إنه مما لا شكَّ فيه أنَّ كلَّ واحدٍ منا يريد أن يكون محبوباً عند الناس ، يفرحون بلقائه ، ويحزنون لغيابه ، فتنشرح صدورهم بإيابه ، وتظلم قلوبهم لذهابه ، يفتقدونه إذا غاب ، ويسألون عنه إذا ذهب ، ويعينونه إذا احتاج ، ويناصرونه إذا ألمَّت به حادثة ، يحزنون لحزنه ، ويفرحون لفرحه ، ويتألمون لألمه ، ويسعون فيه رضاه ..
فأيُّ نعمة هو فيها ؟ مع ذلك المحروم الذي حُرم محبة الناس ، فهاهم تضيق صدورهم برؤيته ، وتنشرح صدورهم بذهابه عنهم ، يفرحون بسقوطه في كلِّ نائبة ، ويشمتون بوقوعه في أيِّ داهية ، يرغبون في موته وفنائه ، ويأملون في الحماية من حضوره والوقاية من شروره ، إذا غاب لم يفتقد ، وإذا حضر لم يستشار ، وإذا قال لم يُسمع له ، فلا هم يعتدُّون به ، ولا يرفعون به رأساً ؟!
فمن أيِّ الصنفين تريد أن تكون ؟!
أحسب أنَّ كلَّ عاقل يتمنى أن يكون ذلك الرجل المحبوب الذي تأنس له القلوب ، ولكن كيف السبيل لذلك الحلم الجميل ؟!
إليك الطريقة التي جاء بها خير الخليقة ، فكان بحق أحب الخلق وأفضل الناس وأكمل من درج على الأرض ؛ إنه محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
فعن سهل بن سعد الساعدي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل ، فقال : يا رسول الله ! دلني على عمل ، إذا أنا عملته ، أحبني الله ، وأحبني الناس ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ازهد في الدنيا يُحبَّكَ الله ، وازهد في الناَّسِ يُحبُّكَ الناس " وفي رواية :" ازهد في الدنيا يُحبَّك الله ، وازهد فيما في أيدي الناسِ يُحبَّكَ الناسُ "
هكذا يحبك الناس ، فإنهم يأمنون معاملتك ، ويثقون بقولك ، ويعتقدون فيك الأمانة ، ويستبعدون عنك الخيانة ، فيطمعون فيك لعفَّتك عن الطمع فيهم ، وزهدك عن التشبث بما في أيديهم ، فها أنت تعطيهم حقوقهم في سهولة ، وتتنازل عن بعض حقِّك في كرم وأريحية ، فكيف لا يحبونك ويغرسونك في قلوبهم وقد استغنيت عما في أيديهم ؟!
فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : أتى رجلٌ إلى النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ! حدِّثني بحديثٍ واجعله موجزاً ؟ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم :" صَلِّ صلاةَ مُودِّعٍ ، كأنَّك تراه ، فإن كنتَ لا تراهُ ، فإنَّه يراكَ ، وايأَس مِما في أيدي الناسِ تكُن غَنيَّاً ، وإيَّاكَ وما يُعتذرُ مِنهُ " وهل شرفك إلا في عدم التطلُّع لما لهم ؟
وهل عزَّتُك إلا في الاستغناء بالله عما عندهم ؟!
فعن أبي هريرة ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" شَرَفُ المؤمنِ صلاتُه بالليل ، وعِزُّه استغناؤه عما في أيدي الناس "
فلا تلتفت عمن بيده ميراث السموات والأرض ، وهو الغني الكريم ، إلى الفقراء الضعفاء الذين لا يملكون لأنفسهم من قطمير ، فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ليستَغنِ أَحَدُكُم عنِ الناسِ ولو بقَضيبٍ مِن سواكٍ "
قال ابن عُيينة : دخل هشام بن عبد الملك الكعبةَ فإذا هو بسالم بن عبد الله ، فقال : سَلني حاجةً ؛ قال : إنِّي أستحي من الله أن أسألَ في بيته غَيرَه ، فلما خرجا قال : الآن فسلني حاجةً . فقال له سالم : من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ فقال : من حوائج الدنيا . قال : والله ما سألتُ الدُّنيا من يَملِكُها ، فكيف أسألُها مَن لا يملِكُها ؟
فهل يكفيك هذا ؟!
اسمع لهذه الخاتمة الطيبة ، لتعيش حياة طيبة ، قال تعالى : ( وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طـه:131)
بهذا تكون محبوباً ، وإلاَّ فلا تلم إلا نفسك J والله سبحانه أعلم L
وأستغفر الله من أي زلة أو خطأ أو نسيان ...
رائدة الشبكة1 @rayd_alshbk1
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
وازهد فيما في أيدي الناسِ يُحبَّكَ الناسُ
صدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
جزاك الله خير
:26: :26: :26: