كيف يُعذَب الميت ببكاء أهله ..؟؟!
حال الميت بعد وفاته
1- شعور الميت بعد الوفاة
يقال: إن الإنسان بعد أن يموت يشعر ويسمع ما يدور حوله وهو على سرير الموت، وكذلك في النعْش، فهل هذا صحيح؟
يقول الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر -رحمه الله - :
رُوي في السنة النبوية المُطهرة أن الميت يعرف مَن يتولَّى تجهيزه ودفنه، لاتصال جسده بروحه حينئذ، فقد روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت يعرف مَن يحمله، ومَن يُغسله، ومَن يُدلِّيه في قبره". وفي رواية الطبراني: "إن الميت ليعلم مَن يغسله، ومن يكفنه، ومن يُدلِّيه في حُفرته". وقد ورد كذلك في السُّنة المطهرة ما يفيد أن روح العبد الصالح تخرج مِن جسم صاحبها عند الموت، ثم تعود إلى جسمه في قبره، ويقول أبو موسى الأشعري: " تخرج روح المؤمن أطيب مِن رِيح المسْك، فتنطلق بها الملائكة الذين يتوفَّونه، فتتلقَّاه الملائكة من دون السماء، فيقولون: هذا فلان بن فلان، فعلَ كيْتَ وكيتَ بمحاسنِ عمله، فيقولون: مرحبًا بكم وبه، فيَقبضونها منهم، فيُصعَد به من الباب الذي كان يصعد منه عمله، فتشرق في السموات، ولها بُرهان كبُرْهان الشمس، حتى يُنتهَى بها إلى العرش". ويُقرر العلماء أن الروح بعد مُفارقتها جسدها تسمع السلام عليها، وتعرف من يزور قبر صاحبها، وتشعر بلذَّة النعيم، وتشعر بألم العقاب إن كان هناك عقاب لها،كما يُقررون أن هناك اتصالاً خاصًّا بأجساد أصحابها في قبورهم، وبهذا الاتصال الخاص يكون إدراك الميت للأشياء، والله جل جلاله هو وحده الذي يعلم حقيقة هذا الاتصال وكيفيته.
وينبغي أن نعلم أن الأرواح بعد الوفاة تكون مختلفة الأحوال والمراتب بحسب اختلاف أصحابها في مقاماتهم ومنازلهم ودرجاتهم عند الله تعالى فهناك أرواح في أعلَى عِلِّيِّينَ، وأرواح في حواصلِ طيْرٍ خُضر، تسرح في الجنة حيث شاءت وأرواحٌ محبوسة في الأرض، وغير ذلك. وصدق العليُّ الكبير حيث يقول في سورة الإسراء: (ويَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ منْ أمْرِ رَبِّي ومَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً)0 (الآية: 85).
2- وقت ومكان الحساب بعد الموت
أحيانا يموت الانسان أثناء علاجه في المستشفي، فيوضع في الثلاجة إلى حين الانتهاء من الإجراءات.. فهل يحاسب مثل هذا الإنسان بمجرد وضعه في الثلاجة أو يؤجل حسابه إلى حين دفنه في قبره؟
أ.د محمد سيد أحمد المسير
بسم الله ،والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
الحساب بعد الموت محله القبر،مهما كان نوع القبر ، سواء أكان هذا القبر المعروف ،أو قبر من زجاج أو غير ذلك ،أما وضع الميت في ثلاجة أو في البيت انتظارًا للانتهاء من تجهيزه فلا يقع في هذا الوقت حساب،بل بعد نزوله القبر .
يقول الدكتور محمد سيد أحمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر:
عندما يحين موعد خروج الروح من الإنسان في هذه الدنيا تتنزل الملائكة على العبد ، ويعرف ما ينتظره بعد الموت من خير أو شر.
قال تعالي في حق الأولياء " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لاتخافوا ولاتحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" وقال جل شأنه في حق الكافرين "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون".
وأما سؤال القبر ونعيمه أو عذابه فمرهون بالقبر بنصوص شرعية كثيرة، ففي صحيح مسلم بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم.
قال: يأتيه ملكان يقعدانه فيقولان له: ماكنت تقول في هذا الرجل؟
قال: فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له :انظر إلى مقعدك من النار ، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا.
وفي حديث رواه أبو داود عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال( استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل.) والقبر شرعًا هو ما استقر فيه بدن الإنسان حتى ولو كان جوف الحيتان أو قاع البحار أو أجواء الفضاء، وإنما أضيف العذاب والنعيم إلى القبر؛ لأن غالب الناس يقبرون أي يدفنون. وسواء كان الدفن في جوف الأرض أو في متاحف وتوابيت زجاجية أو في غير ذلك فإن العذاب والنعيم واقع فيه. أما وضع الميت في ثلاجة انتظارًا لإجراءات الدفن أو تركه في البيوت لحين تجهيزه فلا يقع أثناء ذلك سؤال أو جزاء.
3- حقيقة عذاب القبر ونعيمه
ما الدليل على حساب القبر؟ وهل يحاسب من أحرقته النار حتى صار رمادا؟ وهل العذاب يكون للروح فقط أم للروح والجسد معا؟
أ.د. محمود عبدالله العكازي
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالحساب في القبر حقيقة ثابتة اتفق عليها العلماء ودلت عليها السنة المطهرة، والحساب يكون لكل من فارق الحياة حتى وإن أكلته السباع أو صار رمادا، ويكون للروح والجسد معا.
يقول فضيلة الدكتور محمود عبدالله العكازي -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-:
السؤال في القبر للمؤمن والكافر حق، ونعيم القبر وعذابه حق، والروح تُعاد إلى الجسد بعد الموت عقب الدفن بالقدر الذي يستطيع معه الميت فهم السؤال ورد الجواب، وهو نوع من الحياة ليس كحياة الدنيا، وطريق ثبوته السمع عن الصادق المصدوق.
ففي المُسنَد عن أبي سعيد الخدري قال: كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم- في جنازة فقال: "أيها الناس: إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها، فإذا دفن الإنسان وتفرق عنه أصحابه جاءه ملك بيده مطراق فأقعده فقال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإذا كان مؤمنًا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول له صدقت، فيُفتح له باب إلى النار فيقال له: هذا منزلك لو كفرت بربك، فأما إذ آمنت فإن الله أبدلك به هذا، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض له فيقال له: اسكن ثم يُفسح له في قبره. وأما الكافر والمنافق فيقال له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت، ولا اهتديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له: هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت فإن الله أبدلك به هذا، ثم يفتح له باب إلى النار، ثم يقمعه الملك بالمطراق قمعًا يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين" قال بعض أصحابه يا رسول الله: ما منا من أحد يقوم على رأسه ملك بيده مطراق إلا هيلَ عند ذلك، -أي فزع- فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء".
4- عذاب القبر ونعيمه بالروح أم بالجسد ؟
هل العذاب في البرزخ على الروح أم على البدن أم على كليهما؟
مجموعة من المفتين
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالموضع خلافي بين علماء الأمة ،والراجح أن نعيم القبر وعذابه ثابتان للروح والجسد في القبر.
وإليك أقوال العلماء :
الأول : مذهب أهل السنة والجماعة:
ويرون أن الروح منفصلة عن الجسد ومتصلة به ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ( العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة ، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن ، وتعذب متصلة بالبدن ، والبدن متصل بها ، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين ، كما يكون للروح منفردة عن البدن ).
الثاني: قول كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم :
وهؤلاء ينكرون النعيم والعذاب في البرزخ مطلقا ، والسر في ذلك أنهم ينكرون وجود روح مستقلة عن الجسد ، فالروح عندهم هي الحياة ، ولا تبقى الروح في نظرهم بعد الموت، فلا نعيم ولا عذاب حتى يبعث الله العباد، قال بذلك بعض المعتزلة والأشاعرة كالقاضي أبي بكر ، وهذا قول باطل لا شط في بطلانه خالفه أبو المعالي الجويني ، وقد نقل غير واحد من أهل السنة الإجماع على أن الروح تبقى بعد فراق البدن وأنها منعمة أو معذبة .
الثالث : قول الفلاسفة :
وهؤلاء يرون أن النعيم والعذاب على الروح وحدها، وأن البدن لا ينعم ولا يعذب ، وقد قال بهذا القول من أهل السنة ابن ميسرة وابن حزم
الرابع : قول من قال من علماء الكلام:
أن الذي ينعم ويعذب في القبر البدن وحده ، وقد قال بذلك طائفة من أهل الحديث منهم ابن الزاعوني. انتهى
ويقول الدكتور محمود العكازي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:
قال العلماء: إن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وإن الروح بعد مفارقة البدن تتصل بالبدن أحيانًا، ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الروح إلى الأجساد، وقام الناس من قبورهم لرب العالمين، وسيكون الحساب بعد الدفن، والميت يشعر بمن يزوره. نسأل الله تعالى أن يشملنا برضوانه، ويثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.انتهى
و قال ابن القيم:
مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحياناً، ويحصل لها معه النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين، ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى.انتهى
و قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخلافهم الجمهور فقالوا: تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه، لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه.
5- فرح الميت بزيارة الحي
هل الميت يفرح بزيارة اقاربه ويتباهى بين الموتى بالزيارة؟
د.أحمد عبدالكريم نجيب
بسم الله ،والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
فيقول الدكتور أحمد عبدالكريم نجيب مدرس الشريعة بكليّة الدراسات الإسلاميّة في سراييفو ، و الأكاديميّة الإسلاميّة في زينتسا
زيارة القبور سنّة مؤكدة للرجال ، مشروعة للنساء من غير إكثار فقد روى الترمذي و النسائي و ابن ماجة عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِى زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ » . قال الترمذي حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
هذا بالنسبة للحيّ فهو يتذكّر الآخرة و يستعدّ لها كلّما زار القبور و تفكّر في حال أهلها .
أمّا الميت فالصحيح أنّه يسمع كلام زائريه ، و الأدلّة على ذلك كثيرة منها ما رواه الشيخان و أبو داود و النسائي و أحمد عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ نَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ » .
و روى الشيخان و النسائي و أحمد عَنْ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِى طَوِىٍّ – و هو البئر - مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ ، أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلاَّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِىِّ ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ « يَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ ، وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا ، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا » . قَالَ فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ » .
والمستفاد من هذين الحديثين و غيرهما هو إثبات سماع الميت كلام محدّثه ( كما في حديث أبي طلحة و قوله صلى الله عليه و سلّم لعمر ) و يحسّ بحركة مشيّعيه ( كما في حديث أنس المتقدّم ) .
أمّا ابتهاجه و مباهاته بزيارة أهله ، فقد أثبته بعض أهل العلم ، و لا أعلم فيه دليلاً صحيحاً من الكتاب و السنّة .
و من المقرّر أن أهل السنّة و الجماعة يقفون في الإيمان بالغيب عند ما أثبته الله تعالى أو رسوله ، و لا يجاوزونه أو يتكلّمون فيه بآرائهم أو عقولهم المجرّدة ، إذ إنّ الخوض في الغيبيّات ليس ممّا يسوغ فيه الاجتهاد ، بل هو من القول على الله بغير علم .
قال تعالى : ( وَ لا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) .
6- سماع الموتى للأحياء
هل صحيح أن الأموات يسمعون الأحياء عند زيارتهم ؟
الشيخ عطية صقر
بسم الله ،والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
يقول الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر الشريف:
إن سماع الأنبياء والشهداء لمن يُسلِّم عليهم في قبورهم أمر يسهُل التصديق به ما دامت الحياة قد ثبتت لهم، وبخاصة أن هذا السماع ممكن لغيرهم، بل دلَّ الدليل عليه، ويستوي في ذلك المؤمنون وغير المؤمنين، لما يأتي:
1 جاء في الصحيح أن الميت إذا دُفِنَ وتولَّى عنه أصحابه وهو يسمع قَرْعَ نعالهم يجيئه الملكان ليسألاه...
2 وجاء في الصحيح أيضًا نداء النبي صلى الله عليه وسلم لقتْلى المشركين في بدر بعد إلقائهم في القليب، وقوله لهم: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا.. فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جِيفوا؟ فقال "والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمعَ منهم لما أقول، ولكنَّهم لا يستطيعون جوابًا".
3 وفي الصحيح أيضًا "إن الميت ليُعَذَّب ببكاءِ أهله عليه" قال النووي في شرح صحيح مسلم: معناه أنه يُعَذَّب بسماعه بكاء أهله ويرِقُّ لهم. وإلى هذا ذهب الطبري، قال القاضي عياض: وهو أوْلى الأقوال، واحتجوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم زجَرَ امرأة عن البكاء على ابنها وقال: "إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه، فياعباد الله لا تُعَذِّبوا إخوانكم".
4 شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته السلام على أهل القبور بمثل "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مُجْمِعُون على ذلك.
5 حديث "إذا مرَّ الرجل بقبر يعرفه فسلَّم عليه ردَّ عليه السلام وعرَفَه، وإذا مرَّ بقبر لا يعرف فسلَّم عليه ردَّ عليه السلام".
بهذا وبغيره من الآثار الكثيرة التي ذكرها ابن القيم في كتاب الروح يكون سماع الأموات للأحياء ممكنًا، وقد أنكرت السيدة عائشة رضي الله عنها سماع أهل القليب لنداء النبي صلى الله عليه وسلم ، وظنَّ جماعة أن ذلك يَنْسَحِب على كل الموتى من الكفار وغيرهم، وردَّ هذا بأنَّ إنكارها لسماع الكفار هو الإنكار الوارد في قوله تعالى: (فإنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) (الروم: 52) وقوله: (ومَا أَنْتَ بِمُسِمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور) ( فاطر: 22 ). فالمراد به سماع القبول والإيمان، حيث شبَّه الله الكفار الأحياء بالأموات، لا من حيث انعدام الإدراك والحواس، بل من حيث عدم قبولهم الهُدى والإيمان؛ لأن الميت حين يبلغ حدَّ الغَرْغَرَة لا ينفعه الإيمان لو آمن، فالسماع الثابت في الأحاديث الصحيحة سماع الحاسة، والسماع المنفي في الآيتين سماع القبول، ولذلك جاء بعد قوله تعالى: (فإنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) قوله تعالى (إنْ تُسْمِعُ إلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بآيَاتِنَا) فأثبت للمؤمنين سماعَ القبول.
وممَّا يُؤَكِّدُ أن عائشة رضى الله عنها نَفَتْ سماع القبول عن الكفار لا سماع الحِسِّ أنها هي التي روت حديث النبي صلى الله عليه وسلم " ما من رجل يزور قبرَ أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به وردَّ السلام عليه حتى يقوم " وقيل إنها نفَت سماع الكفار لنداء النبي صلى الله عليه وسلم وأثبتت عِلْمَهم به فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنهم الآن لَيَعْلمون أن ما قلتَ حَقٌّ، والعلم يستلزم السماع ولا ينافيه. لكن قد يردُّ بأن علمهم بما قال الرسول لا يستلزم سماعهم له؛ لأنهم علموا ذلك بمعاينة العقاب المعد لهم. ولا يُردُّ على سماع الميت ما قاله الأحناف من أن الميت لا يسمع: لو حلف الإنسان لا يكلِّم شخصًا فمات هذا الشخص وكلَّمه ميتا لا يحنث، لا يرد هذا؛ لأن الأَيْمان مبنية على العُرْف، فلا يلزم منه نفي حقيقة السماع، كما قالوا فيمن حلف لا يأكل اللَّحم فأكل السمك لا يحنث، مع أن الله سمَّاه لحمًا طريًا في قوله: ( وهوَ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْه لَحْمًا طَرِيًا ) ( النحل: 14 ). وذلك جريًا على العُرْف. وقد يقال: إن سماع الموتى للأحياء من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن يُرَدُّ هذا بعدم وجود الدليل على الاختصاص. وقال ابن تيمية في كتاب " الانتصار للإمام أحمد ": إنكار عائشة سماع أهل القليب معذورة فيه لعدم بلوغها النص، وغيرها لا يكون معذورًا مثلها؛ لأن هذه المسألة صارت معلومة من الدين بالضرورة.
7- مستقر الروح أثناء النوم
بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله سبحانه وتعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا والَّتِي لمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)0 (الزمر: 42).
هل نفْهم من هذه الآية أن الرُّوح تُفارق جسدها بصفة مؤقَّتة خلال النوم، أم أن للآية تفسيرًا آخر؟
الشيخ أحمد الشرباصى رحمه الله
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
النوم أخو الموت ،إلا أن الموت هو انقطاع كامل عن الحياة ، والنوم انقطاع ناقص ، والأرواح جميعا تعود إلى الله عند النوم ، فمن انتهى أجله لا تعود روحه إلى جسده ، أما من كانت له بقية أجل فإن الله يأذن لروحه بأن تعود لجسده.
يقول الشيح أحمد الشرباصي من علماء الأزهر رحمه الله :
هذه الآية وردتْ في سورة "الزُّمَرِ"، من القرآن الكريم، وخلاصة معناها أن الله تبارك وتعالى يتوفى الأنفس عند الموت وعند النوم، إلا أنَّ هناك فرْقًا بين النوم والموت، هو أن الله تعالى يُمسك عنده أرواح مَن كتب عليهم الموت بالفعل، ويُعيد أرواح النائمين الذين لم تنتهِ حياتهم بعد، وهذه الإعادة تكون إلى أجلٍ مُسمًّى ، وهو أجلُ وفاتها وموتها، يعني أن النفس التي يتوفَّاها الله عند الموت يُمسكها، ولا يَردها عند اليقظة، وتبْقى هذه الحالة إلى وقتٍ مُعيَّنٍ محدد، وهو وقت الموت.
وأما فيما يتعلق بحالة الروح عند النوم فيمكن أن نذكر ما أورده الإمام الرازي في ذلك حيث قال: "النفس الإنسانية عبارة عن جوهر مشرق رُوحاني إذا تعلق بالبدن حصل ضوؤه في جميع الأعضاء، وهو الحياة، فنقول إنَّه في وقت الموت ينقطع تعلُّقُه عن ظاهر هذا البدَنِ وعن باطنه، وذلك هو الموت، وأما في وقت النوم فإنه ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن من بعض الوجوه، ولا ينقطع ضوؤه عن باطن البدن."فثبت أن الموت والنوم من جنس واحد، إلا أن الموت انقطاع تامٌّ كامل، والنوم انقطاع ناقص من بعض الوجوه، وإذا ثبت هذا ظهر أن القادر العالم الحكيم دبَّر تعلُّق جوهر النفس بالبدن على ثلاثة أوجهٍ:
أحدها أن يقع ضوء النفس على جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه وذلك هو اليقظة.
وثانيها: أن يرتفع ضوء النفس عن ظاهر البدن من بعض الوجوه دون باطنه وذلك هو النوم. وثالثها: أن يرتفع ضوء النفس عن البدن بالكلية، وهو الموت.
فثبت أن الموت والنوم يشتركان في كون كل واحد منهما توفِّيًا للنفس، ثم يمتاز أحدهما عن الآخر بخواصَّ معينة من صفات معينة، ومثل هذا التدبير العجيب لا يمكن صدوره إلا عن القادر العليم الحكيم، وهو المراد من قوله: (إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقومٍ يتفَكَّرُونَ)0
ولقد جاء في تفسير الإمام الطبري: إنَّ أرواح الأموات والأحياء تلتقي في النوم، فيتعارف ما شاء الله منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها، أمسك الله أرواح الأموات عنده وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء، حتى ترجع إلى أجسادها، إلى أجل مسمى، وذلك إلى انقضاء مدة حياتها. ومن هذا نفهم أن الروح تُفارق جسدها نوعًا من المفارقة في أثناء النوم، ويظل لها نوع من الارتباط الذي يعلم حقيقته الله سبحانه، ثم تعود إليه ظاهرًا وباطنًا عند اليقظة.
8- الحكمة من ضمة القبر
ما الحكمة من ضمة القبر، وهل ينجو منها أحد، وهل هناك عمل ينجي منها؟
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
إن ضغطة القبر عامة ولا ينجو منها إلا الأنبياء على الصحيح من أقوال العلماء ، وحكمتها غير ظاهرة ، ولذلك اجتهد العلماء في معرفة الحكمة ، فقال البعض بسبب الذنوب ، ولذلك ينجو منها الأنبياء لأنهم معصومون . وقيل : لأن الأرض تشتاق إلى أبنائها الذي خلقوا منها ثم عادوا إليها فتضمهم ، فالمؤمن الطائع تضمه بشفقة ورأفة ، والكافر الفاجر تضمه بشدة وعنف . والذي يجعلها خفيفة هو العمل الصالح بوجه عام، وتقوى الله عز وجل .
جاء في شرح سنن النسائي للسيوطي :
قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي عن معاذ بن جبل ( هذا الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه ) زاد البيهقي في كتاب عذاب القبر : "يعني سعد بن معاذ " وزاد في دلائل النبوة : قال الحسن : تحرك له العرش فرحا بروحه . وروى أحمد والبيهقي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها نجا منها سعد بن معاذ ) ، قال أبو القاسم السعدي : لا ينجو من ضغطة القبر صالح ولا طالح غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها دوام الضغط للكافر وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره ثم يعود إلى الانفساح له ، قال والمراد بضغط القبر التقاء جانبيه على جسد الميت . وقال الحكيم الترمذي : " سبب هذا الضغط أنه ما من أحد إلا وقد ألم بذنب ما فتدركه هذه الضغطة جزاء لها ثم تدركه الرحمة ، وأما الأنبياء فلا يعلم أن لهم في القبور ضمة ولا سؤالا لعصمتهم . وقال النسفي في " بحر الكلام " : المؤمن المطيع لا يكون له عذاب القبر ويكون له ضغطة القبر فيجد هول ذلك وخوفه لما أنه تنعم بنعمة الله ولم يشكر النعمة . وروى ابن أبي الدنيا عن محمد التيمي قال كان يقال إن ضمة القبر إنما أصلها أنها أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضمة الوالدة غاب عنها ولدها ثم قدم عليها فمن كان لله مطيعا ضمته برأفة ورفق ومن كان عاصيا ضمته بعنف سخطا منها عليه لربها .
9- الحكمة من جعل أحوال القبور من الغيبيات
ماالحكمة من جعل أحوال البرزخ والقبور من الأمور الغيبية ؛ مع أنه من الممكن أن يتعظ بها كثير من البشر إن كانت من الأمور المشاهدة؟
سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن مثل هذا فأجاب بقوله :
عذاب القبر من أمور الغيب ، وكم من إنسان في هذه المقابر يعذب ونحن لا نشعر به ، وكم جار له منعم مفتوح له باب إلى الجنة ونحن لا نشعر به ، فما تحت القبور لا يعلمه إلا علام الغيوب ، فشأن عذاب القبر من أمور الغيب ولولا الوحي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ما علمنا شيئاً ؛ ولهذا لما دخلت امرأة يهودية على عائشة وأخبرتها أن الميت يعذب في قبره فزعت حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته وأقر ذلك عليه الصلاة والسلام ، ولكن قد يطلع الله تعالى عليه من شاء من عباده ، مثل ما أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على الرجلين اللذين يعذبان أحدهما يمشي بالنميمة ، والآخر لا يستنزه من البول .
والحكمة من جعله من أمور الغيب هي :
أولاً : أن الله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين فلو كنا نطلع على عذاب القبور لتنكد عيشنا لأن الإنسان إذا اطلع على أن أباه أو أخاه أو ابنه أو زوجه أو قريبه يعذب في القبر لا يستطيع فكاكه فإنه يقلق ولا يستريح وهذه من نعمة الله سبحانه .
ثانياً : أنه فضيحة للميت فلو كان هذا الميت قد ستر الله عليه ولم نعلم عن ذنوبه بينه وبين ربه عز وجل ، ثم مات ثم أطلعنا الله على عذابه صار في ذلك فضيحة عظمية له ففي ستره رحمة من الله بالميت .
ثالثاً : أنه لو كان ظاهراً لم يكن للإيمان به مزية لأنه يكون مشاهداً لا يمكن إنكاره ، ثم إنه قد يحمل الناس على أن يؤمنوا كلهم لقوله تعالى : ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ) فإذا رأى الناس هؤلاء المدفونين وسمعوهم يتصارخون لآمنوا وما كفر أحد لأنه أيقن بالعذاب ، ورآه رأى العين فكأنه نزل به وحكم الله سبحانه وتعالى عظيمة ، والإنسان المؤمن حقيقة هو الذي يجزم بخبر الله أكثر مما يجرم بما شاهده بعينه ؛ لأن ما تراه بعينك يمكن أن تتوهم فيه ، فكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال ، وإذا هي نجمة ، وكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال وإذا هي شعرة بيضاء على حاجبه وهذا وهم ، وكم من إنسان يرى شبحاً ويقول هذا إنسان مقبل وإذا هو جذع نخلة ، وكم من إنسان يرى الساكن متحركاً والمتحرك ساكناً ، لكن خبر الله لا يتطرق إليه الاحتمال أبداً .
نسأل لنا ولكم الثبات ، فخبر الله بهذه الأمور أقوى من المشاهدة مع ما في الستر من المصالح العظيمة للخلق .
10- طيران الميت عند الدفن
يتحدث كثير من الناس عن طيران بعض الموتَى، وهم مَحْمُولون على أعناق الرجال، وعن تراجُع النَّعْشِ بحامِلِيهِ إلى الوراء، ويتحدَّثُون عن ثِقَلِهِ مرة، وخِفَّتِهِ أخرى، وتنتشر هذه الأحاديث، وتأخذ بين الناس صبغة الواقع الصحيح، وكما يأخذ الموتَى في مُعتقداتهم مكانة الأولياء الذين تبدو كراماتهم الحِسِّيَّة. وكثيرًا ما ينشأ عن ذلك إقامةُ أضرحةٍ لهؤلاء الموتَى باسم الولاية، وتصحب تلك الأضرحة مزارات تُلتمَس بركاتُها، ويُدْعَى مَن فيها، ويُتَّجَهُ إليه في قضاء الحاجات ودَفْعِ المُلِمَّاتِ والكُروب، كما يُصبح للضريح أيضًا خدَمٌ وموظفون، يتلقَّوْنَ النُّذُورَ والصدَقات باسم ساكنه فما موقف الشرع الحنيف من هذه الأمور ؟.
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الواقع أن صِدْقَ هذه الأخبار لا يكفي فيه مجرد سماعها، ولا مُجرد رؤية النعش وهو مَحمول على الأعناق يتقهقر إلى الوراء أو يتقدم إلى الأمام، فضلاً عن سماع طيرانه في السماء. لا يكفي سماع شيءٍ من هذا في تصديقه؛ فالناس مُولَعون بتناقُل الأخبار الغريبة، وفيهم مَن هو قابِلٌ لتصديق كل شيء يسمعه، فينقله ويتحدث به ويُقسم عليه.
إنَّ صِدْقَ الأخبار يحتاج إلى الوُثوق بصدق حاملي النعْش، والوُثوق بسلامة نفوسهم من الانفعالات الخاصة، التي تُورث الضعف في أعصابهم وتجعلهم يتقهقرون أو يندفعون إلى الأمام بغير انتظام، والوُثوق بأنه ليس لهم نوايَا خاصة في إشاعة أن الميت له عند الله منزلة، يُبنى له بها ضريح، وتُصنع له مَقْصورة، وتُفتح أبوابه للزيارة والنُّذور، وتُقام له الموالد والليالي، إلى غير ذلك ممَّا يكون في واقعه مَوْرِدَ رِزْقٍ جديد لحَامليه، وإلى مَن أوعزَّ إليهم بإيجاد هذا المَظْهر.
ومن الغريب أنَّا لم نسمع بذلك إلَّا في القرى؛ حيث تُحمل الموتى على الأعناق، وإلا في عُصورنا المتأخرة التي اتُّخذت فيها هذه المظاهر سبيلًا للتغرير بضعفاء العقول؛ فلم نسمعه عن ميت محمول في سيارة أو قِطار أو في طائرة، لم نسمعه عن باخرة قافلة من بيت الله الحرام، وقد فاضت فيها روح حاجٍّ تَقِيٍّ نَقِيٍّ له بالله صِلَةٌ خاصةٌ. ولم نسمع أن جُثَّته ثقُلت أو امتنعت عن أيدي الذين يَقذفونه في البحر، حتى يُحفظ من الحيتان والأسماك، ويُدفن في القبور العادية.
لم نسمع شيئًا من ذلك عن أحدٍ مِن الربَّانيينَ الذين ماتوا في العصور الأولى للإسلام، خير القُرون، وعلى رأسهم الخُلفاء الأربعة، وحُماة الإسلام من الصدِّيقينَ والشهداء والصالحين. وإذنْ، فنحن في حِلٍّ مِن تكذيب كل ما نسمع من هذا القبيل ونرفضه ولا نُعْنَى بالبحث عن أسراره وأسبابه. والإنسان متى فارق الحياة انقطعتْ صِلَتُهُ بالدنيا، وصار أمره لله وحْده. ومن غريب الأمر أن مثل هذه الأقاصيص المُخترعة لا تُرَوَّجُ إلا في زمن التقهْقر الفكري، وانصراف الناس عن العمل الجاد المُثمر، ولا تُرَوَّجُ إلَّا في بيئات خاصة عُرفت بالسَّذَاجة وتصديق كلِّ ما يُقال.
ب- كيف نستطيع ان نفيد الميت؟
11- انتفاع الميت بعمل غيره
هل ينتفع الميت بعمل غيره نرجو ذكر الأدلة على ذلك ؟ وجزاكم الله خيرا
لجنة تحرير الفتوى بالموقع
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فالميت ينتفع بعمل غيره والأدلة على ذلك كثيرة منها : أنه ينتفع بدعاء غيره له ، وينتفع بحج غيره له وينتفع بسداد الديون عنه ، وينتفع بالصدقة والولد الصالح ، وكذلك باستغفار الملائكة وغيرها.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله ، فقد خرق الإجماع وذلك باطل من وجوه كثيرة :
الأول : أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره ، وهو انتفاع بعمل الغير.
الثاني : أن النبي صلي الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب ثم لأهل الجنة في دخولها.
الثالث : أنه يشفع لأهل الكبائر في الخروج من النار، وهذا انتفاع بسعي غيره .
الرابع : أن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض وذلك منفعة بعمل الآخر .
الخامس : أن الله تعالي يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته وهذا انتفاع بغير عملهم.
السادس : أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم وذلك انتفاع بمحض عمل الآخر.
السابع : قال تعالي في قصة الغلامين اليتيمين: "وكان أبوهما صالحا" فانتفعا بصلاح أبيهما وليس من سعيهما.
الثامن : أن الميت ينتفع بالصدقة عنه وبالعتق بنص السنة وهو انتفاع بعمل الآخر.
التاسع : أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة وهو انتفاع بعمل الآخر.
العاشر : أن الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره وهو انتفاع بعمل الآخر.
الحادي عشر : امتنع النبي صلي الله عليه وسلم من الصلاة علي المدين حتى قضي دينه أبو قتادة وقضي دين الآخر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وانتفع بصلاة النبي صلي الله عليه وسلم.
وهو انتفاع جاءه من عمل غيره.
الثاني عشر : أن النبي صلي الله عليه وسلم قال عندما رأى رجلا يصلي وحده: "ألا رجل يتصدق علي هذا فيصلي معه". فقد حصل له فضل الجماعة بفعل غيره.
الثالث عشر : أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الخلق إذا قضاها قاض عنه وذلك انتفاع بعمل الآخر.
الرابع عشر : أن من عليه تبعات ومظالم إذا حلله منها من هي له فإنها تسقط عنه وذلك انتفاع بعمل الآخر.
الخامس عشر : أن الجار الصالح ينفع في المحيا والممات كما جاء في الأثر وهذا انتفاع بعمل الآخر.
السادس عشر : أن جليس أهل الذكر يرحم بهم وهو لم يكن منهم ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له والأعمال بالنيات فقد انتفع بعمل غيره.
السابع عشر : الصلاة علي الميت والدعاء له في الصلاة انتفاع للميت بصلاة الحي عليه وهو عمل غيره.
الثامن عشر : أن الجمعة تحصل باجتماع العدد وكذلك الجماعة بكثرة العدد وهو انتفاع للبعض ببعض.
التاسع عشر : أن الله تعالي قال لنبيه صلي الله عليه وسلم: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" وقال تعالي: "لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات" وقال تعالي: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض" فقد رفع الله تعالي العذاب عن بعض الناس بسبب بعض وذلك انتفاع بعمل الآخر.
العشرين : أن صدقة الفطر تجب علي الصغير وغيره ممن يعوله الرجل فإنه ينتفع بذلك من يخرج عنه ولا سعي له فيها.
الحادي والعشرين : أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون ويثاب عليه ولا سعي له، ثم قال: ومن تأمل العلم وجد أن انتفاع الإنسان بما لم يعمله، ما لا يكاد يحصي فكيف يجوز أن تتأول الآية الكريمة: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعي" علي خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة. أ.ه
نقلا عن : المنتخب من السنة – المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية .
soull-1 @soull_1
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
soull-1
•
16- الصلاة عن الميت
هل يجوز لأهل الميت الذي كان لا يواظب على الصلاة أن يصلوا عنه أو يعملوا ما يسمى بإسقاط الصلاة؟
الشيخ عبد الله الصديق الغماري
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
إسقاط الصلاة عن الميت لم يَرِد في حديث صحيح ولا حَسَن ولا ضعيف، وإنما ورد في حديث مَكذوب اغترَّ به بعضُ متأخري الحنفية، كما نَبَّه عليه العلامة المُحَقِّق الشيخ عبد الحيّ اللَّكْنَويّ الهنديّ الحنفيّ. وليس في الدين شيء اسمه إسقاط الصلاة، وكل ما يوجد من ذلك في بعض الكتب التي قرأناها ورأيناها فإنما هو خُرافات لا يَصِحُّ التَّعْويل عليها، والطريقُ الشرعيُ للذي يريد أن يُخَفِّفَ العقابَ عن الميت هو:
1 أن يتصدق عنه.
2 أن يدعوَ له.
3 أن يَهَبَ له بعض أعماله الخيرية.
ويرجو بعد ذلك من الله أن يُخَفِّفَ عنه أو يتجاوز عن ذنبه أو يغفر له.
أما أن يجزم بأن هناك عملًا يُسْقِط عن الميت الصلاة، فهذا ما لا سبيل إليه إلا بوحي من الله، والوحيُ قد انقطع.
الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجمهور على أنه لا يجوز قضاء الصلاة عن الميت ، لأن الله عز وجل قد يسر الصلاة بحيث لا يوجد عذر في تركها ، وإن أجاز البعض الصلاة عن الميت فقوله محمول على الصلاة المنذورة ، لأنه قد روي عنهم أيضا المنع من الصلاة عن الميت ، والصحيح رأي الجمهور. وأما إهداء ثواب صلاة النفل للميت فهو جائز ولا بأس به .
يقول الشيخ محمود عاشور ، وكيل الأزهر الشريف :
إن الصلاة عبادة بدنية محضة، لم يرد نص خاص عن النبي صلى الله عليه وسلم بجواز قضائها عن الميت، والوارد هو عن بعض الصحابة، فقد روي البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء يعني ثم ماتت فقال: صلى عنها، وروي ابن أبي شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضي الله عنهما أن أمها نذرت مشيًا إلى مسجد قباء، أي للصلاة، فأفتي ابنتها أن تمشي لها، وأخرجه مالك في الموطأ أيضًا.
والصلاة المرادة هنا صلاة نفل نذر أداؤها في قباء فوجبت ولزمت، ومن هنا رأي بعض العلماء جواز قضاء الصلاة عن الميت، سواء أكانت مفروضة أصلاً أم منذورة.
لكن الجمهور قال بعدم جواز قضاء المفروضة، ونقل العلامة ابن بطال الإجماع على ذلك، ومع عدم التسليم بهذا الإجماع، فإن الجمهور رد استدلال القول المجيز للقضاء بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف، فقد جاء في موطأ مالك أنه بلغه أي الإمام مالك أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلِّ أحد عن أحد، ولا يصم أحد عن أحد، وأخرج النسائي عن ابن عباس مثل ذلك القول، ولكن لعل المنع في حق غير المنذورة.
وقال الحافظ يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء في حق من ما ت وجعل النفي في حق الحي ، وبهذا يعلم أن ما يعمله بعض الناس مما يسمي بإسقاط الصلاة عن الميت غير مشروع، والواقع أن الله سبحانه وتعالى جعل أداء الصلاة من اليسر بحيث تصح بأية كيفية من الكيفيات عند العجز، حتى أنه لم يسقطها عن المجاهد وهو في ساحة القتال أثناء المعركة، وعن المقيد بالأغلال واكتفي بما يستطاع ولو يالإيماء، فقول الجمهور بعدم جواز قضائها عن الميت هو المختار للفتوى، ولا يصح غيره، حتى لا يكون هناك تهاون بعماد الدين.. أما حكم الصلاة للميت فقد جاء في رواية الدارقطني ( إن من البر بعد الموت أن تصلى لهما للوالدين مع صلاتك ، وأن تصوم لهما مع صيامك) وذلك في النوافل المهداة لا في الفروض من حيث القضاء.
17- ما قولكم في الدعاء للميت؛ هل هو نافع أم لا؟
دار الافتاء السعودية
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالدعاء للميت نافع له إن شاء الله تعالى ، لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للموتى ، وأمر أصحابه بهذا .
وهذا أمر عظيم الفائدة يغفل عنه كثير من الناس ، فينسون ميتهم، فلا يدعون له بالرحمة والمغفرة ، مع انقطاع عمله ، والدعاء للميت دليل حب الداعي له .
تقول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية :
الدعاء الشرعي ينفع الميت بإجماع أهل السنة والجماعة، لقوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}. ، ولدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للأموات في زيارته للقبور وفي غيرها، وتعليمه أصحابه ما يقولون من الدعاء في زيارة القبور، وقوله لهم حين دفن بعض المسلمين: «استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل» ودعائه للميت في صلاة الجنازة وتعليمه أصحابه ما يدعون به فيها للميت إلى غير ذلك من الأحاديث التي تبلغ مبلغ التواتر في المعنى، ولا تعارض بين ذلك وبين قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، لتخصيص عموم هذه الآية بآية الحشر وغيرها من الآيات والأحاديث.
18- ما ينفع الإنسان بعد موته
جاوزت الستين من عمري، وأنا بحمد الله ميسور الحال، وأريد أن أعمل عملا يتجدد ثوابه لي وأنا بقبري، بعدما يوافيني أجلي، وأكون شاكرا لو أرشدتموني إلى جملة من فعال البر تكون امتدادا لعملي بعد موتي .
الشيخ إبراهيم جلهوم
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه وبعد:
فقد ورد في ما صح من حديث أن الإنسان إذا مات انقطع ثوابه ، ولا يستمر ثواب عمل من أعماله إلا في أمور ، وهي : العلم النافع ، ودعاء الولد الصالح ، والصدقة الجارية، والصدقة الجارية لها صور متعددة ، فقد تكون شجرة يستظل بها الناس ، أو بيتا لضيافة المسافر الغريب ، أو بناء مسجد ، أو مصحف أوقفه للقراءة، أو نخل غرسه للتصدق بتمره ، أو نهر أو ترعة أو عين ماء ليشرب الناس منها ويسقون زرعهم ودوابهم ، أو نحو ذلك ، فعلى من أراد المزيد من الثواب أن يغتنم هذه الفرص.
يقول الشيخ إبراهيم جلهوم ، شيخ المسجد الزينبي بالقاهرة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
ومعنى الحديث الشريف أن المرء إذا مات ينقطع تجدد ثواب عمله الصالح الذي كان يعمله في دنياه ؛ إلا في هذه الأشياء المذكورة ، فإن ثوابها متجدد له في قبره؛ لأنها من كسبه، فولده الداعي له بخير، وما يتركه الميت من علم نافع، ومن صدقة جارية متجددة كالوقف مثلا ؛ كل ذلك من سعيه، وقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورّثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته"رواه ابن ماجه.
ووردت خصال أخرى بالإضافة إلى المذكورة من هذه الخصال الخيِّرة فبلغ المجموع عشرا، وقد نظمها الإمام السيوطي رحمه الله فقال:
إذا مات ابن آدم ليس يجري …… عليه من فعالٍ غيرُ عشرِ
علومٌ بثها ودعاءُ نجلٍ …... وغرسُ النخلِ والصدقاتُ تجري
وراثةُ مصحفٍ، ورباطُ ثغرٍ …… وحفرُ البئرِ، أو إجراءُ نهرِ
وبيتٌ للغريب بناه يأوي ...... إليه، أو بناء محل ذكرِ
فبادر أيها السائل باغتنام فرصة يسر حالك، ووفرة مالك، بعمل ما تقدر عليه من بر موصول، وخير مستمر الإمداد، وصنيع يدوم عطاؤه، ما مرت لحظات الحياة، والله يرزقك القبول والأمن والنجاة، وهو تعالى أجل وأعظم .
19- هل ينتفع الميت بالقراءة في المآتم؟
جرت العادة بإقامة المآتم للميت،حيث يجتمعون،ويستأجرون بعض المشايخ لقراءة القرآن ظانين أن ثواب هذه القراءة تصل إلى الميت، فهل يجوز هذا؟ وهل يصل هذا الثواب حقا إلى الميت؟
د.حسام الدين بن موسى عفانة اسم المفتي
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
جاء في فتوى للدكتور حسام الدين عفانه خلاصتها أن القراءة التي تصل للميت وينتفع بها هي القراءة بدون أجر. وأما إذا استأجر أهل الميت قارئاً يقرأ بأجرة فلا يصل ثواب القراءة للميت ولا ينتفع بها ،ولا يصح الاستئجار على قراءة القرآن في هذه الحالة ولا ثواب في ذلك لا للقارئ ولا لذوي الميت ولا للميت.
يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
اتفق أهل العلم على أن الميت ينتفع بما عمله من خير في حياته ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
وكذلك اتفقوا على أن دعاء الحي للميت ينفعه ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" سورة الحشر آية (10).
وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من دعائه للأموات في صلاة الجنازة وغيرها كحديث عوف بن مالك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله..) الحديث رواه مسلم.
وكذلك اتفقوا على أن صدقة الحي عن الميت تدفع الميت ويدل على ذلك حديث عائشة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها؟ قال : نعم) رواه مسلم.
ومعنى افتلتت نفسها أي ماتت فجأة، كما اتفق جمهور العلماء على أن الحج عن الميت ينفعه لما ورد في الحديث عن بريدة أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن أمي ماتت ولم تحج أفيجزي أن أحج عنها؟ قال : نعم (رواه مسلم) وكذلك قال طائفة من أهل العلم بأن الميت ينتفع بصوم الحي عنه لما ورد في حديث عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه). رواه البخاري ومسلم.
هذه هي أهم الأعمال التي ينتفع بها الميت وتصل إليه والتي وردت فيها النصوص الشرعية.
وأما قراءة القرآن وجعل ثواب ذلك للميت فمسألة اختلف فيها أهل العلم، قال الإمام النووي رحمه الله :- (واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصل وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل) الأذكار ص 40 .
وقال الحنفية إن ثواب القرآن يصل إلى الميت وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه ابن القيم واختيار الإمام النووي وغيرهم من أهل العلم. وهو الذي أختاره وأقول به؛ لأن الأدلة الواردة في انتفاع الميت بعمل الحي في باب العبادات تدل على انتفاع الميت بقراءة القرآن إذ لا فرق بين انتفاعه بالصوم والحج وانتفاعه بقراءة القرآن. قال ابن قدامة رحمه الله:- (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله). ثم ذكر بعض الأدلة الدالة على انتفاع الميت بعمل الحي، وقد سقت بعضها ثم قال: (وهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت فكذلك ما سواها) . وقال العلامة ابن القيم رحمه الله :- ( وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعاً بغير أجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج فإن قيل فهذا لم يكن معروفاً في السلف ،ولا يمكن نقله عن واحد منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم اليه ولكانوا يفعلونه. فالجواب أن مورد هذا السؤال إن كان معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار قيل له ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال، وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات وأن من لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع.
وأما السبب الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف فهو أنهم لم يكن لهم أوقات على من يقرأ ويهدي إلى الموتى ،ولا كانوا يعرفون ذلك ألبتة، ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان أحدهم يشهد من حضره من الناس على أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا ثواب هذه الصدقة والصوم.
ثم يقال لهذا القائل لو كلفت أن تفعل عن واحد من السلف أنه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا يشهدون على الله بإيصال ثوابها إلى أمواتهم.
فإن قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الصوم والصدقة والحج دون القراءة قيل هو صلى الله عليه وسلم لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له، وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ،ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر..) . وأخيراً يجب التنبيه على أن القراءة التي تصل للميت وينتفع بها هي القراءة بدون أجر. وأما إذا استأجر أهل الميت قارئاً يقرأ بأجره فلا يصل ثواب القراءة للميت ولا ينتفع بها ولا يصح الاستئجار على قراءة القرآن في هذه الحالة ولا ثواب في ذلك لا للقارئ ولا لذوي الميت ولا للميت . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:- (وأما الاستئجار لنفس القراءة _أي قراءة القرآن_ والإهداء فلا يصح ذلك .. فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى ،وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه .
20- هل يجب على الأبناء قضاء ديون الآباء بعد الموت؟
توفي أبي منذ ثلاث سنوات تقريباً وترك ديناً ثقيلاً،وعندما استلمت زمام الأمور لم يكن هنالك سيولة لتوزيعها على أصحاب المال وإيفاء الدين، وعرضت جميع ممتلكاته للبيع إلا أنها عبارة عن أراضٍ زراعية ، ولم أتمكن إلى الآن من بيعها، فهل آثم؟على عدم إيفاء الدين من راتبي؟ علماً أن لأبي -رحمه الله- زوجة ثانية وأولاداً، فماذا يجب علي أن أفعل؟ وهل أنتظر حتى تباع إحدى ممتلكاته؟ علماً أنني قد تعهدت أمام الناس بأنني سأعمل على وفاء دينه ليسقط عنه الحمل كما قال لي البعض، وكل الناس يعرفون أن لا وفاء للديون إلا ببيع الأرض، أفيدوني - يرحمكم الله-،هذا -وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً-.
الدكتور محمد سليمان المنيعي اسم المفتي
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
يجب على الإنسان أن يوصي بما عليه من ديون، وإذا مات الإنسان قبل أن يتمكن من سداد ما عليه من الديون ، فالقاعدة أن من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله، فإذا كان الميت قد نوى السداد لكنه لم يستطع السداد لفقره، فلا إثم عليه في التأخر في السداد، والأفضل للورثة أن يقضوا عنه تبرئة لذمته، فإن الدين يحبس الميت، ويمنعه من دخول الجنة، وللأولاد أن يقضوا هذا الدين حسب استطاعتهم، كل واحد على قدر استطاعته.
وهذا القضاء لا يجب عليهم، لكنهم إذا لم يفعلوا فقد ضيعوا أباهم وتركوه لمصير لا يعلمه إلا الله، وليس هذا من البر في شيء.
وهذا كله إذا لم يكن للمتوفى مال تركه، فإذا كان له تركة وجب سداد ديونه منها قبل توزيعها على الورثة.
يقول الدكتور محمد بن سليمان المنيعي- عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى-:
الواجب عليك يا أخي أن تبدأ أولاً بسداد دين والدك من تركته ثم بعد ذلك تقسم التركة، ويمكن أن تعرض بعض هذه العقارات بأقل من سعرها قليلاً من أجل المسارعة في قضاء دين والدك، أما في شأن وفاء الدين من راتبك فلا يلزمك شرعاً، لكن إن كنت قادراً على ذلك فالأولى لك المبادرة بقضاء دين والدك، ثم تعود بعد ذلك فتأخذ ما دفعته من التركة.
وذلك لحديث جابر –رضي الله عنه- في الرجل الذي مات وعليه ديناران فتخلف الرسول – صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة عليه حتى قال له أبو قتادة –رضي الله عنه-: هما عليّ، فلما قضاهما أبو قتادة –رضي الله عنه- قال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : الآن بردت عليه جلدته، رواه أحمد (14536)، والحاكم (2/58)، فإن لم تكن قادراً على الوفاء من راتبك فينبغي أن تتحلل من أصحاب الدين عن والدك، فيجعلوه عليك حتى تبرأ ذمته ويبرد عليه جلده.
والله أعلم .
21- مجالات الصدقة عن الميت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
توفى والدي ونريد نحن أولاده أن نقدم له صدقة جارية فكيف يمكن عمل ذلك ، وفي أي من الأشكال ممكن أن تكون هذه الصدقة... أفادكم الله .
بسم الله و الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة؛ أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها. وإني أظنها لو تكلمت تصدقت. فلي أجر أن أتصدق عنها؟ قال :نعم. افتلتت نفسها :أي ماتت بغتة وفجأة .
وروى أيضا عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له). قال العلماء: معنى الحديث إن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له، إلا في هذه الأشياء الثلاثة. لكونه كان سببها. فإن الولد من كسبه. وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية . ورد عن دار الإفتاء السعودية :
الذي دلت عليه نصوص الشريعة انتفاع الميت بصدقة الحي عنه، ودعائه له،فإذا أخلص المتصدق في صدقته عن الميت ، وفي دعائه له، انتفع الميت، وأثيب الداعي والمتصدق فضلاً من الله ورحمة، وحسبه أن يعلم الله منه الإخلاص وحسن العمل، ويأجر الطرفين .و يجوز إهداء ما ورد به الشرع المطهر من الأعمال . كالصدقة ، والدعاء ، وقضاء الدين ، والحج والعمرة إذا كان المحجوج عنه ميتا أو عاجزا . لكبر سنه ، أو مرض لا يرجى برؤه ، وهكذا من تؤدى عنه العمرة ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما يدل على ذلك .
وجاء في الكتاب العزيز ما يدل على شرعية الدعاء للمسلمين أحياء أو أمواتا ، مثل قول الله سبحانه : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } أه
فالخير لا يضيع ثوابه والصدقة تنفع صاحبها حيًّا و ميتا إذا كان الغرض منها ابتغاء وجه الله ، والصدقة دليل على تقوى المؤمن وحبه للخير فهذا الرجل الذى ذهب يسال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثواب الصدقة يتصدق بها على أمه المتوفاة وقد كانت تريد الوصية بالصدقة قبل موتها لكن الموت عاجلها قبل أن تتكلم ، ولقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل حين استفهم عن ثواب الصدقة يصل إلى أمه بعد موتها بالايجاب، و بيَّن له أن ثواب الصدقة يلحق الميت ،وينفعه بعد موته .
للصدقة مجالات عديدة جدًّا يصعب حصرها، ولكن يمكن الإشارة إلى بعض هذه المجالات على سبيل الاختصار:
الإنفاق على الفقراء والمحتاجين وإسقاط الديون عن المدينين.
بناء المساجد والإنفاق عليها وعلى الأئمة والمؤذنين والقائمين عليها .
سقي الماء وحفر الآبار في الأماكن التي لا يصل إليها الماء.
إطعام الطعام وشراء الملابس وتوزيعها .
الإنفاق على طلب العلم وشراء الكتب والأدوات الدراسية لهم .
طباعة الكتب والأشرطة الإسلامية وتوزيعها على المسلمين .
توزيع المصحف الشريف على الشعوب الإسلامية في العالم .
الإنفاق على حلقات تحفيظ القرآن الكريم ، ورصد المكافآت للطلاب والمدرسين.
بناء المدارس ودور العلم والمستشفيات .
بناء الملاجئ و دور الأيتام والمسنين والمساكن للغرباء من طلبة العلم وأبناء السبيل .
الصدقة على فقراء الحجاج والمعتمرين والزوار وتوفير الطعام والشراب والمراكب لهم .
الإنفاق على الأرامل والأيتام وكبار السن .
الإنفاق على الجهاد والمجاهدين ودعم المستضعفين من المسلمين في كل مكان.
مساعدة الشباب المسلم على الزواج حتى لا تشيع الفاحشة في المجتمع .
الإنفاق على الدعاة وإرسالهم إلى مشارق الأرض ومغاربها .
رعاية الأقليات المسلمة في العالم، وربطهم بدينهم حتى لا تذوب هويتهم الإسلامية في تلك المجتمعات .
تخصيص الأموال للجوائح والعوارض الطارئة كالحرائق والأمراض والكوارث والزلازل والسيول وغيرها.
الإنفاق على مغاسل الأموات التي تقوم بتجهيز الموتى مجاناً .
22- الحصول على عفو الميت
كيف يتم الحصول على العفو والمسامحة من الميت الذي له حق في رقبتي ؟
الشيخ محمد صالح المنجد اسم المفتي
الحمد لله ؛ والصلاة والسلام على رسول الله
ليس هناك من سبيل لطلب المسامحة من الميت بعد موته ، وهذا ما يؤكّد أهمية حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)
رواه لبخاري 2296
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث :
قوله : ( من كانت له مظلمة لأخيه ) .. أي من كانت عليه مظلمة لأخيه .
قوله : ( من عِرْضه أو شيء ) أي من الأشياء .. فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها ، وفي رواية الترمذي " من عرض أو مال " .
قوله : ( قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ) أي يوم القيامة .
قوله : ( أُخذ من سيئات صاحبه ) أي صاحب المظلمة ( فحمل عليه ) أي على الظالم ..
وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا ولفظه :
" المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا ، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار "
وعند أبي نعيم من حديث ابن مسعود( يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادي مناد : هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت ، فيأتون فيقول الرب : آت هؤلاء حقوقهم ، فيقول : يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم ، فيقول للملائكة : خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته ، فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة .)
وأخرج أحمد والحاكم من حديث جابر عن عبد الله بن أنيس رفعه " لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه ، حتى اللطمة . قلنا يا رسول الله كيف وإنما نحشر حفاة عراة ؟ قال : بالسيئات والحسنات " فتح الباري شرح صحيح البخاري وعلى أيّة حال فعليك بالتوبة إلى الله جلّ وعلا ، فإذا صدقت مع الله في التوبة وعملت ما يُمكن من البرّ بما يمكن فعله للميت ورأى الميت في صحيفته استغفارك له فلعلّه أن يعفو عنك في ذلك الموقف إذا لم يكن قد عفا عنك في الدّنيا ، وأكثر من الدعاء له والله يعفو عنّا أجمعين .
في ما يحل ويحرم لأاهل الميت فعله
23- الحزن والنياحة على الميت
سمعنا أن البكاء على الميت حرام ، وأنه لا تجوز النياحة عليه ، فماهو المباح في حالة الوفاة من التعبير عن الحزن ، سواء أكان رجلا أو امرأة؟
الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالبكاء على الميت جائز، ولم يفت أحد بحرمته ، ولكن المحرم هو النياحة التي تصحبها مخالفات شرعية ، كشق الجيوب ولطم الخدود وإظهار الجزع من القدر، و تحد المرأة على المتوفى ثلاثة أيام ،إلا أن يكون زوجها ، فتحد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام.
وبهذا يقف الإسلام موقفا وسطا ، بين التعبير عن المشاعر الإنسانية لفقد محبوب ،وبين البعد عما لا يليق من أفعال الجاهلية.
هذا خلاصة ما قاله الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، وإليك نص كلامه :
ومن التقاليد التي حاربها الإسلام تقاليد الجاهلية في الموت وما يتصل به من نياحة وعويل، وغلو في إظهار الحزن والجزع.
وقد علم الإسلام أتباعه أن الموت إنما هو رحلة من دار إلى دار، فليس فناء مطلقا. ولا عدما صرفا، وأن الجزع لا يحيي ميتا، ولا يرد قضاء قضى الله به. فعلى المؤمن أن يتقبل الموت كما يتقبل كل مصيبة تصيبه صابرا محتسبا، آخذا العبرة آملا في لقاء أبدي في الدار الآخرة، مرددا قول القرآن: (إنا لله وإنا إليه راجعون) سورة البقرة:156.
أما صنيع أهل الجاهلية فهو منكر حرام برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".
ولا يحل للمسلم أن يلبس من شارات الحداد أو يترك التزين أو يغير الزي والهيئة المعتادة، إظهارا للجزع والحزن؛ إلا ما كان من زوجة على زوجها فإنها يجب أن تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، وفاء لحق الزوجية، وللرباط المقدس الذي جمع بينهما، حتى لا تكون معرضا للزينة، ومتعلقا لأبصار الخطاب في مدة العدة، التي اعتبرها الإسلام امتدادا للزوجية السابقة في كثير من الحقوق، وسياجا لها.
أما إذا كان الميت غير الزوج -كالأب والإبن والأخ- فلا يحل للمرأة الحداد عليه أكثر من ثلاث ليال. روى البخاري عن زينب بنت أبي سلمة أنها روت عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب، وعن زينب بنت جحش حين توفي أخوها، وأن كلا منهما دعت بطيب لمست منه ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرا".
وهذا الإحداد على الزوج واجب لا تساهل فيه ولقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول لا. وهو يدل على حرمة التزين والتجمل طوال المدة المفروضة.
وأما الحزن من غير جزع، والبكاء من غير عويل، فذلك من الأمور الفطرية التي لا إثم فيها. وسمع عمر بعض النسوة يبكين على خالد بن الوليد، فأراد بعض الرجال منعهن، فقال له: دعهن يبكين على أبي سليمان، ما لم يكن نقع( تراب على الرأس) أو لقلقة (صوت).
24- كيف يعذب الميت ببكاء أهله ؟
س: قرأت في بعض الكتب حديثًا منسوبًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " فأنكرت ذلك ؛ لأن القاعدة التي قررها القرآن أن الإنسان لا يسأل عن ذنب غيره (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (سورة الأنعام: 164) فكيف يتفق هذا مع تعذيب الميت بذنب الحي وبكائه عليه ؟ فهل هذا الحديث صحيح أم لا ؟ وإذا كان صحيحًا فما معناه ؟ وكيف نوفق بينه وبين ما جاء في القرآن الكريم ؟.
الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نقول للسائل الكريم لا تعارض إن شاء الله تعالى بين الحديث الصحيح والقرآن الكريم لأن كلاهما ينبع من مشكاة واحدة فالحديث صحيح وللعلماء تأويلات كثيرة كلها تحل هذا الإشكال وتنفي هذا التعارض الظاهر ونتركك مع فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في هذا التوجيه السديد لمعنى الحديث الشريف، حيث يقول فضيلته:
أما الحديث فهو صحيح متفق على صحته بلا ريب، أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر بلفظ: أن حفصة بكت على عمر (أي حين طعن) فقال: مهلاً يا ابنتي ! ألم تعلمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكره.
وفي رواية: لما طعن عمر أغمى عليه، فصيح عليه، فلما أفاق: قال: أما علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الميت ليعذب ببكاء الحي " ورواه الشيخان أيضًا من حديث أنس.
ولهما عن عمر: " الميت يعذب في قبره ما نيح عليه ".
ورواه الشيخان وأحمد والترمذي عن المغيرة بلفظ: " من نيح عليه يعذب بما نيح عليه ".
والمهم أن الحديث ثابت عن أكثر من صحابي بأسانيد صحيحه، ومن وجوه عديدة، حتى قال السيوطي: متواتر .
فلا مجال للطعن في صحته، ولم يبق إلا البحث في معناه، والتوفيق بينه وبين الآية الكريمة . وهذا ما حاوله العلماء من قديم، وذكروا فيه عدة تأويلات، نقلها الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " وأكتفي هنا بذكر أهمها وأرجحها، غير متقيد بترتيب الحافظ.
الأول: أن المراد بالعذاب هو العذاب بمعناه اللغوي وهو: مطلق الألم، لا العذاب الأخروي، فالميت يتألم بما يرى من جزع أهله، وما يسمع من بكائهم عليه، فمن المعلوم أن الميت في قبره غير معزول عن أهله وقرابته وأحوالهم .
وقد روى الطبري بإسناد صحيح عن أبي هريرة: " أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم " وهو موقوف في حكم المرفوع، إذ لا مجال للرأي فيه ، وله شاهد من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا . أخرجه البخاري في تاريخه، وصححه الحاكم.
قال الحافظ: وهذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين (ورجحه من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر، وقال: أكاد أجزم به، ولا أرضى غيره . انظر الحديث رقم 4865 من المسند ج 7 ط دار المعارف بمصر)، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين، واستشهدوا له بحديث قَيلة بنت مخرمة: " قلت: يا رسول الله، قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة، ثم أصابته الحمى فمات، ونزل علي البكاء !؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفًا، وإذا مات استرجع ؟! (أي قال: " إنا لله وإنا إليه راجعون ") فوالذي نفس محمد بيده، إن أحدكم ليبكي، فيستعبر (يستعبر: يعني أن الميت يبكي لبكائه) إليه صويحبه، فيا عباد الله، لا تعذبوا موتاكم ! " وهذا طرف من حديث طويل حسن الإسناد، أخرجه بن أبي خيثمة، وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم، وأخرج أبو داود والترمذي طرفًا منه.
قال ابن المرابط: حديث قيلة نص في المسألة، فلا يعدل عنه.
الثاني: أن معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يعذبه أهله، كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعًا: " الميت يعذب ببكاء الحي: إذا قالت النائحة: واعضداه ! واناصراه ! واكاسياه ! جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها ؟ أنت ناصرها ؟ أنت كاسيها ؟ ".
ورواه ابن ماجة بلفظ: " يتصنع به، ويقال: أنت كذلك ؟ ".
ورواه الترمذي بلفظ: " ما من ميت يموت، فتقوم نادبته فتقول، واجبلاه ! واسنداه أو شبه ذلك من القول، إلا وُكِّلَ به ملكان يلهذانه: أهكذا أنت ؟ ".
وشاهده ما روى البخاري في " المغازي " من حديث النعمان بن بشير، قال: أغمى على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته تبكي وتقول: واجبلاه ! واكذا، واكذا ! فقال حين أفاق: " ما قلت شيئًا إلا قيل لي " أنت كذلك ؟ ".
الثالث: ما اختاره الإمام البخاري، وجزم به: أن المراد بالبكاء في الحديث بعضه، وهو النوح، والمراد بالميت بعض الموتى أيضًا، وهو من كان النوح من سنته وطريقته، فكان أسوة سيئة لأهله، أو عرف أن لهم عادة بفعل ذلك، فأهمل نهيهم عنه.
واستدل البخاري لذلك بأدلة ذكرها في ترجمة الباب، منها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا) (سورة التحريم: 6) وحديث: " كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته " (متفق عليه من حديث ابن عمر) . وحديث: " لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، وذلك لأنه أول من سن القتل ". (رواه البخاري).
ومقتضى هذا أن الميت إنما يعذب لتقصيره في تربية أهله، وإهماله في تأديبهم وتعليمهم، وضعف رعايته لما حمله الله من مسئولية عنهم، وهو المأمور أن يقيهم النار كما يقي نفسه .
فالحقيقة أنه يعاقب بتفريطه وذنبه هو لا بذنب أهله، أي أنه لم يزر وزر غيره.
ومما يؤيد هذا التأويل أن من العرب في الجاهلية من كان يوصي أهله أن يندبوه، وينوحوا عليه بعد موته، كما قال طرفة :.
إذا متُ فانعيني بما أنا أهله وشقي على الجيب يا ابنة معبد.
أما البكاء من غير نوح فلا عقاب عليه، وقد جاء عن أبي مسعود الأنصاري، وقرظة بن كعب قالا: " رخص لنا في البكاء عند المصيبة في غير نوح " . أخرجه ابن شيبة، والطبراني، وصححه الحاكم.
قال الحافظ بعد نقل هذه الوجوه التي ذكرناها وغيرها :.
" ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات، فينزل على اختلاف الأشخاص، بأن يقال مثلاً: من كانت طريقته النوح، فمشى أهله على طريقته، أو بالغ فأوصاهم بذلك، عذب بصنعه ، ومن كان يعرف من أهله النياحة، فأهمل نهيهم عنها، فإن كان راضيًا بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ: كيف أهمل النهي ؟ ومن سلم من ذلك كله، واحتاط، فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه، وفعلوا ذلك، كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره، وإقدامهم على معصية ربهم، والله تعالى أعلم بالصواب ". (انظر: فتح الباري ج 3: والله أعلم . 393 - 397 . ط مصطفى الحلبي).
وهناك وجه ذكره العلامة المناوي في " الفيض "، وهو: أن المراد بالميت في الحديث المشرف على الموت، والتعذب: أنه إذا احتضر، والناس حوله يصرخون ويتضجرون يزيد كربه، وتشتد عليه سكرات الموت، فيصير معذبًا به.
قال العراقي: والأولى أن يقال: سماع صوت البكاء هو نفس العذاب، كما أننا نعذب ببكاء الأطفال ؛ فالحديث على ظاهره بغير تخصيص، وصوبه الكراماني . ا ه.
فالعذاب هنا بمعناه اللغوي كما في الوجه الأول، ولكن هنا فسر الميت بالمحتضر.
وبهذا يتضح لنا، أن الحديث لا يعارض القرآن في تقرير مبدأ المسئولية الفردية وأن لا مغمز في ثبوته وصحته، ما دام له أكثر من وجه صحيح لتأويله. قال العلامة المناوي: قال بعض الأعاظم: وبما نقرر عرف خطأ من جمد عندما سمع (ولا تزر وازرة وزر أخرى) أو غلّط رواة هذا الخبر، وما هو على نحوه من صحاح الأخبار التي رواها الأعلام عن الأعلام إلى الفاروق وابنه وغيرهما. (فيض القدير ج 2 ص 397).
