نصر

نصر @nsr_1

محرر في عالم حواء

كيف نتخلص من اليأس?

الملتقى العام

أولاً: أن ندرك أن اليأس مذموم شرعاً وعقلاً: فالعمل والتفاؤل أمر لابد منه، ومهما ساء الواقع فالعمل لابد أن يترك أثره. واليأس لم يأت في نصوص الشرع إلا في مقام الذم والعيب, بل حين يصل الإنسان اليائس إلى يأسه من روح الله ورحمته فإن هذا من صفات الكافر كما قال الله عز وجل:} إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(87){ . حين ندرك أن اليأس مذموم، ولا يأتي إلا في مقام الذم والعيب؛ ندرك أن اليأس لا يدفع للعمل، بل يدفع للقعود والتواني والكسل، وسيدفعنا هذا إلى أن نتجاوز حالة اليأس التي نعيشها.

ثانياً: الاعتدال في النقد: إن تفكيرنا في أحيان كثيرة تفكير متطرف، فلا نجيد إلا الإعجاب المطلق المبالغ فيه، أو الذم والنقد المبالغ فيه. التطرف هنا أو هناك أمر مذموم، والنقد مطلوب حتى نصحح واقعنا كأفراد، ونصحح واقع مجتمعاتنا، فلابد من النقد حتى يؤدي دوره وثمرته، فإما أن ننتقد أنفسنا نحن، وإما أن ينتقدنا الآخرون، لكن النقد ينبغي أن يكون بموضوعية واتزان، فحينما نبالغ في النقد ويتجاوز النقد حده فإن هذا الأمر سيؤدي إلى اليأس.

جيئ برجل يشرب الخمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلد فسبه رجل، فقال صلى الله عليه وسلم : رواه البخاري وأبوداود وأحمد. العقوبة التي يستحقها أخذها وهي الجلد فحينما يذمونه ويعيبونه ويلعنونه، فإن هذا سيجعل الشيطان يتسلط عليه أكثر. هذا على مستوى الأفراد.

أما على مستوى المجتمعات، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في ذلك فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: رواه مسلم وأبوداود ومالك وأحمد. قال الإمام الخطابي رحمه الله: "معناه: لا يزال الرجل يعيب الناس، ويذكر مساوئهم، ويقول: فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم، أي أسوأ حالاً منهم؛ بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم والله أعلم".

ثالثاً: النظر في السنن الربانية: وهذا الأمر مهم، ومن ذلك:

أن تنظر أن هذا الدين جاء من عند الله، وهو الذي خلق الناس وهو أعلم بهم، بل هو تبارك وتعالى أعلم بالناس من أنفسهم:} أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14) { . وقد شرع الله لهم هذا الدين، ولم يشرع للناس إلا ما يطيقونه, وهذا يقودنا إلى نتيجة بدهية، وهي: أن كل ما أمرنا الله به فهو مما نطيق فعله، وأن كل ما نهانا عنه فهو مما نطيق تركه والتخلي عنه، ولو عشنا فترة وألفنا واقعاً سيئاً في ذوات أنفسنا، كمنكر أو معصية داومنا عليها وتخيلنا أنها أصبحت جزءاً منا، فهذا من كيد الشيطان وتلبيسه، و إلا فما دام الله قد نهانا عنها وحرمها علينا؛ فنحن نطيق أن نتجنبها ابتداءً، ونطيق أن نتخلى عنها حينما نقع فيها، هذا على مستوى الأفراد.

