بسم الله الرحمن الرحيم
كنت جالساً في المحكمة انظر في القضايا الزوجية: فهذا متزوج حديثاً، وذلك مطلق طلق زوجته قبل أيام. وبينما كنت أقلب في الأوراق دخل على شاب في مقتبل العمر تبدو عليه علامات الحزن والأسى.
قلت له: تفضل..
قال : شكراً، ثم أردف، لقد جئت لأطلق زوجتي.
قلت بهدوء: وما السبب ؟
قال : لا أعرف، ولكنني أعتقد أن الحياة بيننا أصبحت مستحيلة.
قلت: وهل قصرت زوجتك في شيء.
شعرت من كلامه عندما مدح زوجته بأنه متحسر عليها.
فسألته: وهل تحب زوجتك؟ فسكت قليلاً ثم قال : نعم، لكنني لا أريد أن أعيش معها.
قلت: هل أستطيع أن أتحدث مع زوجتك؟
قال: نعم، وبكل سرور.
ثم انطلق ليحضر زوجته إليّ في المحكمة.
دخلت الزوجة وتحدثت إليها. وتعرفت على تاريخهما الزوجي، وسألتها عن علاقتها مع زوجها، فقالت: لا أعرف لماذا يفكر دائماً في طلاقي مع أني لم أقصر بواجبي تجاهه، وبدأت تتحدث عن محاسنها وأنها امرأة ذكية، ونشيطة، ومربية لأطفاله، ومهتمة به، وأن لها نشاطاً خيرياً تمارسه في الفترة المسائية وأنها ناجحة في كل مشاريعها. سألتها عن زوجها وعن مشاريعه التجارية فقالت: لقد دخل في ثلاثة مشاريع تجارية ولكنه خسر فيها.
بدأت أسأل أكثر عن علاقتها معه وبالتحديد في موقفها عندما كان يخسر في مشاريعه؟ وماذا كان موقفها عندما تنجح في مشاريعها؟
فعلمت من إجابتها أنها تقف منها موقفاً سلبياً أثناء فشله، وأما عند نجاحها فدائماً كانت تخبره عن نتائجها المثمرة.
فقلت لها: وهل تصرفك هذا صحيح؟
قالت: وماذا تريديني أن أفعل؟
قلت: دعيني أحدثك عن طبيعة الرجال قليلاً.
قالت: تفضل.
قلت: إن الرجل يجد ذاته في الإنتاج والعمل، فتزداد سمعة الرجل في مجتمعه بنشاطه وإنتاجه، وكلما تميز الرجل بعمله وأبدع فيه ورأى بوادر النجاح، كلما شعر بتحقيق ذاته ورضاه عن نفسها وازداد سعادة وطرباً.
قالت: وما ذنبي أنا إذا كنت ناجحة وزوجي فاشل؟
قلت: إن كنت حريصة على مؤسستك الزوجية، فلابد أن يكون لك دور عندما يفشل زوجك في مشاريعه لأن أكثر ما يحطم الرجال فشلهم في مشاريعهم، كما لو فشلت أنت في تربية ابنك فإنه لا يقر لك قراراً، وتحاولين دائماً الهروب بدلاً من مواجهة المشكلة.
ثم قلت لها: ويبدو من كلامي معك أنك امرأة قوية وزوجك رجل عاطفي.
وأنت أقوى شخصية منه، ويبدو أنك تفخرين بنجاحك أمامه من غير أي اعتبار لنفسيته.
قالت: والله.. إنه لكلام صحيح، ولكنني لا أعرف ماذا أفعل؟ وأشعر أن زوجي كره حياته لأنه لم يجد ذاته.
قلت: وهل تقبلين مني ثلاث نصائح تكفل حياة مستقرة، وتنقذ زواجك من الفشل؟
قالت: نعم، بل أتمنى ذلك..
قلت: أولاً: لا تتحدثي مع زوجك بلغة أنا بل تحدثي معه بلغة نحن وأشركيه في حوارك وكلامك ومشاريعك، فلا تخاطبيه وكأنك منفصلة عنه في التفكير والعواطف والأحاسيس، بل كونا معاً في ذلك.
ثانياً: هل جربت أن تستشيريه في مشاريعك؟ لأن الرجل يحب أن يستشار، ويشعر برجولته عندما يؤخذ برأيه، فيشعر أنه محترم ومقدّر من الطرف الآخر، فقبل أن تبدئي مشروعك استأنسي برأيه ثم أخبريه بعد أيام أنك تحمدين الله على أن وفقكما في اتخاذ القرار، وأخبريه بأن رأيه كان سبباً في نجاح مشروعك.
ثالثاً: قفي معه في مشاريعه وادعميه معنوياً، وإن فشل فقولي له: إن النجاح دائماً بدايته الفشل، واضربي له الأمثال بمن سبقه من الرجال وكيف فشلوا ثم نجحوا.
قالت: والله إنه لكلام جميل.. ولكن هل يعطيني زوجي فرصة لأحقق له ذلك؟
قلت: أين زوجك الآن؟
قالت: في الخارج.
قلت: اطلبيه فليدخل واستريحي أنت بالخارج.
دخل الزوج وبدأت أتحدث معه عن بعض الزيجات التي يعتريها الفشل إلا أن الأمل في الله كبير ومن توكل على الله فهو حسبه، ثم مدحت له زوجته، وطلبت منه أن يعطيها الفرصة الأخيرة فوافق على الطلب، ثم تحدثت إلى الزوجين معاً وطلبت منهما الصبر والاستعانة بالله.
بعد مرور أسبوعين من هذه القصة دخل عليّ الزوج مرة أخرى وكان مبتسماً منشرحاً، فجلس وقال: كنت قد نويت الطلاق عندما جئت إليك ولكنني اليوم حضرت لأقول لك: إنني لن أفكر في تطليق زوجتي أبداً. فابتسمت وحمدت الله.
منقول

Nour2004 @nour2004
عضوة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
قلما نرى تلك المرأة التي تفهم نفسية الرجل
بارك الله فيك على النقل:26: