كيف تتغير في رمضان ...؟

الملتقى العام




يأتي رمضان كل عام والناس فرحة متهللة به، لما يرون فيه من جو إيماني وتقارب بين المسلمين وحسن أخلاق في التعامل، فَيَنْكَبُّوْنَ على القرآن تلاوة وذكرا، ويلتزمون الصيام طاعة وقربا، ويتواصلون محبة وألفة، وينفقون سخاء وبذلا، يبتغون بذلك الأجر والمثوبة، وأن يعتق الله تعالى رقابهم من النار.

والدافع إلى هذا أن رمضان فرصة لاغتراف الحسنات، ومحو السيئات، ورفع للدرجات، فالناس يتعاملون مع رمضان على أنه موسم الطاعات، وهذا شيء جميل، لكنه من الواجب أن يكون رمضان فرصة للتغيير والإصلاح، فيخرج المسلم فيه ليس بالحسنات المكتسبة فحسب، بل بأعمال أشبه ما تكون عنده بأعمال اليوم والليلة، ملتزما إياها طول حياته، فتكون جزءا من برنامجه اليومي المعتاد، وإن كانت نسبتها ستقل عن رمضان.
وهناك كثير من الناس يضع آمالا عراضًا في أن يقلب حياته كلها في رمضان دفعة واحدة رأسا على عقب. وهذا في ظني ضرب من الخطأ، فسنة التغيير والإصلاح كما نجدها في القرآن والسنة وتاريخ الإسلام والإنسانية، تحتاج إلى نوع من المرحلية والتمهل وأخذ النفس رويدا رويدا يسوسها حتى يصل بها إلى مبتغاه في التغيير إلى الأفضل، والقرب الأسمى من الله رب العالمين.
وهذا يعني أن من أراد أن يغير نفسه في رمضان، فعليه أن يكون مدركا للفرصة، وألا يضع كل ما في سلته في هذا الوقت وحده، بل يجعله فرصة وبداية، للانطلاق فيما بعد، وتعود على تغيير وتعديل وجلب لأنماط إيمانية جديدة في حياته.



فرصة إيمانية
ولهذا، فإن الأمر يحتاج إلى تهيئة للاستفادة من جو رمضان الإيماني. وهذه التهيئة تحتاج إلى عوامل واضحة يمكن تطبيقها، حتى نستفيد من مضاعفة الأجر في رمضان وأول ما يحتاجه المرء صدق العزم في الاستفادة والتغيير، فما لم يكن عند الإنسان نية وعزيمة على التغيير، فلن يعدو الأمر أن يكون كسبا لحسنات سريعة، متأثرا بالجو العام، فيصوم لأن الناس تصوم، ويقرأ القرآن، لأن كل من حوله يقرأ، ويتصدق، لأن الناس تتصدق، فيفعل الطاعات ليس عن عزيمة، وإنما تقليدا للعمل الصالح، وإن كان مثوبا على كل حال.
وهذا يعني ألا تكون أهداف الإنسان مجرد أمانٍ واهمة. بل يجب أن تكون عزما صادقا، حتى يؤتي ثمره. وفرق بين الأمنية والعزم، فوقوف الإنسان عند مجرد الأماني لا يدفعه إلى العمل.
أما العزم وشحذ الهمة، وأخذ النفس بالعزيمة على إدراك الخير، يجعل طريق الإنسان مفتوحا إلى الاستفادة وإنجاز العمل.
وهذا أمر يتفق فيه كل بني البشر، سواء أقصد الإنسان عملاً دنيويًّا أم عملاً أخرويًّا.
فمن صدقت نيته، صح عزمه، ومن صح عزمه سلك الطريق. وقد نقل ابن قتيبة عن بعض كتب الحكمة: « ذو الهمة إن حُطَّ، فنفسه تأبى إلا عُلُوّاً، كالشعلة ِ من النار يُصَوِّبُها صاحبها، وتأبى إلا ارتفاعا » وكما قال المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
أو كما قال الشاعر: بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها تُنال إلا على جسر من التعب
وما أحسن ما قاله أحد العاملين في الإغاثة معبرًا عن عزم الناس في البقاء والحياة: «لقد رأيت الكثير، في فترة عملي القصيرة مع الإغاثة الإسلامية، وهو ما جعلني أعجب أيما إعجاب بروح التحمل لدى الإنسان.
ففي القرى المحروقة في كوسوفا شاهدت الأرامل والأطفال يحتالون على العيش بين أنقاض بيوتهم.
وفي مخيمات كشمير على سفوح الجبال تمازحت مع أطفال تشع عيونهم نوراً وهم لم يعرفوا سوى العيش كلاجئين.
وفي أنجوشيا، استمعت لأمهات شيشانيات وقد تجعدت وجوههن دون أوان بسبب الحزن ويذكرن قصصًا من الرعب تصعب على الخيال.
ومع ذلك لم أر، أينما حللت وفي أي وقت، يأساً أو قنوطاً! بل إن إرادة الحياة، دائماً، هي الغالبة».
وقد عبر الإمام ابن قدامة المقدسي عن منهج التغيير والإصلاح باعتماد المثابرة حتى يصل المرء إلى بغيته، فقال: «ومن لم يقدر على الاستقامة، فليجتهد على القرب من الاستقامة. فإن النجاة بالعمل الصالح. ولا تصدر الأعمال الصالحة إلا عن الأخلاق الحسنة. فليتفقد كل عبد صفاته وأخلاقه. وليشتغل بعلاج واحد بعد واحد. وليصبر ذو العزم على مضض هذا الأمر، فإنه سيحلو كما يحلو الفطام للطفل بعد كراهته له. فلو رد إلى الثدي لكرهه. ومن عرف قصر العمر بالنسبة إلى مدة حياة الآخرة، حمل مشقة سفر أيام لتنعم الأبد. فعند الصباح يحمد القوم السُّرَى».
وكما قال دبليو سمرست هوم: «من الأمور الطريفة في الحياة أنك إذا لم ترض سوى بالأفضل فسوف تحصل عليه».
وقد كان السلف يتنافسون في الطاعة: قال الحسن: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره.



التخطيط بداية التغيير
وييسر وضوح الهدف على الإنسان إنجاز ما يريد. فإمساك الإنسان الورقة والقلم وسؤال نفسه: ماذا يريد أن يفعل في رمضان؟ ما هي الأهداف الجزئية التي يريد أن يحققها؟ وكيف يحقق كل واحدة منها؟ فالتفكير بداية النجاح، والإسلام دين الشرع والعقل، وكما قال هنري فورد: «إن التفكير أصعب الأعمال وهذا هو السبب في أن القليلين هم الذين يختارونه كعمل».
فمثلا من قصد أن يختم القرآن في رمضان مرة، أو ثلاث مرات، عليه أن يحدد الوقت الذي سيقرأ فيه خلال اليوم. متى سيكون؟ فيتخير الأوقات، من أفضلها بعد الفجر وقبل المغرب أو أي وقت آخر، المهم أن يكون وقتا محددا يلتزمه يوميا. وهل سيكون بشكل فردي أم جماعي أم بعضه فردي وبعضه جماعي. وكيف ستكون المتابعة. هل منه شخصيا من خلال تقييد ما يقرأ. أم من خلال شخص آخر؟ وهل ستقتصر علاقته بالقرآن على التلاوة، أم سيحيي عبادة السماع. وهل سيستمع لقارئ بعينه يحب سماع صوته من خلال القرآن مسجلا.
وما هي الأوقات التي يجعلها للسماع أيضا.
وهكذا، فيخرج بخطة مفصلة، مرتبطة بهدف واضح، محددا الزمن والوقت الذي سينجز فيه، مع التهيئة في قراءة ثواب التلاوة، وفضل قارئ القرآن ومكانته.
وهكذا يفعل مع باقي الأعمال الصالحة التي سيفعلها في رمضان.
ولا بأس أن يكتب بشكل يومي ما أنجزه حتى يتابع اليوم الذي يليه فيقيس ما فعل ويتابع ما يريد إنجازه.




قياس الإنجاز
وبجوار هذا يجب توافر قياس طاقة الإنسان في الإنجاز. فيختبر ما وضعه من برنامج عملي. هل هو فوق طاقته، فيقلل منه مع المحافظة على العمل، فإدراك طاقة النفس قياس هام للإنجاز، وقد أشار النبي (صلى الله عليه وسلم) إليه كما في حديث عائشة: «اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله تعالى أدومه وإن قل» (أحمد في مسنده وأبو داود والنسائي).
ويمكن له أن يزيد فيه، فنصنع معادلة بين الخطط الموضوعة وبين الطاقات الممكنة، حتى نقرأ أنفسنا، ونختبر خططنا.
ونصحح في العمل والتغيير مسارنا. وكما قال «لاوتسو تاوتيه كنج»: «من تعلم كثيرا عن الآخرين قد يكون متعلما، أما من يفهم نفسه فهو أكثر ذكاء، ومن يتحكم في الآخرين قد يكون قويا، أما من ملك زمام نفسه فهو الأقوى».
تدرب قبل رمضان ومن أهم العوامل المساعدة هو التدريب على بعض الأعمال قبل رمضان، حتى لا يستشعر بالغربة والوحشة، ولا يكون العمل حصرا على رمضان وحده. فيبدأ من الآن في قراءة القرآن مثلا، أو المحافظة على ركعتي قيام أو غيرها من الأعمال. فيتولد عنه ثبات في الفعل. مما يجعل المحافظة عليه في رمضان أيسر، كما أن هذا يدفعه إلى المواظبة عليه بعد رمضان أيضا.
وقد كان الصحابة يستعدون لرمضان قبله بستة أشهر، ويتزودون منه لستة أشهر، فتكون السنة عندهم كلها رمضان.