وعلى مستوى المجتمعات: أخبر صلى الله عليه وسلم أن كل نبي كان يبعث إلى قومه خاصة أما هو صلى الله عليه وسلم فبعث إلى الثقلين الجن والإنس عامة فهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات و شريعته خاتمة الشرائع ، ومن منزلة هذه الأمة وكرامتها أن فيها طائفة منصورة إلى قيام الساعة. وجعل الله هذا الدين رسالة وشريعة لهذه الأمة الخاتمة إلى أن تقوم الساعة، وهذا يعني أن البشرية تستطيع أن تقيم حياتها على أساس هذا الدين في كل الظروف، وكل المتغيرات منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، وتستطيع أن تستوعب كل المتغيرات الجديدة وتقيم حياتها على هذا الدين وإلا لم يكن هذا الدين ديناً خاتماً، ولم تكن هذه الرسالة رسالة خاتمة. وهذا يعني أن المسلمين قادرون على أن يلتزموا بدينهم، وأن يقوموا بهذه الرسالة التي حملهم الله إياها وهم خير أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يقودون البشرية للهداية.

حينما نفكر في هذه القضية البدهية، فهذا يقودنا إلى هذه النتيجة: أن هذه الأمة بل إن البشرية كلها يمكن أن تستقيم على هذا الدين في ظل أي متغير، وأي عصر، وأي ظرف، وأنه لا يمكن أن يتعارض ذلك مع التقدم العلمي والتقني.

رابعاً: النظر في النصوص الشرعية التي تدل على تمكين الدين وانتصار الإسلام : ومنها:

ما جاء من وعد الله تعالى لعباده المؤمنين:} وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ(47){ . }إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7){ . }قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ(14){ . }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55){ .

هذا وعد من الله تعالى لابد أن يتحقق وأن يتم، والذين في قلوبهم مرض أو الذين يسيطر عليهم ضغط الواقع كثيرا ماتغيب عنهم هذه الحقائق في وعد الله . والله عز وجل قد وعد بني إسرائيل وحقق لهم ما وعد يقول عز وجل:} إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4) { ثم قال تبارك وتعالى:} وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6){ . إذاً: الوعد الذي تحقق لبني إسرائيل في ظل ذلك الواقع المظلم البائس لابد أن يتحقق لهذه الأمة، وهذه الأمة أبر وأتقى وخير من بني إسرائيل.

وفي نصوص السنة نجد شواهد كثيرةً منها: قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رواه أحمد . وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ:" قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ" رواه أحمد. والنصوص التي يخبر فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن النصر والتمكين نصوص كثيرة، لكن الشاهد أن إدراك هذه النصوص مما يزيل اليأس .

خامساً: إدراك أن استحكام اليأس طريق إلى الفرج: والفرج دائماً يأتي بعد شدة اليأس, وبعد أحلك المواقف والصعوبات.

وكل الحادثـات إذا تناهــت فمـوصولٌ بها الفرج القريب

سادساً: الأحداث السيئة في ظاهرها قد تكون خيراً: قد يكون حدث لا يرى منه الناس إلا الوجه السيئ فيصبح خيراً والناس لا يعلمون, يقول تعالى:} فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(19){ و في قصة الإفك حين قُذفت عائشة رضي الله عنها بالزنا، فهل كان يدور في بالها حين سمعت هذه المقولة أن هذا الحدث سيكون خيراً لها؟ أو هل كان يدور في بال أحدٍ ممن عاش الحدث ذلك الوقت أن هذا خير لها؟ ثم نزل قول الله تعالى:} لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ(11){ فبرأها الله من فوق سبع سماوات، وهي كانت تقول:" وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ ".

ومثل ذلك ما حصل لمريم حينما حملت بعيسى حتى قالت:}يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا(23) { فكان خيراً لها، فحملت بنبيٍّ من أولي العزم من الرسل.

