أنا أقيم في مكه: وصيف مكة أتون متّقد ، الحرارة فيه قد تقارب الخمسين ، فماذا أعمل ؟ هل أستطيع أن أنصب على جبل أبي قبيس مكيفاً (كونديشن ) ضخماً وعلى قُعيقعان (جبل الهندي ) مثله لأبرّد جوّ مكة ؟ وإن جاءالبرد في جبال الشام ولبنان فهل أضع في ذراها مدافىء كبيرة تدفع البرد وتعدل الجو؟ أم آتي في الصيف بمكيف صغير أضعه في بيتي وأغلق بابه علي وأضع مدفأة في داري في الجبل فأدفىء بيتي ؟ علينا أن نحفظ أنفسنا وأن نحفظ من استرعانا الله أمره من أهلنا وأولادنا .
فكيف أعمل على تعليم بناتي الحجاب ؟ أنا لا أريد أن أجبر بنتي عليه إجباراً ، فتتخذه وهي كارهة له ضائقة به حتى إذا استطاعت نبذه نبذته ، بل أريد أن تتخذه مقتنعة به مطمئنة إليه محبّة له . ففكرت وطلبت العون من الله لمّا جاوزت بنتي الأولى التاسعة ومشت في طريق العاشرة أو قبل ذلك بقليل ، لقد نسيت الآن . قلت لأمها : اذهبي فاشتري لها خماراً ( إيشارب ) غاليًا نفيسًا .
وكان الخمار العادي يُباع بليرتين اثنتين وإن ارتفع ثمنه فبثلاث ، قالت : إنها صغيرة تسخر منها رفيقاتها إن غطت شعرها ويهزأن منها . قلت : لقد قدّرتُ هذا وفكرت فيه ، فاشتري لها أغلى خمار تجدينه في السوق مهما بلغ ثمنه .
فكلّمتني بالهاتف من السوق وقالت : لقد وجدت خماراً نفيسًا جداً من الحرير الخالص ولكن ثمنه أربعون ليرة . وكان هذا المبلغ يعدل يومئذ أكثر من ثلث راتبي الشهر كله ، فقلت لها : اشتريه . فتعّبَت وحاولت أن تثنيني عن شرائه فأصررت ، فلمّا جاءت به ولبسَته البنت وذهبَت به إلى المدرسة كان إعجاب التلميذات به أكثر من عجبهن بارتدائه ، وجعلن يثنين عليه ، وقد حسدها أكثرهن على امتلاكه . فاقترن اتخاذها الحجاب وهي صغيرة بهذا الإعجاب وهذا الذي رأته من الرفيقات ، وذهب بعضهن في اليوم التالي فاشترين ما يقدرن عليه من أمثاله ، وإن لم تشترِ واحدة منهن خماراً في مثل نفاسته وارتفاع سعره .
بدأَت اتخاذ الحجاب فخورة به محبة له ، لم تُكره عليه ولم تلبسه جبراً . وإذا كان العامة يقولون :" الشيء الغالي ثمنه فيه " فإن هذا الخمار بقي على بهائه وعلى جِدّته حتى لبسه بعدها بعض أخواتها وهو لا يزال جديداً ، فنشأن جميعًا بحمد الله متمسكات بالحجاب تمسك اقتناع به وحرص عليه

الغيداءء @alghydaaaaa_1
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

{سكون الليل}
•





الصفحة الأخيرة