائر إلى عرفة (المشعر الحرام) على بعد 2548 مترا من أول الوادي من جهة المحسر ، والمشعر الحرام جبل بالمزدلفة ، سمي بذلك لأن العرب في الجاهلية كانت تشعر عنده هداياها (والإشعار هو الضرب بشيء حاد في سنام الجمل حتى يسيل الدم) والمشعر الحرام يسمى أيضا : قزحا ، ويحيط به جداران ، كل منهما ارتفاعه أربعة أمتار وعرضه ثلاثة ، والمسافة بينهما ستون مترا .
وفي نهاية المزدلفة يضيق الوادي إلى خمسين مترا عرضا في مسافة طولها 4372 مترا تنتهي إلى العلمين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة ، وهما بناءان أقل من بناء المشعر الحرام ، والمسافة بينهما مائة متر ، وهذا الوادي يسمى : وادي المأزمين ، والمأزم هو الطريق بين الجبلين ، وفي جنوبهما طريق ضب الذي يستحب سلوكه عند الذهاب إلى عرفة ، ثم يتسع الوادي ويسمى : وادي عرنة ، وبه مسجد نمرة ، ويسمى : جامع إبراهيم ، وهو مسجد كبير طوله تسعون مترا في عرض ثمانين ، محاط بالبواكي ، وفي وسطه مجرى ماء يأتيه الماء من مجرى عين زبيدة ، وفي شماله إلى الشرق بقليل علمان ، وهما عمودان أقيما للدلالة على حد عرفة الغربي ، بينهما وبين العلمين المحددين للحرم من الشرق 1553 مترا .
(هذا) وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ، ومزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر ، لأن عرفة من الحل وبطن عرنة من الحرم فهو غير عرفة ، وأما المزدلفة فهي من الحرم ، وبطن محسر من الحل فهي غير مزدلفة .
حكم المبيت بالمزدلفة
المبيت بالمزدلفة ليلة النحر بعد الإفاضة والنزول من عرفات سنة عند أبي حنيفة ومالك ، وواجب عند أحمد حتى نصف الليل ، وعند الشافعي واجب حتى تمر ساعة بعد نصف الليل... والأوزاعي وجماعة من التابعين وابن حزم يرون أن المبيت بها فرض .
ويسقط وجوب المبيت بالمزدلفة لعذر كضعف أو خوف زحام ، أو مرض أو فوات رفقة لقول عائشة رضي الله عنها : كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن لها ووددت أني كنت استأذنته فأذن لي أخرجه الشيخان وأحمد
وقال ابن عباس : أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان
والمعنى أن ابن عباس رضي الله عنهما كان من الضعفة الذين أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من المزدلفة ليلا إلى منى ، وهذا إذن عام لكل صاحب عذر في الذهاب إلى منى قبل الفجر لرمي جمرة العقبة قبل الزحام ، وهذا متفق عليه .
الوقوف بالمزدلفة
الوقوف بالمزدلفة بعد طلوع فجر يوم النحر وقبل طلوع الشمس واجب عند الأحناف وسنة عند مالك والشافعي وأحمد .
وقد عرفت أن المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر للحديث السابق ، ومن وقف بها محمولا ، أو نائما ، أو مغمى عليه ، أو على غير طهارة ، فإن ذلك يحسب له ، لأن النية والطهارة ليستا شرطا في الوقوف بالمزدلفة ولا في المبيت .
والسنة لمن وقف بالمزدلفة بعد الفجر أن يقف على قزح ، ويكثر من الذكر والدعاء ، وأن ينصرف إلى منى إذا أسفر الصبح وظهر ظهورا واضحا ، وقبل طلوع الشمس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بها ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس مخالفا للمشركين ، لأنهم كانوا لا يفيضون إلى منى إلا بعد طلوع الشمس .
ويسن الاغتسال لهذا الوقوف ، والتعجيل بصلاة الصبح ليدرك الناس الوقوف والدفع قبل طلوع الشمس ، ويسن المشي بسكينة ووقار حتى لا يحصل إيذاء لأحد ، إلا إذا وصل إلى وادي محسر فإنه يسرع إن كان ماشيا ، ولا يوجد من يزاحمه مزاحمة ضارة ، لأن النبي فعل ذلك . وهذا الوادي هو الذي هلك فيه أصحاب الفيل .

koketa @koketa
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

koketa
•
حكم الذبح للقارن والمتمتع
يجب على القارن والمتمتع أن يذبح شاة أو سبع بقرة ، أو سبع ناقة ، والحرم كله مكان للذبح... والسنة أن يكون الذبح يوم النحر . قال تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي
والتمتع في اللغة وفي عرف الصحابة يشمل القران والتمتع اللذين اصطلح عليهما الفقهاء . والهدي اسم لما يذبح من النعم (الإبل والبقر والغنم) على جهة القربة إلى الحرم .
هذا والذبح للمفرد بالحج سنة وليس واجبا كما أنه سنة لمن اعتمر عند بعضهم .
ترتيب أعمال الحج يوم النحر
الأعمال المطلوبة يوم النحر هي : الرمي والذبح لغير المفرد والحلق وطواف الإفاضة ، والسنة أن تؤدى على الترتيب المذكور باتفاق ، والخلاف هو هل هذا الترتيب سنة أم واجب ؟
فالجمهور ومعهم أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وداود الظاهري يرون أن الترتيب سنة فقط وأن الحاج لو قدم أو أخر فيها فلا شيء عليه إلا أن فعله مكروه لمخالفة السنة ولا دم عليه ولا إثم ، سواء فعل ذلك عامدا أو ناسيا ، وسواء أكان عالما بالترتيب أم جاهلا ، وفي رواية لأحمد أنه فرق بين الناسي والجاهل وغيرهما ، فلم ير شيئا إلى الناسي والجاهل ، ورأى أن غيرهما عليه دم .
وقالت الأحناف وابن الماجشون المالكي : إن الترتيب واجب ، وقالت المالكية قريبا من هذا ، والراجح أن الترتيب سنة . وتسرع المرأة إلى الطواف إن خافت الحيض ، ولها أن تستعمل دواء لتأخير الحيض حتى تطوف . وقد استدل الأولون بما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل في حجة الوداع فقال : يا رسول الله ، حلقت قبل أن أذبح ، فأومأ بيده وقال : لا حرج . وقال رجل : يا رسول الله : ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده وقال : لا حرج . فما سئل يومئذ عن شيء من التقديم والتأخير إلا أومأ بيده وقال : لا حرج أخرجه السبعة إلا الترمذي وهذا لفظ أحمد ، وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر أيضا .
واستدل أبو حنيفة ومالك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث رتبها حسبما ذكر ، ولكن يقال لهم : نعم فعله سنة وترك الترتيب جائز بقرينة قوله وإجابته السائلين .
كما استدلوا بقول ابن عباس من قدم شيئا من حجه أو أخره فليهرق دما أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة بسند صحيح ، ولكن قول الصحابي ليس حجة مع وجود نص يخالفه ، أو هو مؤول ، أو مطلق مقيد بما ذكر .
قال ابن رشد : وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى في حجته الجمرة يوم النحر ، ثم نحر بدنة ، ثم حلق رأسه ، ثم طاف بالبيت طواف الإفاضة ، وأجمع العلماء على أن هذا سنة الحج ، واختلفوا فيمن قدم من هذه ما أخره النبي صلى الله عليه وسلم أو بالعكس . فقال مالك : من حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة فعليه الفدية ، وقال الشافعي وأحمد وداود وأبو ثور : لا شيء عليه ، وعمدتهم... وساق مثل الحديث السابق.، ثم قال : وقال أبو حنيفة : إن حلق قبل أن ينحر أو يرمي فعليه دم ، وإن كان قارنا فعليه دمان.. هـ .
التحلل من الإحرام بالحج
عرفنا أن السنة يوم النحر هي أن يرمي الحاج جمرة العقبة ، ثم يذبح الهدي الواجب إن كان قارنا أو متمتعا ، ثم يحلق أو يقصر ثم يطوف بالبيت طواف الزيارة ، وهو طواف الركن .
وعرفنا أنه إذا حلق أو قصر فقد حل له كل شيء إلا النساء ، والسؤال الآن هو : هل الحلق الذي يحصل به التحلل الأصغر يشترط أن يكون بعد اثنين وهما جمرة العقبة والذبح أم يجوز أن يكون بعد واحد فقط وهو رمي جمرة العقبة ؟ والجواب أنه يجوز أن يحلق أو يقصر بعد الرمي ، ثم يتحلل التحلل الأصغر وبعضهم أجاز التحلل الأصغر بعد رمي جمرة العقبة بدون حلق أو تقصير بناء على أن الحلق إباحة كلبس ملابس الحل وليس نسكا .
والقول الأول للشافعي والأحناف ورواية عن أحمد ، والقول الثاني رواية ثانية لأحمد وهو قول مالك وأبي ثور وعطاء ، وقد رجحه ابن قدامة في المغني مستدلا بحديث أم سلمة إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء وكذلك قال ابن عباس .
خاتمة أعمال الحج طواف الزيارة
هذا الطواف هو طواف الركن ، ويسمى : طواف الزيارة وطواف الإفاضة ، وسبق الكلام عنه في أنواع الطواف .
ولهذا الطواف وقتان : وقت فضيلة ووقت إجزاء بمعنى أنه يجوز إيقاعه فيه ، وإن كان مخالفا للسنة ،
أما وقت الفضيلة فهو يوم النحر بعد الرمي والذبح والحلق ، وإن أخره إلى الليل فلا بأس بالتأخير .
وأما وقت الجواز فأوله من نصف الليل من ليلة النحر عند الشافعي ، ومن فجر يوم النحر عند أبي حنيفة . وهو مبني على أول وقت الرمي والخلاف فيه وقد سبق وأما آخره فالصحيح أنه غير محدود فإنه في أي وقت من الأوقات أتى به فهو صحيح ، وإنما الخلاف هو هل يجب دم بالتأخير عن أيام النحر أو عن ذي الحجة أم لا يجب ؟ غير أنه ما لم يطف طواف الركن فهو ممنوع من النساء حتى يطوفه ، وإن وطئ لم يفسد حجه ، وعليه دم ، ويجدد إحرامه .
وصفة هذا الطواف كصفة طواف القدوم سوى أنه ينوي به طواف الركن ، ويعينه بالنية ، ولا رمل فيه ولا اضطباع ، ثم إن كان سعى بعد طواف القدوم فلا سعي عليه عند طواف الزيارة ، وإلا فعليه السعي . وكذلك عليه السعي مرة أخرى إن كان متمتعا ، لأن سعيه الأول كان للعمرة ، وهذا للحج .
ويلاحظ الطائف بالبيت سنن الطواف والسنن المطلوبة بعده من الصلاة خلف المقام والشرب من ماء زمزم وغيرهما مما سبق في ذكر كيفية الطواف وسننه .
يجب على القارن والمتمتع أن يذبح شاة أو سبع بقرة ، أو سبع ناقة ، والحرم كله مكان للذبح... والسنة أن يكون الذبح يوم النحر . قال تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي
والتمتع في اللغة وفي عرف الصحابة يشمل القران والتمتع اللذين اصطلح عليهما الفقهاء . والهدي اسم لما يذبح من النعم (الإبل والبقر والغنم) على جهة القربة إلى الحرم .
هذا والذبح للمفرد بالحج سنة وليس واجبا كما أنه سنة لمن اعتمر عند بعضهم .
ترتيب أعمال الحج يوم النحر
الأعمال المطلوبة يوم النحر هي : الرمي والذبح لغير المفرد والحلق وطواف الإفاضة ، والسنة أن تؤدى على الترتيب المذكور باتفاق ، والخلاف هو هل هذا الترتيب سنة أم واجب ؟
فالجمهور ومعهم أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وداود الظاهري يرون أن الترتيب سنة فقط وأن الحاج لو قدم أو أخر فيها فلا شيء عليه إلا أن فعله مكروه لمخالفة السنة ولا دم عليه ولا إثم ، سواء فعل ذلك عامدا أو ناسيا ، وسواء أكان عالما بالترتيب أم جاهلا ، وفي رواية لأحمد أنه فرق بين الناسي والجاهل وغيرهما ، فلم ير شيئا إلى الناسي والجاهل ، ورأى أن غيرهما عليه دم .
وقالت الأحناف وابن الماجشون المالكي : إن الترتيب واجب ، وقالت المالكية قريبا من هذا ، والراجح أن الترتيب سنة . وتسرع المرأة إلى الطواف إن خافت الحيض ، ولها أن تستعمل دواء لتأخير الحيض حتى تطوف . وقد استدل الأولون بما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل في حجة الوداع فقال : يا رسول الله ، حلقت قبل أن أذبح ، فأومأ بيده وقال : لا حرج . وقال رجل : يا رسول الله : ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده وقال : لا حرج . فما سئل يومئذ عن شيء من التقديم والتأخير إلا أومأ بيده وقال : لا حرج أخرجه السبعة إلا الترمذي وهذا لفظ أحمد ، وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر أيضا .
واستدل أبو حنيفة ومالك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث رتبها حسبما ذكر ، ولكن يقال لهم : نعم فعله سنة وترك الترتيب جائز بقرينة قوله وإجابته السائلين .
كما استدلوا بقول ابن عباس من قدم شيئا من حجه أو أخره فليهرق دما أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة بسند صحيح ، ولكن قول الصحابي ليس حجة مع وجود نص يخالفه ، أو هو مؤول ، أو مطلق مقيد بما ذكر .
قال ابن رشد : وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى في حجته الجمرة يوم النحر ، ثم نحر بدنة ، ثم حلق رأسه ، ثم طاف بالبيت طواف الإفاضة ، وأجمع العلماء على أن هذا سنة الحج ، واختلفوا فيمن قدم من هذه ما أخره النبي صلى الله عليه وسلم أو بالعكس . فقال مالك : من حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة فعليه الفدية ، وقال الشافعي وأحمد وداود وأبو ثور : لا شيء عليه ، وعمدتهم... وساق مثل الحديث السابق.، ثم قال : وقال أبو حنيفة : إن حلق قبل أن ينحر أو يرمي فعليه دم ، وإن كان قارنا فعليه دمان.. هـ .
التحلل من الإحرام بالحج
عرفنا أن السنة يوم النحر هي أن يرمي الحاج جمرة العقبة ، ثم يذبح الهدي الواجب إن كان قارنا أو متمتعا ، ثم يحلق أو يقصر ثم يطوف بالبيت طواف الزيارة ، وهو طواف الركن .
وعرفنا أنه إذا حلق أو قصر فقد حل له كل شيء إلا النساء ، والسؤال الآن هو : هل الحلق الذي يحصل به التحلل الأصغر يشترط أن يكون بعد اثنين وهما جمرة العقبة والذبح أم يجوز أن يكون بعد واحد فقط وهو رمي جمرة العقبة ؟ والجواب أنه يجوز أن يحلق أو يقصر بعد الرمي ، ثم يتحلل التحلل الأصغر وبعضهم أجاز التحلل الأصغر بعد رمي جمرة العقبة بدون حلق أو تقصير بناء على أن الحلق إباحة كلبس ملابس الحل وليس نسكا .
والقول الأول للشافعي والأحناف ورواية عن أحمد ، والقول الثاني رواية ثانية لأحمد وهو قول مالك وأبي ثور وعطاء ، وقد رجحه ابن قدامة في المغني مستدلا بحديث أم سلمة إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء وكذلك قال ابن عباس .
خاتمة أعمال الحج طواف الزيارة
هذا الطواف هو طواف الركن ، ويسمى : طواف الزيارة وطواف الإفاضة ، وسبق الكلام عنه في أنواع الطواف .
ولهذا الطواف وقتان : وقت فضيلة ووقت إجزاء بمعنى أنه يجوز إيقاعه فيه ، وإن كان مخالفا للسنة ،
أما وقت الفضيلة فهو يوم النحر بعد الرمي والذبح والحلق ، وإن أخره إلى الليل فلا بأس بالتأخير .
وأما وقت الجواز فأوله من نصف الليل من ليلة النحر عند الشافعي ، ومن فجر يوم النحر عند أبي حنيفة . وهو مبني على أول وقت الرمي والخلاف فيه وقد سبق وأما آخره فالصحيح أنه غير محدود فإنه في أي وقت من الأوقات أتى به فهو صحيح ، وإنما الخلاف هو هل يجب دم بالتأخير عن أيام النحر أو عن ذي الحجة أم لا يجب ؟ غير أنه ما لم يطف طواف الركن فهو ممنوع من النساء حتى يطوفه ، وإن وطئ لم يفسد حجه ، وعليه دم ، ويجدد إحرامه .
وصفة هذا الطواف كصفة طواف القدوم سوى أنه ينوي به طواف الركن ، ويعينه بالنية ، ولا رمل فيه ولا اضطباع ، ثم إن كان سعى بعد طواف القدوم فلا سعي عليه عند طواف الزيارة ، وإلا فعليه السعي . وكذلك عليه السعي مرة أخرى إن كان متمتعا ، لأن سعيه الأول كان للعمرة ، وهذا للحج .
ويلاحظ الطائف بالبيت سنن الطواف والسنن المطلوبة بعده من الصلاة خلف المقام والشرب من ماء زمزم وغيرهما مما سبق في ذكر كيفية الطواف وسننه .

koketa
•
طواف الوداع
كل من أتى مكة إما أن يريد الخروج منها وإما أن يريد الإقامة فيها ، فإن أقام بها فليس عليه طواف وداع ، لأن الوداع من المفارق لا من الملازم ، سواء نوى الإقامة قبل ترك منى أم بعد ذلك ، وبهذا قال الشافعي وأحمد..
وقال أبو حنيفة : إن نوى الإقامة بعد أن حل له النفر (ترك منى والشفر) ثم يسقط عنه الطواف ، والصحيح الأول .
ومن عليه طواف الوداع ولم يطف فعليه دم ؛ لأنه واجب عند الأكثر ، وليس على الحائض والنفساء طواف وداع ، وإن طهرت قبل مفارقة بنيان مكة رجعت وطافت .
والمكي ليس عليه طواف وداع ؛ لأنه مقيم ، ومثله من كان منزله بالحرم ، وفيمن كان منزله قريبا من الحرم قولان : قول بوجوب الطواف وقول بعدم وجوبه لأن القريب من الشيء يأخذ حكمه .
فإن أخر الحاج طواف الزيارة حتى جاء وقت خروجه من مكة فقيل : يكفي طواف الزيارة عن طواف الوداع ، وقيل : لا يكفي لأن طواف الوداع عبادة مستقلة .
فإن طاف للوداع ثم اشتغل بالتجارة أو بأي شيء عطله عن الخروج والسفر فإن عليه إعادة طواف الوداع عند إرادته الخروج والسفر ، وذلك عند عطاء ومالك والثوري والشافعي وأحمد وأبي ثور . وقال الأحناف : إذا طاف للوداع ، أو تطوعا بعد ما حل له النفر أجزأه عن طواف الوداع ، وإن أقام شهرا أو أكثر ، لأنه طاف بعدما حل له النفر فلم يلزمه طواف بعد ذلك .
والسنة بعد طواف الوداع أن يشرب من ماء زمزم ، ثم يأتي الملتزم فيلزمه ، ويلصق به صدره ووجهه ويدعو الله عز وجل
كل من أتى مكة إما أن يريد الخروج منها وإما أن يريد الإقامة فيها ، فإن أقام بها فليس عليه طواف وداع ، لأن الوداع من المفارق لا من الملازم ، سواء نوى الإقامة قبل ترك منى أم بعد ذلك ، وبهذا قال الشافعي وأحمد..
وقال أبو حنيفة : إن نوى الإقامة بعد أن حل له النفر (ترك منى والشفر) ثم يسقط عنه الطواف ، والصحيح الأول .
ومن عليه طواف الوداع ولم يطف فعليه دم ؛ لأنه واجب عند الأكثر ، وليس على الحائض والنفساء طواف وداع ، وإن طهرت قبل مفارقة بنيان مكة رجعت وطافت .
والمكي ليس عليه طواف وداع ؛ لأنه مقيم ، ومثله من كان منزله بالحرم ، وفيمن كان منزله قريبا من الحرم قولان : قول بوجوب الطواف وقول بعدم وجوبه لأن القريب من الشيء يأخذ حكمه .
فإن أخر الحاج طواف الزيارة حتى جاء وقت خروجه من مكة فقيل : يكفي طواف الزيارة عن طواف الوداع ، وقيل : لا يكفي لأن طواف الوداع عبادة مستقلة .
فإن طاف للوداع ثم اشتغل بالتجارة أو بأي شيء عطله عن الخروج والسفر فإن عليه إعادة طواف الوداع عند إرادته الخروج والسفر ، وذلك عند عطاء ومالك والثوري والشافعي وأحمد وأبي ثور . وقال الأحناف : إذا طاف للوداع ، أو تطوعا بعد ما حل له النفر أجزأه عن طواف الوداع ، وإن أقام شهرا أو أكثر ، لأنه طاف بعدما حل له النفر فلم يلزمه طواف بعد ذلك .
والسنة بعد طواف الوداع أن يشرب من ماء زمزم ، ثم يأتي الملتزم فيلزمه ، ويلصق به صدره ووجهه ويدعو الله عز وجل

الصفحة الأخيرة
الجمار جمع جمرة وهي : الحجر الصغير ، ورميها قذفها وهذا في اللغة ، وأما في الشرع فالمراد برمي الجمار هو : القذف بحصى معين في زمان معين ومكان معين .
والجمار التي ترمى ثلاث بمنى ؛ الصغرى التي تلي مسجد الخيف ، والوسطى والكبرى وهي جمرة العقبة ، وإليك البيان في مباحث الرمي بالجمار .
حكم رمي الجمار
رمي جمرة العقبة يوم النحر ، ورمي الجمار الثلاث يومين بعد يوم النحر واجب عند الأئمة الأربعة والجمهور : لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى ورمي في سائر أيام التشريق بعدما زالت الشمس أخرجه السبعة والبيهقي وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . وقال عبد الرحمن بن عثمان التيمي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الخذف في حجة الوداع أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح .
أوقات الرمي
أيام الرمي أربعة : يوم النحر ، وأيام التشريق الثلاثة ، أما يوم النحر فترمى فيه جمرة العقبة فقط .
وقد أجمع المسلمون على أن من رمى جمرة العقبة يوم النحر من طلوع الشمس إلى زوالها فقد أصاب السنة ، ورمى في الوقت الذي يستحب فيه الرمي .
ويجوز أنه يرميها ابتداء من نصف ليلة النحر عند عطاء وطاوس والشعبي وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد والشافعي وأحمد ، وعن أحمد أيضا أنه يجزئ بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي (الأحناف) وإسحاق وابن المنذر.. وقال مجاهد والثوري والنخعي لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس .
وكذلك يجوز تأخير الرمي بعد الزوال إلى غروب الشمس . قال ابن عبد البر : أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها ، وإن لم يكن ذلك مستحبا لها (إلا أن يكون التأخير لعذر مثل الزحام وغيره) .
فإن أخرها عن الغروب لغير عذر ، فهو مكروه ، ولا شيء عليه عند أبي حنيفة والشافعي ومحمد بن المنذر ويعقوب ، ومعهم مالك ، غير أنه مرة يقول : وعليه دم ، ومرة لا يقول بذلك .
