بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تعيش مع مريضك وتغيّر واقعه الذي يعيش فيه ؟
يستطيع « القريب من أهل المريض أو الأخ في الله أو الطبيب » أن يتخطى
حواجز المريض وحدوده إذا استطاع أن يشعره بقيمة وجوده وأعطاه الثقة بالله
بالكلمة الصادقة المرجو بها وجه الله يستطيع متى ما ساعد ذلك المريض على رؤية
الأشياء من حوله بوضوح تام خالياً من سحابة الخوف والجزع وظلمة اليأس ،
والإنسان كلما ارتقى بنفسه ارتقت همته وصغرت في عينه كل الصعاب وسهلت .
ولا ننكر دور الحالة النفسية للمريض وغير المريض ؛
والسؤال : كيف تعيش مع
مريضك وتغيِّر واقعه الذي يعيش فيه ؟ وكيف تكسر حواجزه وحدوده ؟ يمكن أن
يستحق ذلك بإذن الله بأمور أوجهها إليك ، ومنها :
=======
1 - عُدْه ، واسأله عن حاله ، واسأل أهله عنه :
فعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله :
« أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكوا العاني » ، ولقد عاد رسول الله
أصحابه ؛ فعن ابن المنكدر سمع جابر بن عبد الله يقول :
« مرضت مرضاً ، فأتاني النبي يعودني وأبو بكر وهما
ماشيان »
وما من شك في أن عيادة المريض تحقق الإيجابيات التي يسعى من هم حول المريض إلى إيجادها وتحقيقها .
وإيجابيات عيادة المريض كثيرة منها :
أولاً : إيناس المريض وامتلاك قلبه وشعوره بقيمته لدى الآخرين ؛ وكما قيل :
« الصديق وقت الضيق » .
ثانياً : إحساس الأسرة بمكانتها بين الناس ومدى احترامهم لها وحرصهم على
السؤال عن مريضها .
ثالثاً : الحصول على الأجر والثواب .
وإن تعذرت العيادة ففي مهاتفة المريض أو مكاتبته دور كذلك ؛ لكن عيادته
هي أقواها وأحبها إلى نفس المريض ، وإن لم تتجاوز دقائق معدودة ؛ ففيها عاطفة
صادقة وإحساس بمشاعر غامرة وخلق فاضل وأدب من الآداب التي يتحلى بها
المسلم ؛ فعيادة المريض « من الآداب الاجتماعية ، وهي حق من حقوق المسلم على
أخيه ؛ لأن المريض بحاجة ماسة إلى من يواسيه ويسليه ويتفقد أحواله ، ويساعده إذا احتاج إلى مساعدة ،
وهذا الأدب يرتبط بخلق العطاء عند المسلم ، وهو يعبر تعبيراً صادقاً عن مبلغ التآخي بين المسلمين ويوثق الصلة بينهم ، ويزيد من وشائج المحبة ، وأواصر المودات لا سيما إذا لاحظنا أن حالة المريض فيها من الانكسار النفسي ما يجعله رقيق الحاشية ، فيّاض العواطف مُهيّأ نفسياً للتأثير عليه وامتلاك مشاعر المحبة في قلبه ،
والمحبة متى وجدت في طرف سرت غالباً إلى الطرف الآخر بقوة نفاذها وقوة عدواها » .
وإذا ما عدت المريض فلا تغفل عن اتباع هدي المصطفى
صلى الله عليه وسلم
في طريقة السؤال والدعاء وإيناس المريض .
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في زاد المعاد :
« كان يعود من مرض من
أصحابه ... وكان يدنو من المريض ، ويجلس عند رأسه ، ويسأله عن حاله
فيقول :
كيف تجدك ؟ وذُكِرَ : أنه كان يسأل المريض عما يشتهيه ،
فيقول : « هل تشتهي شيئاً ؟ »
فإذا اشتهى شيئاً وعلم أنه لا يضره أمر به ، و كان يمسح بيده اليمنى على المريض ، ويقول : « اللهم رب الناس ، أذهب الباس ، واشفه أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً » ،
وكان يدعو للمريض ثلاثاً كما قال
لسعد : « اللهم اشف سعداً ، اللهم اشف سعداً ، اللهم اشف سعداً »
وكان إذا دخل
على المريض يقول له : « لا بأس طهور إن شاء الله » ،
وربما كان يقول :
« كفارة وطهور » .
وكان يرقي من به قرحة أو جرح ، أو شكوى ، فيضع
سبابته بالأرض ثم يرفعها ويقول : « بسم الله ، تربة أرضنا ، بريقة بعضنا ، يشفى
سقيمنا ، بإذن ربنا » .
- استمع إلى شكواه ورغبته أو ادفعه للتعبير عن نفسه وما يعاني منه :
وشكوى المريض إذا لم تكن على وجه السخط والضجر أو رد القضاء والقدر فهي ليست مذمومة ؛ فربما عبر لك عما يعانيه وهو يرجو منك كلمة تخفف مصابه
وتهون عليه وقع الألم أو يرجو منك دعوة في ظاهر الغيب وخاصة إذا كنت من
المقربين إليه . والرسول عندما شكى له أصحابه الحمى التي
أصابتهم لم ينكر عليهم شكواهم « استأذنت الحمى على النبي
فقال : من هذه ؟ قالت : أم مِلْدَم . قال : فأمر بها إلى أهل قباء ، فلقوا منها ما يعلم
الله ، فشكوا ذلك إليه ، فقال : ما شئتم ، إن شئتم أن أدعو الله لكم فيكشفها عنكم ،
وإن شئتم أن تكون لكم طهوراً . قالوا : يا رسول الله ! أو تفعَل ؟ ! قال : نعم .
