كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وآل كلٍّ والصالحين.

أما بعد،

فقد وردَ عَنْ عَبْدِ الله ابن عمر أنه قال: "أَخَذَ رَسولُ اللهِ بِمَنْكِبَي فقال: ((كُنْ في الدُّنْيا كَأَنكَ غَريبٌ أو عابِرَ سبيل))"، وكان ابن عمر يقول: إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِر الصباح وإذا أَصْبَحتَ فلا تنتَظِر المساء وَخُذ من صحتِك لِمَرَضِكَ ومن حياتِكَ لموتِكَ، "رواه البخاري". وهذا الحديثُ أصلُهُ في قِصَرِ الأمَلِ في الدنيا، فإن المؤمنَ لا ينبغي له أن يتَّخِذَ الدنيا وَطَناً ومسكناً فيطمئِنَّ فيها ولكِن ينبغي أنْ يكونَ فيها كأنَّهُ على جناحِ سَفَرٍ يعني بجهازِهِ للرحيل. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما لي وللدُّنْيا إنما مَثَلي ومَثَلُ الدنيا كمثَلِ راكِبٍ استَظَلَّ في ظِلِّ شَجَرَة ثم راحَ وتَرَكها))، أي الدنيا كمحطةٍ قصيرةٍ يستريحُ فيها المرءُ من عناءِ السفر ولكن لا بد مفارقٌ لهذا المكان إلى مرادِهِ. وهكذا المؤمن فمرادُهُ جنةُ اللهِ ورضوانه فإنه يأخُذُ من الدنيا ما ينفعُهُ في الآخرةِ، لذا قال ربنا سبحانَهُ وتعالى في القرآن الكريم: {ولا تَنْسى نَصيبَكَ منَ الدنيا وَأَحْسِن كما أَحْسَنَ اللهُ إليك}، أي لا تنسى أن تتزودَ لآخِرَتِكَ فيها وليس المعنى أنك ستعيشُ في هذه الدنيا فتتنعمَ فيها كما يحلو لك، وتتمتع وتتلذذَ بها كما تشاء بل العكسُ تماما، إن الانغماسَ في الدنيا مدعاة لقسوةِ القلب، فقد وردَ عن ابن رسلان الشافعي في الزبد انه قال:

فشَهْوَةَ النفـسِ مع الذنوبِ مُوجِـبتانِ قَسْـوَةَ القلوبِ

وإنَّ أَبـْعَدَ قـُلوب النــاسِ من ربنِّا الرحيم قلبٌ قاسي

وقد ورد عن عبد الله بن عباسٍ تفسير الآية فقال: "ولا تضيعُ عُمُرَكَ من أن تعملَ صالحاً في دُنياكَ، إذْ الآخرة إنما يُعمَلُ لها في الدنيا. فنصيبُ الإنسان عُمُرُهُ وعملُهُ الصالِحُ فيها، وهذا التأويل فيه عظة، وبعد سرد الآية: {ولا تَنْسى نَصيبَكَ منَ الدنيا وَأَحْسِن كما أَحْسَنَ اللهُ إليك}، فسرها الطبري بقوله: "وأحسن في الدنيا بإنفاقِ مالِكَ الذي رزقَكَ الله تعالى في وجوهه وسبلِهِ كما أحسن الله إليكَ فوسعَ عليك منه وبسطَ لك فيها. وقيل أحسن إلى خلقِهِ كما أحسنَ هو إليكَ. وورد عن نبي الله عيسي عليه السلام أنه قال في كلامِهِ عن الدنيا: "أُعْبُروها ولا تعمُروها"، وقال الفضيل بن عياض: "المؤمن في الدنيا مهمومٌ حزينٌ دائما وكأنهُ مسافرٌ يطوفُ إلى أهلِهِ وأحبائِهِ ودارِهِ إلا للتزودِ بما ينفعه إلى وطنِهِ فلا ينافِس أهل البلد الذي هو غريبٌ بينهم في عِزّهم ولا يجزع من الذل عندَهُم، فله شأنٌ وللناسِ شأنهم". وكان عطاءُ السلميُ يقول: "اللهم ارحَم في الدنيا غُرْبتي وارحم في القبرِ وَحشتي وارحَم موقفي غدا"، وعن معاذ بن جبل أنه قال: "قلتُ يا رسول الله أخبرني بعملٍ يُدْخِلُني الجنة ويُباعِدُني من النار، قال: ((لقد سَأَلْتَ عن عظيمٍ وإنَّهُ ليسيرٌ على من يسرَهُ اللهُ عليهِ، تعبدُ اللهَ ولا تشرِكُ به شيءً وتقيمُ الصلاةَ وتؤتي الزكاةَ وتصومُ رمضان وتحجُّ البيت))، ثم قالَ: ((ألا أدُلُّكَ على أبوابِ الخير الصومُ جُنَّة "أي وقاية"، والصدقَةُ تطفئُ الخطيئة كما يطفئ الماءَ النار وصلاةُ الرجُلِ من جوفِ الليل))، "ثم تلى" {تَتَجافى جُنوبُهُم عنِ المضاجِعِ يَدْعونَ ربَّهُم خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْناهُم يُنْفِقون فَلا تَعْلَمُ نفسٌ ما أُخْفِيَ لهم من قُرَّةِ أَعين جزاءً بما كانوا يعملون}، ثم قال: ((ألا أُخْبِرُكَ بِرأْسِ الأمر وعمودِه وذُروَةِ سنامِهِ))، قُلْتُ بلا يا رسول الله، قال: ((رأسُ الأمرِ الإسلام وعمودُهُ الصلاة وذروَةُ سنامِهِ الجهاد))، ثم قال: ((ألا أخبِرُكَ بملاكِ ذلك كلِّهِ))، قلت بلا يا رسول الله، فأخذ بلسانهِ وقال: ((كُفَّ عليكَ هذا))، قلت يا رسول الله وإنّا لَمُآخَذون بما نتكلم به، فقال: ((ثَكَلَتْكَ أمك يا معاذ "معناه انتبه"، أَوَ يُكَبُّ الناسُ في النارِ على وجوهِهِم أو على مناخِرِهِم إلا حصائِدُ أَلْسِنَتِهِم)).

وآخر دعوانا: "اللهم ارحمنا في قبورنا وأحْسِن لنا آجالنا وأعمالنا وافتح علينا فتوح العارفين، اللهم اجعلنا من القائمين الصابرين واشرح صدورَنا ونور قلوبنا يا ذا الجلال والإكرام.

منقول
0
338

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️