كيف نجدد الإيمان في قلوبنا ؟

ملتقى الإيمان

كيف نجدد الإيمان في قلوبنا ؟؟

الإيمان! كلمة عظيمة لا يعلم معناها إلا من ذاق حلاوتها، ولا يذوق حلاوتها إلا من عاش في كنف طاعة الله عز وجل. وقد جعل الله من أسباب تجديد الإيمان وتقويته الأعمال الصالحة، ومن أسباب ضعفه السيئات وكثرتها.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب) أي: إن الإيمان يبلى في القلب مثلما يبلى الثوب إذا اهترى وأصبح قديماً , ويقول عليه الصلاة والسلام (ما من القلوب قلب إلا و له سحابة كسحابة القمر ، بينما القمر يضيء إذ علته سحابة ، فأظلم ، إذ تجلت ) حديث حسن في صحيح الجامع رواه علي بن أبي طالب
أحياناً تأتي سحابة فتغطي ضوء القمر برهة من الزمن، ثم تزول السحابة وتنقشع، فيرجع ضوء القمر مرة أخرى؛ ليضيء في السماء، وكذلك قلب المؤمن تعتريه أحياناً سحبٌ مظلمةٌ من المعصية فتحجب نوره، فيبقى الإنسان في ظلمة، فإذا جدد الإيمان، واستعان بالله عز وجل، انقشعت تلك السحب، وعاد نور قلبه يُضيء كما كان. والإنسان إيمانه في ارتفاع وهبوط، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والواحد منا الآن في أحواله العادية إذا خرج يمشي في السوق ويُبصر زينة الدنيا، ثم دخل إلى المقابر، فتفكر ورق قلبه، فإنه يُحس بين الحالتين فرقاً بيناً، فإن القلب يتغير بسرعة .
علاج ضعف الإيمان :
تدبر القرآن:
يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه: لو أن القلوب صافية لما شبعت ولطلبت الزيادة باستمرار من كلام الله . وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تدبر القرآن مبلغاً عظيماً، روى ابن حبان في صحيحه وغيره بإسناد جيد، قال عطاء : دخلت أنا و عبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها، فقال عبيد بن عمير : حدثينا بأعجب شيءٍ رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت، وقالت: (قام ليلة من الليالي -أي: يصلي- فقال: يا عائشة ذريني أتعبد لربي قالت: قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يُصلي، فلم يزل يبكي حتى بَلَّ حِجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي ، قال: يا رسول الله ! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال : أفلا أكون عبداً شكوراً ، لقد نزلت عليَّ الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.. الآيات ). يقول ابن القيم رحمه الله في علاج ضعف الإيمان في القلب : إذا أردت أن تجود إيمانك فملاك ذلك أمران: أحدهما: أن تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الآخرة ، ثم تُقبل به كله على معاني القرآن واستجلائها وتدبرها، وفهم ما يُراد منه وما نزل لأجله ، وأخذ نصيبك من كل آية من آياته ، وتنزلها على داء قلبك ، فإذا نزلت هذه الآية -العلاج- على داء القلب برئ القلب بإذن الله . وهناك أيها الإخوة ! صور معينة يكون فيها استشعار التأثر عظيماً ، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (شيبتني هودٌ وأخواتها قبل المشيب)، وفي رواية: (وأخواتها من المفصَّل) وفي رواية: (هودٌ والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت) هذه السور الخمس: "هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت" شيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المشيب ، بما احتوته من حقائق الإيمان والتكاليف العظيمة على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن تدبر أمثلة القرآن. وكان أحد السلف تدبر مرة في مَثلٍ من أمثلة القرآن فبكى، فسئل: ما يبكيك؟ قال: إن الله عز وجل يقول : وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ أي: هذه الأمثال نضربها في القرآن للناس: وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ وأنا ما عقلت المثل، فلست بعالم، فأبكي على ضياع العلم مني. وحال السلف في التدبر كثير جداً ومبثوث في الكتب. منها: ذلك الرجل رحمه الله الذي قرأ قول الله عز وجل: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً فسجد سجدة التلاوة، ثم قال معاتباً نفسه: هذا السجود، فأين البكاء؟ لأن الآية فيها ماذا؟ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً قال لنفسه: هذا السجود، فأين البكاء؟! يعاتب قسوة قلبه، والكلام في موضوع التدبر طويل، ولكن تدبر القرآن من السبل الأساسية لتقوية ضعف الإيمان.
استشعار عظمة الله :
من السبل كذلك لتقوية ضعف الإيمان: استشعار عظمة الله عز وجل، ومعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر فيها، وعقل معانيها، واستشعارها، وتطبيقها في الواقع. يقول ابن القيم رحمه الله: أن يشهد قلبك الرب تعالى مستوياً على عرشه، متكلماً بأمره ونهيه، بصيراً بحركات العالم علويه وسفليه، وأشخاصه وذواته، سميعاً لأصواتهم، رقيباً على ضمائرهم وأسرارهم، وأمر الممالك تحت تدبيره -كل الممالك أقوى دولة وأضعف دولة- نازلٌ من عنده وصاعدٌ إليه، وأملاكه بين يديه، الملائكة تنفذ أوامره في أقطار الممالك -لا أحد يصده عن تنفيذ أمر الله- موصوفاً بصفات الكمال، منعوتاً بنعوت الجلال، منزهاً عن العيوب والنقائص والمثال، هو كما وصف نفسه في كتابه وفوق ما يصفه به خلقه، حيٌ لا يموت، قيومٌ لا ينام، عليمٌ لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، بصيرٌ يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، سميعٌ يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، تمت كلماته صدقاً وعدلاً. يسمع ضجيج الأصوات: الآن العباد يضجون بالأصوات في أنحاء الأرض، والله عز وجل يعلم كل واحدٍ منهم ماذا يقول، ولا تشتبك عليه الأمور، ولا تلتبس عليه اختلاف الأصوات، ولا اختلاف اللغات، ولا اختلاف الحاجات التي يدعو بها العباد، هذا يقول: اللهم أعطني ولداً، وهذا يقول: اللهم اشف مريضي، وهذا يقول: اللهم ارزقني وظيفة ومالاً، وهذا يقول: اللهم ارزقني الجنة، وهذا يقول: اللهم ارحم ميتي، فلا تختلط عليه الأشياء، ولا يعجزه علم ما يقول هذا من هذا. ونحن البشر العجزة لو تكلم ثلاثة مع واحد في نفس الوقت، فقد التمييز، والله عز وجل ملايين الأصوات تصعد إليه، فيسمع كلام كل واحد. فإذاً أيها الإخوة: إدراك معاني الأسماء والصفات، وماذا يعني كل واحد؟ وكيف نطبق هذه الأسماء ونستفيد منها في الواقع، ماذا نستفيد من اسم الرزاق؟ ماذا نستفيد من اسم الغفور؟ من اسم الرحيم؟ (إن لله تسعةً وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة) أحصاها بأن يعمل بها في الواقع، وأن يحفظها كما قيل، وأن يعلم معناها، يعلم ويحفظ ويطبق.
التفكر في عظمة الرب وقدرته:
من استشعار عظمة الله هناك مواقف تمر بنا في القرآن إذا فكر فيها الإنسان المسلم، يشعر بأشياء يرتجف لها قلبه، وهو يفكر ويستشعر عظمة الله عز وجل، هذا الاستشعار لعظمة الله أمرٌ مهمٌ. عندما تتأمل قول الله عز وجل: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ .. وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ .. يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ عندما تتأمل في قصة موسى عليه السلام لما طلب أن يرى ربه: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قرأ هذه الآية وقال هكذا (ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر) ثم قال عليه السلام: (فساخ الجبل) أي: تجلى من الله هذا المقدار فساخ الجبل: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) هذا الاستشعار لعظمة الله يقوي الإيمان، قال ابن القيم رحمه الله: إسناده صحيح على شرط مسلم .


ملء الوقت بطاعة الله:
ومن الأسباب التي تقوي الإيمان: ملء الوقت بطاعة الله، وهذا أمرٌ عظيمٌ، عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟) و أبو بكر يقول: أنا (من عاد منكم اليوم مريضاً؟) و أبو بكر يقول: أنا (من تبع اليوم منكم جنازةً؟) و أبو بكر يقول: أنا. ماذا تعني لكم هذه القصة؟ تعني: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان وقته مملوءاً بطاعة الله، يعمل في اليوم أعمالاً تأخذ وقتاً كبيراً، ولكنه يسردها سرداً. وبلغ السلف رحمهم الله في ازديادهم من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها درجةً عظيمةً حتى قال بعضهم، عن حماد بن سلمة رحمه الله وهو من العُبّاد من أهل السنة : لو قيل لـحماد بن سلمة -تفكروا معي في هذه العبارة-: إنك تموت غداً، ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً. تخيل لو قيل له: أنت غداً ستموت.. والواحد لو قيل له: أنت غداً ستموت.. ماذا يفعل؟ يبادر إلى الأعمال بازدياد، هذا يقول: لو قيل لـحماد بن سلمة: إنك تموت غداً، ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً، ماذا يعني؟ فإذاً أيها الإخوة: ملء الوقت بطاعة الله، والاستمرار بالأعمال الصالحة، هذه القضية الثانية. لاحظ معي هذه الألفاظ في هذه الأحاديث: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل) ماذا تعني كلمة لا يزال؟ الاستمرارية: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) الاستمرارية: (تابعوا بين الحج والعمرة) الاستمرارية، وهكذا، فالاستمرار في الأعمال الصالحة يقوي الإيمان جداً، والمداومة عليها، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).
