كمال أسماء الله وصفاته" الشيخ سعيد شعلان

ملتقى الإيمان

"كمال أسماء الله وصفاته"

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:--

أيها المستقبلون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:--
أما بعد:--

فكم أتمنى والله الذي لا إله غيره أن يُوْلِيَ المستقبلون الكرام هذه الرسالة عنايتهم ويعيدوا قراءتها المَّرَةَ بعد المَّرَة، ويجعلوا معانيها نُصْبَ أعينهم.
وقد روى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمِنُ أَحَدُكُم حتى يُحِبَ لأخيه ما يُحِبُ لنفسه" البخاري "13" ومسلم "45".

وهذه الرسالة تشتمل على كلام لابن القيم -رحمه الله- في كتابه "طريق الهجرتين"، يحدثنا من خلاله عن كمال أسماء الله وصفاته، وعما يجب على العباد أن يراعوه في معاملتهم لربهم ولخَلْقِهِ على ضوء ما دَّلَت عليه أسماؤه وصفاته سبحانه
وتعالى.

ولن يكون تدخلي بعد إعداد الكلمة وتصحيح الأخطاء المطبعية وترتيبها: إلا في أَضْيَقِ الحدود، وذلك لتوضيح ما قد يحتاج إلى توضيح، بالإضافة إلى تخريج الأحاديث وبيان حالها.
إليكم هذه الكلمة النافعة:--


"فلله العظيم أعظم حمد وأتمه وأكمله على ما من به من معرفته وتوحيده والإقرار بصفاته العليا وأسمائه الحسنى وإقرار قلوبنا بأنه الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة رب العالمين قيوم السموات والأرضين إله الأولين والآخرينَ.
ولا يزال موصوفا بصفات الجلال منعوتا بنعوت الكمال منزها عن أضدادها من النقائص والتشبيه والمثال.
1- فهو الحي القيوم الذي لكمال حياته وقيوميته لا تأخذه سنة ولا نوم.
2- مالك السموات والأرض الذي لكمال ملكه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه.
3- العالم بكل شيء الذي لكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلائق وما خلفهم، فلا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، يعلم دبيب الخواطر في القلوب حيث لا يطلع عليها المَلَكُ، ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلع عليه القلب البصير.
4- الذي لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة وأعضائها ولحمها ودمها ومخها وعروقها، ويرى دبيبها على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويرى ما تحت الأرضين السبع كما يرى ما فوق السموات السبع.
5- السميع الذي قد استوى في سمعه سر القول وجهره، وسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه أصوات الخلق ولا تشتبه عليه، ولا يشغله منها سمع عن سمع ولا تُغَّلِطُهُ المسائل، ولا يُبَّرِمُهُ كثرة السائلين.
قالت عائشة "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله وإني ليخفى علي بعض كلامها فأنزل الله عز وجل "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير".
هذه هي الآية الأولى من سورة المجادلة، وأما حديث عائشة في قصة نزول الآية فقد رواه أحمد بتحقيق الأرنؤوط "24241" وقال الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وأخرجه النسائي "3460"، وابن ماجة "188"، وصححه الألباني.
وفي رواية لابن أبي حاتم عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة أنها قالت: "تبارك الذي أوعى سَمْعُهُ كلَ شيءٍ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله، أكل مالي وأفنى شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك، قالت فما بَرِحَتْ حتى نزل جبريل بهذه الاية "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها".
قالت: وزوجها أوس بن الصامت".
6- القدير الذي لكمال قدرته يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويجعل المؤمن مؤمنا والكافر كافرا والبر برا والفاجر فاجرا.
وهو الذي جعل إبراهيم وآله أئمة يدعون إليه ويهدون بأمره، وجعل فرعون وقومه أئمة يدعون إلى النار.
ولكمال قدرته لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء أن يعلمه إياه. ولكمال قدرته خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسه من لغوب.
ولا يعجزه أحد من خلقه ولا يفوته، بل هو في قبضته أين كان، فإن فر منه فإنما يطوي المراحل في يديه كما قيل:--
وكيف يفر المرء عنك بذنبه، إذا كان يطوي في يديك المراحلا.
7- ولكمال غناه استحال إضافة الولد والصاحبة والشريك والشفيع بدون إذنه إليه.

كلمة "بدون إذنه" ليست عائدةً على كل ما قبلها، لا، بل على الشفيع فقط، فإنه لا يمكن أن يشفع أحد عنده إلا بإذنه، وأما إضافة الولد والصاحبة والشريك إليه: فإن ذلك لا يمكن أن يأذن الله به، وذلك لكمال غناه كما قال ابن القيم آنفاً، "قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد" سورة الإخلاص.

8- ولكمال عظمته وعلوه وسع كرسيه السموات والأرض ولم تسعه أرضه ولا سماواته ولم تحط به مخلوقاته، بل هو العالي على كل شيء وهو بكل شيء محيط، ولا تنفد كلماته ولا تبدل: ولو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مدادا، وأشجار الأرض أقلاما فكُتِبَ بذلك المداد وبتلك الأقلام: لنَفِدَ المدادُ وفَنِيَتْ الأقلام ولم تنفد كلماته، إذ هي غير مخلوقة، ويستحيل أن يفنى غير مخلوق بالمخلوق، ولو كان كلامه مخلوقا كما قاله من لم يقدره حق قدره ولا أثنى عليه بما هو أهله: لكان أحق بالفناء من هذا المداد وهذه الأقلام، لأنه إذا كان مخلوقا فهو نوع من أنواع مخلوقاته، ولا يحتمل المخلوق إفناء هذا المداد وهذه الأقلام وهو باق غير فان.
9- وهو سبحانه يحب رسله وعباده المؤمنين ويحبونه، بل لا شيء أحب إليهم منه، ولا أشوق إليهم من لقائه، ولا أقر لعيونهم من رؤيته، ولا أحظى عندهم من قربه.
10- وأنه سبحانه له الحكمة البالغة في خلقه وأمره، وله النعمة السابغة على خلقه، وكل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل. 11- وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
12- وأنه أفرح بتوبة عبده من واجد راحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقدها واليأس منها.
13- وأنه سبحانه لم يكلف عباده إلا وسعهم وهو دون طاقتهم، فقد يطيقون الشيء ويضيق عليهم، بخلاف وسعهم فإنه ما يسعونه ويسهل عليهم ويفضل قدرُهم عنه كما هو الواقع.
14- وأنه سبحانه لا يعاقب أحدا بغير فعله، ولا يعاقبه على فعل غيره، ولا يعاقبه بترك ما لا يقدر على فعله، ولا على فِعل ما لا قدرة له على تركه.
15- وأنه حكيم كريم جواد ماجد محسن ودود صبور شكور، يُطاعُ فيَشْكُرُ، ويُعْصى فيَغْفِرُ،
لا أحد أصبرُ على أذى سَمِعَهُ منه، ولا أحد أحبُ إليه المدحُ منه، ولا أحد أحبُ إليه العذرُ منه، ولا أحد أحبُ إليه الإحسانُ منه.
"ا" فهو محسنٌ يحب المحسنين.
"ب" شكورٌ يحب الشاكرين.
"ج" جميلٌ يحب الجمال.
"د" طيبٌ يحب كل الطيب.
"ه" عليمٌ يحب العلماء من عباده. "و" كريمٌ يحب الكرماء.
"ز" قويٌ والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف.
"ح" بَّرٌ يحب الأبرار.
"ط" عدلٌ يحب أهل العدل.
"ي" حَيِّيٌ سَتِيْرٌ يحب أهل الحياء والستر.
"ك" غفورٌ عفوٌ يحب من يعفو عن عباده ويغفر لهم.
"ل" صادقٌ يحب الصادقين.
"م" رفيقٌ يحب الرفق.
"ن" جوادٌ يحب الجود وأهله.
"س" رحيم يحب الرحماء.
"ع" وِتْرٌ يحب الوتر.
ويحب أسماءه وصفاته، ويحب المتعبدين له بها، ويحب من يسأله ويدعوه بها، ويحب من يعرفها ويعقلها ويثني عليه بها ويحمده ويمدحه بها، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا أحد أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك أثنى على نفسه، ولا أحد أَغْيَرُ من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العُذْرُ من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين".
هذا الحيث عن ابن مسعود أخرجه البخاري "4634" بترتيب فتح الباري، ومسلم "2760" بترتيب عبد الباقي.
وفي حديث آخر صحيح: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وإنه ليرزقهم ويعافيهم".
وهذا الحديث رواه أبو موسى الأشعري وأخرجه البخاري "6099" ومسلم "2804".
ولمحبته لأسمائه وصفاته أمر عباده بموجَبِها ومقتضاها، فأمرهم بالعدل والإحسان والبر والعفو والجود والصبر والمغفرة والرحمة والصدق والعلم والشكر والحلم والأناة والتثبت.
ولما كان سبحانه يحب أسماءه وصفاته كان أحب الخلق إليه من اتصف بالصفات التي يحبها، وأبغضهم إليه من اتصف بالصفات التي يكرهها، فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت لأن اتصافه بها ظلمٌ، إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه لمنافاتها لصفات العبد، وخروج من اتصف بها من رِبْقة العبودية ومفارقته لمنصبه ومرتبته وتعديه طورَه وحَّدَه.
وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة والإحسان والصبر والشكر فإنها لا تنافي العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته، إذ المتصف بها من العبيد لم يتعد طوره ولم يخرج بها من دائرة العبودية.
والمقصود أنه سبحانه لكمال أسمائه وصفاته موصوف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص، له كل ثناء حَسَنٍ، ولا يصدر عنه إلا كل فعل جميل، ولا يسمى إلا بأحسن الأسماء ولا يُثْنى عليه إلا بأكمل الثناء، وهو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى ما أمر به وشرعه.
ومن كان له نصيب من معرفة أسمائه الحسنى واستقراء آثارها في الخلق والأمر: رأى الخلق والأمر منتظمين بها أكمل انتظام، ورأى سَرَيانَ آثارها فيهما، وعلم بحسب معرفته ما يليق بكماله وجلاله أن يفعله وما لا يليق، فاستدل بأسمائه على ما يفعله وما لا يفعله، فإنه لا يفعل خلاف مُوْجَبِ حمده وحكمته.
وكذلك يعلم ما يليق به أن يأمر به ويشرعه مما لا يليق به، فيعلم أنه لا يأمر بخلاف موجب حمده وحكمته، فإذا رأى في بعض الأحكام جورا وظلما أو سفها وعبثا ومفسدة أو ما لا يوجب حمدا وثناء: فليعلم أنه ليس من أحكامه ولا دينه وأنه بريئٌ منه ورسوله، فإنه إنما أمر بالعدل لا بالظلم وبالمصلحة لا بالمفسدة وبالحكمة لا بالعبث والسفه، وإنما بعث رسوله بالحنيفية السمحة لا بالغلظة والشدة، وبعثه بالرحمة لا بالقسوة، فإنه أرحم الراحمين، ورسوله رحمة مهداة إلى العالمين، ودينه كله رحمة، وهو نبي الرحمة، وأمته الأمة المرحومة، وذلك كله موجَبُ أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة، فلا يُخْبَرُ عنه إلا بحمده، ولا يُثْنى عليه إلا بأحسن الثناء كما لا يسمى إلا بأحسن الأسماء.

وفقنا الله لتدبر هذه المعاني والعمل بمقتضاها، آمين.

كتبه: سعيد شعلان.

7
596

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بــטּــت ح ـــggاء
يعطيس العافيه لآعدمنآكِـ
بــטּــت ح ـــggاء
مشكوووورهـ الله لايحرمك الجنة آمين
مستانسين
مستانسين
جزاك الله خيرا
أم البنيين
أم البنيين
الأخوات الفاضلات جزاكن الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة
الاميرة الشهري
جزآك الله خيراً على هذا الموضوع

وجعله الله في ميزان حسناتك