فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

~ كيف ننظر إلى حياتنا ~

الأسرة والمجتمع


قال تعالى :
( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الأخرة لهي الحيوان ).
نحن نعيش في زمن وفي مجتمعات تهتز فيها مقاييس الرؤية للحياة ..
وحين نفتقد الرؤية الثابتة نخفق فيما نجح فيه المسلمون الأولون ..
فالعامل الرئيسي لنجاح أي مجتمع وأي أمة هو امتلاك الرؤية الثابتة
قبل امتلاك القوة ..
وهكذا يحدثنا التاريخ كيف أن المسلمون امتلكوا زمام النجاح ..
لأنهم كانوا يعرفون ماذا يريدون من الحياة ..؟
كانوا يعرفون كيف هي الحياة ؟
فالحياة عندهم لم يكن يعني فيها الطعام والشراب إلا وسيلة
ولم يكن لتوافه الدنيا ومظاهرها ومتعها عندهم قيمة كبيرة يعلقون عليها آمالهم
وإنما كانت حياتهم هدفاً قبل كل شيء...يتمثل في العطاء والتضحية ..
كانت الحياة محك تجربة ، والموت نهاية هذا المحك ..
والعطاء هو الأخذ ..
والتضحية هي اختصار الطريق إلى السعادة ..
الدنيا عندهم كانت طريقاً ينيخ به الراحل عشياً ويرتحل صباحاً ..

ومادام الإنسان يدرك هذه الحقيقة ، ويستقر معناها في نفسه ..
فهو يملك أمره وأمر دنياه فلا يعيش لأجل أن يجمع فيها المال
ولا يقضي أيامه فيها بالأسى والحسرة على شيء فاته ..
ولا يتشبث بأذيالها ويتهافت عليها،
ولا يغفل عن حقيقة أنها دار فناء،
بل يجعل غاية عمله فيها الوصول بسعادة إلى دار ..
لافناء بعدها..

حين طلبوا الأخرة ~
لنستوعب الدرس ..!
لنرى كيف تحول المسلمون الأوائل الذين كان آخر هدف أحدهم..
أن يملك بيتاً من سعف النخيل وسط الصحراء ، وجملاً وناقة ..
كيف تحول هؤلاء في أقل من خمسين عاماً إلى أمة امتد سلطانها
إلى مشرق الأرض ومغربها...
عمروا بلداناً : اجتماعياً وإقتصادياً وعسكرياً؟
وشادوا فيها الحضارة ؟
وواجهوا أقوى امبراطوريات الأرض ، وهزموها ؟!
وكيف أصبحوا أغنياء وطلبتهم الدنيا حين لم يطلبوها
إلى درجة أن واليهم على بعض البلاد الأفريقية
-التي يموت فيها الآن كل تسعة من عشرة أطفال يولدون-
كان يبحث عن الفقراء خارج البلاد ليوزع عليهم الزكاة ،
بعد أن لم يجد فقيراً واحداً داخل البلاد ..؟ !!
هكذا كان المسلمون .. لأنهم لم ينقضوا على الدنيا ..
انقضاض من يتضور جوعاً على الطعام ..
أو كطامع أقبل على دنياه ..
إقبال ظاميء لم يجد إلا ماء البحر ..
وكلما شرب منه ازداد عطشاً حتى هلك ..!!


ولعلك تسألين : هل يعني ذلك أن نتخلى عن الدنيا ؟
والجواب : لا بالطبع .. !!
فليس المطلوب إعلان التقشف وعدم امتلاك شيء من متاع ومتع الدنيا ،
وإنما نحيا على قاعدة :

( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ).
***

وقفـــــــــــة ~
قال رجل لعالم فقيه : أنا أحب الدنيا !
فسأله : وماذا تصنع بها ؟
قال : أتزوج .. وأنفق على عيالي .. وأحج .. وأصل إخواني وأصحابي بمالي ..
وأتصدق .

فأجابه: ليس هذا من الدنيا ، بل هذا من الآخرة .

***


إذن يجب أن نجعل لنا من هذه الدنيا حظاً ، بإعطاء النفس ماتشتهي من الحلال ،
ومالا إسراف فيه ، مستعينين بذلك على أمور الدين ..
فليس علينا أن نترك دنيانا لديننا ، ولا أن نترك ديننا لدنيانا ..
بل نأخذ من دنيانا لآخرتنا ..
ومن يومنا لغدنا ..
فالتوسط والاعتدال في أخذ الحياة هو المطلوب .



حين حرصوا انهزموا ~
وكما قام المجتمع الإسلامي وبسط ملكه وسادت حضارته في التاريخ
حين أيقن أن للحياة هدفاً نبيلاً يتجاوز المتع والتنعم .. واللهو ..
فعاش انتصارات وبنى أمجاداً ...
كذلك أنهزم حين تمكن منه الطمع والتعلق بمتاع الدنيا ..
***

وهذه قصة من دروس التاريخ تمثلها لنا معركة ( بلاط الشهداء ) ..
فلنقرأ سطور أحداث الهزيمة ..