المسارعة إلى الأعمال الصالحة:
المسارعة إلى الأعمال الصالحة والمسابقة إليها، يقول الله عز وجل: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ .. سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ويقول عليه الصلاة والسلام: (التؤدة في كل شيء خيرٌ إلا في عمل الآخرة) أي: كل شيء التأني فيه طيب، أن تتريث فيه وتدرسه وتفكر قبل عمله ألف مرة، إلا في شيء واحد وهو عمل الآخرة ليس فيه تأنٍ، أي: سارع مباشرةً، وسابق إلى هذا العمل، يقول عليه الصلاة السلام: (ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها) المفروض أن الناس يهربون منها، لكنهم نائمون عن الهروب، والجنة المفروض أنهم يطلبونها، لكنهم نائمون عن الطلب. فقضية الأعمال الصالحة: استدراك ما فات من الطاعات.
تذكر حسن الخاتمة وسوؤها :
من علاج ضعف الإيمان : التفكر في حسن الخاتمة وسوء الخاتمة، واستعراض القصص التي تعرفها عن حسن الخاتمة وسوء الخاتمة يجعلك أكثر حماساً في الطاعة، ويجدد الإيمان في القلب، وأحوال الناس التي ذكرت عن حسن الخاتمة وسوء الخاتمة
ذكر الموت :
ومن الأمور التي تجدد الإيمان في القلب : تذكر الموت، يقول صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هادم اللذات) حديث صحيح، أي: الموت، ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم بزيارة المقابر، فقال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها ترق القلب، وتُدمع العين وتُذكر الآخرة )
وقراءة الأحاديث التي فيها وصف سكرات الموت وصعود الروح وعذاب القبر ونعيمه من الأشياء المهمة. وربطاً بالنقطة الماضية وهي قضية حسن الخاتمة وسوء الخاتمة هذا حادث سيارة ، يقول لي أحد وقد مات واحد ممن فيها :- كنا في طريق السفر، فاتفقنا على أن نستفيد من الوقت في سفرنا هذا، فكل واحد يأخذ فترة من الزمن خمس أوعشر دقائق يحدث الآخرين فيها عن موضوع مفيد، فكان ذلك الشخص الذي توفاه الله في الحادث يتكلم لنا عن عذاب القبر ونعيمه، ثم حصلت الحادثة وتوفي هذا الشخص فيها. فإذاً : معرفة عذاب القبر ونعيمه من الأمور التي تُساعد في تجديد الإيمان

تذكر منازل الآخرة:
إن تذكر منازل الآخرة من الأمور المعينة على تجديد الإيمان في القلب، التفكر في حال الناس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق، وقد نزلت ملائكة السماء، فأحاطت بهم، وقد جاء الله ونصب كرسيه لفصل القضاء ، وقد أشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ، ونُصب الميزان وتطايرت الصحف واجتمعت الخصوم ، وتعلق كل غريم بغريمه ، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب ، وكثر العُطاش وقلّ الوارد -قل الوارد على الحوض والناس عطاش ؛ لأنه ليس لأي واحد أن يرد الحوض- ونُصب الجسر للعبور -الصراط على جهنم- وقُسمت الأنوار بحسب أعمالهم -يأتون الأنوار وهم يسيرون على ظلمة الجسر- فالذين عملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ، فيمرون على الجسر المظلم مروراً عظيماً ، بخلاف المنافقين الذين يُسلب منهم النور، فيتعثرون ويسقطون في جهنم . والنار يحطم بعضها بعضاً تحته -تحت هذا الجسر- والمتساقطون فيها أضعاف الناجين، فينفتح في قلبه -عندما يتأمل الإنسان أحوال الآخرة ومنازلها- تنفتح في قلبه عين يرى بها كل هذه الأمور، ويكون في قلبه شاهدٌ من شواهد الآخرة، يريه الآخرة ودوامها والدنيا وسرعة انقضائها. ولذلك تجد القرآن العظيم فيه اهتمام كبيرٌ بذكر منازل الآخرة ؛ لكي يُقبل هذا القلب على الله ويخاف ويرجو الله ، فيتجدد الإيمان فيه . ولذلك كان من الأمور المهمة في هذا الجانب قراءة الكتب التي تتكلم عن الدار الآخرة، وعن الحشر، والحساب ، والجنة والنار، وظل الرحمن، والشمس عندما تدنو من الخلائق، والصراط، وبعد دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وما يحدث من ذبح الموت. والكتب التي تتكلم عن هذه التفاصيل قراءتها مهمة حتى يبقى الإنسان على صلة بهذه الأشياء.
العبادة:
وهناك العبادات، ومن أهم الأشياء لتجديد الإيمان في القلب قضية العبادة، والعبادات والطاعات كثيرة، والأوامر بإتيان الطاعات والحرص عليها كثيرة، ونقتصر الآن على ذكر بعض هذه الأشياء. هناك بعض العبادات تحدث أثراً في النفس، أي: فيها نوع من التميز، أو تُحس وأنت تقرأ تلك الآية، أو ذلك الحديث أن فيها معنى لطيفاً وجميلاً يطرق قلبك وأنت تقرأ هذه الأشياء. مثلاً: انظر لهذا الحديث: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح -وهذه روايات كلها صحيحة مجتمعة في هذه الرواية الواحدة-: ( ما من أحد يتوضأ ) تأمل كيف يدفع هذا الإسلام وعظمة هذا الدين المسلم إلى الطاعات، وإلى الصلة بالله بأشياء بسيطة يرتب عليها أجراً عظيماً: (ما من أحد يتوضأ، فيحسن الوضوء، ويصلي ركعتين يُقبل بقلبه ووجهه عليهما لا يسهو فيهما) وفي رواية: (لا يُحدث فيهما نفسه) وفي رواية: (يُحسن فيهن الذكر والخشوع إلا وجبت له الجنة). وفي رواية: (غُفر له ما تقدم من ذنبه) ماذا فعل؟ ( ما من أحد يتوضأ، فيحسن الوضوء، ويصلي ركعتين ) نافلة لله: (يُقبل بقلبه ووجهه عليهما لا يسهو فيهما) .. (لا يحدث فيهما نفسه) .. (يحسن فيهن الذكر والخشوع إلا وجبت له الجنة). انظر الآن هذا العمل كيف يجدد الإيمان وهو عمل بسيط، لكن الحقيقة أن الإتيان به كما جاءت الأوصاف أمر لا يقدر عليه إلا من وفقه الله له، ثم نتأمل هذا الحديث الصحيح الآخر، يقول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يشنؤهم الله -يبغضهم الله-: أما الثلاثة الذين يحبهم الله: الرجل يلقى العدو في فئة فينصب له نحره حتى يُقتل أو يُفتح لأصحابه، والقوم يسافرون فيطول سراهم -يطول السفر- حتى يحبوا أن يمسوا الأرض) -من طول السفر يحبون الآن الراحة- فينزلون، فيتنحى أحدهم، فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم) أي: هؤلاء الناس تعبوا من السفر، فنزلوا منزلاً فناموا، لكن أحدهم ما نام، قام يصلي لله في الليل حتى أوقظهم لرحيلهم ، وهذه النماذج عندما يطلع عليها الإنسان، ويفعلها ولو مرة، لا شك أنها تحدث أثراً عظيماً في قلبه. والاهتمام بالزكوات والصدقات من العبادات، ولها أثر مباشر على القلب: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا تطهر وتزكي قلوبهم. هناك أشياء بسيطة جداً من المعاملات وهناك قضايا اجتماعية، عندما يتأمل بها الإنسان يُسبح الله تعجباً منها، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث في صحيح الجامع، أو في السلسلة الصحيحة لأحد الصحابة: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك: ارحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك) فالآن تصور أيها الأخ المسلم! أن مسح رأس اليتيم من الأشياء التي تُلين القلب. الشاهد: أن هناك عبادات، وهناك أشياء جاءت في الشرع تؤثر على القلب مباشرة تأثيراً قوياً يلمحها الإنسان ويتعجب من أثرها، ويتعجب من وصفها الوارد في الكتاب والسنة.