ويرى أبو حنيفة وأحمد وإسحاق : تأجيل الرمي إلى الغد (ثاني أيام العيد) بعد الزوال.. ويكره الرمي قبل طلوع الشمس لغير عذر أيضا ، لأنه خلاف السنة كما علمت ، أما أصحاب الأعذار فلا شيء عليهم في تقديم ولا تأخير حسبما تقدم .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل أن يرموا بالليل أخرجه البزار ولهذا يجوز التأخير لأصحاب الأعذار ولو إلى آخر أيام التشريق .
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم : أمر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت رواه أبو داود والحاكم والبيهقي ، ورجاله رجال الصحيح .
وجاء في حديث أسماء أنها رمت ثم رجعت فصلت الصبح وذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن (النساء) متفق عليه أي : أذن لهن في الرمي ليلا . والخلاصة أن رمي جمرة العقبة يجوز ابتداء من نصف ليلة النحر إلى فجر الثاني من أيام النحر عند بعضهم وبعضهم لا يجيز الرمي بالليل وإنما من جاءه الليل ولم يرم فليؤجل الرمي إلى ما بعد الزوال في ثاني يوم النحر . والسنة كون الرمي بعد طلوع شمس يوم النحر إلى زوالها لمن لا عذر له ، فإن كان له عذر فالسنة في حقه وقت إمكانه ما دام ذلك في وقت الجواز ووقت الجواز إلى آخر أيام التشريق .
وأما وقت الرمي بعد يوم النحر وفي أيام التشريق الثلاثة ، فالمستحب أن يكون الرمي كل يوم بعد زوال الشمس حتى غروبها من اليوم نفسه .
ويجوز التأخير إلى طلوع شمس اليوم التالي بغير كراهة إن كان عذر ، وبغير عذر مكروه ، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرمي هذه الجمار بعد زوال الشمس وبهذا قال الأئمة الأربعة غير أن أبا حنيفة أجاز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال ومعه في رأيه إسحاق ، ولكن لا ينفر من رمي إلا بعد الزوال ، وأجاز عطاء وطاوس الرمي قبل الزوال في جميع أيام الرمي ومعهم أبو جعفر محمد بن علي .
مكان الرمي
المطلوب أول يوم - وهو يوم النحر - أن يرمي جمرة العقبة وحدها بسبع حصيات ، وفي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وهي أيام التشريق ، عليه أن يرمي كل يوم الجمار الثلاثة : الصغرى ، والوسطى ، والكبرى (وهي جمرة العقبة) ويبدأ بالصغرى ، ثم الوسطى ، ثم الكبرى التي هي جهة مكة وأقرب الجمرات إليها .
من أين يؤخذ الحصى
يستحب أخذ حصى الرمي لجمرة العقبة من المزدلفة ، وهي سبع حصيات ترمي بها جمرة العقبة وحدها يوم النحر ، وأما جمار أيام التشريق فالأولى أخذها من غير المزدلفة عند الجمهور، ومن أي موضع أخذت جاز . ويكره أخذ الحصى من المسجد ومن المواضع النجسة ، ومن الجمرات التي رماها هو أو غيره .
عدد الحصى وقدر كل حصاة
المطلوب لرمي كل جمرة هو سبع حصيات ، والجمار التي ترمى كل يوم من أيام التشريق ثلاث في كل يوم من الأيام الثلاثة لمن تأخر ، ويومان لمن تعجل ، وترمى جمرة العقبة وحدها يوم النحر ، فيكون جميع الحصى الذي يرمى به بالنسبة لمن تأخر سبعون حصاة ، وبالنسبة لمن تعجل تسع وأربعون .
والقائلون بأن كل جمرة ترمى بسبع حصيات هم جمهور الفقهاء ، ومنهم الأئمة الأربعة والظاهرية ، وهناك قول للإمام أحمد : بأن خمس حصيات تكفي لكل جمرة ، والسبع أكمل ولا يجوز النقص عن خمس عنده ، واستدل على ذلك بقول ابن عباس في رمي الجمار ما أدري رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو سبع أخرجه أبو داود والنسائي ، وأدلة الجمهور أقوى وأكثر .
ويستحب عند الجميع أن تكون كل حصاة في مقدار حبة الفول ، وهي قدر الأنملة فإن زادت أو قلت الحصاة عن ذلك كان الرمي بها جائزا مع الكراهة عند جمهور الفقهاء ، وفي رواية عن الإمام أحمد أن الرمي بحجر كبير لا يجوز .
جنس الحصى :
لا يجوز الرمي عند مالك والشافعي وأحمد إلا بالحجر ، فلا يجوز الرمي بالرصاص والحديد والذهب والفضة والزرنيخ والكحل ونحوها .
وقال الأحناف : يجوز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض سواء أكان حجرا ، أو طينا ، أو آجرا (الطوب المحروق) أو غيرها للأحاديث المطلقة في الرمي .