سيرة السلف
والقراءة في سير الصالحين واجتهادهم في العبادة والعمل الصالح، فإن مثل هذه القراءة تعد الزاد الروحي في القدوة العملية التي تدفع الإنسان دائما إلى إنجاز العمل، فإن فقد القدوة في بيئته، فليغتنمها في السابقين.
وقد كان مالك ­رحمه الله­ ينهي درسه مع تلامذته أو مجالسته مع زملائه، ويستأذنهم قائلا: أستأذنكم أجلس مع الصحابة ساعة، يعني أنه يجالس كتبهم مدارسة وفهما، غير أن هذا لا يمنع أن يأخذ المرء القدوة من أي أحد لا من شخصه، بل من فعله.
ومن نماذج حال السلف في رمضان: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكان للإمام الشافعي في رمضان ستون ختمة، يقرؤها في غير الصلاة، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، بل كان بعضهم إذا جاء رمضان ترك العلم وتفرغ للعبادة.
ومن أفضل العبادات في رمضان إخفاء الطاعات، فكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك فإذا كان عند الصباح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.
وعن ابن أبي عدي قال: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله وكان خرازاً يحمل معه غذاءه من عندهم فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشياً فيفطر معهم.
وفي عون الآخرين على الطاعة عون للنفس، فحين يأخذ المسلم بيد غيره إلى ما يصبو إليه، فإن في دعوة الغير إصلاحا للنفس، وتثبيتا لها على الطاعة، وكما قيل: إن من آثار غسيل المرء للأشياء أن تتنظف يده، وإن لم يقصد نظافتها.
وقبل كل ذلك وبعده حسن التوجه إلى الله تعالى، وأن يقصد بعمله وقلبه وكل جارحة من جوارحه إلى الله تعالى. فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتغي به وجهه. ومن استعان بالله أعانه، ومن صدق الله صدقه.



6
948

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

**فتاة خير أمة**
شهر يفوق على الشهور بليلة *** من ألف شهر فضلت تفضـيلاً


طوبى لعبد صح فيه صيامه *** ودعا المهيمن بكرة وأصيــلا


وبليلة قــد قام يختم ورده *** متبتـــلاً لإلهــه تبتــيلا
**فتاة خير أمة**



يا قادما بالتقي في عينك الحب *** طال اشتياقي فكم يهفو لكم قلب
صبرت عاماً أُمني قرب عودتكم *** نفسي فهل يدنو لكم بها سِرب
قل هل لقيتكموا تخضر عامرنا *** والله أكرمنا إذ جاءنا الخصب
ففيكم يرتقي الأبرار منزلة *** والخاملون كسالى زرعهم جذب


يامن إليه القلب يهفوا وبه تسعد النفس ..

فارقتنا ودموع الحزن في المقل أتيتنا والشوق يحدوه الأمل ..

يا حبيباً فيك الخير والزرع ...
**غزال الريم**
**غزال الريم**
يا قادما بالتقي في عينك الحب *** طال اشتياقي فكم يهفو لكم قلب صبرت عاماً أُمني قرب عودتكم *** نفسي فهل يدنو لكم بها سِرب قل هل لقيتكموا تخضر عامرنا *** والله أكرمنا إذ جاءنا الخصب ففيكم يرتقي الأبرار منزلة *** والخاملون كسالى زرعهم جذب يامن إليه القلب يهفوا وبه تسعد النفس .. فارقتنا ودموع الحزن في المقل أتيتنا والشوق يحدوه الأمل .. يا حبيباً فيك الخير والزرع ...
يا قادما بالتقي في عينك الحب *** طال اشتياقي فكم يهفو لكم قلب صبرت عاماً أُمني قرب عودتكم ***...
جزاك الله خيرا
ولاحرمك الاجر
وبلغنا الله واياك رمضان وجميع المسلمين ونحن بصحة وعافية:26:
**فتاة خير أمة**
جزانا الله واياكم الجنة
اسأل الله بمنه وكرمه ان يبلغنا رمضان اعوام عديدة واعمارا مديدة بطاعته وبركته
**فتاة خير أمة**
.......؟