التفاعل مع الآيات الكونية:
التفاعل مع الآيات الكونية كما يتفاعل القلب مع آيات القرآن ، فكيف يكون التفاعل مع الآيات الكونية ؟ أعطيكم مثالاً : روى البخاري و مسلم وغيرهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى غيماً، أو ريحاً؛ عُرف ذلك في وجهه) أي: يتفاعل مع الأحداث الكونية، فإذا رأى غيماً أو ريحاً؛ عُرف في وجهه الفزع والخوف، فقالت عائشة: (يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه مطر، وأراك إذا رأيته عرفتُ في وجهك الكراهية). لماذا الناس يستبشرون، وأنت يا رسول الله! تعرف في وجهك الكراهية إذا رأيت الغيم أو المطر؟! فقال: (يا عائشة ! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب) وقد عُذب قومٌ بالريح: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً قال (وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا) قومٌ من الأقوام أرسل الله لهم رسوله، فلما جاءهم العذاب في ظُلة، قالوا: هذا سحاب سيمطر ويمشي، وإذا فيه العذاب الذي نزل على رءوسهم. إن الرسول صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة! كان يتفاعل مع الآيات الكونية، ومع الأحداث الكونية، الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يرى الكسوف، أو الخسوف، ماذا كان يفعل؟ كان يخرج فزعاً إلى الصلاة؛ لأن هذه من آيات الله التي يخوف الله بها عبادة، فتفاعل القلب مع هذه الأشياء والفزع منها يجدد الإيمان في القلب، ويُذكر القلب بعذاب الله، وبطش الله، وعظمة الله عز وجل، وقوته وقدرته. ومرتبط بهذه النقطة أيضاً مسألة أخرى: التأثر عند المرور بمواضع العذاب والخسف وقبور الظالمين، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما وصل الحِجر) أي: ديار ثمود التي يذهب لها الناس اليوم للسياحة وبِعثات الآثار لالتقاط الصور وعمل التحقيقات، ويقيمون المخيمات هناك مع الأسف الشديد، ماذا كان رسول صلى الله عليه وسلم يفعل؟ اسمع يا أخي! ماذا كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما وصل الحِجر قال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم) لا تمروا بتلك الديار. وفي رواية: (لما مرَّ صلى الله عليه وسلم بـالحِجر ، قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين) باكين من ماذا؟ من تذكر نقمة الله وعذاب الله الذي حلَّ بهؤلاء الناس، ثم قنَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، وأسرع السير حتى جاوزا الوادي أن يصيبهم ما أصاب الذين ظلموا. تأمل يا أخي: الآن قسوة قلوب الناس واستخفافهم، يقولون: ذهبنا نرى وأخذنا صوراً بالكاميرا، وما حصل لنا شيء، والله عز وجل يقول: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ لما أنزل الله الحجارة على قوم لوط، ماذا قال؟ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ أي: أن يصيبكم ما أصابهم، فقد ينزل بأناس مثل: عذاب أولئك. والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه سيحدث في هذه الأمة خسف وقذفٌ ونسفٌ ومسخٌ، وتأتي ريحٌ حمراء، ويأتي فيها عذاب.



أثر إخلاص القلوب على الأعمال:
ثم ننتقل إلى مفرق آخر في هذا الموضوع وهو: أن تجديد الإيمان ليس فقط بعبادات الجوارح ، ليس فقط بأعمال الجوارح، أي: الصلاة والزكاة والحج. يأتي الإنسان يوم القيامة وقد عمل سيئات كثيرة ، فيقال له: هل له من عمل صالح ؟ فيقال : بلى عندنا، فيخرج له بطاقة مكتوب فيها لا إله إلا الله، وكانت كفة السيئات قد رجحت رجحاناً عظيماً، وهذا لا يتخيل! فتُوضع السيئات في كفة، والبطاقة التي فيها لا إله إلا الله في كفة ، فطاشت ورجحت بهن لا إله إلا الله، فيقول ابن القيم رحمه الله : وهنا قضية خطيرة وهي مسألة شبهة المرجئة وهي: أن كل من قال: لا إله إلا الله يغفر له كل سيئاته، لا، فهذا رجل له ميزة خاصة. يقول ابن القيم رحمه الله: إن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحداً، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض. نفس العمل، نفس الإمام، نفس الصلاة، نفس الركعات، نفس الأعمال، تجد اثنين في صف واحد في مسجد واحد وجماعة واحدة، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، بأي شيء هذا وأعمال الجوارح واحدة ، بأي شيء صار بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض ؟ بعمل القلب في حال الصلاة، بالخشوع وبالتفكر في آيات الله والتدبر، واستشعار عظمة من يقف بين يديه. ولذلك يقول: لقد قام في قلب صاحب البطاقة من معاني الإيمان ما لم يقم بقلب كثيرين ممن قالها بلسانه ، ونفس الشيء الزانية التي ملأت خفها من بئر وسقت بخفها كلباً فغفر الله لها، ويقول: ولقد قام في قلبها في لحظة أداء العمل من معاني الإيمان، ومن الشفقة على هذا الكلب المسكين واستشعار الثواب من الله، أشياء كثيرة وصفها ابن القيم رحمه الله، قال: قام في قلبها من معاني الإيمان ما لم يقم في قلب كثيرين ممن يسقون الحيوانات. وأعمال القلوب كثيرة على رأسها : الإخلاص وهو أن يكون الاهتمام بتصحيح العمل أشد من الاهتمام بأداء العمل نفسه ، فأداء العمل مهم ، لكن الأهم منه تصحيح النية عند أداء العمل. كذلك اليقظة حالةٌ تحدث للقلب عند تأمل عذاب الله، فيستيقظ القلب، ويتحمس لأعمال الآخرة.