واستدل الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكون الرمي بالحصى ، ولا يكون الحصى إلا من الحجر وأما الرمي بشيء ليس من جنس الأرض فإنه لا يجوز بالإجماع .
كيفية الرمي
عرفنا أن الرمي نوعان : نوع يوم النحر ونوع في أيام التشريق . فالمطلوب يوم النحر رمي جمرة العقبة بسبع حصيات ، فإذا رماها بأية كيفية جاز ما دام قصد الرمي في المرمى قد وجد ، وما دام الحصى قد أصاب المرمى . ولكن يستحب أن يرمي على الوجه الأكمل الموافق للسنة ، وذلك بأن يقف الرامي في بطن الوادي (وهو شارع واسع الآن) قريبا من المرمى بحيث يراه ، جاعلا الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ، ويمسك الحصاة بطرفي إبهامه وسبابته ، ثم يرميها حصاة حصاة ، كل حصاة في رمية مستقلة ، فلو رمى جميع الحصى في مرة حسب حصاة واحدة ، ولو رماه على مرتين حسب حصاتين فقط وهكذا .
ويكبر مع كل حصاة قائلا : باسم الله والله أكبر ترغيما للشيطان وحزبه ، اللهم اجعل حجي مبرورا ، وذنبي مغفورا وسعي مشكورا .
ويقطع التلبية مع أول حصاة ، ولا يقف عند جمرة العقبة بعد الرمي ، لأن ذلك لم يرد.. وفي اليوم الأول من أيام التشريق وهو الحادي عشر من ذي الحجة يبدأ برمي الجمرة الصغرى ، وهي التي في الشمال الغربي من مسجد الخيف ، فيرميها بعد الزوال بسبع حصيات متفرقات ، يكبر مع كل حصاة كما في رمي يوم النحر ، ثم يقف بعد تمام الرمي مستقبلا القبلة حامدا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو طويلا رافعا يديه حذو منكبيه مستغفرا لنفسه وأبويه والمؤمنين .
ثم يتوجه إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبلا القبلة رافعا يديه يدعو طويلا ، ثم يأتي جمرة العقبة ويرميها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ولا يقف عندها للذكر والدعاء لعدم وروده ، ولضيق المكان ولفراغه من رمي اليوم ، وما ذكر هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عند رمي الجمار .
وفي ثاني أيام التشريق يرمي الجمرات الثلاث بنفس الطريقة التي رمى بها في اليوم الأول من أيام التشريق ويستحب التوجه إلى الكعبة عند رمي الصغرى والوسطى ، ويجعل الصغرى عن يساره والوسطى عن يمينه .
فإن أراد أن يتعجل فعليه أن يفارق منى قبل غروب الشمس من ثاني أيام التشريق فإن بقي حتى غربت وجب عليه أن يرمي الجمار الثلاثة ثالث أيام التشريق ، وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه ذلك إلا إذا بقى بمنى حتى طلع فجر اليوم الثالث منها ، فإن طلع عليه فجر اليوم الثالث وهو بمنى فإن عليه رمي الجمرات في ذلك اليوم ، لكن يجوز أن يرميها بعد الفجر من ثالث أيام التشريق ، وقال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد : لا يرمي في اليوم الثالث إلا بعد الزوال كاليومين قبله ، لأن الأحاديث جاءت بذلك .
ويشترط الترتيب بين الجمرات على الوجه السابق عند جمهور الفقهاء غير الحسن وعطاء وأبي حنيفة فإن الختار عنده أن الترتيب بين الجمرات سنة ، وقيل : واجب ، والترتيب أن يبدأ بالصغرى ثم الوسطى ، ثم الكبرى .
النيابة في رمي الجمار
من كان مريضا لا يستطيع الرمي بنفسه ، أو ضعيفا والزحام شديد لا يستطيع أن يشقه ويرمي ، أو كان محبوسا لا يستطيع الرمي بنفسه ، أو ذا عذر يمنعه من مباشرة الرمي ، فإن له أن ينيب من يرمي عنه الجمرات ، وينبغي أن يكون النائب قد رمى عن نفسه قبل أن يرمي عن غيره فإن كان لم يرم عن نفسه ورمى مرة واحدة وقع الرمي عن نفسه ، ولو أناب إنسان غيره ليرمي عنه بسبب عذر ثم زال ذلك العذر بعد رمي النائب عنه ، ولا يزال الوقت باقيا فليس عليه إعادة الرمي ، وقال بعضهم : تسن الإعادة . هذا إذا رمى النائب قبل زوال العذر ، أما إن رمى في وقت كان عذر من أنابه قد زال فإن الرمي واجب على من زال عذره باتفاق العلماء .
ترك الرمي وتأخيره
من ترك الرمي كله حتى انتهت أيام التشريق فعليه ذبح شاة فدية . ومن ترك رمي يوم واحد أو ترك رمي أكثر الحصى فيه وجب عليه دم أيضا ، كأن ترك أربع حصيات يوم النحر أو ترك إحدى عشرة حصاة في يوم من أيام التشريق ، وهذا قول الأحناف وعطاء بن أبي رباح... وإن ترك الأقل في يوم من أيام الرمي فإن عليه بكل حصاة صدقة كصدقة الفطر ، صاعا أو نصفه ، إذا لم يبادر فيرمي ما فاته وقالت المالكية : إن ترك حصاة أو حصاتين فعليه دم .
وقالت الشافعية : من ترك حصاة من السبع حتى مضت أيام التشريق لزمه مد من طعام ، ومن ترك اثنتين فعليه مدان ، ومن ترك ثلاثة فأكثر فعليه دم .
وإن ترك شيئا من الرمي أول أيام التشريق عمدا أو سهوا فإنه يستطيع أن يتداركه في اليوم الثاني أو الثالث ، وإن ترك رمي اليوم الثاني تداركه في اليوم الثالث على الصحيح ، وإذا تدارك الرمي فلا دم عليه ، وقد عرفت من قبل أنه يجوز رمي الأيام الثلاثة في اليوم الثالث ، وأن الرمي جائز في كل أيامه ولو جمع كل الرمي في يوم واحد عند الشافعي وأحمد .
وحكمة الرمي الانقياد لأمر الله عز وجل ، والتعبد بالسمع والطاعة له تعالى ، والاقتداء بالخليل إبراهيم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وترغيم الشيطان والنفور منه ، وإشعار النفس برجمه وطرده من حياتها ومن الخضوع له ، والله أعلم .
النفر بعد الرمي
النفر هو النزول من منى إلى مكة بعد الرمي :
والنفر نوعان كما سبق : نوع يكون بعد رمي الجمار يوم الثاني عشر من ذي الحجة ، ويسمى : النفر الأصغر ، ويجب أن يكون قبل غروب شمس ذلك اليوم عند الجمهور . وقال أبو حنيفة : يجوز له البقاء إلى ما قبل فجر اليوم الثالث عشر كما سبق لأنه لا يبدأ هذا اليوم إلا بطلوع فجره ، فإن نفر قبل الفجر فلا شيء عليه إلا الكراهة لأنه تأخر عن الغروب .
والنفر الثاني هو الذي يحدث يوم الثالث عشر من ذي الحجة وهو أفضل من الأول ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفر في اليوم الثالث من أيام التشريق ، قال تعالى : فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخرفلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله الذي إليه تحشرون
حكم المبيت بمنى ليالي الرمي
اختلف الفقهاء في حكم المبيت بمنى ليلتي التشريق لمن تعجل والليالي الثلاثة لمن تأخر . فقال الأحناف : إن المبيت بمنى ليالي التشريق سنة ، ولا شيء على من تركه ، ولكنه أساء لمخالفته السنة .
وقال الشافعية والحنابلة في المشهور عنهم : إن المبيت بها واجب ، فإن تركه ليلة لزمه التصدق بمد (قدر حفنة بالكفين المتوسطين) وإن تركه ليلتين لزمه مدان ، وإن تركه ثلاث ليال لزمه دم .
وأما المالكية فيوجبونه ويتشددون فيقولون : عليه لكل ليلة دم .
مع العلم بأن معظم الليل كالليل كله عند الجميع . وسواء أكان المبيت سنة أم واجبا فإنه يسقط عند الجميع عن أصحاب الأعذار مثل سقاة الماء ، ورعاة الإبل ، ورجال الأمن ، والقائمين على المرافق الهامة البعيدة عن منى ، ولا يستطيعون تركها ، والقائمين برعاية الأموال والماشية كالإبل والغنم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية كما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ، وإذا غربت الشمس والرعاة بمنى فعليهم المبيت بها ؛ لأن عملهم يكون نهارا لا ليلا ، ولو غربت على السقاة وأمثالهم فليس عليهم المبيت لأن عملهم متواصل ليلا ونهارا .
ولا يرخص لأحد في ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر ولا في ترك طواف الإفاضة يومه ، لأن ذلك مكروه .
ومن أخر الرمي يوما أو يومين فإن عليه أن ينوي الترتيب عند الرمي ، فينوي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث . ويجوز عند البعض من العلماء تقديم يوم مع يوم ويرميهما في وقت واحد كأن يرمي ، عن اليوم الثاني من التشريق مع اليوم الأول منه ، وفي ذلك فسحة ورحمة ، ومن لم يبت بمنى ليلتي اليومين الأولين من أيام التشريق فإنه ليس له النفر الأصغر ، إنما النفر الأصغر لمن بات ، ومن لم يبت ينتظر إلى النفر الأكبر .