كيف عالج الإسلام الفقر|| ابراهيم الدويش

ملتقى الإيمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .





كيف عالج الإسلام الفقر(1) في 22/12/1432هـ







الحمد لله الغني عن العالمين، الرزاق ذو القوة المتين، يرزق من يشاء بغير حساب، يعطي ويمنع، ويفقر ويغني، وهو الغني الحميد، وصلى الله على النبي الأمين، وقدوة الناس أجمعين، مات فقيراً والدنيا بين يديه، صلى الله عليه، وعلى أهله وأصحابه ومن سار على سنته ليوم الدين،أما بعد: فاتقوا الله عباد الله يرزقكم من حيث لا تعلمون،{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، الفقر وما أدراكم ما الفقر؟ مشكلة قديمة وحديثة، وجميع الأديان والفلسفات والمذاهب لعبت بوتره، وبادرت بتقديم الحلول له، وحاولت التخفيف من آثاره المترتبة عليه، وعلى العكس أيضًا فهناك من حرص -قديمًا وحديثًا- على توطيد أركان الفقر، والإبقاء على أسبابه ودواعيه، بل كثيرًا ما افتعلوا المشاكل والأزمات، وأشعلوا فتيل الحروب والفتن والنزاعات، حتى يحققوا مصالحهم الخاصة، ويضمنوا سوقًا لمصانعهم الجهنمية التي تنتج آلات القتل والتدمير والتخريب، فهؤلاء يرون في إشعال فتيل التوترات والأزمات في كل الجهات الوسيلة المثلى لتحقيق الأرباح الطائلة، وجمع أكبر قدر من الثروة، هلك من هلك أو افتقر من افتقر، بل توجهت بعض السياسات إلى استغلال الفقر لتوطيد أقدامهم وتثبيت زعامتهم فأفقروا الناس لإشغالهم بأنفسهم، واستغلوا فقر الفقراء وبؤس المعوزين، وابتزازهم واستخدامهم مقابل أجور زهيدة، عملاً بسياسة (جوع كلبك يُطعك)، ولما كان للفقر آثار سلبية خطيرة في جميع مناحي الحياة حاربه الإسلام بشتى الوسائل، وعلى كافة المستويات ومختلف الأصعدة، فالفقر خطر على العقيدة, وخطر على الأخلاق، وخطر على سلامة التفكير, وخطر على الأسرة، وعلى المجتمع بأسره..، فهو بلاء استعاذ منه النبيe بالله مقترنًا بالكفر في سياق واحد فقال:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْفَقْرِ".وكَانَeيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ"، لأن الفقر وإن لم يكن كفرًا إلا أنه قد يجرّ إليه. ولذا قدّم الإسلام حلولاً واقعية وجذرية للفقر، فاتسمت معالجته له بالعمق وشمولية النظرة وتكاملها واتزان الطرح وعقلانيته، فوضع نظامًا ماليًّا اقتصاديًّا فذًّا لا يعرف له نظير في تاريخ الاقتصاد العالمي، يضمن العيش بكرامة لجميع فئات المجتمع، ويحفظ الخصوصية الفردية ومصالح العامة، إذا طُبق هذا النظام بحذافيره، خلافًا للنظام الشيوعي البائد المنهار المخالف للفطرة والعقل...، وخلافًا للنظام الرأسمالي السائد الذي يترنح هذه الأيام، وينتظر العالم كله سقطته الموجعة، لأنه يُقدس الملكية الفردية والتربح على حساب المجتمع وخرابه ودماره، بل وعلى حساب الفقراء والمساكين، كما يتناقل الإعلام بكل وسائله آثاره المدمرة هذه الأيام في الدول التي تطبق الرأسمالية المقيتة، حيث يزداد أعداد الفقراء والعاطلين يومًا بعد يوم حتى في دول الغرب أقوى اقتصاد في العالم، وحاضنة النظام الرأسمالي، فهانحن نسمع بنوكها بالمئات تعلن إفلاسها يومًا بعد يوم، بل بدأنا نسمع عن إحصائيات أظهرت أن عدد الفقراء في الولايات المتحدة وصل إلى أكثر من تسع وأربعين مليون شخص (1، 49)، في عام ألفين وعشرة للميلاد(2010م). ولو سألتم عن السر في تميز النظام الاقتصادي في الإسلام؟ فالإجابة كامنة في أصل نظرته للمال، وأنه لله سبحانه وتعالى وحده، وما ملاكها إلا مستخلفون فيه، وأمناء ووكلاء له، يجب عليهم أن يحسنوا الاستخلاف، ويحافظوا على الودائع، وليس لهم مطلق التصرف، بل هو مقيد بأوامر وشرع المالك الحقيقي للمال، الذي راعى في شرعه العدل وأحوال الجميع من أغنياء وفقراء على حد سواء، لأنه أراد مصلحة المجتمع بكافة أطيافه وفئاته، بما فيهم أهل الذمة، مع مراعاته أيضاً لتطلعات الفرد وجهوده، فاسمعوا للقرآن سماع عمل وتطبيق وليس فقط تلاوة وتعبد وتمطيط، يقول الحق سبحانه:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}.ويقول:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}.ويقول:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}. ويقولeكما في صحيح مسلم وغيره عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّe قَالَ:«إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ)).وقد أمر الإسلام بالمحافظة على المال، واعتبره عصب الحياة،ومنع من إضاعته وتبديده،وتكديسه وتكنيزه، فأوجب فيه الزكاة المفروضة والنفقات الواجبة تحريضًا وحملاً للأغنياء على ألا يبقوا أموالهم مكدسة تأكلها الزكوات والصدقات، وحتى يبقى المال متنقلاً ومتداولاً _كما هو الهدف الأصلي منه_ بين جميع فئات المجتمع،وأن يبقى وسيلة لتبادل المنافع والمصالح، وتشغيل الناس، وتحريك قواهم ومواهبهم في كسبه، وتحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم المشروعة، فحرم الإسلام الإسراف والتبذير،وجعل المبذرين قرناءللشياطين،{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.ولم يقتصر الإسلام على الخطط العلاجية في حل مشكلة الفقر؛ بل وضع الخطط الوقائية أيضًا. فأعلن حرباً لا هوادة فيها على الربا والمرابين،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}.وهاهي قلاع الربا تتهاوى، بل دول متحضرة بأكملها تصارع إعلان إفلاسها؟ فأين من يتعظ ويعتبر؟ فالفقراء في العالم يتزايدون بالآلاف، وهاهي الطبقة الوسطى تتضاءل وتقاتل من أجل البقاء فآلاف المتظاهرين في كبريات دول العالم يخرجون هذه الأيام تحت شعرات(احتلوا وول ستريت) (واحتلوا لندن) وغيرها لمعرفتهم يقيناً بما ستؤول أحوالهم إليه قريباً، ولعلنا لا نطنب بوصف الحال فهو ظاهر للعيان، وكأني بكم تتعجلون وتتساءلون عن الحلول لمشكلة الفقر؟! فلا شك أنه مشكلة تعقدت كثيراً ببعدها عن منهج السماء، فقد أصبحت معقدة تتداخل فيها العديد من الأسباب والعوامل، وفي الغالب الأعمِّ أن سلوك الإنسان ذاته، وفساد نظامه الاقتصادي، سواء من ناحية ضعف الإنتاج وعدم استغلال الموارد الطبيعية وكنوز الأرض، أو سوء التوزيع، أو هما معًا، هي أبرز الأسباب التي تكمن خلف مشكلة الفقر. فما هي الخطوات العملية لعلاج مشكلة الفقر في الإسلام: أول خطوة لعلاج وحلِّ مشكلة الفقر هي:أن يتم توعية الفقير نفسه وتعليمه أن الفقر ليس عيبًا، فهو ليس صفة ثابتة ملازم لصاحبه، ولذا فإن الذي بيده مفتاح الحل الناجح لهذه المشكلة هو:الفقير نفسه، عندما يقتنع قناعة تامة من داخله بأنه يمكن أن يتغير،وأن يصبح غنيًّا،أو على الأقل:يستغني عن الآخرين، ولا يكون ذلك إلا بالصبر والعزيمة والإصرار، والأخذ بالأسباب الشرعية والمادية؛فالإسلام يُبغض ركون بعض الفقراء إلى الفقر كأنه قدر مكتوب عليه،فلا يحاول التغيير، بل يذهب ليستجدي ما في أيدي الناس؟! فهذا عمر بن الخطاب t يقول للذي تفرغ للعبادة في المسجد النبوي:من يعيلك؟ قال: أخي الذي يعمل. قال:أخوك خير منك. فالإسلام فتح الفرص أمام الجميع للعمل والتنافس، ووعد أن من جدَّ وجد، ومن زرع حصد، وأن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة على أحد، وأن العمل الجاد المتقن معيار التفوق في الدنيا والآخرة،كما قال تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}.وقال:{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}. وقال:{إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. وكم من فقراء اليوم هم أغنياء الغد بإذن الله تعالى، والعكس صحيح أيضًا، بل إن قراءة سير الأغنياء تدلك على أن جلَّهم لم يرثوا الغنى،بل بدؤوا من الصفر.
ولم أجِدِ الإنسانَ إلا ابنَ سعيهِ فمن كانَ أسعى كانَ بالمجدِ أجدرَا
وبـالهمَّةِ العلياءِ ترقى إلى العُلا فمـن كان أعلى همةً كان أظهرَا
ولـم يـتأخَّر مـن أرادَ تقدُّمًا ولـم يتقـدَّم مـن أرادَ تأخُّرَا
الخطوة الثانية في علاج مشكلة الفقر هي متممة للخطوة السابقة،وهي:أن أنجع خطوة في علاج الفقر أن نمكِّن الفقراء من أدوات الإنتاج، وأن يُفسح المجال أمامهم،ونمدهم بالمال والتجارب والتدريب والخدمات، فيكون الفقير منتجًا شريكًا للعملية التنموية، معتمدًا على نفسه لا على معونات الآخرين، ينتظر زكواتهم وأعطياتهم متى تُمد إليه، والسياسة الاقتصادية في الإسلام قائمة على زيادة الإنتاج، والاعتماد على النفس، وتقليل الاعتماد على الغير. وأعظم مثال تطبيقي لنجاح هذه الوسيلة في تاريخ الإسلام هو:حل مشكلة المهاجرين الذين تركوا كل ما يملكون وراءهم، وقدموا إلى مجتمع ليس لهم به معرفة، ومختلف في العادات والأعراف والحرف... فمع أن مشكلة الهجرة الجماعية من المشاكل المستعصية تعجز عنها الدول حتى في عصرنا هذا؛ عصر التقنيات والخدمات، ووفرة المال والمنظمات الدولية للإغاثة، إلا أن الإسلام قدَّم لها حلولاً ناجعة ناجحة، تحفظ كرامة المهاجر، وتصون ماء وجهه، وتدفع الأنصار إلى مسابقة الخيرات، حيث آخى بين المهاجرين والأنصار، فقد ضرب الأنصار أروع الأمثلة في الحب والإيثار لإخوانهم المهاجرين، وقدموا شطر أموالهم لهم، إلا أن أبناء الإسلام من المهاجرين ضربوا أروع الأمثلة أيضًا في العفة والعزة والاعتماد على النفس، وعدم قبول مواساة إخوانهم إلا في أضيق الأحوال والحدود، وبمقابل جهود وأتعاب، وقصة عبد الرحمن بن عوف مع الأنصاري الذي آخى رسول الله e بينهما خير دليل وشاهد في هذا، عن إِبْرَاهِيم بْن عبد الرحمن بن عوف قَالَ:لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِeبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ،قَالَ(سعد)لِعَبْدِ الرَّحْمَن:إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا،فقَالَ:بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ،أَيْنَ سُوقُكُمْ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَمَا انْقَلَبَ إِلَّا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ ثُمَّ جَاءَ يَوْمًاً وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّeمَهْيَمْ (أي ما شأنك أو ما هذا)؟ قَالَ:تَزَوَّجْتُ، قَالَ:"كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا" قَالَ:نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ"(البخاري). وفِي رِوَايَة اِبْن سَعْد"فَانْطَلَقَ بِهِ سَعْد إِلَى مَنْزِله، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَا وَقَالَ: لِي اِمْرَأَتَانِ وَأَنْتَ أَخِي لَا اِمْرَأَة لَك, فَأَنْزِل عَنْ إِحْدَاهُمَا فَتَتَزَوَّجهَا, قَالَ: لَا وَاللَّه, قَالَ: هَلُمَّ إِلَى حَدِيقَتِي أُشَاطِركهَا, فَقَالَ: لَا ".ومع الأسف أن البعض من الفقراء عند سماعه لهذا الموقف يُطالب الآخرين بأن يكونوا مثل سعد بن الربيع وهذا حق، ولكن"وإن أعجب بسماحة (سعد بن الربيع) فإننا نتمنى على كل فقير أن يَحتذي بنبل عبد الرحمن بن عوف وتعففه، يوم ذهب يُزاحم اليهود في سوقهم، ويبزهم في ميدانهم، فاستطاع بعد أيام أن يكسب ما يعف به نفسه، ويُحصن به فرجه! وهذه الحال لا يخص عبد الرحمن بن عوف وأخاه سعد بن الربيع، بل هو حال جميع المهاجرين مع الأنصار، حيث إن الرسولe والمهاجرين لم يقبلوا جود الأنصار دون مقابل وبذل من المهاجرين، كما في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّe:اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ؟! قَالَ:"لَا"فَقَالُوا(أي:الأنصار حينئذ،وبعد هذا الرفض):تَكْفُونَا الْمَئُونَةَ(العمل والتعب في النخيل) وَنَشْرَكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ. قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا". بمثل هذا الفكر يقل الفقر، فالمسلم مأمور بطلب الرزق الحلال، كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }.وقال عمر بن الخطابt:"لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني. وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضةً، وأن الله إنما يرزق الناس بعضهم من بعض، وتلا قوله تعالى:{فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ}.بل قدم الله طلب الرزق الحلال على الجهاد في سبيل الله في سورة المزمل فقال:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.وما أجمل المثل القائل: (لا تُعط الفقير السمكة، بل علمه كيف يصطادها)، وأحسن منه في التشجيع على تعلم المهن ما جاء عن علي بن أبي طالبtقيمة كل امرئ ما يحسنه». فاسأل نفسك يا كل فقير، ياكل عاطل ومحتاج ماذا تُحسن؟ وهل بيدك صنعة تتقن؟ إذاً فسوق المدينة يعج بكل الأجناس والأعمار، فسر على بركة الله وعندها لا تخشى الفقر، كما قالe: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ». وقديمًا قالت العرب:"صنعة في اليد أمان من الفقر"،فالإنسان خُلِق حتى يعمل وينتج ويتنافس مع إخوانه في جلب المنافع وحصد الثمرات: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا".لقد فهمت هذا المعنى النبيل تلك الطيور الصغيرة التي لا تعقل فلنأخذ منها عبرة، ولنتوكل على الله حق التوكل، فالطير تخرج الفجر خماصاً جائعة في رحلة قد تطول حتى تملأ حوصلتها فترجع بطانًا شبعى،بعد أن أخذت بالأسباب، كما قَالَe:"لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"،رواه الترمذي وقال:حَسَنٌ صَحِيحٌ. وللحديث بقية نسأل الله أن يغنينا من فضله وأن يبارك لنا في أرزاقنا وأولادنا، أقول ماتسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . .



نقلا عن الموقع الرسمي للشيخ ابراهيم الدويش .
منقوول ايضا

4
432

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

للأمل عنوان
للأمل عنوان
جزاك الله خيرا
إشراقةالأمل
إشراقةالأمل
اضغطي هنا لمشاهدة الصورة بحجمها الأصلي
سئل فضيلة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عن أجمل حكمة قرأها في حياته
فـقـال :
لقد قرأت لأكثر من سبعين عاما ، فما وجدت حكمة أجمل من تلك التي رواها ابن الجوزي رحمه الله في كتابه ( صيد الخاطر)

حيث يقـــول :
« إن مشقة الطاعة تذهب ويبقى ثــوابـهـــــــا
وإن لذة المعاصي تذهب ويبقى عـقـابــهـــــــا»
فعلوا عضويتي رجاءا
بارك الله فيكن