استشعار لذة الانكسار بين يدي الله:
ومن الأمور التي تجدد الإيمان استشعار لذة المناجاة والانكسار بين يدي الله عز وجل، فلماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ؟ لأن حال السجود فيه ذلة ليست في بقية الأحوال ، وفيه انكسار وخضوع ليست في بقية الأحوال، ولذلك أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، لما ألصق جبهته بالأرض، وهي أعلى شيء فيه لمن وضعها؟ لله، صار أقرب شيء لله. يقول ابن القيم رحمه الله في كلام جميل عن لسان حال هذا الذليل والمنكسر التائب بين يدي الله: " فلله ما أحلى قول القائل في هذه الحال: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيدٌ سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضريع، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه ". فعندما يعبر العبد بهذه الألفاظ وهو يناجي الله وهو منكسر بين يدي الله، فإن الإيمان يتضاعف في قلبه أضعافاً مضاعفة، وكل هذا التجديد يحدث في لحظات. ويقول رحمه الله: "قد يكون للعبد حاجة يُباح له سؤاله إياها، فيلح على ربه في طلبها حتى يفتح له من لذيذ مناجاته وسؤاله والذل بين يديه، وتملقه والتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وتفريغ القلب له، وعدم تعلقه في حاجته بغيره ولذلك قد يتخيل الشخص أن هذا شر، لكنه في الحقيقة خير: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ . فأحياناً تنزل بالإنسان مصيبة وضائقة شديدة جداً، تُقفل من جميع الجوانب، لا يجد من يساعده في الأمر، تُقفل في وجهه الأبواب، فإلى من يلتجئ ؟ فيتصحح توكله على الله والإنابة إلى الله، واللجوء إلى الله وسؤال الله، كان سابقاً يسأل المخلوقين، ثم ما وجد من ورائهم رجاء، ولا من سعى منهم له بمساعدة في تلك اللحظات الصعبة، وهذا شيء أحياناً يكرهه الإنسان لكنه في الحقيقة أدى إلى اللجوء والقرب من الله عز وجل ، فيتجدد الإيمان في النفس. وكذلك الخوف من عقاب الله في الدنيا والآخرة : هناك عقاب لله في الدنيا، وقد يكون العقاب في الدنيا حسياً، وقد يكون معنوياً، قد يكون حسياً كما قال الله عز وجل: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ عذاب حسي، وقد يكون العذاب معنوياً: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ صرف الإنسان عن آيات الله عذاب معنوي، وعقوبة معنوية كبيرة جداً أن يُحرم من تدبر آيات الله.
الولاء والبراء :
الولاء والبراء: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين من أهم الأمور التي تُجدد الإيمان في القلب، لأن القلب إذا تعلق بأعداء الله يضعف جداً، وتذوي معاني العقيدة في القلب، فإذا جردها وتعلق بالله فعادى أعداء الله ووالى وناصر عباد الله المؤمنين، فإن القلب يحيا بالإيمان أيضاً , فأين البراء أثناء مشاهدة مسلسلات أعداء الدين ,, والتشبه بلباسهم وهيئاتهم !!!!
الافتقار إلى الله:
الافتقار إلى الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ قال شيخ الإسلام رحمه الله:
فالفقر الحقيقي هو دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة وفقراً تاماً إلى الله من كل الوجوه.
الثقة بالله وحسن الظن به:
استشعار الثقة بالله وحُسن الظن بالله عز وجل هذا عمل من أعمال القلوب ، عندما تتأمل قول الله سبحانه وتعالى لأم موسى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ الآن إذا خافت الأم على ولدها من الأعداء ماذا تفعل؟ تخبؤه أو ترسله إلى أحد البيوت الآمنة، لكن الله عز وجل يقول: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ إذا جاء جنود فرعون يأخذونه ليذبحوه، فماذا؟ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ كيف؟ فالعقول لا تعقل هذا الأمر. كيف فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ؟ لكن الله عز وجل ثبت فؤاد أم موسى، فصارت ثقتها بالله عظيمة، فلما جاء الطلب، ألقته في اليم -في نهر النيل - فسبح به التيار، ثم جرى قضاء الله كما هي حكمته عز وجل وإرادته حتى أغرق الله فرعون بسبب ذلك الوليد الذي جاء الجند يطلبونه. وهذه ليست الآن سنة.. كل واحدة تخاف على ولدها تذهب وترميه في البحر، ثم هو يطلع إلى الشاطئ. لا، لكن المعنى المقصود بهذه الآية الثقة بالله، فالواحد لا يسيء الظن بالله، ولا يفقد الثقة بالله، لا يقول: ليس هناك أمل، وأنا انتهيت، لا. وإنما يجعل ثقته بالله متجددة.
الإحساس بقصر الأمل:
قد نعيش غداً، وقد لا نعيش، متى يأتي الموت؟ الله أعلم، وهذا مُهم في تجديد الإيمان، ويقول ابن القيم رحمه الله: ومن أعظم ما فيها هذه الآية: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ .. كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ كل الدنيا هذه كساعة للتعارف. فإذاً: لا يُطيلُ الإنسان الأمل، يقول: سأعيش وسأعيش مهما عاش! وقال بعض السلف لرجل: صلِّ بنا الظهر، فذاك الرجل قال: إن صليت بكم الظهر لم أصلِّ بكم العصر، فقال له: وكأنك تؤمل أن تعيش إلى صلاة العصر، نعوذ بالله من طول الأمل.


التفكر في تفاهة الدنيا:
وهذه الآن نقاط مقابلة للنقاط التي سبق أن ذكرناها في مظاهر وأسباب ضعف الإيمان: منها التعلق بالدنيا، كيف يرد الإنسان عن قلبه هذا الشيء ؟ يتأمل كيف أن الدنيا حقيرة ولا تساوي شيئاً عند الله عندما تسمع معي إلى هذه الأحاديث الصحيحة: (إن الله ضرب الدنيا لمطعم ابن آدم مثلاً، وضرب مطعم ابن آدم مثلاً للدنيا وإن قزحه وملحه، فلينظر إلى ما يصير) حديثٌ حسنٌ. فالله تعالى جعل ما يخرج من بني آدم مثلاً للدنيا، ومطعم ابن آدم قد ضُرب مثلاً للدنيا وإن قزحه وملحه ثم ينظر إلى ما يصير. خذ صحناً من اللحم المشوي من ألذ ما يكون، تأمله قبل أن تأكله، كيف شكله؟ جذاب، كيف الرائحة؟ جميلة، فإذا أكلته هُضم وبعد قليل ضاق بك بطنك وذهبت إلى دورة المياه ، هذا الصحن اللذيذ كيف يخرج في النهاية؟! انظر الأمثال من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو وحي يوحى، لا تتوقع أن تجد هذه الأمثلة الدقيقة عند ألسنة الحكماء والشعراء بمثل ما تأتي على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ضرب الدنيا لمطعم ابن آدم مثلاً، وضرب مطعم ابن آدم مثلاً للدنيا وإن قزحه وملحه -وإن حسنه وزينه- فانظر إلى ما يصير) انظر فعلاً إلى نهايته فهذه هي الدنيا، من بعيد تراها جميلة، ولكن ما هو آخر الدنيا؟ هناك أشياء تقوم بالقلوب مهمة في تجديد الإيمان مثل: الاستقامة، والتوكل على الله.. والرضا بالله وبقضائه.. وشكر الله عز وجل.. والصدق مع الله سبحانه وتعالى.. اليقين بالله سبحانه وتعالى.. السكينة.. محبة الله.. الطمأنينة.. البصيرة.. التوبة.. الإنابة.. التذكر.. الاعتصام بالكتاب والسنة.. الإشفاق.. الخشوع.. الزهد.. الورع.. الرجاء.. المراقبة.. المحاسبة. ومن أعظم من تكلم عن هذه الأشياء ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب مدارج السالكين .
المحاسبة للنفس والتواضع لله:
المحاسبة مهمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ قال عمر بن الخطاب : لا بد أن يكون للمسلم وقت يصفو فيه ويرجع ويئوب ويحاسب نفسه .
مظاهر ضعف الإيمان: عدم التحسر على فوات مواسم الطاعة، أي: هذا من مظاهر ضعف الإيمان، فعندما تمر الطاعة وموسم الطاعة ينقضي، ولا يشعر بالتأسف، ولا بالتحسر، ولا بالندم،
تجنب الأمور التي تهدم القلب:
كثرة الأكل والشرب والنوم والخلطة، فمن أكل كثيراً، شرب كثيراً، فنام كثيراً، فخسر كثيراً، وفي الحديث المشهور: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرٌ من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه)
عدم تحقير الذنوب:
يقول عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، كرجل كان بأرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يأتي بالعود، والرجل يأتي بالعود، والرجل يأتي بالعود حتى جمعوا من ذلك سواداً وأججوا ناراً، فأنضجوا ما فيها) حديث حسن، كذلك لو أن أحد الناس استهان بالذنوب، ذنب صغير على ذنب صغير على ذنب صغير.
لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى
يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر : " كثيرٌ من الناس يتسامحون في أمورٍ يظنونها هينة وهي تقدح في الأصول" يقول: "مثل إطلاق البصر في المحرمات" نظرة بعد نظرة حتى صار القلب فاسداً من كثرة النظر، "وكاستعارة بعض طلاب العلم جزءاً لا يردونه" يستعير كتاباً ولا يرده وهذا كثيرٌ من الناس واقعون فيه، وأين هذا من باب: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ؟ وإذا وعدت بأن ترجع الكتاب، لماذا لم ترجع الكتاب؟
مخالطة أهل الإيمانيات:
وكذلك من الأشياء المهمة في التربية الإيمانية : مخالطة من تميز بالإيمانيات ، ومخالطة القدوات المتصلة بالله عز وجل وزيارتهم ، ومجالستهم للاستفادة منهم ، وكان أحدهم يقول : كنت إذا أحسست قسوةً في قلبي ، وانحداراً في إيماني ، ذهبت إلى فلان أبيت عنده ، لماذا يبيت عنده ؟ لأنه سيرى منه كثرة ذكره لله ، خشوعه عند قراءة القرآن ، تبكيره للصلاة ، قيامه لليل ، فيتأثر بأحواله ، ومخالطة القدوات أمرٌ مهم . وكان السلف رحمهم الله يذهب بعضهم ويبيت عند بعض ليرقب بعضهم أحوال بعض في المبيت حتى يتعلم منه في الليل ماذا يفعل ، كيف يقوم لله ، وهذا الاختلاط بالقدوات مؤثر وموجود منذ القدم. ومثالٌ على هذا يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: ولقيت جماعةً من العلماء يحفظون ويعرفون، لكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح وتعديل، أي: يدبر لها وبعد ذلك يأتي يغتاب، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة، ويسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه وإن وقع خطأ، لو سئل فإنه يجيب سريعاً، لماذا ؟ يخاف الناس أن يقولوا عنه: إنه جاهل، فيجيب فوراً. ثم يقول رحمه الله: "ولقيت عبد الوهاب الأنماطي ، فكان على قانون السلف، لم يُسمع في مجلسه غيبة، ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث ، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق: الجنة والنار، عذاب القبر، الموت؛ بكى واتصل بكاؤه، فكان وأنا صغير السن حينئذٍ يعمل بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد الأدب في نفسي" هذه التربية، يبني قواعد الأدب والإيمان في قلبه، وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل. وكذلك الاهتمام بإتاحة الأوقات في المناسبات والأنشطة الإسلامية مثل: رحلات المراكز والمدارس وغيرها، والرحلات العائلية، ورحلات الإجازات الموسمية مثلاً للقيام ببعض العبادات مثل: حِلَق الذكر وقراءة القرآن جماعية، أو فردية مثل: قيام الليل والتسبيح عُقَيب الصلوات، وأن يكون الحث على ذلك لا إلزاماً حتى لا يكون الأثر عكسياً على المأمور، ومن ذلك أيضاً: عدم شغل الوقت المناسب لعبادات معينة مثل: الأذكار التي في أدبار الصلوات، وأذكار الصباح والمساء، والتبكير للصلاة بأعمال أخرى، أو مواعيد حتى لو كانت من أعمال البر. وإنما يبقى وقت بعد الصلاة للأذكار، ويبقى التبكير للصلاة مطلوباً، وأذكار الصباح والمساء في وقتها لا تُشغل بأي شيء آخر حتى لو كان الأمر بر إلا للضرورة، أو لما ترجحت مصلحته، وإلا يبقى هذا الوقت وقت ذِكر، وكان ابن تيمية رحمه الله على كثرة مشاغله وجهاده وتعليمه يحافظ على الجلوس بعد الفجر إلى طلوع الشمس، ويقول: هذا زادي، بعد ارتفاع الشمس، يصلي ركعتين ويقول: هذا زادي، وأنا بغير زاد كيف أعيش، وبين الإخوة تدارس سير الصالحين والعباد والزهاد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يتأثر الإنسان بهم. وختاماً يا إخواني، فإن الدعاء لله عز وجل مسك الختام في الأسباب، والحديث الذي بدأنا به نرجع إليه مرة أخرى لنختم به هذه الجلسة: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب) فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

اختصرتها من محاضرة للشيخ / المنجد
مع إضافة بعض الأشياء البسيطة
2
451

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

دمع الجفون
دمع الجفون
جزاك الله خير الجزاء
ام بودى68
ام بودى68