بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللّهم افتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.
^ رمضان يقرع الأبواب .. فلنحسن استقباله:
بعد أيام قليلة يطلّ علينا شهر رمضان المبارك، رمضان... شهر الرحمة والبركة، شهر البر والإحسان، شهر المحبة والتسامح، شهر الغفران والمبرات، شهر الصدقات والقربات، وشهر المنافسة في الخيرات والطاعات، كما قال ربنا سبحانه وتعالى( ...وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)سورة المطففين (26). ليس في رمضان دنيا حتى يتنافس الناس من أجلها، إنما يتنافسون في العبادة، في إتقان الصيام، في البعد عن معصية الله سبحانه وتعالى، في الإكثار من الذكر، والصدقة، وقيام الليل، والصلاة بالأسحار...
رمضان كله شهر مبارك، أيامه ولياليه، فكيف ينبغي أن نستقبل هذا الضيف العظيم؟؟ الوافد الكريم؟؟ أليس من حقه علينا أن نفرح بقدومه، ونتهيّأ له ونحسن استقباله؟! لو جاءنا ضيف من ضيوفنا العاديين لاستقبلناه أحسن استقبال وأكرمناه، فما بالكم بهذا الضيف الذي يزورنا في السنة شهراً واحداً، ويزورنا ومعه الخيرات والمغفرات والإحسان والقرب والصلة بالله تبارك وتعالى؟! ليالي رمضان لا يخفى خيرها على أحد، لذلك من حق شهر رمضان علينا أن نستعد ونتزين داخلياً وظاهرياً لاستقباله.
^ رمضان .. شهر القرآن .. شهر الرحمة والغفران:
يقول الله سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...) سورة البقرة (185). فهو شهر القرآن، جعله الله سبحانه وتعالى متميزاً على غيره من الشهور بأنه أنزل فيه القرآن العظيم؛ دستور هذه الأمة، يُتلى ويُتَعبّد اللهُ سبحانه وتعالى بتلاوته، ونكسب بذلك الأجر والثواب العظيم.
وأما سيد الخلق وحبيب الحق؛ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول: "إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين". متفق عليه. فالجنة تتزين لاستقبال الصائمين الطائعين، وكذلك النار تغلق أبوابها؛ فلا مكان للمعصية في شهر رمضان، وأما الشياطين فإنها تقيَّد، ولا حركة لها في رمضان، فإذا ما ظهرت نية سيئة أو بادرة سوء من إنسان، فإن ذلك علامة على أنه قد تغلب على شيطانه وكان أعظم منه، فبدر منه في شهر رمضان ما لم يبدر منه في غيره من الشهور. ثم يتابع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "ونادى منادٍ: يا باغي الخير! أقْبِلْ، ويا باغي الشر! أقْصِرْ". صحيح ابن خزيمة.
يكفي هذا الشهر بركة وعِظماً أن القرآن تنزّل فيه، ويكفيه فخراً وشأناً كبيراً أن فيه ليلة واحدة هي خير من ألف شهر، هذه الليلة جعلها الله سبحانه وتعالى فرصة لعباده لكي يعوّضوا كل ما وجدوه من نقص في حياتهم العامة، وفي شهر رمضان بشكل خاص.
وفي هذا الشهر تلهج الألسنة بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يسقي أمة المسلمين الغيث، ونتفاءل في شهر رمضان بدعاء الصائمين، فللصائم دعوة مستجابة عند فطره. نسأل الله أن ينزل الغيث على هذه الأمة، وأن يفجّر أنهارها وينابيعها وعيونها، وأن تعود أرضها خيرة معطاءة مثمرة كما كان عهدها فيما مضى.
^ مشروعية التهنئة بقدوم رمضـان:
في هذا الشهر الكريم يشرق على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها هلال شهر رمضان المعظَّم، الذي أكرم الله تعالى فيه أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من بين ســـائر الأمم، وجعله شهراً للعبادة ولتلاوة القرآن. لذلك كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرح بقدوم هذا الشهر، ويبشّر أصحابه ويهنئهم بقدومه فيقول: "أتاكم رمضان شهر بركة...". رواه الطبراني. وهو ما كان عليه أيضاً السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم.
ومن هنا مشروعية التهنئة في شهر رمضان، حيث يهنئ الناس بعضهم فرحاً بقدوم شهر رمضان، ويضعون الزينات في البيوت والأسواق والطرقات، وهذه ظاهرة إيجابية صحية تدل على أن الناس فقهوا معنى رمضان. فعلينا أن نظهر الفرح والبهجة والسرور بقدوم هذا الشهر العظيم المبارك، كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل مع أصحابه.
^ رمضـان شهر عبادة وتدرّب على ترك للمعاصي:
رمضان شهر عبادة، ودور المعصية ينبغي أن تُغلق في هذا الشهر المبارك. المفترض ألا يكون هناك دور للمعصية أصلاً، لكن هذا من غفلة من يقوم على هذه الأمور، نسأل الله تعالى لهم الهداية، لكن رمضان إذا دخل تتوقف دور المعصية، حتى القوانين الوضعية لبلادنا تمنع تلك الأماكن من فتح أبوابها في شهر رمضان، حتى أماكن الخمور يفترض أن تغلق في رمضان؛ لأن هذا الشهر شهر عبادة، وشهر تنزل للبركات والخيرات والرحمات من السماء إلى الأرض.
^ شهر شعبان بفضائله هو تهيئة لاستقبال شهر رمضان:
يقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلّغنا رمضان". كشف الخفاء. فقد كان يهيّئ أصحابه لاستقبال شعبان، وشعبان شهر مبارك فيه ليلة النصف من شعبان، ينزل الله تعالى فيها إلى السماء الدنيا ويسأل عباده: "((هل من سائل فأعطيَه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟))". مسند أحمد.
وفي شهر شعبان نزل قول الله سبحانه وتعالى ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) سورة الأحزاب (56). لذلك سمّى بعض العلماء شهر شعبان بـ "شهر الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وفي هذا الشهر أيضاً كانت هناك معجزة عظيمة وقعت تأييداً وتعظيماً لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي معجزة انشقاق القمر، بعد أن تحدى بعض كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين: هل يستطيع ربك أن يفلق لنا القمر فلقتين؟ فنزل سيدنا جبريل عليه السلام وقال: يا محمد! أشر إلى القمر بيدك، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر بيده فانفلق فلقتين، وكانت تلك معجزةً خالدة ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بقوله ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر) سورة القمر (1). لقد انشق تأييداً وتعظيماً وإعجازاً لمكانة محمد صلى تالله عليه وسلم، وتصديقاً لدعوته ورسالته التي جاء بها من الله سبحانه وتعالى.
كذلك فقد حدث في شهر شعبان حدثٌ تاريخي عظيم، وهو تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة المكرمة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يريد أن يكون للعرب مكانة، وأن يحجوا إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وأن يطوفوا حول البيت، وأن يكون هذا البيت قبلة للمسلمين، يوحّد كلمتهم ويجمع صوتهم. فكان النبي عليه الصلاة والسلام يُصَعِّد نظره في السماء، ويدعو الله سبحانه وتعالى أن تتحول قبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وبذلك يخالف اليهود، فقال الله سبحانه وتعالى له: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ...) سورة البقرة (144). "قد" هنا تفيد معنى التحقيق؛ أي إننا نرى ونلاحظ ونسمع دعاءك يا محمد! ورغبتك القلبية بأن تتوجه القبلة إلى مكة المكرمة. هذا الحدث التاريخي العظيم الذي يدل على مكانة القبلتين معاً ومكانة المسجد الحرام بشكل خاص، وقع في شهر شعبان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهيئ أصحابه لاستقباله ودخوله بعد شهر رجب.
كذلك في شهر شعبان دلالة واضحة على أنه تمهيد وتوطئة لشهر رمضان؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام يُكثر الصيام في شهر شعبان، حتى أن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نكاد نقول إنه لا يُفطر". ولم يواصل عليه الصلاة والسلام الصيام ما بين شعبان ورمضان، إنما ترك فاصلاً لتبرز مكانة الفريضة، فصيام شهر رمضان فريضة، وأما رجب، وشعبان، والأشهر الحرم، والأيام المباركة خلال السنة، ويوما الاثنين والخميس التي تُرفع فيها الأعمال على الله سبحانه وتعالى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تلك الأيام وشهر شعبان ويقول: "أحب أن يُرفَعَ عملي وأنا صائم". مسند أحمد.
إذاً.. هذه التوطئة كلها استعداداً لاستقبال شهر رمضان الذي نحن على أبوابه، أيام قليلة تفصلنا عن شهر رمضان.
^ علينا استقبال رمضان بالتعرض لنفحاته:
كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يعظّم دخول شهر رمضان، وكان يتهيّأ له ويهيئ أصحابه فيقول عليه الصلاة والسلام: "أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحطّ الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله عز وجل". رواه الطبراني. هكذا ينبغي أن نتهيأ لاستقبال رمضان ودخوله؛ بأن نعلم أنه بركة تتغشانا من الله سبحانه وتعالى، وتتنزل علينا من السماء، هذه البركة تحط عنا من الخطايا والسيئات، وتمحو عنا من الذنوب والموبقات، وتضاعف لنا الحسنات، وتزيد لنا في الخيرات، وتبارك لنا في الوقت والطاعات، فعلينا أن نغتنم ساعات رمضان وأيامه ولياليه بالإقبال على الله تبارك وتعالى.
سيدنا سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه له حديث مشهور رواه الأئمة من أصحاب السنن يقول فيه: ((خَطَبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: "أيها الناس! قد أظلّكم شهر عظيم مبارك".)) صحيح ابن خزيمة. لا حظوا دقة هذا الوصف في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، الظل هو الفيء الذي يجده الإنسان تحت شجرة، أو إلى جوار جدار، أو تحت خيمة، يأوي إليه عندما يشتد الحر وتشتد أشعة الشمس، حيث يكون في حالة من الشدة والضيق ورمضان هو ظل الإنسان عبر الشهور، خلال أحد عشر شهراً يمر الإنسان بالشدائد، ويأتي شهر رمضان المبارك ليستظل الناس فيه، فيتعرضوا لنفحاته وخيراته، ويصيبوا من بركاته وإحسانه، وينالوا من مغفرة الله سبحانه وتعالى، ومن هنا نفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله عز وجل". رواه الطبراني. أمَرَنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نتعرض في هذا الشهر لرحمات الله سبحانه وتعالى؛ لأن الشقي هو الذي لا يتعرض لرحماته.
^ليلة من ليالي رمضان .. خير من ألف شهر:
بالعودة إلى حديث سيدنا سلمان: ((خَطَبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: "أيها الناس! قد أظلّكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً".)) صحيح ابن خزيمة. لأن المسلم إذا قام هذه الليلة إيماناً وتصديقاً واحتساباً لله تعالى، لا رياء، ولا سمعة، ولا تشوّفاً، ولا طلباً لمديح الناس، فإنه بهذه الليلة يعوّض ألف شهر من أيام الأمم السابقة. هذه الليلة تعادل في حساباتنا اليومية أربعاً وثمانين سنة من سنوات الأمم السابقة، هي فضيلة ليلة واحدة من ليالي أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فإن أكرم الله تعالى أحداً بأنه عاش أربعاً وثمانين سنة، وكل سنة من سنوات عمره فيها سنة تعادل أربعاًَ وثمانين سنة، فهذا يدل على خير عظيم.
^ كيف اعتاد الناس استقبال شهر رمضان؟
من الناس من يتخلى في رمضان عن العبادة، ويقضي هذا الشهر بالملهِيات والملذات والشهوات، وينشغل بالمفاسد، وبالطعام والشراب، ويذهب هنا وهناك، وهناك أناس يسهرون الليل كله في شهر رمضان وينامون النهار، وليتهم يسهرون في قيام الليل، وتلاوة القرآن، والاستغفار ومناجاة الله سبحانه وتعالى، لكنهم للأسف يسهرون هذا الليل تحت ما يسمى بـ "الخيم الرمضانية"، حيث الموسيقى والاختلاط والتفلت من الأخلاق، ورمضان بريء من هذه الخيم ومما يجري تحتها من المساء إلى قبيل طلوع الفجر،، يرقصون، ويغنون، ويشربون، ويأكلون ويلهون... هذا ليس من أخلاق الصائمين ولا من أخلاق رمضان. فهؤلاء الذين يقضون لياليهم في شهر رمضان على هذه الصورة هم الذين لم يتعرضوا لرحمة الله تعالى، الذين لم يدركوا قيمة هذا الشهر العظيم، الذين فاتهم هذا الخير الكبير العميم، فراحوا يضيّعون أوقاتهم في الملهيات والمسلّيات، أو ما فيه معصية الله تعالى.
فئة أخرى تقضي وقتها في ليالي رمضان تتتبّع المسلسلات، والبرامج الترفيهية، وبرامج المسابقات، من بعد الإفطار إلى قبيل السَّحَر، هؤلاء ضيّعوا وقت البركة والخير والفضيلة.