كما قرأنا سطور الانتصارات :
كان عدد جيوش المسلمين كبيراً يبلغ السبعين ألفاً ..
تحت قيادة ( عبد الرحمن الخافقي )
يسيرون من نصر إلى نصر .. عبر الجبال في بلاد الغرب..
وفي زحفهم واجتياحهم المدن جمعوا الكثير من الغنائم ...
ولكنهم ...!
حين وصلوا إلى المعركة الفاصلة حيث تنتظرهم الجيوش الفرنسية
في ( بواتيه ) انهزموا ..!!!
لقد كان تفوقهم في البداية وهم خفاف ..
تفوق من يضع نصب عينيه هدف النصر وإعلاء كلمة الحق ..
لايشغله من متاع الدنيا شاغل ..
فلما استولوا على الغنائم والأسلاب وزادوها في كل بلد غزوه ..
صار الحفاظ عليها شاغلهم .. ومحط أنظارهم ..
وكانوا قد الحقوها بالصفوف الخلفية حرصاً عليها من الضياع ..
وعرف عدوهم نقطة ضعفهم حين قابلهم في المعركة وجهاً لوجه ..
فما كان إلا واندفعت فرقة من الأعداء إلى صفوفهم الخلفية
فاضطرب المسلمون بين قتالهم وبين خوفهم من ضياع الغنائم فتراجعوا
واختلت صفوفهم واتسعت الثغرة حيث نفذ منها العدو ..
وحاول عبد الرحمن أن يصرف المسلمين عن الاهتمام بغنائمهم ..
إلى الالتحام والتكاثف والوقوف في وجه عدوهم .. فلم يوفق ..!!
وأصابه سهم أودى بحياته .. !
وحين مات القائد انهال عليهم الأعداء من كل جانب ومنوا بالهزيمة.
لقد كانت معركة بلاط الشهداء معركة حاسمة في التاريخ الإسلامي ..
ولولا التطلع إلى الدنيا والطمع لانتصر المسلمون .. ولسادوا الغرب ..

وقد ظلت هذه المعركة آخر انتصاراتهم لقرون طويلة ..


أخيــــــراً ~
هذا مثل الحياة ..
فإن النصر والهزيمة ..
والقوة والضعف ...
والرقي والتخلف ... لأي مجتمع يقاس بنظرته لمعنى الحياة
وماذا يريد منها ؟
وماذا يصنع بها ؟
ولذلك فالدنيا إذا تعارضت مع سمو الهدف عند من يملك الرؤية الثابته
لايؤخذ لها اعتبار ولا يكون لها وزن ..
فلننظر لحياتنا على أنها متاع للآخرة ..
( ياقوم انما هذه الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار).
10
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ألوان_1
ألوان_1
( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ).


كلام جميل.
تغريد حائل
تغريد حائل
الحبيبة فيض:
حروفكِ متوقدة بالفائدة
تفور من معين الفكر الصافي السلسبيل..!
طرحكِ قيّم
يعكس التفاؤل بعمق الذات،
ويرسم رؤية شمولية لدستور الحياة..!
أجدتِ فيضنا
وفقكِ الله، ورزقكِ التيسير والمثوبة الحسنة!!
المحامية نون
المحامية نون
بارك الله فيك يا فيض ...في سطورك نجد حكمة بالغة في الإعتدال في جميع امور حياتنا ...لكي تستقيم وتصفو ...اعجبني طرحك لهذا الجانب ...جعله الله في ميزان حسناتك ....وشكراً لتلك الفائدة .....تقبلي تحياتي لقلمك النافع دائماً. .....
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
حروف قيمة وتوجيه مسدد وتذكرة نافعة...

والناس مع الدنيا ثلاثة أصناف..



🔴 منكب عليها بقلبه وجوارحه نسي الآخرة..!!

🔴 منصرف عنها ألبتة منقطع للآخرة فحسب...!!


🔴 آخذ حاجته منها مستعين بها للوصول للآخرة.. 👍

فلا الاول او الثاني فيه خير لانه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم...!!





والفرق بين تعامل السلف مع الدنيا وتعامل الخلف..!!

ان السلف جعلوا الدنيا في ايديهم واحكموا قبضتهم عليها ياخذون منها

حاجتهم دون ان تغويهم او تصرفهم عن دينهم فهم المتحكمون فيها ان رغبوا منها شي..


اما بعض الخلف فقد جعلوا الدنيا في قلوبهم فهي تحكمهم وتقودهم لزخرفها


وملذاتها حتى تنسيهم امر دينهم وتسير بهم الى الهلاك ...!!





وفقك المولى وسددك الباري ..
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ). كلام جميل.
( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ). كلام جميل.
مرحباً أخيتي ألوان :
بارك الله جميل مرورك وكريم حرفك .