قالوا : فدعها » ، ووجه الدلالة منه أنه لم يؤاخذهم بشكواهم ، ووعدهم بأنها
طهور لهم .
ومن حق المريض على الطبيب خاصة إذا شكى له أن يبث روح الأمل في نفسه ويعده بمساعدته حتى ولو كانت الحالة ميئوساً منها ؛ فالله لا يعجزه شيء ،
وأن يراعي التدرج في إخبار المريض عن طبيعة شكواه ، وما المرض الذي يعانيه .
وتبلغ أهمية التدرج مبلغها إذا كانت الحالة شديدة أو خطرة وأن لا يتعجل ؛
فالصراحة المؤلمة والمستعجلة والخالية من الأمل والثقة بالله تسبب انهيار المريض
نفسياً ، وليتذكر الطبيب المسلم أن هذا المريض مزيج من أحاسيس ومشاعر
يستطيع أن يمتلكها كما يمتلك أغلى شيء عنده .
3 - علِّمه كيف يتلقى الأحداث بكل صبر واحتساب ، وذكِّره بالأجر ، والثواب : فعن عائشة - رضي الله عنها -
قال رسول الله : « لا
يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة ، أو حط عنه بها خطيئة »
وقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - : « يكفّر عن المسلم حتى بالنكبة ، وانقطاع شسعه ، وحتى البضاعة ، يضعها في كمه ، فيفقدها ، فيفزع فيجدها في صحيفته » ،
ورغِّبه - رعاك الله - بالخير العاجل في الدنيا من حصول سعادة النفس وطمأنينتها ورضاها بما قدر ، ووعد الله للصابرين وحبه لهم ، وما أعده الله لهم في الدنيا والآخرة
* وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * ( آل عمران : 146 ) .
4 - إذا رأيت منه خوفاً أو جزعاً فأثنِ عليه :
بذكر أعماله الفاضلة - مهما قلَّت - ليذهب خوفه ، وليحسن ظنه بالله ، وحتى لا يضعف كذلك توكله على الله سبحانه وتعالى .
5 - للقصة أثر كبير في حياة الإنسان
** لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي
الأَلْبَابِ ** ( يوسف : 111 )
يأخذ منها العظة والعبرة ؛ فلا تغفل عن هذا الجانب
وأهميته
وينبغي أن يكون ذلك مع مراعاة دقة الخبر وصحة النقل ، وخير القصص ما كانت من كتاب الله وسنة رسوله « ومتى أيقن العباد أن ما يتلى عليهم من قصص القرآن وما بلغهم من حديث الرسول كله حق وصدق ،
فإنه سيكون له أثر عظيم في تقويم نفوسهم ، وتهذيب طباعهم ،
وأخذهم العبر والعظات من هذه القصص » ،
وكذلك قصص السلف ومدى
صبرهم ، والمعاصرين من أهل العلم وغيرهم .
6 - ذكِّره بالتوبة من الذنوب والمعاصي ورد الحقوق والمظالم :
وتجديد التوبة مأمور بها المريض والمعافى « لأن التوبة مطلوبة في كل حال » ،
وتذكيره يمكن أن يكون بالتصريح أو بالإشارة غير المباشرة أو
بالقصة وغير ذلك .
- لا تغفل عن أهمية تبصيره بالأحكام المتعلقة بالمرضى :
كالصلاة والطهارة وغير ذلك فإذا « كان المريض من ذوي العلم الذين يعرفون ، فلا حاجة أن تذكِّره ؛ لأنه سيحمل تذكيرك إياه على إساءة الظن به ، وأما
إذا كان من العامة الجُهال فهنا حين أن يبين له »
وعلى الطبيب أن لا يغفل
عن أهمية وجود « التراب » للتيمم لمن يعجز عن الماء ، وتنبيه إدارة المستشفى
في ضرورة توفيره في الأقسام التي يحتاج فيها مرضاها إلى استخدام « التراب »
للتيمم .
8 - حاول قدر استطاعتك في جعله يشترك معك في اهتماماتك وأعمالك :
حتى يخرج من الدائرة المغلقة التي يعيش فيها ، وحاول أن تستشيره في
بعض الأمور ، واجعله يساعدك ولو بأقل القليل « وذلك راجع لمقدرة المريض
وتقديرك أنت لحالته ، والوقت الذي يستطيع فيه المساعدة أو المشورة » .
وختام هذه الأمور : يا أيها القريب - أو الأخ أو الطبيب - سل الله العفو والعافية ، واحمد الله على نعمه التي لا تحصى .
وقبل أن أختم هذه الأمور
قد يقول قائل : كيف يمكن للطبيب أن يفعل كل هذا ؟ يستطيع أن يفعل إذا قصد ابتغاء الأجر ؛ فكما أن العبادة قد تنقلب إلى عادة فكذلك العادة تنقلب عبادة إذا قصد بها وجه الله .
-----------------------------------
اللهم شافي وعافي جميع المرضى
إنك على كل شئ قدير
اللهم صلي وسلم على النبي محمد وآله وصحبه أجمعين
--------------------------------
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
موضوع مهم بأهمية الاهداف السامية التي تعود على المريض ونفسيته
تحية لكِ