في الوقت نفسه نجد أن الكثرة الكاثرة - ولله الحمد - وهذا ما ينبغي أن نبشِّر به وننشره، المساجد مُضاءة إلى الفجر؛ قيام ليل، صلاة أسحار، صلاة تهجّد، استغفار، دعاء، تجلّيات، دروس علمية، محاضرات، ندوات تُقام في المساجد والمراكز في أيام رمضان، كلها تعود بالخير العميم على الصائمين، وهؤلاء هم الذين يغتنمون هذه الأيام المباركة في شهر رمضان، يستفيدون منها ويعود خيرها على قلوبهم ونفوسهم. أولئك الذين يحرصون على الصلوات الخمس في المساجد ويؤدّونها في أوقاتها، ويحرصون على قراءة القرآن وتلاوته بتدبّر مع فهم معانيه، أولئك الذين لا يضيعون درس علم يُلقى بعد الظهر أو بعد العصر، أو حتى في قناة فضائية، أولئك الذين يحسنون التعرض لنفحات الله سبحانه وتعالى في شهر رمضان، فلا يكونون من الأشقياء إن شاء الله تعالى.
^ كيف نخطّط لاستقبال رمضان؟
علينا أن نستقبل شهر رمضان المبارك بالعزم والتخطيط للاستفادة من كل لحظة من لحظات هذا الشهر العظيم. للأسف نلاحظ أن بعض الأسر تخطط لأنواع الطبخ ودعوات الإفطار، وللزيارات التي يقومون بها، وللأسواق التي سيزورنها في ليالي رمضان، ولمتابعة القنوات الفضائية، وما يؤسَف له أكثر هو أن القائمين على هذه القنوات قد فهموا أن الناس في شهر رمضان ينتظرونهم بفارغ الصبر، فراحوا يدّخرون جهدهم طوال العام من أجل هذا الشهر الكريم، تصوّروا أن بعض شركات الإنتاج الفني تنتج في السنة مسلسلين أو ثلاثة وتفرّغ نفسها لشهر رمضان؛ كي تشغلنا عن بركته، وتصرفنا عن روحانيته، وتحرمنا من لذة التعرض لنفحات الله سبحانه وتعالى فيه. تلك الشركات تعدّ البرامج والمسلسلات، وقبيل رمضان تعرض الدعايات بشأن تلك البرامج عبر الصحف، وعلى الإذاعات والمحطات، والناس يدوّنون مواعيدها. ترى هل أعد المسلم المؤمن الخائف من الله المحب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ هل أعد برنامجاً للارتقاء في العبادة في شهر رمضان؟؟ هل عزمت أخي المؤمن وخططت للارتقاء بعبادتك عما كانت عليه في الأيام السابقة؟؟ هذا ما ينبغي أن نستقبل به شهر رمضان المبارك.
علينا أن نخطط ونعد إعداداً جيداً لاغتنام رمضان كله، وعمارة الوقت بالأعمال الصالحة. هذا يحتاج إلى صدق مع الله سبحانه وتعالى، فمن صدق الله صدقه الله، ومن نوى أعانه الله، كما ورد في القرآن الكريم ( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ) سورة محمد (21). فقط انوِ - أيها الأخ المؤمن - أن حالك في شهر رمضان ستكون مختلفة عن بقية الشهور؛ لا كذب، ولا غيبة، ولا نميمة، ولا غش، ولا خداع، ولا إخلاف في المواعيد، ولا تضييع للأوقات، ولا هجر للقرآن، بل هجر للنوم والمُفسدات والملهيات، وابتعاد عن المغريات وسائر أنواع الفساد والإفساد التي أُعِدَّت لنا من الشرق ومن الغرب.
هذا العزم والتخطيط ينبغي أن يكون مصحوباً بالاستعداد للتفقّه في أحكام رمضان وأخلاقه. يقول الله سبحانه وتعالى ( ...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) سورة الأنبياء (7). يستطيع المؤمن في شهر رمضان أن يتفقه بأحكام ركن عظيم من أركان الإسلام ويتقن هذا الركن، وفي موسم الحج يستطيع أن يفقه في أحكام الحج بأكملها، وبذلك يكون قد أتقن ركنين عظيمين، وسائر السنة يستطيع أن يتفقه في أحكام الزكاة وأحكام الصلاة، وبذلك يكون قد أتقن أركان الإسلام الأربعة مع شهادة أن "لا إله إلا الله.. محمد رسول الله". عندها سيكون مسلماً باليقين لا بالعادة، مسلماً بالاعتقاد لا بالوراثة، مسلماً على حقيقة الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا بالمصادفة، نلاحظ هذه الأيام أن كثيراً من الناس يجهلون أحكام دينهم، يجهلون أحكام الفرائض والسنن والواجبات، وما يفترض عليهم أن يعلموه من الدين بالضرورة؛ تصحيح العقيدة والعبادة والمعاملة. هناك أنس لا يفقهون الطهارة ويحتاجون إلى دروس في الطهارة بأنواعها؛ الطهارة من الحدث الأصغر، ومن الحدث الأكبر، وطهارة الثوب والبدن والمكان... فلا حرج أن نغتنم شهراً عظيماً كشهر رمضان المبارك لنتفقه في ديننا، ولنجعله زاداً عظيماً وذخراً كبيراً نتزوّد به لدنيانا وآخرتنا. إذاً.. من أولويات استقبال رمضان العلم والفقه بأحكامه.
كذلك هناك مسألة مهمة، هي التهيئة النفسية والروحية وكذلك البدنية لشهر رمضان، فالمسلم حينما يتهيأ روحياً وبدنياً. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صوموا تصحّوا". كشف الخفاء. كثير من الناس يعانون من الأمراض؛ كالضغط، والسكر، والبدانة، والكولسترول، والشحوم... فيأتي شهر رمضان لينظّم لهم مواقيت الغذاء ومواعيد الدواء. فيأتي نشاط في البدن مصحوباً ما بين الصيام في النهار، والعبادة في الليل، فالصيام في النهار يتخلص فيه الإنسان من كثير من الرواسب التي علقت في معدته وأمعائه، يتخلص من التعفنّات، والأمراض، والتراكمات والكسل الذي أصابه خلال الأشهر السابقة. ففي رمضان ينشط جسم الإنسان، وتنشط همته، وتقوى قدرته على الطاعة والعبادة والسهر في طاعة الله سبحانه وتعالى.
^ صفحات جديدة .. نفتحها في شهر رمضان المبارك:
أيتها الاخوات الكرام .... ألخص طريقة استقبالنا لشهر رمضان بكلمات:
أ- الصفحة الأولى: مع الله سبحانه وتعالى:
لنفتحْ صفحة بيضاء في شهر رمضان مع الله سبحانه وتعالى، أولاً بالتوبة الصادقة. يقول تعالى ( ... وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) سورة النور (31). أحد أسباب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة هو أن نبدأ توبة صادقة في شهر رمضان، نتخلى فيها عما كنا عليه قبل هذا الشهر الكريم.
ب- الصفحة الثانية: مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
نفتح صفحة جديدة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن نطيعه فيما أمر، وأن نجتنب ما نهى عنه وزجر.
جـ - الصفحة الثالثة: مع الأقارب والأرحام:
نفتح صفحة جديدة مع الوالدين، والأقارب، والأرحام، والزوجة والأولاد بالبر والصلة. فأولئك الذين قطّعوا أرحامهم خلال السنة جاءتهم الفرصة الآن لتعيدوا روابط الأسرة. رمضان شهر التكافل الاجتماعي، شهر إدخال السرور على القلوب، وهيب فرصة عظيمة لنا جميعاً لنستدرك ما فاتنا من نقص، ولنعوّض ذلك الخلل الذي وقعنا فيه خلال أيام أشهرنا السابقة.
د - الصفحة الرابعة: مع المجتمع:
نفتح صفحة جديدة مع المجتمع الذي نعيش فيه؛ لنكون عباداً نافعين لأمتنا وأوطاننا. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أفضل الناس أنفعهم للناس". المعجم الأوسط. فلا يجوز أن نستغل بعضنا في شهر رمضان. الآن يتزود الناس في الأيام التي تسبق رمضان من الطعام والشراب، ويدخلون الأسواق بكثرة، فيبدأ الاستغلال، تُرفَع الأسعار، وتُحتَكَر بعض البضاعة وتُستثمر في هذه الأيام، فهذا لا يجوز أبداً، على الإنسان أن يكون نفّاعةً لإخوانه ووطنه ومجتمعه وللناس أجمعين، والنبي صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأنه كالغيث حيثما وقع نفع. وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان المؤمن في شهر رمضان.
أيتهاالاخوات الكرام ها هو رمضان يقرع الأبواب، لنعيش فيه أياماً مباركة وليالي فاضلة تفضل الله تعالى بها علينا وهيّأ لنا أسباب الخير، ورتّب لنا العطاء الجزيل والثواب العظيم، فلْنشكرِ الله سبحانه وتعالى على نعمته، ولْنَسَلْه المزيد من فضله وكرمه، ولْنحرِصْ على أن تكون أيام رمضان كلها طاعةً وعبادة وتقربً إلى الله سبحانه وتعالى.
يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصيام جُنَّة، فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفثْ، ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقلْ: إني صائم".
om naser_64 @om_naser_64
عضوة مميزة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
احسنت الطرح والاختيار أخيتي
موضوع قيم مفيد
وصفحات بيضاء مشرقة تدعو إلى بدايات جديدة
ومراجعات مع النفس
وتقويم لها
بيض الله صفحات عملك
وجزاك جنة وحريرا
بورك الحرف الهادف .!