نور ,
نور ,



فصل: وزاد بعضهم قسما ثالثا من أقسام الصبر

وهو الصبر مع الله


وجعلوه أعلى أنواع الصبر وقالوا هو الوفاء ولو سئل هذا عن حقيقة الصبر مع الله لما أمكنه أن يفسره بغير الأنواع الثلاثة التى ذكرت وهى

الصبر على أقضيته

والصبر على أوامره

والصبر عن نواهيه


فإن زعم أن الصبر مع الله هو الثبات معه على أحكامه يدور معها حيث دارت فيكون دائما مع الله لا مع نفسه فهو مع الله بالمحبة والموافقة فهذا المعنى حق ولكن مداره على الصبر على الأنواع المتقدمة وإن زعم أن الصبر مع الله هو الجامع لأنواع الصبر فهذا حق ولكن جعله قسما رابعا من أقسام الصبر غير مستقيم.


واعلم أن حقيقة الصبر مع الله هو ثبات القلب بالاستقامة معه وهو أن لا يروغ عنه روغان الثعالب ها هنا وها هنا فحقيقة هذا هو الاستقامة اليه وعكوف القلب عليه وزاد بعضهم قسما آخر من اقسامه

وسماه الصبر فيه


وهذا أيضا غير خارج عن أقسام الصبر المذكورة ولا يعقل من الصبر فيه معنى غير الصبر له وهذا كما يقال فعلت هذا في الله وله كما قال خبيب:
وقد قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وقال {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ} وفي حديث جابر: "ان الله تعالى لما أحيا أباه وقال له تمن قال يا رب أن ترجعنى إلى الدنيا حتى أقتل فيك مرة ثانية" وقال "ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد"

وهذا يفهم منه معنيان أحدهما أن ذلك في مرضاته وطاعته وسبيله وهذا فيما يفعله الإنسان باختياره كما في الحديث "تعلمت فيك العلم" والثاني انه بسببه وبجهته حصل ذلك وهذا فيما يصيبه بغير اختياره وغالب ما يأتى قولهم "ذلك في الله" في هذا المعنى فتأمل قوله "ولقد أوذيت في الله" وقول خبيب وذلك "في ذات الإله" وقول عبد الله بن حزام "حتى أقتل فيك" وكذلك قوله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} فإنه يترتب عليه الأذى فيه سبحانه.


وليست في ها هنا للظرفية ولا لمجرد السببية وان كانت السببية هي أصلها فانظر إلى قوله "في نفس المؤمن مائة من الإبل" وقوله "دخلت امرأة النار في هرة" كيف تجد فيه معنى زائدا على السببية وليست في للوعاء في جميع معانيها فقولك "فعلت هذا في مرضاتك" فيه معنى زيد على قولك "فعلته لمرضاتك" وأنت اذا قلت "أوذيت في الله" لا يقوم مقام هذا اللفظ كقولك "أوذيت لله" ولا "بسبب الله" وإذا فهم المعنى طوى حكم العبارة والمقصود ان الصبر في الله ان أريد به هذا المعنى فهو حق وان أريد به معنى خارج عن الصبر على أقضيته وعلى أوامره وعن نواهيه وله وبه لم يحصل فالصابر في الله كالمجاهد في الله والجهاد فيه لا يخرج عن معنى الجهاد به وله والله الموفق.

وأما قول بعضهم"الصبر لله غناء والصبر بالله بقاء والصبر في الله بلاء والصبر مع الله وفاء والصبر عن الله جفاء" فكلام لا يجب التسليم لقائله لأنه ذكر ما سنح له وتصوره وانما يجب التسليم للنقل المصدق عن القائل المعصوم ونحن نشرح هذه الكلمات.

أما قوله"الصبر لله غناء" فإن الصبر لله بترك حظوظ النفس ومرادها لمراد الله وهذا أشق شيء على النفس وأصعبه فإن قطع المفازة التي بين النفس وبين الله بحيث يسير منها إلى الله شديد جدا على النفس بخلاف السفر إلى الآخرة فإنه سهل كما قال الجنيد"السير من الدنيا إلى الآخرة سهل يعنى على المؤمن وهجران الخلق في جنب الحق شديد والسير من النفس إلى الله صعب شديد والصبر مع الله أشد"

وأما قوله:"والصبر بالله بقاء" فلأن العبد اذا كان بالله هان عليه كل شيء ويتحمل الأثقال ولم يجد لها ثقلا فإنه اذا كان بالله لا بالخلق ولا بنفسه كان لقلبه وروحه وجود آخر وشأن آخر غير شأنه اذا كان بنفسه وبالخلق وبهذا الحال لا يجد عناء الصبر ولا مرارته وتنقلب مشاق التكليف له نعيما وقرة عين كما قال بعض الزهاد عالجت قيام الليل سنة وتنعمت به عشرين سنة ومن كانت قرة عينه في الصلاة لم يجد لها مشقة وكلفة.

وأما قوله:"والصبر في الله بلاء" فالبلاء فوق العناء والصبر فيه فوق الصبر له وأخص منه كما تقدم فإن الصبر فيه بمنزلة الجهاد فيه وهو أشق من الجهاد له فكل مجاهد في الله وصابر في الله مجاهد له وصابر له من غير عكس فإن الرجل قد يجاهد ويصبر لله مرة ليقع عليه اسم من فعل ذلك لله ولا يقع عليه اسم من فعل ذلك في الله وإنما يقع على من انغمس في الجهاد والصبر ودخل الجنة.

وأما قوله:"والصبر مع الله وفاء" فلأن الصبر معه هو الثبات معه على أحكامه ولا يزيغ القلب عن الإنابة ولا الجوارح عن الطاعة فتعطى المعية حقها من التوفية كما قال تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} أى وفي ما أمر به بصبره مع الله على أوامره.


وأما قوله:"والصبر عن الله جفاء" فلا جفاء أعظم ممن صبر عن معبوده وإلهه ومولاه الذى لا مولى له سواه ولا حياة له ولا صلاح ولا نعيم إلا بمحبته والقرب منه وايثار مرضاته على كل شيء فأي جفاء أعظم من الصبر عنه وهذا معنى قول من قال الصبر على ضد بين صبر العابدين وصبر المحبين فصبر العابدين أحسنه أن يكون محفوظا وصبر المحبين أحسنه أن يكون مرفوضا كما قيل:

يبين يوم البين ان اعتزامه على الصبر من احدى الظنون الكواذب

وقال الآخر:

ولما دعوت الصبر بعدك والبكا أجاب البكا طوعا ولم يجب الصبر


قالوا: ويدل عليه أن يعقوب صلوات الله وسلامه عليه قال فصبر جميل ورسول الله اذا وعد وفى ثم حمله الوجد على يوسف والشوق اليه أن قال {يا أسفا على يوسف} فلم يكن عدم صبره عنه منافيا لقوله {فصبر جميل} فإن الصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه ولا تنافيه الشكوى إلى الله سبحانه وتعالى فإنه قد قال {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}
والله تعالى أمر رسوله بالصبر الجميل وقد امتثل ما أمر به وقال "اللهم اليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي" الحديث وأما قول بعضهم إن الصبر الجميل ان يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدرى من هو فهذا من الصبر الجميل لأن من فقده فقد الصبر الجميل فإن ظهور اثر المصيبة على العبد مما لا يمكن دفعه البتة وبالله التوفيق

وزاد بعضهم في الصبر قسما آخر


وسماه الصبر على الصبر

وقال هو ان يستغرق في الصبر حتى يعجزالصبر عن الصبر كما قيل:


صابر الصبر فاستغاث به الصبر فصاح المحب بالصبر صبرا



وليس هذا خارجا عن أقسام الصبر وإنما هو المرابطة على الصبر والثبات عليه والله أعلم


بتيع باذن الله


،،،

نور ,
نور ,


لباب الحادي عشر: في الفرق بين صبر الكرام وصبر اللئام



كل أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره إما اختيارا وإما اضطرارا فالكريم يصبر اختيارا لعلمه بحسن عاقبة الصبر وأنه يحمد عليه ويذم على الجزع وأنه ان لم يصبر لم يرد الجزع عليه فائتا ولم ينتزع عنه مكروها وان المقدور لا حيلة في دفعه وما لم يقدر لا حيلة في تحصيله فالجزع ضره أقرب من نفعه
قال بعض العقلاء: "العاقل عند نزول المصيبة يفعل ما يفعله الأحمق بعد شهر" كما قيل وأن الأمر يفضى إلى آخر فيصير آخره أولا فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود فما أحسن به أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره

وقال بعض العقلاء من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم فالكريم ينظر إلى المصيبة فإن رأى الجزع يردها ويدفعها فهذا قد ينفعه الجزع وان كان الجزع لا ينفعه فإنه يجعل المصيبة مصيبتين.


فصل:


وأما اللئيم فإنه يصبر اضطرارا فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تجدى عليه شيئا فيصبر صبر الموثق للضرب وأيضا فالكريم يصبر في طاعة الرحمن واللئيم يصبر في طاعة الشيطان فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم وشهواتهم وأقل الناس صبرا في طاعة ربهم فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء ويصبر في تحمل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة ربه ويصبر على ما يقال في عرضه في المعصية ولا يصبر على ما يقال في عرضه اذا أوذى في الله بل يفر من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر خشية أن يتكلم في عرضه في ذات الله ويبذل عرضه في هوى نفسه ومرضاته صابرا على ما يقال فيه وكذلك يصبر على التبذل بنفسه وجاهه في هوى نفسه ومراده ولا يصبر على التبذل لله في مرضاته وطاعته فهو أصبر شيء على التبذل في طاعة الشيطان ومراد النفس وأعجز شيء عن الصبر على ذلك في الله وهذا أعظم اللؤم ولا يكون صاحبه كريما عند الله ولا يقوم مع أهل الكرم


اذا نودى بهم يوم القيامة على رءوس الاشهاد ليعلم أهل الجمع من أولى بالكرم اليوم أين المتقون



يتبع باذن الله
نور ,
نور ,
إلى هنا وتوقف الكاتب عن إكمال موضوعه ، ومن أرادت الاستزادة تبحث عن الكتاب الالكتروني لابن القيم أو مطبوعاً بالمكتبات ، وإن كتب ربي واكمل الكاتب موضوعه راح أضيفها هنا .. بإذن الله ’’

أتمنى لي ولكنّ الاستفادة ,,
زينب 32
زينب 32
يسلمو اختي نور
اللهم اجرني في مصيبتي واخلفلي خيرا منها
ربي لاتذرني فردا وانت خير الوارثين

نور ,
نور ,
يسلمو اختي نور اللهم اجرني في مصيبتي واخلفلي خيرا منها ربي لاتذرني فردا وانت خير الوارثين
يسلمو اختي نور اللهم اجرني في مصيبتي واخلفلي خيرا منها ربي لاتذرني فردا وانت خير الوارثين
الله يسلمك من كل شر وفتنة حبيبتي زينب
واسأل الله جلّ في علاه أن فرج همومك وهموم المسلمين ,,