إن الأحداث السيئة قد تكون خيراً والمتفائلون هم الذين يبحثون في الأحداث عن البشائر والمبشرات، وليسو هم أولئك الذين يسيطر عليهم اليأس والقنوط . وحينما نعيش روح التفاؤل، فإن الأحداث التي تواجهنا ينبغي أن نتعامل معها بتوازن, نعم نحن لا نعيش في أحلام، ولا نتغافل عن المخاطر لكن إذا كنا نريد الإصلاح والتغيير فلنبحث عن الجوانب والثغرات التي يمكن من خلالها أن نصلح، ونصل إلى الهدف المنشود. لم لا نبحث عن مواطن الثغرات التي يمكن أن نستثمرها؟ التغير الهائل الذي سيواجهنا اليوم لماذا لا نبحث عن كيفية استثماره في الإصلاح، وتغيير واقع المسلمين ؟ صحيح أنك ترى في مجمله شراً لا يؤذن بخير، وأن الأمر لو كان بأيدينا لما تمنينا أن يحصل, لكن ليست مسئوليتنا أن نبحث عن جوانب الخطورة، والذي ينبغي أن نفكر فيه أن نبحث عن نقاط نتسلل من خلالها، ونستثمر مثل هذه الأحداث لتكون منطلقاً لإصلاح أوضاعنا.

سابعاً: قراءة التاريخ:حين نقرأ التاريخ سنجد أن الفرج دائماً يأتي بعد الشدة والضيق، ولنضرب على ذلك نماذج:

في قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل: جاء موسى وقد تسلط فرعون على بني إسرائيل واستعبدهم واستذلهم، ثم حصل ما حصل، فأمره الله عز وجل أن يخرج مع بني إسرائيل، فخرجوا فلحقهم فرعون وقومه حتى كانوا أمام الخطر المحدق، البحر أمامهم وفرعون وراءهم:} فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61)قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62){ . في الماضي كان فرعون يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم، ومع ذلك يمكن أن يَسْلَمَ بعضهم ويبقى، أما الآن فبنو إسرائيل محصورون، وليس أمامهم إلا الإبادة، فقد شعروا بأن حياتهم منتهية، فحصل لهم الفرج }فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63)وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ(64)وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ(65){ .

في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نماذج عدة، ومنها:

حادثة الهجرة: فقد حاصر المشركون بيت النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه لم ينم في بيته، وخرج وصاحبه إلى الغار واختفيا فيه وخرجا من طريق آخر، وكان المشركون قد استنفروا قواهم؛ ليظفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه حياً أو ميتاً, وبلغ الأمر غاية الشدة فما الذي حصل بعد ذلك؟ استقر المسلمون وأقاموا الدولة, وبنوا المسجد وصلوا مطمئنين.

جاءت غزوة الأحزاب بعد ما أصاب المسلمين ما أصابهم في غزوة أحد يريدون أن يقضوا على هذه الطائفة تماماً، وجاءت الآلاف من الأحزاب إلى المدينة وحاصرتها، اليهود من ورائهم والأحزاب من أمامهم، حتى صار الأمر كما قال الله عز وجل:} إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا(10)هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11){ حتى بلغ بهم الأمر كما قَالَ حُذَيْفَةُ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ: فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ: فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ فَقَالَ: فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: رواه مسلم وأحمد . والموقف ليس حرباً متكافئة الطرفين، أو أنه ستغلب مجموعة وتنهزم الأخرى، إنما الموقف في غاية الخطر والخطر الداهم الذي يمكن أن يجتاح المدينة كلها ويبيدها تماماً، حتى نجم النفاق، وقالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً، وبعد ذلك يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَجْلَى الْأَحْزَابَ عَنْهُ: رواه البخاري وأحمد .

جاء صلح الحديبية، واشترط المشركون شروطاً، وكان الذي سخطه المسلمون هو أن من جاء من المسلمين إليهم يعيدونه إلى المشركين, والمسألة ليست شرطاً فحسب إنما هو موقف يثير العواطف، يجيء أبو جندل يرسف في قيوده، فيقول أبوه: هذا أول ما أقاضيك عليه أن تعيده، فيسأله الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعه فيقول: لا، فيقول أبو جندل: يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني. وتزامن هذا الموقف مع الشرط الذي حتم عليهم ترك العمرة هذا العام، والعودة من العام المقبل، حتى فعل عمر رضي الله تعالى عنه ما ندم عليه، وبعد ذلك كله ما الذي حصل؟

كان هذا الصلح خيراً للمسلمين كان فتحاً حتى أنزل الله قوله:} إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا(1){ والشرط الذي اشترطه المشركون كان فيه الخير، هرب أبو بصير وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورده، وهرب إليه ضعفاء المسلمين وهددوا قريش حتى جاءت قريش ترجوه أن يتنازل، ويقبل ضعاف المسلمين.

ومن نتائجه: أنه لما صالح المشركين وأمن شرهم؛ تفرغ المسلمون لليهود في خيبر وقضوا عليهم، وتفرغوا للمناطق الأخرى التي حول المدينة، وانتشرت دعوة الإسلام حتى صار عدد الذين دخلوا الإسلام من صلح الحديبية حتى فتح مكة أكثر من الذين دخلوا الإسلام منذ أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلح الحديبية, فانظر كيف كان الصلح، ثم حين نقضت قريش هذا الصلح كان سبباً في فتح مكة.

استقرت دولة الإسلام وحدثت أحداث عدة، ومن أبرزها حدثان:

غزو الصليبيين لبيت المقدس: يقول ابن كثير رحمه الله :"ثم دخلت سنة اثنين وتسعين وأربعمائة وفيها أخذت الفرنجة بيت المقدس، ولما كانت ضحى يوم الجمعة من سبع بقين من شعبان سنة اثنين وتسعين وأربعمائة حتى أخذت الفرنجة لعنهم الله بيت المقدس شرفه الله وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل,وقتلوا في وسطه أزيد من سبعين ألف قتيل من المسلمين ثم جاسوا خلال الديار" . واستولى الصليبيون على بيت المقدس وبقي في أيديهم تسعون سنة ثم بعد ذلك كتب الله النصر والتمكين للأمة، وأعيد البيت الشريف.

كارثة التتار: وأنقل لكم نماذج مما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله يقول:" وصل بغداد بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر أحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية، وجيوش بغداد في غاية القلة، ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وهم في غاية الضعف، وبقية الجيش كلهم قد صرفوا من إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم بالأسواق وأبواب المساجد وأنشد الشعراء فيهم قصائد يرثون لهم، ويحزنزن على الإسلام وأهله...ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش وقين والوسخ وكمنوا كذلك أياماً لا يظهرون وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم، فيهربون منهم إلى عالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة، إنا لله وإنا أليه راجعون، وكذلك في المساجد والجوامع والرباع، ولم ينج منهم سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وطائفة من التجار أخذوا عليهم أماناً بذلوا عليه أموالاً جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم، وعادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة" .

هذه مقتطفات مما حكاه الحافظ ابن كثير حول ما أصاب المسلمين في غزو بغداد, هذه المآسي وقعت في بغداد حتى سيطر على المسلمين اليأس، وشعروا أن التتار قوة لا تهزم, ثم استفاقت الأمة بعد ذلك، وقاتلوا التتار، وهزموهم، وعادت الأمة إلى مجدها ونصرها.

إذاً: هذه النماذج للأمة التي استفاقت بعد الردة, الأمة التي استفاقت بعد غزو الصليبيين, الأمة التي استفاقت بعد مجازر التتار وغزوهم؛ قادرة بإذن الله أن تستفيق وأن تنتصر، وقراءة التاريخ تعطينا الدرس والعبرة، لكن اليائسين لا يعتبرون، والنصر لا يكتب لليائس، والتغيير لا يمكن أن يتم على أيدي اليائسين. اللهم إنا نعوذ بك من أن نيأس من روحك، ورحمتك إنك سميع مجيب.

من محاضرة"اليأس لا يصنع شيئاً" للشيخ/محمد الدويش








--------------------------------------------------------------------------------
1
476

هذا الموضوع مغلق.

أميرة الإحساس
جزاك الله خيرا .