]دهن العود @dhn_alaaod_23
محررة ماسية
كن في الدنيا كانك غريب
كن في الدنياكأنك غريب
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيّ فقال: كن في الدنياكأنك غريب، أو عابر سبيل
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذاأصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك " . رواه البخاري.
عندما نتأمل في حقيقة هذه الدنيا ، نعلم أنهالم تكن يوما دار إقامة ، أو موطن استقرار ، ولئن كان ظاهرها يوحي بنضارتها وجمالها ،إلا أن حقيقتها فانية ، ونعيمها زائل ، كالزهرة النضرة التي لا تلبث أن تذبل ويذهب بريقها
تلك هي الدنيا التي غرّت الناس، وألهتهم عن آخرتهم ، فاتخذوها وطنا لهم ، ومحلا لإقامتهم ، لا تصفو فيها سعادة ،ولا تدوم فيها راحة ، ولا يزال الناس في غمرةالدنيا يركضون ، وخلف حطامها يلهثون ، حتى إذا جاء أمر الله انكشف لهم حقيقة زيفها ، وتبين لهم أنهم كانوا يركضون وراء وهم لا حقيقة له ، وصدق الله العظيم إذ يقول : وما الحياةالدنيا إلا متاع الغرور ( آل عمران : 185
وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليترك أصحابه دون أن يبيّن لهم ما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم في الدنيا ، ودون أني حذّرهم من الركون إليها فهو الرحمة المهداة ، والناصح الأمين ، فكان يتخوّلهم بالموعظة ، ويضرب لهم الأمثال ، ولذلك جاء هذا الحديث العظيم بيانا وحجة ووصيةخالدة .
لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبيّ عبدالله بن عمر رضيالله عنهما ليسترعي بذلك انتباهه ، ويجمع إليه فكره ، ويشعره بأهمية ما سيقوله له ،فانسابت تلك الكلمات إلى روحه مباشرة : ( كن في الدنياكأنك غريب أو عابر سبيل .
وانظر كيف شبّه النبي صلى الله عليه وسلم مُقام المؤمنين في الدنيا بحال الغريب فإنك لا تجد في الغريب ركونا إلى الأرض التي حل فيها ، أو أنسا بأهلها ، ولكنه مستوحش من مقامه ، دائم القلق ، لم يشغل نفسه بدنيا الناس ، بل اكتفى منها بالشيء اليسير .
لقد بيّن الحديث غربة المؤمن في هذه الدنيا ، والتي تقتضي منه التمسّك بالدين ، ولزوم الاستقامة على منهج الله ، حتى وإن فسد الناس ، أوحادوا عن الطريق فصاحب الاستقامة له هدف يصبو إليه ، وسالك الطريق لا يوهنه عن مواصلة المسير تخاذل الناس ، أو إيثارهم للدعة والراحة ، وهذه هي حقيقة الغربة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأغريبا فطوبى للغرباء ) رواه مسلم .
وإذا كان المسلم سالكاً لطريقالاستقامة ، حرص على قلّة مخالطة من كان قليل الورع ، ضعيف الديانة ، فيسلم بذلك من مساويء الأخلاق الناشئة عن مجالسة بعض الناس كالحسد والغيبة ، وسوء الظن بالآخرين ،وغير ذلك مما جاء النهي عنه ، والتحذير منه .
ولا يُفهم مما سبق أ ن مخالطة الناس مذمومة بالجملة ، أو أن الأصل هو اعتزال الناس ومجانبتهم فإن هذامخالف لأصول الشريعة التي دعت إلى مخالطة الناس وتوثيق العلاقات بينهم ، يقول الله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
وإنما الضابط في هذه المسألة : أن يعتزل المرء مجالسة من يضرّه في دينه ، ويشغله عن آخرته ، بخلاف من كانت مجالسته ذكرا لله ، وتذكيرا بالآخرة ،وتوجيها إلى ما ينفع في الدنياوالآخرة
كأنك غريب، أو عابر سبيل )،ففي هذه العبارة ترقٍّ بحال المؤمن من حال الغريب ، إلى حال عابر السبيل.
فعابر السبيل : لا يأخذ من الزاد سوى ما يكفيه مؤونة الرحلة ، ويعينه على مواصلة السفر ، لا يقر له قرار ، ولا يشغله شيء عن مواصلة السفر ، حتى يصل إلى أرضه ووطنه.
يقول الإمام داود الطائي رحمه الله : " إنما الليل والنهارمراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة ، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أنتقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل فإن انقطاع السفر عما قريب ، والأمرأعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك " .
وهكذا يكون المؤمن ، مقبلا على ربه بالطاعات ، صارفا جهده ووقته وفكره في رضا الله سبحانه وتعالى ، لا تشغله دنياه عن آخرته ، قد وطّن نفسه على الرحيل ، فاتخذالدنيا مطيّة إلى الآخرة، وأعد العدّة للقاء ربه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت الآخرة همه ، جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ،وأتته الدنياوهي راغمة ) رواه الترمذي .
ذلك هو المعنى الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصله إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ، فكان لهذا التوجيه النبوي أعظم الأثر في نفسه ، ويظهر ذلك جليا في سيرته رضي الله عنه ، فإنه ما كان ليطمئنّ إلى الدنياأو يركن إليها، بل إنه كان حريصا على اغتنام الأوقات ، كما نلمس ذلك في وصيّته الخالدة عندما قال رضي الله عنه : " إذاأمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذمن صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك.
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
22
1K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
حكايه صبر
•
جزاك الجناااااااان ومناااااازل الرحمن....والله يبارك لك فى عمرك...وجعله ربى فى موازين حسناتك...
الصفحة الأخيرة