ومما لابد من ذكره في هذا المقام: أن السيدة عائشة رضي الله عنها ظنت ما ظنه الأخ السائل حين سمعت هذا الحديث، فأنكرت على من رواه، متوهمة أنه يعارض الآية الكريمة، واتهمت من رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما بالخطأ أو النسيان، وأنه لم يسمع الحديث على وجهه، ففي رواية عند مسلم قالت: إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه ". وفي رواية لها: " إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها " . رواه البخاري. وفي رواية أخرى قالت: ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله ليزيد الكافر عذابًا، ببكاء أهله عليه " وقالت: حسبكم القرآن: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) . رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيه إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر، بل بما استشعرت من معارضة القرآن. (الفتح ج 3 ص 395).
على أن الرواية الأخيرة لعائشة أثبتت فيها أن الميت يزداد عذابًا ببكاء أهله، وأي فرق بين أن يزداد عذابًا بفعل غيره، وأن يعذب ابتداء به ؟ ! فلو أخذ على ظاهرة أيضًا لعارض القرآن.
ولهذا لم يرتض العلماء موقف عائشة - ولا عصمة لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال القرطبي: إنكار عائشة ذلك، وحكمها على الراوي بالتخطئة والنسيان، أو على أنه سمع بعضًا، ولم يسمع بعضًا - بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى كثيرون، وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح. (فيض القدير ج 2 ص 397).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وعائشة أم المؤمنين لها مثل هذا نظائر، ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد، واعتقادها بطلان معناه، ولا يكون الأمر كذلك . أ ه.
25- وضع الجريد والزهور على القبر وبيعها
ما حكم وضع الجريد والزهور على القبر ؟ وماحكم بيع ذلك الجريد وتلك الزهور؟
الدكتور محمد بكر اسماعيل اسم المفتي
بسم الله، والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
وضع الجريد على القبور من الأمور التي اختلف حولها الفقهاء،فرأى البعض أنها من البدع ،و فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لها كان من الخصوصيات،ووضع الزهور أو الجريد لا ينفع الميت ،ويرى البعض أنه نافع لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-ومهما يكن من أمر ،فإن هذا الأمر ليس من البدع التي تختص بالعبادات ،ولكنها من العادات ،فلا تحرم،وفي ذات الوقت لا تأخذ حكم السنية ،وإنما تأخذ حكم الجواز، فهي من الأمور المباحة ،مع عدم اعتقاد نفعها للميت .
وأما بيع الجريد أو الزهور فليس بحرام ،لأنه عمل مباح في ذاته .
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر :
وضع الجريدة الخضراء على القبر مباح شرعًا بل عَدَّه بعض الفقهاء من المُستحبات لِما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ على قبرين فقال: "إنهما يُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير أما هذا فكان لا يَسْتَنْزِه من البول، وأما هذا فكان يَمشي بين الناس بالنميمة" ثم دعا بعسيب رَطْب فشَقَّه اثنين، ثم غرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا، وقال: "لعله يُخَفِّفُ عنهما ما لم يَيْبَسا". والعسيب: الجريدة التي لم يَنْبُت فيها خوص، فإن نبت فهي السَّعَفة.
وقال قوم من الفقهاء: هذه كانت خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم فلا نقتدي به في ذلك، فالفقهاء إذن مختلفون في وضع الجريدة الخضراء على القبر، فمنهم من قال بالإباحة، ومنهم من قال بالاستحباب، ومنهم من قال بالكراهة، والأصح أنه من المباحات بشرط ألا يعتقد المسلم أن هذه الجريدة تخفف عن الميت المسلم العذاب بذاتها، ولكنها تُوضَع اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم ورجاءً أن يُخَفِّفَ الله عنه من العذاب ببركة الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
أما وضع الزهور على القبور فهو عمل غير مشكور لِما فيه من الإسراف والتبذير، ولكن بيع الزهور لمن يريد ذلك لا يَحْرُم حتى ولو غلب على ظن البائع أن الشاري يريد أن يضعها على القبر؛ لأن بيع الزهور في ذاته جائز، فلا يَحْرُم إلا بدليل، ووضع الزهور على القبور في الحقيقة ليس من بدع العبادات، ولكنه من بدع العادات، فلا تكون ضلالة وإن كان من الخير اجتنابها لأنها تشبه بدع العبادات في الظاهر.
26- قبلة الوداع بين الزوجين بعد الموت
هل يجوز للزوجة أن تودع زوجها الميت بأن تقبله بعد غسله وتكفينه ؟
د.حسام الدين بن موسى عفانة اسم المفتي
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فيجوز للزوجة أن تودع زوجها بتقبيله بعد موته، وكذلك يجوز للزوج أن يقبل زوجته بعد موتها وهذا ما أفتى به فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين- وإليك نص فتواه:
يجوز للمرأة أن تودع زوجها الميت بتقبيله بعد غسله وتكفينه وكذلك يجوز للزوج أن يودع زوجته الميتة ولا يصح كلام العامة أن ذلك ناقض لوضوء الميت فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت ( لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم غير نسائه ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم وحسنه الألباني.
وجاء في حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت ( رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي وأقول : وارأساه فقال : بل أنا وارأساه ما ضرك لو مت قبلي وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك ) رواه أحمد وابن ماجة وغيرهما وفيه كلام لأهل الحديث وصححه الألباني.
وجاء في الحديث عن أسماء بنت عميس قالت : غسلت أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الحافظ ابن حجر وحسنه الألباني.
وقد قال بمقتضى هذه الأحاديث جماهير أهل العلم.
قال الإمام النووي: (نقل ابن المنذر في كتابيه الإجماع والإشراف والعبدري وآخرون إجماع المسلمين أن للمرأة غسل زوجها خلافا لأحمد في رواية عنه فقال بالمنع وأما غسله زوجته فجائز عندنا وعند جمهور العلماء حكاه ابن المنذر عن علقمة وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود وسليمان ابن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن وقتادة وحماد بن أبي سليمان ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وهو مذهب عطاء وداود وابن المنذر). المجموع 5/149-150.
وكذلك فقد وردت أحاديث ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقبيل الميت منها حديث عائشة وابن عباس ( أن أبا بكر رضي الله عنه قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ) رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت ( قبَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عثمانَ بن مظعون وهو ميت فكأني أنظر إلى دموعه تسيل على خديه ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/246 .
وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة أن تودع زوجها الميت وكذا يجوز للزوج أن يودع زوجته الميتة. أ.ه
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
يجوز لأهل الميت وأقربائه وأصدقائه تقبيل وجهه , لما روت عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت , وهو يبكي أو عيناه تذرفان) وروي كذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت : أقبل أبو بكر فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة , فكشف عنه وجهه , ثم أكب عليه فقبله , ثم بكى , فقال : بأبي أنت يا رسول الله لا يجمع الله عليك موتتين .
27- إظهار الحزن على الولد حتى الممات
توفي أخي في حادث أليم، ومن يوم وفاته وأمي ترتدي الملابس السوداء ولا تخلعها، وتقول: إنها لن تخلع هذه الملابس طول حياتها، ولا تلبس غير السواد حزنًا على ولدها، فهل هذا حرام؟
أ.د عبد الرحمن العدوي
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنه لا يحل لامرأة أن تحد وتظهر الحزن على ميت لها أكثر من ثلاثة أيام ، إلا أن يكون الميت زوجها فتحد عليه أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام ، فلا يجوز للأم أن تلبس السواد حزنا على موت ابنها أكثر من ثلاثة أيام ، ولتصبر ولتحتسب حتى تنال بالأجر العظيم ، وهو الجنة.
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي ، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر:
إن الله تعالى يقول: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير}.
ففي هذه الآية الكريمة يخبر الله تعالى عباده عن قدره السابق في خلقه من قبل أن يخلق الخليقة، ويبرأ النسمة، أو من قبل أن يوجد المصيبة التي وقعت، وهذه العقيدة التي هي الإيمان بقضاء الله وقدره لها فائدة عظيمة في حياة الإنسان، وقد أظهر الله هذه الفائدة بقوله: { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}. أي إذا عرفتم أن الله قدر الأمور قبل وقوعها اطمأنت نفوسكم، فلا يصيبها الجزع عند المصائب، ولا يصيبها الكبر والبطر عند النعم، وسعة الأرزاق، فتكون هذه العقيدة سببًا في اطمئنان النفس، والتسليم بما أراده الله وقضاه، والله يثبت الصابرين الشاكرين.
ولذلك فإننا نقول لهذه الأم التي جزعت لفقد ابنها، وأظهرت الحزن واستمرت فيه، نقول لها: إن التسليم لقضاء الله خير لها وأبقى، حتى يكون هذا المصاب في حسناتها إذا صبرت عليه، والله تعالى يقول: {وبشر الصابرين} ، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى:
( ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة )، والصفي : الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان ، والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت ، ومعنى احتسبه: صبر على فقده راجيا الأجر من الله على ذلك ، وأصل الحِسبة الأجرة ، والاحتساب طلب الأجر من الله تعالى خالصا .
وفي صحيح البخاري : " باب فضل من مات له ولد ".
وروى أحمد والنسائي من حديث قرة بن إياس " أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له ، فقال : أتحبه ؟ قال : نعم . ففقده فقال ما فعل فلان ؟ قالوا : يا رسول الله مات ابنه , فقال : ألا تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة , إلا وجدته ينتظرك ؟ فقال رجل : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا ؟ قال : بل لكلكم " وسنده على شرط الصحيح وقد صححه ابن حبان والحاكم.
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقوله عند فقد من نحب، وأرشدنا إلى عدم الجزع، فقد روى الترمذي وأحمد وأبو داود عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأْجرني فيها وأبدلني منها خيرا )، والأجر هو ثواب الله، وعند الله خزائن السماوات والأرض، وهو القادر على أن يخلف على الصابرين خيرًا مما فقد منهم، ومن يطلب ثواب الله ورضاه يستجيب لأمره وأمر رسوله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
ومدة الحداد على الميت ثلاثة أيام فقط ، باستثناء الزوج فأربعة أشهر وعشرة أيام ، روى البخاري في صحيحه عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)، ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست به ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا).
أما الذين يجزعون، ويسخطون فقد خسروا ثواب الله، ولم يعد إليهم المفقود، فصارت خسارتهم مرتين، وذلك ليس من العقل في شيء، فصبرًا صبرًا على قضاء الله، فهو الخالق الرازق المحيي المميت، وهو على كل شيء قدير. والله أعلم.
ملابس الحداد
: هل يوجد نصٌّ في الدين الإسلامي يشير إلى ضرورة ارتداء الملابس السوداء حدادًا عند حدوث حالة وفاة؟
الشيخ عطية صقر
الحزن على الميت شيء طبيعي أقرَّه الدين الإسلامي ومن مظاهره الامتناع عن الزينة بالعطور وبالأصباغ سواء في البدن أو في الملابس، وهذا الامتناع واجب على المرأة عند وفاة زوجها حتّى تضعَ الحملَ إن كانت حاملاً، وحتى تنتهي أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، وحرام على غير زوجها كأبيها وابنها أكثر من ثلاثة أيام، وهذا الامتناع يُطلَق عليه اسم الحِداد أو الإِحداد. وهو غير جائز للرِّجال بل هو خاصٌّ بالنِّساء، جاء في البخاري ومسلم أن زينب بنت أبي سلمة دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبيِّ صلّى الله عليه وسلَّم حين توفِّيَ أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بِطِيب فيه صُفرة أي طيب فيه لون كالخلوق المعروف عندهم فدَهنت به جارية، ثم مسَّت بعارضَيها أي صفحتي وجهها ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول على المنبر " لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا".
ومن مظاهر الإحداد بالنسبة للملابس الامتناع عن لبس ما يتنافى مع الحزن، وذلك يختلف في الشكل واللون والنوع باختلاف الأعراف، وقد ذكرت كتب التاريخ والرحلات أن الملابِس البيضاء هي المختارة للحداد في بعض الدول. والنبي صلّى الله عليه وسلّم ضرب مثلاً لما كان عند العرب فنهى عن الثوب المصبوغ بالعُصْفُر لأنّه من ملابس الزينة التي لا تَتَناسَب مع الحِداد.
وإذا كان اللون الأسود في الثِّياب هو المختار في بعض البلاد للحِداد فليس ذلك لوجود نصٌّ عليه في الدين، وإنما هو راجِع للعرف والعادة، وقد ذكر الإمام السيوطي في كتابه " الأوائل " أن أول ما لبس العباسيّون السواد حين قَتلَ مَروان الأموي إبراهيمَ الإمام الذي ادَّعى الخِلافة، وصار السواد شعارًا لهم، وقيل إن المصريِّين اختاروا الملابِس السوداء للحزن حدادًا على شهداء الأقباط في عصر" دقلديانوس " حيث ذبح مائة وثمانين ألف مسيحيٍّ في يوم واحد، فلبست نساؤُهم الملابس السوداء.
والخلاصة أنه لا يوجد نصٌّ ديني في القرآن والسُّنّة يشير إلى ارتداء الملابس السوداء حدادًا على المتوفّى، وإنما الموجود هو النهي عن الملابس التي تتنافى مع الحزن، ويُترك تحديد ذلك للعرف، مع التنبيه على أن الحِداد الخاص بالنساء وجوبًا لفقد الزوج، وجوازًا لفقد أي قريب آخر، ولا حِداد للرجل فعقلُه أقوى من عاطفته.
الحداد على الميت : مظاهره ومدته
ما معنى الحداد وما مدته ، وهل لبس السواد من الحداد؟
مجموعة من المفتين
بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
الحداد هو ترك الزينة بوجه عام ، فلا تضع المرأة زينة في وجهها ،ولا تلبس الثياب التي تكون زينة في نفسها كالثياب المعصفر ونحو هذا .
وهذا الحداد يكون على القريب ثلاثة أيام ،وعلى الزوج أربعة أشهر وعشرة أيام .
فإن كان لبس السوداء في فترة حداد المرأة على زوجها ،فليس هناك ما يمنع شرعا.
وإنما أبيح لبس السواد للمرأة في فترة الحداد ، لأنه نوع من ترك الزينة ،و لكن إن لم تلبس السواد فليس في ذلك شيء .
يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق رحمه الله - :
إن الواجب على كل مسلم ومسلمة تلقى مصيبة الموت بالصبر الجميل والرضا بقضاء الله تعالى ؛ وأن مدة الحداد أربعة أشهر وعشر على الزوج المتوفى وثلاثة أيام على من مات من الأقارب ونحوهم فيجب على الزوجة أن تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرًا فقط .
ويباح للمرأة أن تحد على أقربائها ونحوهم ثلاثة أيام فقط .
ويحرم الإحداد فيما زاد على ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها تحد أربعة أشهر وعشرًا) والإحداد يكون بترك الزينة والطيب ونحوه ولا يكون بلطم الخدود وشق الجيوب وحلق الشعر والنوح والندب وغير ذلك مما هو محرم شرعًا .
أما لبس الثياب السوداء بقصد الحداد فلا يباح إلا فى مدة الإحداد المشروعة .
يقول الدكتور القرضاوي - :
فالمراد به أن تجتنب المعتدة مظاهر الزينة والإغراء مثل الاكتحال واستعمال الأصباغ والمساحيق، التي تتجمل بها المرأة عادة لزوجها ومثل أنواع الطيب والعطور والحلي والثياب الزاهية والمغرية.
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أمَي المؤمنين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث (أي ثلاث ليال) إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ".
وفي الصحيحين عن أم سلمة: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكتحل ؟ فقال: لا . . . كل ذلك يقول: لا، مرتين أو ثلاثًا . ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشرًا . وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة ".
وفيهما عن أم عطية: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحد امرأة فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، إلا ثوب عصب ولا تكتحل، ولا تمس طيبًا، إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها، بنبذة من قسط أو ظفار ".
والمراد بثوب العصب ما صبغ بالعصب، وهو نبت ينبت باليمن.
وروى أبو داود والنسائي عن أم سلمة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل . ".
وفي حديث آخر رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: " لا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب . قالت: قلت بأي شيء أمتشط ؟ قال: بالشذر تغلفين به رأسك ".
والله أعلم
وفاة الصحابة
::::::::::::: أبو بكر الصديق رضي الله عنه :::::::::::::
حين وفاته قال : "و جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد"
و قال لعائشة : انظروا ثوبي هذين ، فاغسلوهما و كفنوني فيهما ، فإن الحي أولى بالجديد من الميت .
و لما حضرته الوفاة أوصى عمر رضي الله عنه قائلا : إني أوصيك بوصية ، إن أنت قبلت عني : إن لله عز و جل حقا بالليل لا يقبله بالنهار ، و إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل ، و إنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة ، و إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الآخرة بإتباعهم الحق في الدنيا ، و ثقلت ذلك عليهم ، و حق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا ، و إنما خفت موازين من خفت موازينه في الآخرة باتباعهم الباطل ، و خفته عليهم في الدنيا و حق لميزان أن يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا.
::::::::::::: عمربن الخطاب رضى الله عنه :::::::::::::
جاء عبد الله بن عباس فقال: يا أمير المؤمنين ، أسلمت حين كفر الناس ، و جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خذله الناس ، و قتلت شهيدا و لم يختلف عليك اثنان ، و توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو عنك راض .
فقال له : أعد مقالتك فأعاد عليه ، فقال : المغرور من غررتموه ، و الله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتديت به من هول المطلع . و قال عبد الله بن عمر : كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه . فقال : ضع رأسي على الأرض .
فقلت : ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي ؟!
فقال : لا أم لك ، ضعه على الأرض . فقال عبد الله : فوضعته على الأرض . فقال : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز و جل.
::::::::::::: عثمان بن عفان رضي الله عنه :::::::::::::
قال حين طعنه الغادرون و الدماء تسيل على لحيته : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
اللهم إني أستعذيك و أستعينك على جميع أموري و أسألك الصبر على بليتي .
ولما استشهد فتشوا خزائنه فوجدوا فيها صندوقا مقفلا . ففتحوه فوجدوا فيه ورقة مكتوبا عليها (هذه وصية عثمان)
بسم الله الرحمن الرحيم
عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أن الجنة حق . و أن الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد . عليها يحيا و عليها يموت و عليها يبعث إن شاء الله .
::::::::::::: علي بن أبي طالب رضي الله عنه :::::::::::::
بعد أن طعن علي رضي الله عنه
قال : ما فعل بضاربي ؟
قالوا : أخذناه
قال : أطعموه من طعامي ، و اسقوه من شرابي ، فإن أنا عشت رأيت فيه رأيي ، و إن أنا مت فاضربوه ضربة واحدة لا تزيدوه عليها . ثم أوصى الحسن أن يغسله و قال : لا تغالي في الكفن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا و أوصى : امشوا بي بين المشيتين لا تسرعوا بي ، و لا تبطئوا ، فإن كان خيرا عجلتموني إليه ، و إن كان شرا ألقيتموني عن أكتافكم .
::::::::::::: معاذ بن جبل رضي الله عنه :::::::::::::
الصحابي الجليل معاذ بن جبل .. حين حضرته الوفاة .. و جاءت ساعة الاحتضار .. نادى ربه ... قائلا: يا رب إنني كنت أخافك ، و أنا اليوم أرجوك .. اللهم إنك تعلم أنني ما كنت أحب الدنيا لجري الأنهار ، و لا لغرس الأشجار .. و إنما لظمأ الهواجر ، و مكابدة الساعات ، و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق العلم . ثم فاضت روحه بعد أن قال :لا إله إلا الله . روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال .. : نعم الرجل معاذ بن جبل و روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أرحم الناس بأمتي أبو بكر .... إلى أن قال ... و أعلمهم بالحلال و الحرام معاذ .
::::::::::::: بلال بن رباح رضي الله عنه :::::::::::::
حينما أتى بلالا الموت .. قالت زوجته : واحزناه . فكشف الغطاء عن وجهه و هو في سكرات الموت .. و قال : لا تقولي واحزناه ، و قولي وافرحاه، ثم قال : غدا نلقى الأحبة ..محمدا و صحبه .
::::::::::::: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه :::::::::::::
لما حضرت أبا ذر الوفاة .. بكت زوجته .. فقال : ما يبكيك ؟ قالت : و كيف لا أبكي و أنت تموت بأرض فلاة و ليس معنا ثوب يسعك كفنا. فقال لها : لا تبكي و أبشري فقد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لنفر أنا منهم :ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين و ليس من أولئك النفر أحد إلا و مات في قرية و جماعة ، و أنا الذي أموت بفلاة ، و الله ما كذبت و لا كذبت فانظري الطريق
قالت :أنى و قد ذهب الحاج و تقطعت الطريق
فقال انظري فإذا أنا برجال فألحت ثوبي فأسرعوا إلي فقالوا : ما لك يا أمة الله ؟
قالت : امرؤ من المسلمين تكفونه ..
فقالوا : من هو ؟
قالت : أبو ذر
قالوا : صاحب رسول الله
ففدوه بأبائهم و أمهاتهم و دخلوا عليه فبشرهم و ذكر لهم الحديث
و قال : أنشدكم بالله ، لا يكفنني أحد كان أمير أو عريفا أو بريدا
فكل القوم كانوا نالوا من ذلك شيئا غير فتى من الأنصار فكفنه في ثوبين لذلك الفتى و صلى عليه عبد الله بن مسعود فكان في ذلك القوم رضي الله عنهم أجمعين.
::::::::::::: أبوالدرداء رضي الله عنه :::::::::::::
لما جاء أبا الدرداء الموت ... قال : ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا ؟ ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ؟ ثم قبض رحمه الله.
::::::::::::: سلمان الفارسي رضي الله عنه :::::::::::::
بكى سلمان الفارسي عند موته ، فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكون زاد أحدنا كزاد الراكب ، و حولي هذه الأزواد
و قيل : إنما كان حوله إجانة و جفنة و مطهرة !
الإجانة : إناء يجمع فيه الماء، و الجفنة : القصعة يوضع فيها الماء و الطعام ، و المطهرة : إناء يتطهر فيه.
