كيف الخلاص؟

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم


إن من أدق الدقائق تحقيق الإخلاص


" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ "

" أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ "

قال القشيري " الإخلاص، إفراد الحق، سبحانه، في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله سبحانه دون أي شيءآخر؛ من تصنُّع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق ، أو معنى من المعاني سوى التقرّب به إلى الله تعالى "


الإخلاص عزيز

وإن معالجة الاخلاص من أصعب الأمور
قيل لسهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى : أي شيء أشد على النفس ؟ قال: (الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب)

فالعبد قد يعمل عمل يظن انه مخلصا لله فيه فإذا هو لم يحقق الإخلاص الكامل
فهناك حظ النفس - وهذا من اصعب الامور -
وهناك محبة الثناء
وهناك العمل لغير وجه الله

وقد يكون العمل صوابا
أي على السنة

لكنه ليس خالصا لوجه الله

قال ابراهيم بن الاشعث في قوله تعالى " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً " قال : "أخلصه وأصوبه، قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالص لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص إذا كان لله ، والصواب : إذا كان على السنة" .

فليست موافقة السنة فحسب هي القضية
بل ايضا تحقيق الاخلاص في العمل
أن يكون لوجه الله تعالى

والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يروى عن رب العزة جل وعلا " انا اغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا اشرك فيه معي غيري تركته وشركه " رواه مسلم


ومن علامات الشقاوة ان يرزق العبد العمل ويحرم الإخلاص كما قال محمد بن الفضل


و قال الفضيل بن عياض : ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص: أن يعافيك الله منهما .

قال علي بن أبي طالب : كونوا لقبول العمل أشد هما منكم بالعمل ، ألم تسمعوا الله يقول " إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ "

وقال ولد لابن مسعود : طوبى لمن أخلص عبادته ودعاءه لله ولم يشغل قلبه ما تراه عيناه ، ولم ينسه ذكره ما تسمع أذناه ، ولم يحزن نفسه ما أعطي غيره

وقال فضالة بن عبيد : لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها ؛ لأن الله يقول " إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ "

وقال معقل بن عبيد الله الجزري قال : كانت العلماء إذا التقوا تواصوا بهذه الكلمات ، وإذا غابوا كتب بها بعضهم إلى بعض أنه : (من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه) .

وقال بن الجوزي : يا معاشر العلماء قد كتبتم ودرستم ثم إن طلبكم العلم فلّستم في بيت العمل، ثم لو ناقشكم الإخلاص لأفلستم، شجرة الإخلاص أصلها ثابت، لا يضرها زعزع " أين شركائي " وأما شجرة الرياء فاجتثت عند نسمة " وقِفوهم " كم متشبه بالمخلصين؟ في تخشعه ولباسه وأفواه القلوب تنفرمن طعم مذاقه واأسفي ما أكثر الزور؟ .


قال الحسن البصري : كان الرجل تأتيه عبرته فيسترها، فإذا خشي أن تسبقه قام من المجلس.


وقال ابن الجوزي في صيد الخاطر :

فصل الإخلاص التام

ما يكاد يحب الاجتماع بالناس إلا فارغ ؛ لأن المشغول القلب بالحق يفر من الخلق ومتى تمكن فراغ القلب من معرفة الحق امتلأ بالخلق فصار يعمل لهم ومن أجله ويهلك بالرياء ولا يعلم.

وإني لأتأمل على بعض من يتزي بالفقر والتصوف وهو يلبس ثياباً لا تساوي ديناراً، وعنده المال الكثير، وقد أمرع نفسه في المطاعم الشهية، وهو عامل بمقتضى الكبر والتصدر، فيتقرب إلى أرباب الدنيا، ويستذري أرباب العلم، ويزور أولئك دونهم.

وإنما يرد ما يعطي ليشيع له اسم زاهد، فتراه يربي الناموس وهو في احتياله كثعلب، وفي نهوضه إلى أغراضه في الباطن كلب شري.

فأقول : سبحان الله، ما يزهد إلا الثياب، أترى : ما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.

وأعوذ بالله من رؤية النفس، ورؤية الخلق، فإن من رأى نفسه تكبر، والمتكبر أحمق، لأنه ما من شيء يتكبر به إلا ولغيره أكثر منه.

ومن راءى الخلق عبدهم وهو لا يعلم.

فأما العامل لله سبحانه وتعالى فهو بعيد من الخلق، فإن تقربوا إليه ستر حاله بما يوجب بعدهم عنه.
وقد رأينا من يرائي ولا يدري فيمتنع من المشي في السوق، ومن زيارة الإخوان، ومن أن يشتري شيئاً بنفسه ، وتوهمه نفسه أني أكره مخالطة السوقة، وإنما هذا يربي جاهاً بين العامة، إذ لو خالطهم لامتحي جاهه، وبطل تقبيل يده.

وقد كان بشر الحافي يجلس في مجلس عند العطار.

وأبلغ من هذا كله أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يشتري الشيء ويحمله،وخرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين فاشترى ثوباً، وقدكان طلحة بن مطرف قارىء أهل الكوفة، فلما كثر الناس عليه مشى إلى الأعمش فقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحة.

هذا والله الكبريت الأحمر، والإكسير، لا ما يظن إكسيراً في الكيمياء.

والمعاملة مع الله تعالى هكذا تكون.

فأما ضد هذه الحال فحالة عابد للخلق ملبس. وقد غم هذا جمهور الخلق حاشا السلف.

أفدى ظباء فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب .. ا.هــ



وقال بن الجوزي في الصيد أيضاً : ومن ضرورة الإخلاص ألا يقصد التفات القلوب إليه، فذاك يحصل لا بقصده بل بكراهته لذلك.
وليعلم الإنسان أن أعماله كلها يعلمها الخلق جملة. وإن لم يطلعوا عليها.
فالقلوب تشهد للصالح بالصلاح وإن لم يشاهد منه ذلك.
فأما من يقصد رؤية الخلق بعمله فقد مضى العمل ضائعاً، لأنه غير مقبول عندالخالق ولا عند الخلق، لأن قلوبهم قد ألفتت عنه، فقد ضاع العمل، وذهب العمر. .


والاخلاص من خصائص المؤمنين الصادقين


قال تعالى " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاًوَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً "

مُخْلَصاً بفتح اللام وكسرها

قال النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاث لا يَغُلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم "رواه احمد

وإن للمخلصين أحوال لا يعلمها عنهم احد لكن إخلاصهم فيها يجعلها تنتشر وتعرف عنهم دون تدخل منهم


قال الحسن البصري : إن كان الرجل ليكون عنده الزوار فيصلي الصلاة الطويلة أو الكثيرة من الليل ما يعلم بها زواره - قيل يقصد الحسن نفسه -


قال عبيد الله بن عبد الله ، قال :كان لا يعرف البر في عمر ولا ابن عمر حتى يقولا أو يعملا ، إن كان الرجل ليتعبد عشرين سنة ما يعلم به جاره

وقال محمد بن واسع : لقد أدركت رجالا كان الرجل يكون رأسه ورأس امرأته على وساد واحد قد بل ما تحت خده من دموعه لا تشعر به امرأته ، والله لقد أدركت رجالا كان أحدهم يقوم في الصف فتسيل دموعه على خده لا يشعر الذي إلى جنبه - قيل ايضا يقصد نفسه لكنه يعرض -


ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا بالإخلاص


قال النبي صلى الله عليه وسلم " شفاعتي لمن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه " رواه احمد

وعن ابي بكر رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لم تؤتوا شيئا بعد كلمة الإخلاص مثل العافية فاسألوا الله العافية" رواه احمد

فإذا كانت العافية تلي الإخلاص وقال النبي صلى الله عليه وسلم عنها ذلك ، فما بالكم بالإخلاص؟


وإن الإخلاص لا يكون إلا لمن هو أهل له


قال تعالى " فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً "

وكلمة التقوى هي كلمة الإخلاص هي لا إله إلا الله

وقال الامام احمد : من أصبح مستقيما في أربع فهو بخير : التفقه، ثم التوكل،ثم الاخلاص، ثم المعرفة.


وإن العبد ليدرك العمل بإخلاصه في نيته فلربما لم يعمل العبد عملا فيأتي يوم القيامة وميزانه قد ملئ به

قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء ... الحديث " رواه الترمذي وصححه الالباني

وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " رواه مسلم


فيسأل سائل كيف الخلاص ؟

والجواب
قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم " رواه النسائي وصححه الالباني .



إنك إذا بالإخلاص وإلا ....



المراجع :
البخاري
مسلم
الترمذي
النسائي
صحيح سنن الترمذي للالباني
صحيح سنن النسائي للالباني
الاخلاص والنية لابن ابي الدنيا
الرسالة القشيرية للقشيري
صيد الخاطر لابن الجوزي
سير علام النبلاء للذهبي
المواعظ لابن الجوزي



منقـــول

4
442

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ظبي الفلا2000
ظبي الفلا2000
جزاك الله خير
ـ أم ريـــــم ـ
جزاك الله حيرا نقل هادف وقيم أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص

في الأقوال والإفعال بارك الله فيك غاليتي
الاميرة الشهري
بارك الله فيكَ على هذه المشاركة
وجزآك الله خيراً على هذا المجهود
وجعله الله في ميزان حسناتك