::::::::::::: عبدالله بن مسعود رضي الله :::::::::::::
لما حضر عبد الله بن مسعود الموت دعا ابنه فقال : يا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، إني أوصيك بخمس خصال ، فإحفظهن عني : أظهر اليأس للناس ، فإن ذلك غنى فاضل . و دع مطلب الحاجات إلى الناس ، فإن ذلك فقر حاضر . و دع ما تعتذر منه من الأمور ، و لا تعمل به . و إن إستطعت ألا يأتي عليك يوم إلا و أنت خير منك بالأمس ، فافعل . و إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع ، كأنك لا تصلي بعدها .
::::::::::::: الحسن بن علي رضي الله عنه :::::::::::::
لما حضر الموت بالحسن بن علي رضي الله عنهما ، قال : أخرجوا فراشي إلى صحن الدار ، فأخرج فقال : اللهم إني أحتسب نفسي عندك ، فإني لم أصب بمثلها !
::::::::::::: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه :::::::::::::
قال معاوية رضي الله عنه عند موته لمن حوله : أجلسوني . فأجلسوه .. فجلس يذكر الله .. ، ثم بكى .. و قال : الآن يا معاوية .. جئت تذكر ربك بعد الانحطام و الانهدام ..، أما كان هذا و غض الشباب نضير ريان ؟!
ثم بكى و قال : يا رب ، يا رب ، ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي .. اللهم أقل العثرة و اغفر الزلة .. و جد بحلمك على من لم يرج غيرك و لا وثق بأحد سواك ... ثم فاضت رضي الله عنه.
::::::::::::: عمرو بن العاص رضي الله عنه :::::::::::::
حينما حضر عمرو بن العاص الموت بكى طويلا و حول وجهه إلى الجدار ، فقال له ابنه :ما يبكيك يا أبتاه ؟ أما بشرك رسول الله . فأقبل عمرو رضي الله عنه إليهم بوجهه و قال : إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله، إني كنت على أطباق ثلاث. لقد رأيتني و ما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه و سلم مني ، و لا أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته ، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار. فلما جعل الله الإسلام في قلبي ، أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : ابسط يمينك فلأبايعنك ، فبسط يمينه ، قال : فقضبت يدي.
فقال : ما لك يا عمرو ؟ قلت : أردت أن أشترط
فقال : تشترط ماذا ؟ قلت : أن يغفر لي .
فقال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ، و أن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، و أن الحج يهدم ما كان قبله ؟ و ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا أحلى في عيني منه ، و ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ، و لو قيل لي صفه لما إستطعت أن أصفه ، لأني لم أكن أملأ عيني منه ، و لو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ، ثم ولينا أشياء ، ما أدري ما حالي فيها ؟ فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة و لا نار ، فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور و يقسم لحمها ، حتى أستأنس بكم ، و أنظر ماذا أراجع به رسل ربي ؟
::::::::::::: أبو موسى الأشعري رضى الله عنه :::::::::::::
لما حضرت أبا موسى - رضي الله عنه - الوفاة ، دعا فتيانه ، و قال لهم : إذهبوا فاحفروا لي و أعمقوا ، فعلوا .
فقال : اجلسوا بي ، فو الذي نفسي بيده إنها لإحدى المنزلتين ، إما ليوسعن قبري حتى تكون كل زاوية أربعين ذراعا ، و ليفتحن لي باب من أبواب الجنة ، فلأنظرن إلى منزلي فيها و إلى أزواجي ، و إلى ما أعد الله عز و جل لي فيها من النعيم ، ثم لأنا أهدى إلى منزلي في الجنة مني اليوم إلى أهلي ، و ليصيبني من روحها و ريحانها حتى أبعث .
و إن كانت الأخرى ليضيقن علي قبري حتى تختلف منه أضلاعي ، حتى يكون أضيق من كذا و كذا ، و ليفتحن لي باب من أبواب جهنم ، فلأنظرن إلى مقعدي و إلى ما أعد الله عز و جل فيها من السلاسل و الأغلال و القرناء ، ثم لأنا إلى مقعدي من جهنم لأهدى مني اليوم إلى منزلي ، ثم ليصيبني من سمومها و حميمها حتى أبعث .
::::::::::::: سعد بن الربيع رضي الله عنه :::::::::::::
لما انتهت غزوة أحد .. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يذهب فينظر ماذا فعل سعد بن الربيع ؟ فدار رجل من الصحابة بين القتلى .. فأبصره سعد بن الربيع قبل أن تفيض روحه .. فناداه .. : ماذا تفعل ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثني لأنظر ماذا فعلت ؟ فقال سعد : اقرء على رسول الله صلى الله عليه و سلم مني السلام و أخبره أني ميت و أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة و أنفذت في ، فأنا هالك لا محالة ، و اقرأ على قومي من السلام و قل لهم .. يا قوم .. لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيكم عين تطرف ...
::::::::::::: عبدالله بن عمر رضي الله عنهما :::::::::::::
قال عبد الله بن عمر قبل أن تفيض روحه : ما آسى من الدنيا على شيء إلا على ثلاثة : ظمأ الهواجر ومكابدة الليل و مراوحة الأقدام بالقيام لله عز و جل، و أني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت (و لعله يقصد الحجاج و من معه)
::::::::::::: عبادة بن الصامت رضي الله عنه :::::::::::::
لما حضرت عبادة بن الصامت الوفاة ، قال : أخرجوا فراشي إلى الصحن
ثم قال : اجمعوا لي موالي و خدمي و جيراني و من كان يدخل علي ، فجمعوا له .... فقال : إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا ، و أول ليلة من الآخرة ، و إنه لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء ، و هو والذي نفس عباده بيده، القصاص يوم القيامة ، و أحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي .
فقالوا : بل كنت والدا و كنت مؤدبا .
فقال : أغفرتم لي ما كان من ذلك ؟ قالوا : نعم .
فقال : اللهم اشهد ... أما الآن فاحفظوا وصيتي ... أحرج على كل إنسان منكم أن يبكي ، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا فأحسنوا الوضوء ، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدا فيصلي ثم يستغفر لعبادة و لنفسه ، فإن الله عز و جل قال : و استعينوا بالصبر و الصلاة و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين ... ثم أسرعوا بي إلى حفرتي ، و لا تتبعوني بنار .
::::::::::::: الإمام الشافعي رضي الله عنه :::::::::::::
دخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه
فقال له :كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟!
فقال الشافعي : أصبحت من الدنيا راحلا، و للإخوان مفارقا ، و لسوء عملي ملاقيا ، و لكأس المنية شاربا ، و على الله واردا ، و لا أدري أ روحي تصير إلى الجنة فأهنيها ، أم إلى النار فأعزيها ، ثم أنشأ يقول :
و لما قسا قلبي و ضاقت مذاهبي *** جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل *** تجود و تعفو منة و تكرما
::::::::::::: الحسن البصري رضي الله عنه :::::::::::::
حينما حضرت الحسن البصري المنية، حرك يديه و قال : هذه منزلة صبر و استسلام !
::::::::::::: عبدالله بن المبارك :::::::::::::
العالم العابد الزاهد المجاهد عبدالله بن المبارك ، حينما جاءته الوفاة إشتدت عليه سكرات الموت ثم أفاق .. و رفع الغطاء عن وجهه و ابتسم قائلا : لمثل هذا فليعمل العاملون .... لا إله إلا الله، ثم فاضت روحه.
::::::::::::: العالم محمد بن سيرين :::::::::::::
روي أنه لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة ، بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : أبكي لتفريطي في الأيام الخالية و قلة عملي للجنة العالية و ما ينجيني من النار الحامية.
::::::::::::: الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه :::::::::::::
لما حضر الخليفة عمر بن عبد العزيز الموت قال لبنيه و كان مسلمة بن عبدالملك حاضرا : يا بني ، إني قد تركت لكم خيرا كثيرا لا تمرون بأحد من المسلمين و أهل ذمتهم إلا رأو لكم حقا . يا بني ، إني قد خيرت بين أمرين ، إما أن تستغنوا و أدخل النار ، أو تفتقروا و أدخل الجنة ، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي ، قوموا عصمكم الله ... قوموا رزقكم الله ...
قوموا عني ، فإني أرى خلقا ما يزدادون إلا كثرة ، ما هم بجن و لا إنس ..
قال مسلمة : فقمنا و تركناه ، و تنحينا عنه ، و سمعنا قائلا يقول : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين ، ثم خفت الصوت ، فقمنا فدخلنا ، فإذا هو ميت مغمض مسجى !
::::::::::::: الخليفة المأمون رحمه الله :::::::::::::
حينما حضر المأمون الموت قال : أنزلوني من على السرير.
فأنزلوه على الأرض ... فوضع خده على التراب و قال : يا من لا يزول ملكه ... إرحم من قد زال ملكه .
::::::::::::: أمير المؤمنين عبدالملك من مروان رحمه الله :::::::::::::
يروى أن عبد الملك بن مروان لما أحس بالموت قال : ارفعوني على شرف ، ففعل ذلك ، فتنسم الروح ، ثم قال : يا دنيا ما أطيبك ! إن طويلك لقصير ، و إن كثيرك لحقير ، و إن كنا منك لفي غرور ... !
::::::::::::: هشام بن عبدالملك رحمه الله :::::::::::::
لما أحتضر هشام بن عبد الملك ، نظر إلى أهله يبكون حوله فقال : جاء هشام إليكم بالدنيا و جئتم له بالبكاء ، ترك لكم ما جمع و تركتم له ما حمل ، ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله .
::::::::::::: الخليفة المعتصم رحمه الله :::::::::::::
قال المعتصم عند موته : لو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت ... !
::::::::::::: الخليفة هارون الرشيد رحمه الله :::::::::::::
لما مرض هارون الرشيد و يئس الأطباء من شفائه ... و أحس بدنو أجله .. قال : أحضروا لي أكفانا فأحضروا له ..فقال : احفروا لي قبرا ... فحفروا له ... فنظر إلى القبر و قال :
ما أغنى عني مالية ... هلك عني سلطانية ... !
مسك الختام ::::::::::::: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم :::::::::::::
في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسنة الحادية عشرة للهجرة ، كان المرض قد أشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم ، و سرت أنباء مرضه بين أصحابه ، و بلغ منهم القلق مبلغه ، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أوصى أن يكون أبو بكر إماما لهم ، حين أعجزه المرض عن الحضور إلى الصلاة .
و في فجر ذلك اليوم و أبو بكر يصلي بالمسلمين ، لم يفاجئهم و هم يصلون إلا رسول الله و هو يكشف ستر حجرة عائشة ، و نظر إليهم و هم في صفوف الصلاة ، فتبسم مما رآه منهم فظن أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد أن يخرج للصلاة ، فأراد أن يعود ليصل الصفوف ، و هم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ، فرحا برسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أومأ إلى أبي بكر ليكمل الصلاة ، فجلس عن جانبه و صلى عن يساره، و عاد رسول الله إلى حجرته ، و فرح الناس بذلك أشد الفرح ، و ظن الناس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أفاق من وجعه ، و إستبشروا بذلك خيرا . و جاء الضحى، و عاد الوجع لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فدعا فاطمة: فقال لها سرا أنه سيقبض في وجعه هذا ، فبكت لذلك ، فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله ، فضحكت ، و إشتد الكرب برسول الله صلى الله عليه و سلم .. و بلغ منه مبلغه، فقالت فاطمة : واكرباه . فرد عليها رسول الله قائلا : لا كرب على أبيك بعد اليوم. و أوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم وصيته للمسلمين و هو على فراش موته : الصلاة الصلاة .. و ما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم ، و كرر ذلك مرارا
و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر و بيده السواك ، فنظر إليه رسول الله ، قالت عائشة : آخذه لك؟ ، فأشار برأسه أن نعم، فإشتد عليه، فقالت عائشة : ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم. فلينته له ...
و جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل يديه في ركوة فيها ماء ، فيمسح بالماء وجهه و هو يقول : لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات . و في النهاية ... شخُصَ بصر رسول الله صلى الله عليه و سلم ... و تحركت شفتاه قائلا : مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ، اللهم إغفر لي و إرحمني، و ألحقني بالرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى ..اللهم الرفيق الأعلى
..اللهم الرفيق الأعلى، و فاضت روح خير خلق الله .. فاضت أطهر روح خلقت إلى ربها .. فاضت روح من أرسله الله رحمة للعالمين و صلى اللهم عليه و سلم تسليما.
اللهم اغفر لي ما تقدم من ذنبي و ما تأخر
هل يجوز لأهل الميت الذي كان لا يواظب على الصلاة أن يصلوا عنه أو يعملوا ما يسمى بإسقاط الصلاة؟
الشيخ عبد الله الصديق الغماري
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
إسقاط الصلاة عن الميت لم يَرِد في حديث صحيح ولا حَسَن ولا ضعيف، وإنما ورد في حديث مَكذوب اغترَّ به بعضُ متأخري الحنفية، كما نَبَّه عليه العلامة المُحَقِّق الشيخ عبد الحيّ اللَّكْنَويّ الهنديّ الحنفيّ. وليس في الدين شيء اسمه إسقاط الصلاة، وكل ما يوجد من ذلك في بعض الكتب التي قرأناها ورأيناها فإنما هو خُرافات لا يَصِحُّ التَّعْويل عليها، والطريقُ الشرعيُ للذي يريد أن يُخَفِّفَ العقابَ عن الميت هو:
1 أن يتصدق عنه.
2 أن يدعوَ له.
3 أن يَهَبَ له بعض أعماله الخيرية.
ويرجو بعد ذلك من الله أن يُخَفِّفَ عنه أو يتجاوز عن ذنبه أو يغفر له.
أما أن يجزم بأن هناك عملًا يُسْقِط عن الميت الصلاة، فهذا ما لا سبيل إليه إلا بوحي من الله، والوحيُ قد انقطع.
الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجمهور على أنه لا يجوز قضاء الصلاة عن الميت ، لأن الله عز وجل قد يسر الصلاة بحيث لا يوجد عذر في تركها ، وإن أجاز البعض الصلاة عن الميت فقوله محمول على الصلاة المنذورة ، لأنه قد روي عنهم أيضا المنع من الصلاة عن الميت ، والصحيح رأي الجمهور. وأما إهداء ثواب صلاة النفل للميت فهو جائز ولا بأس به .
يقول الشيخ محمود عاشور ، وكيل الأزهر الشريف :
إن الصلاة عبادة بدنية محضة، لم يرد نص خاص عن النبي صلى الله عليه وسلم بجواز قضائها عن الميت، والوارد هو عن بعض الصحابة، فقد روي البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء يعني ثم ماتت فقال: صلى عنها، وروي ابن أبي شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضي الله عنهما أن أمها نذرت مشيًا إلى مسجد قباء، أي للصلاة، فأفتي ابنتها أن تمشي لها، وأخرجه مالك في الموطأ أيضًا.
والصلاة المرادة هنا صلاة نفل نذر أداؤها في قباء فوجبت ولزمت، ومن هنا رأي بعض العلماء جواز قضاء الصلاة عن الميت، سواء أكانت مفروضة أصلاً أم منذورة.
لكن الجمهور قال بعدم جواز قضاء المفروضة، ونقل العلامة ابن بطال الإجماع على ذلك، ومع عدم التسليم بهذا الإجماع، فإن الجمهور رد استدلال القول المجيز للقضاء بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف، فقد جاء في موطأ مالك أنه بلغه أي الإمام مالك أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلِّ أحد عن أحد، ولا يصم أحد عن أحد، وأخرج النسائي عن ابن عباس مثل ذلك القول، ولكن لعل المنع في حق غير المنذورة.
وقال الحافظ يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء في حق من ما ت وجعل النفي في حق الحي ، وبهذا يعلم أن ما يعمله بعض الناس مما يسمي بإسقاط الصلاة عن الميت غير مشروع، والواقع أن الله سبحانه وتعالى جعل أداء الصلاة من اليسر بحيث تصح بأية كيفية من الكيفيات عند العجز، حتى أنه لم يسقطها عن المجاهد وهو في ساحة القتال أثناء المعركة، وعن المقيد بالأغلال واكتفي بما يستطاع ولو يالإيماء، فقول الجمهور بعدم جواز قضائها عن الميت هو المختار للفتوى، ولا يصح غيره، حتى لا يكون هناك تهاون بعماد الدين.. أما حكم الصلاة للميت فقد جاء في رواية الدارقطني ( إن من البر بعد الموت أن تصلى لهما للوالدين مع صلاتك ، وأن تصوم لهما مع صيامك) وذلك في النوافل المهداة لا في الفروض من حيث القضاء.
17- ما قولكم في الدعاء للميت؛ هل هو نافع أم لا؟
دار الافتاء السعودية
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالدعاء للميت نافع له إن شاء الله تعالى ، لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للموتى ، وأمر أصحابه بهذا .
وهذا أمر عظيم الفائدة يغفل عنه كثير من الناس ، فينسون ميتهم، فلا يدعون له بالرحمة والمغفرة ، مع انقطاع عمله ، والدعاء للميت دليل حب الداعي له .
تقول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية :
الدعاء الشرعي ينفع الميت بإجماع أهل السنة والجماعة، لقوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}. ، ولدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للأموات في زيارته للقبور وفي غيرها، وتعليمه أصحابه ما يقولون من الدعاء في زيارة القبور، وقوله لهم حين دفن بعض المسلمين: «استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل» ودعائه للميت في صلاة الجنازة وتعليمه أصحابه ما يدعون به فيها للميت إلى غير ذلك من الأحاديث التي تبلغ مبلغ التواتر في المعنى، ولا تعارض بين ذلك وبين قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، لتخصيص عموم هذه الآية بآية الحشر وغيرها من الآيات والأحاديث.
18- ما ينفع الإنسان بعد موته
جاوزت الستين من عمري، وأنا بحمد الله ميسور الحال، وأريد أن أعمل عملا يتجدد ثوابه لي وأنا بقبري، بعدما يوافيني أجلي، وأكون شاكرا لو أرشدتموني إلى جملة من فعال البر تكون امتدادا لعملي بعد موتي .
الشيخ إبراهيم جلهوم
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه وبعد:
فقد ورد في ما صح من حديث أن الإنسان إذا مات انقطع ثوابه ، ولا يستمر ثواب عمل من أعماله إلا في أمور ، وهي : العلم النافع ، ودعاء الولد الصالح ، والصدقة الجارية، والصدقة الجارية لها صور متعددة ، فقد تكون شجرة يستظل بها الناس ، أو بيتا لضيافة المسافر الغريب ، أو بناء مسجد ، أو مصحف أوقفه للقراءة، أو نخل غرسه للتصدق بتمره ، أو نهر أو ترعة أو عين ماء ليشرب الناس منها ويسقون زرعهم ودوابهم ، أو نحو ذلك ، فعلى من أراد المزيد من الثواب أن يغتنم هذه الفرص.
يقول الشيخ إبراهيم جلهوم ، شيخ المسجد الزينبي بالقاهرة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
ومعنى الحديث الشريف أن المرء إذا مات ينقطع تجدد ثواب عمله الصالح الذي كان يعمله في دنياه ؛ إلا في هذه الأشياء المذكورة ، فإن ثوابها متجدد له في قبره؛ لأنها من كسبه، فولده الداعي له بخير، وما يتركه الميت من علم نافع، ومن صدقة جارية متجددة كالوقف مثلا ؛ كل ذلك من سعيه، وقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورّثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته"رواه ابن ماجه.
ووردت خصال أخرى بالإضافة إلى المذكورة من هذه الخصال الخيِّرة فبلغ المجموع عشرا، وقد نظمها الإمام السيوطي رحمه الله فقال:
إذا مات ابن آدم ليس يجري …… عليه من فعالٍ غيرُ عشرِ
علومٌ بثها ودعاءُ نجلٍ …... وغرسُ النخلِ والصدقاتُ تجري
وراثةُ مصحفٍ، ورباطُ ثغرٍ …… وحفرُ البئرِ، أو إجراءُ نهرِ
وبيتٌ للغريب بناه يأوي ...... إليه، أو بناء محل ذكرِ
فبادر أيها السائل باغتنام فرصة يسر حالك، ووفرة مالك، بعمل ما تقدر عليه من بر موصول، وخير مستمر الإمداد، وصنيع يدوم عطاؤه، ما مرت لحظات الحياة، والله يرزقك القبول والأمن والنجاة، وهو تعالى أجل وأعظم .
19- هل ينتفع الميت بالقراءة في المآتم؟
جرت العادة بإقامة المآتم للميت،حيث يجتمعون،ويستأجرون بعض المشايخ لقراءة القرآن ظانين أن ثواب هذه القراءة تصل إلى الميت، فهل يجوز هذا؟ وهل يصل هذا الثواب حقا إلى الميت؟
د.حسام الدين بن موسى عفانة اسم المفتي
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
جاء في فتوى للدكتور حسام الدين عفانه خلاصتها أن القراءة التي تصل للميت وينتفع بها هي القراءة بدون أجر. وأما إذا استأجر أهل الميت قارئاً يقرأ بأجرة فلا يصل ثواب القراءة للميت ولا ينتفع بها ،ولا يصح الاستئجار على قراءة القرآن في هذه الحالة ولا ثواب في ذلك لا للقارئ ولا لذوي الميت ولا للميت.
يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
اتفق أهل العلم على أن الميت ينتفع بما عمله من خير في حياته ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
وكذلك اتفقوا على أن دعاء الحي للميت ينفعه ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" سورة الحشر آية (10).
وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من دعائه للأموات في صلاة الجنازة وغيرها كحديث عوف بن مالك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله..) الحديث رواه مسلم.
وكذلك اتفقوا على أن صدقة الحي عن الميت تدفع الميت ويدل على ذلك حديث عائشة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها؟ قال : نعم) رواه مسلم.
ومعنى افتلتت نفسها أي ماتت فجأة، كما اتفق جمهور العلماء على أن الحج عن الميت ينفعه لما ورد في الحديث عن بريدة أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن أمي ماتت ولم تحج أفيجزي أن أحج عنها؟ قال : نعم (رواه مسلم) وكذلك قال طائفة من أهل العلم بأن الميت ينتفع بصوم الحي عنه لما ورد في حديث عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه). رواه البخاري ومسلم.
هذه هي أهم الأعمال التي ينتفع بها الميت وتصل إليه والتي وردت فيها النصوص الشرعية.
وأما قراءة القرآن وجعل ثواب ذلك للميت فمسألة اختلف فيها أهل العلم، قال الإمام النووي رحمه الله :- (واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصل وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل) الأذكار ص 40 .
وقال الحنفية إن ثواب القرآن يصل إلى الميت وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه ابن القيم واختيار الإمام النووي وغيرهم من أهل العلم. وهو الذي أختاره وأقول به؛ لأن الأدلة الواردة في انتفاع الميت بعمل الحي في باب العبادات تدل على انتفاع الميت بقراءة القرآن إذ لا فرق بين انتفاعه بالصوم والحج وانتفاعه بقراءة القرآن. قال ابن قدامة رحمه الله:- (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله). ثم ذكر بعض الأدلة الدالة على انتفاع الميت بعمل الحي، وقد سقت بعضها ثم قال: (وهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت فكذلك ما سواها) . وقال العلامة ابن القيم رحمه الله :- ( وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعاً بغير أجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج فإن قيل فهذا لم يكن معروفاً في السلف ،ولا يمكن نقله عن واحد منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم اليه ولكانوا يفعلونه. فالجواب أن مورد هذا السؤال إن كان معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار قيل له ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال، وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات وأن من لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع.
وأما السبب الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف فهو أنهم لم يكن لهم أوقات على من يقرأ ويهدي إلى الموتى ،ولا كانوا يعرفون ذلك ألبتة، ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان أحدهم يشهد من حضره من الناس على أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا ثواب هذه الصدقة والصوم.
ثم يقال لهذا القائل لو كلفت أن تفعل عن واحد من السلف أنه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا يشهدون على الله بإيصال ثوابها إلى أمواتهم.
فإن قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الصوم والصدقة والحج دون القراءة قيل هو صلى الله عليه وسلم لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له، وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ،ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر..) . وأخيراً يجب التنبيه على أن القراءة التي تصل للميت وينتفع بها هي القراءة بدون أجر. وأما إذا استأجر أهل الميت قارئاً يقرأ بأجره فلا يصل ثواب القراءة للميت ولا ينتفع بها ولا يصح الاستئجار على قراءة القرآن في هذه الحالة ولا ثواب في ذلك لا للقارئ ولا لذوي الميت ولا للميت . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:- (وأما الاستئجار لنفس القراءة _أي قراءة القرآن_ والإهداء فلا يصح ذلك .. فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى ،وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه .
20- هل يجب على الأبناء قضاء ديون الآباء بعد الموت؟
توفي أبي منذ ثلاث سنوات تقريباً وترك ديناً ثقيلاً،وعندما استلمت زمام الأمور لم يكن هنالك سيولة لتوزيعها على أصحاب المال وإيفاء الدين، وعرضت جميع ممتلكاته للبيع إلا أنها عبارة عن أراضٍ زراعية ، ولم أتمكن إلى الآن من بيعها، فهل آثم؟على عدم إيفاء الدين من راتبي؟ علماً أن لأبي -رحمه الله- زوجة ثانية وأولاداً، فماذا يجب علي أن أفعل؟ وهل أنتظر حتى تباع إحدى ممتلكاته؟ علماً أنني قد تعهدت أمام الناس بأنني سأعمل على وفاء دينه ليسقط عنه الحمل كما قال لي البعض، وكل الناس يعرفون أن لا وفاء للديون إلا ببيع الأرض، أفيدوني - يرحمكم الله-،هذا -وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً-.
الدكتور محمد سليمان المنيعي اسم المفتي
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
يجب على الإنسان أن يوصي بما عليه من ديون، وإذا مات الإنسان قبل أن يتمكن من سداد ما عليه من الديون ، فالقاعدة أن من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله، فإذا كان الميت قد نوى السداد لكنه لم يستطع السداد لفقره، فلا إثم عليه في التأخر في السداد، والأفضل للورثة أن يقضوا عنه تبرئة لذمته، فإن الدين يحبس الميت، ويمنعه من دخول الجنة، وللأولاد أن يقضوا هذا الدين حسب استطاعتهم، كل واحد على قدر استطاعته.
وهذا القضاء لا يجب عليهم، لكنهم إذا لم يفعلوا فقد ضيعوا أباهم وتركوه لمصير لا يعلمه إلا الله، وليس هذا من البر في شيء.
وهذا كله إذا لم يكن للمتوفى مال تركه، فإذا كان له تركة وجب سداد ديونه منها قبل توزيعها على الورثة.
يقول الدكتور محمد بن سليمان المنيعي- عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى-:
الواجب عليك يا أخي أن تبدأ أولاً بسداد دين والدك من تركته ثم بعد ذلك تقسم التركة، ويمكن أن تعرض بعض هذه العقارات بأقل من سعرها قليلاً من أجل المسارعة في قضاء دين والدك، أما في شأن وفاء الدين من راتبك فلا يلزمك شرعاً، لكن إن كنت قادراً على ذلك فالأولى لك المبادرة بقضاء دين والدك، ثم تعود بعد ذلك فتأخذ ما دفعته من التركة.
وذلك لحديث جابر –رضي الله عنه- في الرجل الذي مات وعليه ديناران فتخلف الرسول – صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة عليه حتى قال له أبو قتادة –رضي الله عنه-: هما عليّ، فلما قضاهما أبو قتادة –رضي الله عنه- قال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : الآن بردت عليه جلدته، رواه أحمد (14536)، والحاكم (2/58)، فإن لم تكن قادراً على الوفاء من راتبك فينبغي أن تتحلل من أصحاب الدين عن والدك، فيجعلوه عليك حتى تبرأ ذمته ويبرد عليه جلده.
والله أعلم .
21- مجالات الصدقة عن الميت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
توفى والدي ونريد نحن أولاده أن نقدم له صدقة جارية فكيف يمكن عمل ذلك ، وفي أي من الأشكال ممكن أن تكون هذه الصدقة... أفادكم الله .
بسم الله و الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة؛ أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها. وإني أظنها لو تكلمت تصدقت. فلي أجر أن أتصدق عنها؟ قال :نعم. افتلتت نفسها :أي ماتت بغتة وفجأة .
وروى أيضا عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له). قال العلماء: معنى الحديث إن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له، إلا في هذه الأشياء الثلاثة. لكونه كان سببها. فإن الولد من كسبه. وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية . ورد عن دار الإفتاء السعودية :
الذي دلت عليه نصوص الشريعة انتفاع الميت بصدقة الحي عنه، ودعائه له،فإذا أخلص المتصدق في صدقته عن الميت ، وفي دعائه له، انتفع الميت، وأثيب الداعي والمتصدق فضلاً من الله ورحمة، وحسبه أن يعلم الله منه الإخلاص وحسن العمل، ويأجر الطرفين .و يجوز إهداء ما ورد به الشرع المطهر من الأعمال . كالصدقة ، والدعاء ، وقضاء الدين ، والحج والعمرة إذا كان المحجوج عنه ميتا أو عاجزا . لكبر سنه ، أو مرض لا يرجى برؤه ، وهكذا من تؤدى عنه العمرة ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما يدل على ذلك .
وجاء في الكتاب العزيز ما يدل على شرعية الدعاء للمسلمين أحياء أو أمواتا ، مثل قول الله سبحانه : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } أه
فالخير لا يضيع ثوابه والصدقة تنفع صاحبها حيًّا و ميتا إذا كان الغرض منها ابتغاء وجه الله ، والصدقة دليل على تقوى المؤمن وحبه للخير فهذا الرجل الذى ذهب يسال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثواب الصدقة يتصدق بها على أمه المتوفاة وقد كانت تريد الوصية بالصدقة قبل موتها لكن الموت عاجلها قبل أن تتكلم ، ولقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل حين استفهم عن ثواب الصدقة يصل إلى أمه بعد موتها بالايجاب، و بيَّن له أن ثواب الصدقة يلحق الميت ،وينفعه بعد موته .
للصدقة مجالات عديدة جدًّا يصعب حصرها، ولكن يمكن الإشارة إلى بعض هذه المجالات على سبيل الاختصار:
الإنفاق على الفقراء والمحتاجين وإسقاط الديون عن المدينين.
بناء المساجد والإنفاق عليها وعلى الأئمة والمؤذنين والقائمين عليها .
سقي الماء وحفر الآبار في الأماكن التي لا يصل إليها الماء.
إطعام الطعام وشراء الملابس وتوزيعها .
الإنفاق على طلب العلم وشراء الكتب والأدوات الدراسية لهم .
طباعة الكتب والأشرطة الإسلامية وتوزيعها على المسلمين .
توزيع المصحف الشريف على الشعوب الإسلامية في العالم .
الإنفاق على حلقات تحفيظ القرآن الكريم ، ورصد المكافآت للطلاب والمدرسين.
بناء المدارس ودور العلم والمستشفيات .
بناء الملاجئ و دور الأيتام والمسنين والمساكن للغرباء من طلبة العلم وأبناء السبيل .
الصدقة على فقراء الحجاج والمعتمرين والزوار وتوفير الطعام والشراب والمراكب لهم .
الإنفاق على الأرامل والأيتام وكبار السن .
الإنفاق على الجهاد والمجاهدين ودعم المستضعفين من المسلمين في كل مكان.
مساعدة الشباب المسلم على الزواج حتى لا تشيع الفاحشة في المجتمع .
الإنفاق على الدعاة وإرسالهم إلى مشارق الأرض ومغاربها .
رعاية الأقليات المسلمة في العالم، وربطهم بدينهم حتى لا تذوب هويتهم الإسلامية في تلك المجتمعات .
تخصيص الأموال للجوائح والعوارض الطارئة كالحرائق والأمراض والكوارث والزلازل والسيول وغيرها.
الإنفاق على مغاسل الأموات التي تقوم بتجهيز الموتى مجاناً .
22- الحصول على عفو الميت
كيف يتم الحصول على العفو والمسامحة من الميت الذي له حق في رقبتي ؟
الشيخ محمد صالح المنجد اسم المفتي
الحمد لله ؛ والصلاة والسلام على رسول الله
ليس هناك من سبيل لطلب المسامحة من الميت بعد موته ، وهذا ما يؤكّد أهمية حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)
رواه لبخاري 2296
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث :
قوله : ( من كانت له مظلمة لأخيه ) .. أي من كانت عليه مظلمة لأخيه .
قوله : ( من عِرْضه أو شيء ) أي من الأشياء .. فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها ، وفي رواية الترمذي " من عرض أو مال " .
قوله : ( قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ) أي يوم القيامة .
قوله : ( أُخذ من سيئات صاحبه ) أي صاحب المظلمة ( فحمل عليه ) أي على الظالم ..
وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا ولفظه :
" المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا ، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار "
وعند أبي نعيم من حديث ابن مسعود( يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادي مناد : هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت ، فيأتون فيقول الرب : آت هؤلاء حقوقهم ، فيقول : يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم ، فيقول للملائكة : خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته ، فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة .)
وأخرج أحمد والحاكم من حديث جابر عن عبد الله بن أنيس رفعه " لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه ، حتى اللطمة . قلنا يا رسول الله كيف وإنما نحشر حفاة عراة ؟ قال : بالسيئات والحسنات " فتح الباري شرح صحيح البخاري وعلى أيّة حال فعليك بالتوبة إلى الله جلّ وعلا ، فإذا صدقت مع الله في التوبة وعملت ما يُمكن من البرّ بما يمكن فعله للميت ورأى الميت في صحيفته استغفارك له فلعلّه أن يعفو عنك في ذلك الموقف إذا لم يكن قد عفا عنك في الدّنيا ، وأكثر من الدعاء له والله يعفو عنّا أجمعين .
في ما يحل ويحرم لأاهل الميت فعله
23- الحزن والنياحة على الميت
سمعنا أن البكاء على الميت حرام ، وأنه لا تجوز النياحة عليه ، فماهو المباح في حالة الوفاة من التعبير عن الحزن ، سواء أكان رجلا أو امرأة؟
الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالبكاء على الميت جائز، ولم يفت أحد بحرمته ، ولكن المحرم هو النياحة التي تصحبها مخالفات شرعية ، كشق الجيوب ولطم الخدود وإظهار الجزع من القدر، و تحد المرأة على المتوفى ثلاثة أيام ،إلا أن يكون زوجها ، فتحد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام.
وبهذا يقف الإسلام موقفا وسطا ، بين التعبير عن المشاعر الإنسانية لفقد محبوب ،وبين البعد عما لا يليق من أفعال الجاهلية.
هذا خلاصة ما قاله الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، وإليك نص كلامه :
ومن التقاليد التي حاربها الإسلام تقاليد الجاهلية في الموت وما يتصل به من نياحة وعويل، وغلو في إظهار الحزن والجزع.
وقد علم الإسلام أتباعه أن الموت إنما هو رحلة من دار إلى دار، فليس فناء مطلقا. ولا عدما صرفا، وأن الجزع لا يحيي ميتا، ولا يرد قضاء قضى الله به. فعلى المؤمن أن يتقبل الموت كما يتقبل كل مصيبة تصيبه صابرا محتسبا، آخذا العبرة آملا في لقاء أبدي في الدار الآخرة، مرددا قول القرآن: (إنا لله وإنا إليه راجعون) سورة البقرة:156.
أما صنيع أهل الجاهلية فهو منكر حرام برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".
ولا يحل للمسلم أن يلبس من شارات الحداد أو يترك التزين أو يغير الزي والهيئة المعتادة، إظهارا للجزع والحزن؛ إلا ما كان من زوجة على زوجها فإنها يجب أن تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، وفاء لحق الزوجية، وللرباط المقدس الذي جمع بينهما، حتى لا تكون معرضا للزينة، ومتعلقا لأبصار الخطاب في مدة العدة، التي اعتبرها الإسلام امتدادا للزوجية السابقة في كثير من الحقوق، وسياجا لها.
أما إذا كان الميت غير الزوج -كالأب والإبن والأخ- فلا يحل للمرأة الحداد عليه أكثر من ثلاث ليال. روى البخاري عن زينب بنت أبي سلمة أنها روت عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب، وعن زينب بنت جحش حين توفي أخوها، وأن كلا منهما دعت بطيب لمست منه ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرا".
وهذا الإحداد على الزوج واجب لا تساهل فيه ولقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول لا. وهو يدل على حرمة التزين والتجمل طوال المدة المفروضة.
وأما الحزن من غير جزع، والبكاء من غير عويل، فذلك من الأمور الفطرية التي لا إثم فيها. وسمع عمر بعض النسوة يبكين على خالد بن الوليد، فأراد بعض الرجال منعهن، فقال له: دعهن يبكين على أبي سليمان، ما لم يكن نقع( تراب على الرأس) أو لقلقة (صوت).
24- كيف يعذب الميت ببكاء أهله ؟
س: قرأت في بعض الكتب حديثًا منسوبًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " فأنكرت ذلك ؛ لأن القاعدة التي قررها القرآن أن الإنسان لا يسأل عن ذنب غيره (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (سورة الأنعام: 164) فكيف يتفق هذا مع تعذيب الميت بذنب الحي وبكائه عليه ؟ فهل هذا الحديث صحيح أم لا ؟ وإذا كان صحيحًا فما معناه ؟ وكيف نوفق بينه وبين ما جاء في القرآن الكريم ؟.
الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نقول للسائل الكريم لا تعارض إن شاء الله تعالى بين الحديث الصحيح والقرآن الكريم لأن كلاهما ينبع من مشكاة واحدة فالحديث صحيح وللعلماء تأويلات كثيرة كلها تحل هذا الإشكال وتنفي هذا التعارض الظاهر ونتركك مع فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في هذا التوجيه السديد لمعنى الحديث الشريف، حيث يقول فضيلته:
أما الحديث فهو صحيح متفق على صحته بلا ريب، أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر بلفظ: أن حفصة بكت على عمر (أي حين طعن) فقال: مهلاً يا ابنتي ! ألم تعلمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكره.
وفي رواية: لما طعن عمر أغمى عليه، فصيح عليه، فلما أفاق: قال: أما علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الميت ليعذب ببكاء الحي " ورواه الشيخان أيضًا من حديث أنس.
ولهما عن عمر: " الميت يعذب في قبره ما نيح عليه ".
ورواه الشيخان وأحمد والترمذي عن المغيرة بلفظ: " من نيح عليه يعذب بما نيح عليه ".
والمهم أن الحديث ثابت عن أكثر من صحابي بأسانيد صحيحه، ومن وجوه عديدة، حتى قال السيوطي: متواتر .
فلا مجال للطعن في صحته، ولم يبق إلا البحث في معناه، والتوفيق بينه وبين الآية الكريمة . وهذا ما حاوله العلماء من قديم، وذكروا فيه عدة تأويلات، نقلها الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " وأكتفي هنا بذكر أهمها وأرجحها، غير متقيد بترتيب الحافظ.
الأول: أن المراد بالعذاب هو العذاب بمعناه اللغوي وهو: مطلق الألم، لا العذاب الأخروي، فالميت يتألم بما يرى من جزع أهله، وما يسمع من بكائهم عليه، فمن المعلوم أن الميت في قبره غير معزول عن أهله وقرابته وأحوالهم .
وقد روى الطبري بإسناد صحيح عن أبي هريرة: " أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم " وهو موقوف في حكم المرفوع، إذ لا مجال للرأي فيه ، وله شاهد من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا . أخرجه البخاري في تاريخه، وصححه الحاكم.
قال الحافظ: وهذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين (ورجحه من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر، وقال: أكاد أجزم به، ولا أرضى غيره . انظر الحديث رقم 4865 من المسند ج 7 ط دار المعارف بمصر)، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين، واستشهدوا له بحديث قَيلة بنت مخرمة: " قلت: يا رسول الله، قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة، ثم أصابته الحمى فمات، ونزل علي البكاء !؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفًا، وإذا مات استرجع ؟! (أي قال: " إنا لله وإنا إليه راجعون ") فوالذي نفس محمد بيده، إن أحدكم ليبكي، فيستعبر (يستعبر: يعني أن الميت يبكي لبكائه) إليه صويحبه، فيا عباد الله، لا تعذبوا موتاكم ! " وهذا طرف من حديث طويل حسن الإسناد، أخرجه بن أبي خيثمة، وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم، وأخرج أبو داود والترمذي طرفًا منه.
قال ابن المرابط: حديث قيلة نص في المسألة، فلا يعدل عنه.
الثاني: أن معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يعذبه أهله، كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعًا: " الميت يعذب ببكاء الحي: إذا قالت النائحة: واعضداه ! واناصراه ! واكاسياه ! جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها ؟ أنت ناصرها ؟ أنت كاسيها ؟ ".
ورواه ابن ماجة بلفظ: " يتصنع به، ويقال: أنت كذلك ؟ ".
ورواه الترمذي بلفظ: " ما من ميت يموت، فتقوم نادبته فتقول، واجبلاه ! واسنداه أو شبه ذلك من القول، إلا وُكِّلَ به ملكان يلهذانه: أهكذا أنت ؟ ".
وشاهده ما روى البخاري في " المغازي " من حديث النعمان بن بشير، قال: أغمى على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته تبكي وتقول: واجبلاه ! واكذا، واكذا ! فقال حين أفاق: " ما قلت شيئًا إلا قيل لي " أنت كذلك ؟ ".
الثالث: ما اختاره الإمام البخاري، وجزم به: أن المراد بالبكاء في الحديث بعضه، وهو النوح، والمراد بالميت بعض الموتى أيضًا، وهو من كان النوح من سنته وطريقته، فكان أسوة سيئة لأهله، أو عرف أن لهم عادة بفعل ذلك، فأهمل نهيهم عنه.
واستدل البخاري لذلك بأدلة ذكرها في ترجمة الباب، منها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا) (سورة التحريم: 6) وحديث: " كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته " (متفق عليه من حديث ابن عمر) . وحديث: " لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، وذلك لأنه أول من سن القتل ". (رواه البخاري).
ومقتضى هذا أن الميت إنما يعذب لتقصيره في تربية أهله، وإهماله في تأديبهم وتعليمهم، وضعف رعايته لما حمله الله من مسئولية عنهم، وهو المأمور أن يقيهم النار كما يقي نفسه .
فالحقيقة أنه يعاقب بتفريطه وذنبه هو لا بذنب أهله، أي أنه لم يزر وزر غيره.
ومما يؤيد هذا التأويل أن من العرب في الجاهلية من كان يوصي أهله أن يندبوه، وينوحوا عليه بعد موته، كما قال طرفة :.
إذا متُ فانعيني بما أنا أهله وشقي على الجيب يا ابنة معبد.
أما البكاء من غير نوح فلا عقاب عليه، وقد جاء عن أبي مسعود الأنصاري، وقرظة بن كعب قالا: " رخص لنا في البكاء عند المصيبة في غير نوح " . أخرجه ابن شيبة، والطبراني، وصححه الحاكم.
قال الحافظ بعد نقل هذه الوجوه التي ذكرناها وغيرها :.
" ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات، فينزل على اختلاف الأشخاص، بأن يقال مثلاً: من كانت طريقته النوح، فمشى أهله على طريقته، أو بالغ فأوصاهم بذلك، عذب بصنعه ، ومن كان يعرف من أهله النياحة، فأهمل نهيهم عنها، فإن كان راضيًا بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ: كيف أهمل النهي ؟ ومن سلم من ذلك كله، واحتاط، فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه، وفعلوا ذلك، كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره، وإقدامهم على معصية ربهم، والله تعالى أعلم بالصواب ". (انظر: فتح الباري ج 3: والله أعلم . 393 - 397 . ط مصطفى الحلبي).
وهناك وجه ذكره العلامة المناوي في " الفيض "، وهو: أن المراد بالميت في الحديث المشرف على الموت، والتعذب: أنه إذا احتضر، والناس حوله يصرخون ويتضجرون يزيد كربه، وتشتد عليه سكرات الموت، فيصير معذبًا به.
قال العراقي: والأولى أن يقال: سماع صوت البكاء هو نفس العذاب، كما أننا نعذب ببكاء الأطفال ؛ فالحديث على ظاهره بغير تخصيص، وصوبه الكراماني . ا ه.
فالعذاب هنا بمعناه اللغوي كما في الوجه الأول، ولكن هنا فسر الميت بالمحتضر.
وبهذا يتضح لنا، أن الحديث لا يعارض القرآن في تقرير مبدأ المسئولية الفردية وأن لا مغمز في ثبوته وصحته، ما دام له أكثر من وجه صحيح لتأويله. قال العلامة المناوي: قال بعض الأعاظم: وبما نقرر عرف خطأ من جمد عندما سمع (ولا تزر وازرة وزر أخرى) أو غلّط رواة هذا الخبر، وما هو على نحوه من صحاح الأخبار التي رواها الأعلام عن الأعلام إلى الفاروق وابنه وغيرهما. (فيض القدير ج 2 ص 397).
ومما لابد من ذكره في هذا المقام: أن السيدة عائشة رضي الله عنها ظنت ما ظنه الأخ السائل حين سمعت هذا الحديث، فأنكرت على من رواه، متوهمة أنه يعارض الآية الكريمة، واتهمت من رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما بالخطأ أو النسيان، وأنه لم يسمع الحديث على وجهه، ففي رواية عند مسلم قالت: إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه ". وفي رواية لها: " إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها " . رواه البخاري. وفي رواية أخرى قالت: ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله ليزيد الكافر عذابًا، ببكاء أهله عليه " وقالت: حسبكم القرآن: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) . رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيه إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر، بل بما استشعرت من معارضة القرآن. (الفتح ج 3 ص 395).
على أن الرواية الأخيرة لعائشة أثبتت فيها أن الميت يزداد عذابًا ببكاء أهله، وأي فرق بين أن يزداد عذابًا بفعل غيره، وأن يعذب ابتداء به ؟ ! فلو أخذ على ظاهرة أيضًا لعارض القرآن.
ولهذا لم يرتض العلماء موقف عائشة - ولا عصمة لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال القرطبي: إنكار عائشة ذلك، وحكمها على الراوي بالتخطئة والنسيان، أو على أنه سمع بعضًا، ولم يسمع بعضًا - بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى كثيرون، وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح. (فيض القدير ج 2 ص 397).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وعائشة أم المؤمنين لها مثل هذا نظائر، ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد، واعتقادها بطلان معناه، ولا يكون الأمر كذلك . أ ه.
25- وضع الجريد والزهور على القبر وبيعها
ما حكم وضع الجريد والزهور على القبر ؟ وماحكم بيع ذلك الجريد وتلك الزهور؟
الدكتور محمد بكر اسماعيل اسم المفتي
بسم الله، والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
وضع الجريد على القبور من الأمور التي اختلف حولها الفقهاء،فرأى البعض أنها من البدع ،و فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لها كان من الخصوصيات،ووضع الزهور أو الجريد لا ينفع الميت ،ويرى البعض أنه نافع لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-ومهما يكن من أمر ،فإن هذا الأمر ليس من البدع التي تختص بالعبادات ،ولكنها من العادات ،فلا تحرم،وفي ذات الوقت لا تأخذ حكم السنية ،وإنما تأخذ حكم الجواز، فهي من الأمور المباحة ،مع عدم اعتقاد نفعها للميت .
وأما بيع الجريد أو الزهور فليس بحرام ،لأنه عمل مباح في ذاته .
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر :
وضع الجريدة الخضراء على القبر مباح شرعًا بل عَدَّه بعض الفقهاء من المُستحبات لِما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ على قبرين فقال: "إنهما يُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير أما هذا فكان لا يَسْتَنْزِه من البول، وأما هذا فكان يَمشي بين الناس بالنميمة" ثم دعا بعسيب رَطْب فشَقَّه اثنين، ثم غرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا، وقال: "لعله يُخَفِّفُ عنهما ما لم يَيْبَسا". والعسيب: الجريدة التي لم يَنْبُت فيها خوص، فإن نبت فهي السَّعَفة.
وقال قوم من الفقهاء: هذه كانت خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم فلا نقتدي به في ذلك، فالفقهاء إذن مختلفون في وضع الجريدة الخضراء على القبر، فمنهم من قال بالإباحة، ومنهم من قال بالاستحباب، ومنهم من قال بالكراهة، والأصح أنه من المباحات بشرط ألا يعتقد المسلم أن هذه الجريدة تخفف عن الميت المسلم العذاب بذاتها، ولكنها تُوضَع اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم ورجاءً أن يُخَفِّفَ الله عنه من العذاب ببركة الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
أما وضع الزهور على القبور فهو عمل غير مشكور لِما فيه من الإسراف والتبذير، ولكن بيع الزهور لمن يريد ذلك لا يَحْرُم حتى ولو غلب على ظن البائع أن الشاري يريد أن يضعها على القبر؛ لأن بيع الزهور في ذاته جائز، فلا يَحْرُم إلا بدليل، ووضع الزهور على القبور في الحقيقة ليس من بدع العبادات، ولكنه من بدع العادات، فلا تكون ضلالة وإن كان من الخير اجتنابها لأنها تشبه بدع العبادات في الظاهر.
26- قبلة الوداع بين الزوجين بعد الموت
هل يجوز للزوجة أن تودع زوجها الميت بأن تقبله بعد غسله وتكفينه ؟
د.حسام الدين بن موسى عفانة اسم المفتي
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فيجوز للزوجة أن تودع زوجها بتقبيله بعد موته، وكذلك يجوز للزوج أن يقبل زوجته بعد موتها وهذا ما أفتى به فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين- وإليك نص فتواه:
يجوز للمرأة أن تودع زوجها الميت بتقبيله بعد غسله وتكفينه وكذلك يجوز للزوج أن يودع زوجته الميتة ولا يصح كلام العامة أن ذلك ناقض لوضوء الميت فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت ( لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم غير نسائه ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم وحسنه الألباني.
وجاء في حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت ( رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي وأقول : وارأساه فقال : بل أنا وارأساه ما ضرك لو مت قبلي وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك ) رواه أحمد وابن ماجة وغيرهما وفيه كلام لأهل الحديث وصححه الألباني.
وجاء في الحديث عن أسماء بنت عميس قالت : غسلت أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الحافظ ابن حجر وحسنه الألباني.
وقد قال بمقتضى هذه الأحاديث جماهير أهل العلم.
قال الإمام النووي: (نقل ابن المنذر في كتابيه الإجماع والإشراف والعبدري وآخرون إجماع المسلمين أن للمرأة غسل زوجها خلافا لأحمد في رواية عنه فقال بالمنع وأما غسله زوجته فجائز عندنا وعند جمهور العلماء حكاه ابن المنذر عن علقمة وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود وسليمان ابن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن وقتادة وحماد بن أبي سليمان ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وهو مذهب عطاء وداود وابن المنذر). المجموع 5/149-150.
وكذلك فقد وردت أحاديث ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقبيل الميت منها حديث عائشة وابن عباس ( أن أبا بكر رضي الله عنه قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ) رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت ( قبَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عثمانَ بن مظعون وهو ميت فكأني أنظر إلى دموعه تسيل على خديه ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/246 .
وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة أن تودع زوجها الميت وكذا يجوز للزوج أن يودع زوجته الميتة. أ.ه
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
يجوز لأهل الميت وأقربائه وأصدقائه تقبيل وجهه , لما روت عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت , وهو يبكي أو عيناه تذرفان) وروي كذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت : أقبل أبو بكر فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة , فكشف عنه وجهه , ثم أكب عليه فقبله , ثم بكى , فقال : بأبي أنت يا رسول الله لا يجمع الله عليك موتتين .
27- إظهار الحزن على الولد حتى الممات
توفي أخي في حادث أليم، ومن يوم وفاته وأمي ترتدي الملابس السوداء ولا تخلعها، وتقول: إنها لن تخلع هذه الملابس طول حياتها، ولا تلبس غير السواد حزنًا على ولدها، فهل هذا حرام؟
أ.د عبد الرحمن العدوي
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنه لا يحل لامرأة أن تحد وتظهر الحزن على ميت لها أكثر من ثلاثة أيام ، إلا أن يكون الميت زوجها فتحد عليه أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام ، فلا يجوز للأم أن تلبس السواد حزنا على موت ابنها أكثر من ثلاثة أيام ، ولتصبر ولتحتسب حتى تنال بالأجر العظيم ، وهو الجنة.
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي ، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر:
إن الله تعالى يقول: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير}.
ففي هذه الآية الكريمة يخبر الله تعالى عباده عن قدره السابق في خلقه من قبل أن يخلق الخليقة، ويبرأ النسمة، أو من قبل أن يوجد المصيبة التي وقعت، وهذه العقيدة التي هي الإيمان بقضاء الله وقدره لها فائدة عظيمة في حياة الإنسان، وقد أظهر الله هذه الفائدة بقوله: { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}. أي إذا عرفتم أن الله قدر الأمور قبل وقوعها اطمأنت نفوسكم، فلا يصيبها الجزع عند المصائب، ولا يصيبها الكبر والبطر عند النعم، وسعة الأرزاق، فتكون هذه العقيدة سببًا في اطمئنان النفس، والتسليم بما أراده الله وقضاه، والله يثبت الصابرين الشاكرين.
ولذلك فإننا نقول لهذه الأم التي جزعت لفقد ابنها، وأظهرت الحزن واستمرت فيه، نقول لها: إن التسليم لقضاء الله خير لها وأبقى، حتى يكون هذا المصاب في حسناتها إذا صبرت عليه، والله تعالى يقول: {وبشر الصابرين} ، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى:
( ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة )، والصفي : الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان ، والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت ، ومعنى احتسبه: صبر على فقده راجيا الأجر من الله على ذلك ، وأصل الحِسبة الأجرة ، والاحتساب طلب الأجر من الله تعالى خالصا .
وفي صحيح البخاري : " باب فضل من مات له ولد ".
وروى أحمد والنسائي من حديث قرة بن إياس " أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له ، فقال : أتحبه ؟ قال : نعم . ففقده فقال ما فعل فلان ؟ قالوا : يا رسول الله مات ابنه , فقال : ألا تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة , إلا وجدته ينتظرك ؟ فقال رجل : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا ؟ قال : بل لكلكم " وسنده على شرط الصحيح وقد صححه ابن حبان والحاكم.
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقوله عند فقد من نحب، وأرشدنا إلى عدم الجزع، فقد روى الترمذي وأحمد وأبو داود عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأْجرني فيها وأبدلني منها خيرا )، والأجر هو ثواب الله، وعند الله خزائن السماوات والأرض، وهو القادر على أن يخلف على الصابرين خيرًا مما فقد منهم، ومن يطلب ثواب الله ورضاه يستجيب لأمره وأمر رسوله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
ومدة الحداد على الميت ثلاثة أيام فقط ، باستثناء الزوج فأربعة أشهر وعشرة أيام ، روى البخاري في صحيحه عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)، ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست به ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا).
أما الذين يجزعون، ويسخطون فقد خسروا ثواب الله، ولم يعد إليهم المفقود، فصارت خسارتهم مرتين، وذلك ليس من العقل في شيء، فصبرًا صبرًا على قضاء الله، فهو الخالق الرازق المحيي المميت، وهو على كل شيء قدير. والله أعلم.
ملابس الحداد
: هل يوجد نصٌّ في الدين الإسلامي يشير إلى ضرورة ارتداء الملابس السوداء حدادًا عند حدوث حالة وفاة؟
الشيخ عطية صقر
الحزن على الميت شيء طبيعي أقرَّه الدين الإسلامي ومن مظاهره الامتناع عن الزينة بالعطور وبالأصباغ سواء في البدن أو في الملابس، وهذا الامتناع واجب على المرأة عند وفاة زوجها حتّى تضعَ الحملَ إن كانت حاملاً، وحتى تنتهي أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، وحرام على غير زوجها كأبيها وابنها أكثر من ثلاثة أيام، وهذا الامتناع يُطلَق عليه اسم الحِداد أو الإِحداد. وهو غير جائز للرِّجال بل هو خاصٌّ بالنِّساء، جاء في البخاري ومسلم أن زينب بنت أبي سلمة دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبيِّ صلّى الله عليه وسلَّم حين توفِّيَ أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بِطِيب فيه صُفرة أي طيب فيه لون كالخلوق المعروف عندهم فدَهنت به جارية، ثم مسَّت بعارضَيها أي صفحتي وجهها ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول على المنبر " لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا".
ومن مظاهر الإحداد بالنسبة للملابس الامتناع عن لبس ما يتنافى مع الحزن، وذلك يختلف في الشكل واللون والنوع باختلاف الأعراف، وقد ذكرت كتب التاريخ والرحلات أن الملابِس البيضاء هي المختارة للحداد في بعض الدول. والنبي صلّى الله عليه وسلّم ضرب مثلاً لما كان عند العرب فنهى عن الثوب المصبوغ بالعُصْفُر لأنّه من ملابس الزينة التي لا تَتَناسَب مع الحِداد.
وإذا كان اللون الأسود في الثِّياب هو المختار في بعض البلاد للحِداد فليس ذلك لوجود نصٌّ عليه في الدين، وإنما هو راجِع للعرف والعادة، وقد ذكر الإمام السيوطي في كتابه " الأوائل " أن أول ما لبس العباسيّون السواد حين قَتلَ مَروان الأموي إبراهيمَ الإمام الذي ادَّعى الخِلافة، وصار السواد شعارًا لهم، وقيل إن المصريِّين اختاروا الملابِس السوداء للحزن حدادًا على شهداء الأقباط في عصر" دقلديانوس " حيث ذبح مائة وثمانين ألف مسيحيٍّ في يوم واحد، فلبست نساؤُهم الملابس السوداء.
والخلاصة أنه لا يوجد نصٌّ ديني في القرآن والسُّنّة يشير إلى ارتداء الملابس السوداء حدادًا على المتوفّى، وإنما الموجود هو النهي عن الملابس التي تتنافى مع الحزن، ويُترك تحديد ذلك للعرف، مع التنبيه على أن الحِداد الخاص بالنساء وجوبًا لفقد الزوج، وجوازًا لفقد أي قريب آخر، ولا حِداد للرجل فعقلُه أقوى من عاطفته.
الحداد على الميت : مظاهره ومدته
ما معنى الحداد وما مدته ، وهل لبس السواد من الحداد؟
مجموعة من المفتين
بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
الحداد هو ترك الزينة بوجه عام ، فلا تضع المرأة زينة في وجهها ،ولا تلبس الثياب التي تكون زينة في نفسها كالثياب المعصفر ونحو هذا .
وهذا الحداد يكون على القريب ثلاثة أيام ،وعلى الزوج أربعة أشهر وعشرة أيام .
فإن كان لبس السوداء في فترة حداد المرأة على زوجها ،فليس هناك ما يمنع شرعا.
وإنما أبيح لبس السواد للمرأة في فترة الحداد ، لأنه نوع من ترك الزينة ،و لكن إن لم تلبس السواد فليس في ذلك شيء .
يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق رحمه الله - :
إن الواجب على كل مسلم ومسلمة تلقى مصيبة الموت بالصبر الجميل والرضا بقضاء الله تعالى ؛ وأن مدة الحداد أربعة أشهر وعشر على الزوج المتوفى وثلاثة أيام على من مات من الأقارب ونحوهم فيجب على الزوجة أن تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرًا فقط .
ويباح للمرأة أن تحد على أقربائها ونحوهم ثلاثة أيام فقط .
ويحرم الإحداد فيما زاد على ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها تحد أربعة أشهر وعشرًا) والإحداد يكون بترك الزينة والطيب ونحوه ولا يكون بلطم الخدود وشق الجيوب وحلق الشعر والنوح والندب وغير ذلك مما هو محرم شرعًا .
أما لبس الثياب السوداء بقصد الحداد فلا يباح إلا فى مدة الإحداد المشروعة .
يقول الدكتور القرضاوي - :
فالمراد به أن تجتنب المعتدة مظاهر الزينة والإغراء مثل الاكتحال واستعمال الأصباغ والمساحيق، التي تتجمل بها المرأة عادة لزوجها ومثل أنواع الطيب والعطور والحلي والثياب الزاهية والمغرية.
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أمَي المؤمنين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث (أي ثلاث ليال) إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ".
وفي الصحيحين عن أم سلمة: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكتحل ؟ فقال: لا . . . كل ذلك يقول: لا، مرتين أو ثلاثًا . ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشرًا . وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة ".
وفيهما عن أم عطية: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحد امرأة فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، إلا ثوب عصب ولا تكتحل، ولا تمس طيبًا، إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها، بنبذة من قسط أو ظفار ".
والمراد بثوب العصب ما صبغ بالعصب، وهو نبت ينبت باليمن.
وروى أبو داود والنسائي عن أم سلمة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل . ".
وفي حديث آخر رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: " لا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب . قالت: قلت بأي شيء أمتشط ؟ قال: بالشذر تغلفين به رأسك ".
والله أعلم
وفاة الصحابة
::::::::::::: أبو بكر الصديق رضي الله عنه :::::::::::::
حين وفاته قال : "و جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد"
و قال لعائشة : انظروا ثوبي هذين ، فاغسلوهما و كفنوني فيهما ، فإن الحي أولى بالجديد من الميت .
و لما حضرته الوفاة أوصى عمر رضي الله عنه قائلا : إني أوصيك بوصية ، إن أنت قبلت عني : إن لله عز و جل حقا بالليل لا يقبله بالنهار ، و إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل ، و إنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة ، و إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الآخرة بإتباعهم الحق في الدنيا ، و ثقلت ذلك عليهم ، و حق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا ، و إنما خفت موازين من خفت موازينه في الآخرة باتباعهم الباطل ، و خفته عليهم في الدنيا و حق لميزان أن يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا.
::::::::::::: عمربن الخطاب رضى الله عنه :::::::::::::
جاء عبد الله بن عباس فقال: يا أمير المؤمنين ، أسلمت حين كفر الناس ، و جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خذله الناس ، و قتلت شهيدا و لم يختلف عليك اثنان ، و توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو عنك راض .
فقال له : أعد مقالتك فأعاد عليه ، فقال : المغرور من غررتموه ، و الله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتديت به من هول المطلع . و قال عبد الله بن عمر : كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه . فقال : ضع رأسي على الأرض .
فقلت : ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي ؟!
فقال : لا أم لك ، ضعه على الأرض . فقال عبد الله : فوضعته على الأرض . فقال : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز و جل.
::::::::::::: عثمان بن عفان رضي الله عنه :::::::::::::
قال حين طعنه الغادرون و الدماء تسيل على لحيته : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
اللهم إني أستعذيك و أستعينك على جميع أموري و أسألك الصبر على بليتي .
ولما استشهد فتشوا خزائنه فوجدوا فيها صندوقا مقفلا . ففتحوه فوجدوا فيه ورقة مكتوبا عليها (هذه وصية عثمان)
بسم الله الرحمن الرحيم
عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أن الجنة حق . و أن الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد . عليها يحيا و عليها يموت و عليها يبعث إن شاء الله .
::::::::::::: علي بن أبي طالب رضي الله عنه :::::::::::::
بعد أن طعن علي رضي الله عنه
قال : ما فعل بضاربي ؟
قالوا : أخذناه
قال : أطعموه من طعامي ، و اسقوه من شرابي ، فإن أنا عشت رأيت فيه رأيي ، و إن أنا مت فاضربوه ضربة واحدة لا تزيدوه عليها . ثم أوصى الحسن أن يغسله و قال : لا تغالي في الكفن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا و أوصى : امشوا بي بين المشيتين لا تسرعوا بي ، و لا تبطئوا ، فإن كان خيرا عجلتموني إليه ، و إن كان شرا ألقيتموني عن أكتافكم .
::::::::::::: معاذ بن جبل رضي الله عنه :::::::::::::
الصحابي الجليل معاذ بن جبل .. حين حضرته الوفاة .. و جاءت ساعة الاحتضار .. نادى ربه ... قائلا: يا رب إنني كنت أخافك ، و أنا اليوم أرجوك .. اللهم إنك تعلم أنني ما كنت أحب الدنيا لجري الأنهار ، و لا لغرس الأشجار .. و إنما لظمأ الهواجر ، و مكابدة الساعات ، و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق العلم . ثم فاضت روحه بعد أن قال :لا إله إلا الله . روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال .. : نعم الرجل معاذ بن جبل و روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أرحم الناس بأمتي أبو بكر .... إلى أن قال ... و أعلمهم بالحلال و الحرام معاذ .
::::::::::::: بلال بن رباح رضي الله عنه :::::::::::::
حينما أتى بلالا الموت .. قالت زوجته : واحزناه . فكشف الغطاء عن وجهه و هو في سكرات الموت .. و قال : لا تقولي واحزناه ، و قولي وافرحاه، ثم قال : غدا نلقى الأحبة ..محمدا و صحبه .
::::::::::::: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه :::::::::::::
لما حضرت أبا ذر الوفاة .. بكت زوجته .. فقال : ما يبكيك ؟ قالت : و كيف لا أبكي و أنت تموت بأرض فلاة و ليس معنا ثوب يسعك كفنا. فقال لها : لا تبكي و أبشري فقد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لنفر أنا منهم :ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين و ليس من أولئك النفر أحد إلا و مات في قرية و جماعة ، و أنا الذي أموت بفلاة ، و الله ما كذبت و لا كذبت فانظري الطريق
قالت :أنى و قد ذهب الحاج و تقطعت الطريق
فقال انظري فإذا أنا برجال فألحت ثوبي فأسرعوا إلي فقالوا : ما لك يا أمة الله ؟
قالت : امرؤ من المسلمين تكفونه ..
فقالوا : من هو ؟
قالت : أبو ذر
قالوا : صاحب رسول الله
ففدوه بأبائهم و أمهاتهم و دخلوا عليه فبشرهم و ذكر لهم الحديث
و قال : أنشدكم بالله ، لا يكفنني أحد كان أمير أو عريفا أو بريدا
فكل القوم كانوا نالوا من ذلك شيئا غير فتى من الأنصار فكفنه في ثوبين لذلك الفتى و صلى عليه عبد الله بن مسعود فكان في ذلك القوم رضي الله عنهم أجمعين.
::::::::::::: أبوالدرداء رضي الله عنه :::::::::::::
لما جاء أبا الدرداء الموت ... قال : ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا ؟ ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ؟ ثم قبض رحمه الله.
::::::::::::: سلمان الفارسي رضي الله عنه :::::::::::::
بكى سلمان الفارسي عند موته ، فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكون زاد أحدنا كزاد الراكب ، و حولي هذه الأزواد
و قيل : إنما كان حوله إجانة و جفنة و مطهرة !
الإجانة : إناء يجمع فيه الماء، و الجفنة : القصعة يوضع فيها الماء و الطعام ، و المطهرة : إناء يتطهر فيه.
::::::::::::: عبدالله بن مسعود رضي الله :::::::::::::
لما حضر عبد الله بن مسعود الموت دعا ابنه فقال : يا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، إني أوصيك بخمس خصال ، فإحفظهن عني : أظهر اليأس للناس ، فإن ذلك غنى فاضل . و دع مطلب الحاجات إلى الناس ، فإن ذلك فقر حاضر . و دع ما تعتذر منه من الأمور ، و لا تعمل به . و إن إستطعت ألا يأتي عليك يوم إلا و أنت خير منك بالأمس ، فافعل . و إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع ، كأنك لا تصلي بعدها .
::::::::::::: الحسن بن علي رضي الله عنه :::::::::::::
لما حضر الموت بالحسن بن علي رضي الله عنهما ، قال : أخرجوا فراشي إلى صحن الدار ، فأخرج فقال : اللهم إني أحتسب نفسي عندك ، فإني لم أصب بمثلها !
::::::::::::: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه :::::::::::::
قال معاوية رضي الله عنه عند موته لمن حوله : أجلسوني . فأجلسوه .. فجلس يذكر الله .. ، ثم بكى .. و قال : الآن يا معاوية .. جئت تذكر ربك بعد الانحطام و الانهدام ..، أما كان هذا و غض الشباب نضير ريان ؟!
ثم بكى و قال : يا رب ، يا رب ، ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي .. اللهم أقل العثرة و اغفر الزلة .. و جد بحلمك على من لم يرج غيرك و لا وثق بأحد سواك ... ثم فاضت رضي الله عنه.
::::::::::::: عمرو بن العاص رضي الله عنه :::::::::::::
حينما حضر عمرو بن العاص الموت بكى طويلا و حول وجهه إلى الجدار ، فقال له ابنه :ما يبكيك يا أبتاه ؟ أما بشرك رسول الله . فأقبل عمرو رضي الله عنه إليهم بوجهه و قال : إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله، إني كنت على أطباق ثلاث. لقد رأيتني و ما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه و سلم مني ، و لا أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته ، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار. فلما جعل الله الإسلام في قلبي ، أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : ابسط يمينك فلأبايعنك ، فبسط يمينه ، قال : فقضبت يدي.
فقال : ما لك يا عمرو ؟ قلت : أردت أن أشترط
فقال : تشترط ماذا ؟ قلت : أن يغفر لي .
فقال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ، و أن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، و أن الحج يهدم ما كان قبله ؟ و ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا أحلى في عيني منه ، و ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ، و لو قيل لي صفه لما إستطعت أن أصفه ، لأني لم أكن أملأ عيني منه ، و لو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ، ثم ولينا أشياء ، ما أدري ما حالي فيها ؟ فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة و لا نار ، فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور و يقسم لحمها ، حتى أستأنس بكم ، و أنظر ماذا أراجع به رسل ربي ؟
::::::::::::: أبو موسى الأشعري رضى الله عنه :::::::::::::
لما حضرت أبا موسى - رضي الله عنه - الوفاة ، دعا فتيانه ، و قال لهم : إذهبوا فاحفروا لي و أعمقوا ، فعلوا .
فقال : اجلسوا بي ، فو الذي نفسي بيده إنها لإحدى المنزلتين ، إما ليوسعن قبري حتى تكون كل زاوية أربعين ذراعا ، و ليفتحن لي باب من أبواب الجنة ، فلأنظرن إلى منزلي فيها و إلى أزواجي ، و إلى ما أعد الله عز و جل لي فيها من النعيم ، ثم لأنا أهدى إلى منزلي في الجنة مني اليوم إلى أهلي ، و ليصيبني من روحها و ريحانها حتى أبعث .
و إن كانت الأخرى ليضيقن علي قبري حتى تختلف منه أضلاعي ، حتى يكون أضيق من كذا و كذا ، و ليفتحن لي باب من أبواب جهنم ، فلأنظرن إلى مقعدي و إلى ما أعد الله عز و جل فيها من السلاسل و الأغلال و القرناء ، ثم لأنا إلى مقعدي من جهنم لأهدى مني اليوم إلى منزلي ، ثم ليصيبني من سمومها و حميمها حتى أبعث .
::::::::::::: سعد بن الربيع رضي الله عنه :::::::::::::
لما انتهت غزوة أحد .. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يذهب فينظر ماذا فعل سعد بن الربيع ؟ فدار رجل من الصحابة بين القتلى .. فأبصره سعد بن الربيع قبل أن تفيض روحه .. فناداه .. : ماذا تفعل ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثني لأنظر ماذا فعلت ؟ فقال سعد : اقرء على رسول الله صلى الله عليه و سلم مني السلام و أخبره أني ميت و أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة و أنفذت في ، فأنا هالك لا محالة ، و اقرأ على قومي من السلام و قل لهم .. يا قوم .. لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيكم عين تطرف ...
::::::::::::: عبدالله بن عمر رضي الله عنهما :::::::::::::
قال عبد الله بن عمر قبل أن تفيض روحه : ما آسى من الدنيا على شيء إلا على ثلاثة : ظمأ الهواجر ومكابدة الليل و مراوحة الأقدام بالقيام لله عز و جل، و أني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت (و لعله يقصد الحجاج و من معه)
::::::::::::: عبادة بن الصامت رضي الله عنه :::::::::::::
لما حضرت عبادة بن الصامت الوفاة ، قال : أخرجوا فراشي إلى الصحن
ثم قال : اجمعوا لي موالي و خدمي و جيراني و من كان يدخل علي ، فجمعوا له .... فقال : إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا ، و أول ليلة من الآخرة ، و إنه لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء ، و هو والذي نفس عباده بيده، القصاص يوم القيامة ، و أحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي .
فقالوا : بل كنت والدا و كنت مؤدبا .
فقال : أغفرتم لي ما كان من ذلك ؟ قالوا : نعم .
فقال : اللهم اشهد ... أما الآن فاحفظوا وصيتي ... أحرج على كل إنسان منكم أن يبكي ، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا فأحسنوا الوضوء ، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدا فيصلي ثم يستغفر لعبادة و لنفسه ، فإن الله عز و جل قال : و استعينوا بالصبر و الصلاة و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين ... ثم أسرعوا بي إلى حفرتي ، و لا تتبعوني بنار .
::::::::::::: الإمام الشافعي رضي الله عنه :::::::::::::
دخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه
فقال له :كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟!
فقال الشافعي : أصبحت من الدنيا راحلا، و للإخوان مفارقا ، و لسوء عملي ملاقيا ، و لكأس المنية شاربا ، و على الله واردا ، و لا أدري أ روحي تصير إلى الجنة فأهنيها ، أم إلى النار فأعزيها ، ثم أنشأ يقول :
و لما قسا قلبي و ضاقت مذاهبي *** جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل *** تجود و تعفو منة و تكرما
::::::::::::: الحسن البصري رضي الله عنه :::::::::::::
حينما حضرت الحسن البصري المنية، حرك يديه و قال : هذه منزلة صبر و استسلام !
::::::::::::: عبدالله بن المبارك :::::::::::::
العالم العابد الزاهد المجاهد عبدالله بن المبارك ، حينما جاءته الوفاة إشتدت عليه سكرات الموت ثم أفاق .. و رفع الغطاء عن وجهه و ابتسم قائلا : لمثل هذا فليعمل العاملون .... لا إله إلا الله، ثم فاضت روحه.
::::::::::::: العالم محمد بن سيرين :::::::::::::
روي أنه لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة ، بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : أبكي لتفريطي في الأيام الخالية و قلة عملي للجنة العالية و ما ينجيني من النار الحامية.
::::::::::::: الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه :::::::::::::
لما حضر الخليفة عمر بن عبد العزيز الموت قال لبنيه و كان مسلمة بن عبدالملك حاضرا : يا بني ، إني قد تركت لكم خيرا كثيرا لا تمرون بأحد من المسلمين و أهل ذمتهم إلا رأو لكم حقا . يا بني ، إني قد خيرت بين أمرين ، إما أن تستغنوا و أدخل النار ، أو تفتقروا و أدخل الجنة ، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي ، قوموا عصمكم الله ... قوموا رزقكم الله ...
قوموا عني ، فإني أرى خلقا ما يزدادون إلا كثرة ، ما هم بجن و لا إنس ..
قال مسلمة : فقمنا و تركناه ، و تنحينا عنه ، و سمعنا قائلا يقول : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين ، ثم خفت الصوت ، فقمنا فدخلنا ، فإذا هو ميت مغمض مسجى !
::::::::::::: الخليفة المأمون رحمه الله :::::::::::::
حينما حضر المأمون الموت قال : أنزلوني من على السرير.
فأنزلوه على الأرض ... فوضع خده على التراب و قال : يا من لا يزول ملكه ... إرحم من قد زال ملكه .
::::::::::::: أمير المؤمنين عبدالملك من مروان رحمه الله :::::::::::::
يروى أن عبد الملك بن مروان لما أحس بالموت قال : ارفعوني على شرف ، ففعل ذلك ، فتنسم الروح ، ثم قال : يا دنيا ما أطيبك ! إن طويلك لقصير ، و إن كثيرك لحقير ، و إن كنا منك لفي غرور ... !
::::::::::::: هشام بن عبدالملك رحمه الله :::::::::::::
لما أحتضر هشام بن عبد الملك ، نظر إلى أهله يبكون حوله فقال : جاء هشام إليكم بالدنيا و جئتم له بالبكاء ، ترك لكم ما جمع و تركتم له ما حمل ، ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله .
::::::::::::: الخليفة المعتصم رحمه الله :::::::::::::
قال المعتصم عند موته : لو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت ... !
::::::::::::: الخليفة هارون الرشيد رحمه الله :::::::::::::
لما مرض هارون الرشيد و يئس الأطباء من شفائه ... و أحس بدنو أجله .. قال : أحضروا لي أكفانا فأحضروا له ..فقال : احفروا لي قبرا ... فحفروا له ... فنظر إلى القبر و قال :
ما أغنى عني مالية ... هلك عني سلطانية ... !
مسك الختام ::::::::::::: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم :::::::::::::
في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسنة الحادية عشرة للهجرة ، كان المرض قد أشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم ، و سرت أنباء مرضه بين أصحابه ، و بلغ منهم القلق مبلغه ، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أوصى أن يكون أبو بكر إماما لهم ، حين أعجزه المرض عن الحضور إلى الصلاة .
و في فجر ذلك اليوم و أبو بكر يصلي بالمسلمين ، لم يفاجئهم و هم يصلون إلا رسول الله و هو يكشف ستر حجرة عائشة ، و نظر إليهم و هم في صفوف الصلاة ، فتبسم مما رآه منهم فظن أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد أن يخرج للصلاة ، فأراد أن يعود ليصل الصفوف ، و هم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ، فرحا برسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أومأ إلى أبي بكر ليكمل الصلاة ، فجلس عن جانبه و صلى عن يساره، و عاد رسول الله إلى حجرته ، و فرح الناس بذلك أشد الفرح ، و ظن الناس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أفاق من وجعه ، و إستبشروا بذلك خيرا . و جاء الضحى، و عاد الوجع لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فدعا فاطمة: فقال لها سرا أنه سيقبض في وجعه هذا ، فبكت لذلك ، فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله ، فضحكت ، و إشتد الكرب برسول الله صلى الله عليه و سلم .. و بلغ منه مبلغه، فقالت فاطمة : واكرباه . فرد عليها رسول الله قائلا : لا كرب على أبيك بعد اليوم. و أوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم وصيته للمسلمين و هو على فراش موته : الصلاة الصلاة .. و ما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم ، و كرر ذلك مرارا
و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر و بيده السواك ، فنظر إليه رسول الله ، قالت عائشة : آخذه لك؟ ، فأشار برأسه أن نعم، فإشتد عليه، فقالت عائشة : ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم. فلينته له ...
و جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل يديه في ركوة فيها ماء ، فيمسح بالماء وجهه و هو يقول : لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات . و في النهاية ... شخُصَ بصر رسول الله صلى الله عليه و سلم ... و تحركت شفتاه قائلا : مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ، اللهم إغفر لي و إرحمني، و ألحقني بالرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى ..اللهم الرفيق الأعلى
..اللهم الرفيق الأعلى، و فاضت روح خير خلق الله .. فاضت أطهر روح خلقت إلى ربها .. فاضت روح من أرسله الله رحمة للعالمين و صلى اللهم عليه و سلم تسليما.
اللهم اغفر لي ما تقدم من ذنبي و ما تأخر
الصفحة الأخيرة
نريد توضيحًا لقوله تعالى: (وأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلاّ مَا سَعَى) وصلته بانتفاع الأموات بأعمال الأحياء؟
الشيخ عطية صقر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر
ذهب المعتزلة إلى أن أيّة قُرْبَة يُهديها الحي إلى الميّت لا تنفعه، بناء على قولهم بوجوب العدل، واستدلُّوا على رأيهم هذا بقوله تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى . وإبْراهيمَ الذِي وَفَّى . أَلاَّ تَزِرَ وازِرةٌ وِزر أُخْرَى . وأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلاَّ مَا سَعَى . وأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى) (سورة النجم : 36 41)
أمّا أهل السنة فقالوا: هناك قُرَبٌ يجوز للحَيّ أن يفعلَها ويَستفيد منها المَيّت، بل وسّع بعضُهم الدّائرة حتّى شملت كلّ القُرَب، قال في شرح الكنز: إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره، صلاة كان أو صومًا أو حجًّا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غير ذلك من جميع أنواع البِرِّ ويصل ذلك إلى الميت، وينفعه عند أهل السُّنّة "نيل الأوطار ج 4 ص 142" ودليلُهم على ذلك عدم ورود نص مانع، وكذلك الرجاء في رحمة الله وفضله أن يُفيد الميت بعمل الحي في النوافل، كما أفاده في الفرائض المَقضيّة عنه، فضلاً عن الأدلة الواردة في بعض القُرَب، من حيث نُدِبَ عَمَلُها ليفيد منها الميّت كما سيأتي بيانه. وردوا دليل المعتزلة بما يأتي:
1 أن الآية المذكورة منسوخة بقوله تعالى: (والذِينَ آَمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتَهُمْ بِإِيمانٍ ألْحَقْنَا بِهِمْ ذُرَّيَّتَهُمْ ومَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْء كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين) (سورة الطور : 21) كما قاله ابن عباس، فإن الكِبار يَلحقون بآبائهم في الجنة، وإن لم يكونوا في منزلتهم إكرامًا للآباء باجتماع الأولاد إليهم، وضعف ابن القيِّم هذا القول في كتابه "الروح".
2 أن هذه الآية خاصّة بشريعة موسى وإبراهيم، وأمّا في شريعتنا فالحكم بخِلاف ذلك.
3 أن عدم انتفاع الإنسان بعمل غيره مخصوص بالكافر، أما المؤمن فيجوز أن ينتفعَ بسعي غيره من المؤمنين.
4 أن اللام في "الإنسان" بمعنى" على" مثل قوله تعالى: (ولَهُمُ اللَّعْنَةُ) أي عليهم، والمعنى أن الإنسان ليس عليه إلا عمله، أي أن ذلك في العقاب، أما الثواب فليس هناك ما يمنع انتفاع الإنسان بعمل غيره وهذه الردود يمكن أن تُناقَش.
5 أن الآية تُبَيّن أنه ليس للإنسان إلا عمله استحقاقًا بطريق العدل، أما تفضُّلاً من غيره فلا مانع من أن ينتفع به، فالدعاء والشفاعة عمل الغير ويستفيد منه الميِّت. وهذا الجواب هو أصح الأجوبة، وركَّز عليه ابن تيمية في فتاويه "ج 24 ص 366" حيث قال ما ملخصه:
الاتفاق على وصول ثواب العبادات الماليّة، كالصدقة والعِتق، كما يصل إليه الدعاء والاستغفار. أما الأعمال البدنيّة كالصلاة والصيام والقراءة فاختلفوا فيها. والصواب أن الجميع يصلُ إليه... إلى أن قال: وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي. وأما احتجاج بعضهم بأن ليس للإنسان إلا ما سعى فيُقال: ثبت بالسُّنّة المتواترة وإجماع الأئمة أنه يُصلَّى ويُستغفر له ويُدْعَى له، وهذا من سَعي غيره. والجواب الحقّ أن الله لم يقل إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه وأنّه قال: (وأَنْ لَيْسَ لِلإنسانِ إِلاَّ مَا سَعَى) فهو لا يملِك إلا سعيَه، ولا يستحِقُّ غير ذلك. وأما سعى غيره فهو له، كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه، فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير، لكن إذا تبرَّع له الغير بذلك جاز. أه. وقد ارتضى هذا القول ابن عطيّة في تفسيره.
هذا، وقد جاء في معجم الفقه الحنبلي "ص 941 طبعة أوقاف الكويت" أن أيّة قُرْبة يفعلها الحي ويهَب ثوابها للميت تنفعُه إن شاء الله، وقال ابن قدامة في "المغني " قال أحمد بن حنبل: الميّت يصل إليه كلّ شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه؛ لأنّ المسلمين يجتمعون في كل مصر يقرؤون ويُهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعًا. وإن كان هذا العمل لا يُعتبر حجة والإجماع عليه ليس دليلاً، كما رأي بعض العلماء. وقال ابن القيم: والعبادات قسمان: "ماليّة، وبدنيّة" وقد نبَّه الشارع بوصول ثواب الصّدقة على وصول سائر العبادات الماليّة، ونبّه بوصول ثواب الصيام على وصول سائر العبادات البدنيّة، وأخبر بوصول ثواب الحج المركب من الماليّة والبدنيّة، فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار.
13- من أهم الأعمال التي تنفع الميت
أريد أن أعرف الأعمال التي يعملها الإنسان لوالديه حتى تكون رفعا لدرجاتهم ومحوا لسيئاتهم بعد وفاتهم إن شاء الله وجزاكم الله خيرا
الشيخ عطية صقر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر
أخرج أبو داود وابن عباس عن أبي أسيد مالك بن ربيعة قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا جاءَه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله ، هل بَقِيَ من بِرٍّ أبوي شيء أبَرُّهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرّحم التي لا تُوصَل إلا بهما، وإكرام صديقهما من بعدهما".
(أ) الصّلاة عليهما
قال بعض الشُّرّاح: إن المُراد بالصلاة عليهما في هذا الحديث صلاة الجنازة، كما في قوله تعالى: (ولا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) (سورة التوبة : 84) وقيل المراد بها الدُّعاء، كما في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقةً تُطهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِمْ بِها وصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (سورة التوبة : 103) أي ادع الله لهما بالنماء والبركة. ويرجَّح أن يراد بها هنا الدعاء لأن رواية البخاري في "الأدب المفرد" لم يَرِد فيها ذكر الصلاة بل ورد (الدعاء لهما ). والدّعاء مُجْمَع على جوازه وعلى نفْع الميّت به إن قبل، ومعنى نفع الميت به حصول المدعو به إذا استُجيب، واستجابته محضُ فضلٍ من الله، ولا يسمَّى في العُرف ثوابًا، أما الدُّعاء نفسه وثوابُه فهو للدّاعي؛ لأنّه شفاعة أجرها للشّافع، ومقصودُها للمشفوع له.
(ب) الاستغفار لهما:
الاستغفار هو دعاء بطلب المغفرة من الله للميِّت، وأدلّة الدعاء عامّة تشهد لمشروعيته، وقد دعا الأنبياء وغيرهم بالمغفرة لغيرهم، فقال نوح: (ربِّ اغْفرْ لِي ولوالِديَّ ولِمَن دَخَل بَيْتِيَ مُؤمِنًا وللمؤمِنينَ والمؤمناتِ ولا تَزِدِ الظّالِمينَ إِلاّ تَبارًا) (سورة نوح : 28) وقال إبراهيم: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي ولِوالدِيَّ وللمُؤمِنينَ يَوْمَ يَقومُ الحِسابُ) (سورة إبراهيم : 41) وروى مسلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دَعا لأهل بَقيع الغَرقد بالمغفرة، وسبق طلبه من المسلمين الاستغفار لأخيهم بعد دفنه، وروى أحمد وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة بسند صحيح مرفوع أو موقوف عليه (أنّ الرجل لتُرفَع درجتُه في الجنّة فيقول: أنَّي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدِك لكَ).
(ج) إنفاذ عهد الأبوين وصلة الرحم وإكرام الصديق:
كلّ ذلك قُرَبٌ بَدنِيّة أو ماليّة يقوم بها الولد فيؤجَر عليها، ويصل أثرها للوالدين بِرًّا وإكرامًا وإحسانًا، وقد تقدم قول شارح الكنز في هذه القُرَب وغيرها، وما جاء في معجم الفقه الحنبلي عن ذلك.
(د) الصيام لهما:
روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيامٌ صام عنه وَلِيُّه" وصح عنهما أيضًا أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صيام نذر، أفأصوم عنها؟ فقال: "أرأيت لو كان على أمك دَيْن فَقَضَيْتِه أكان يُؤدي ذلك عنها"؟ قالت: نعم قال: "فصومي عن أمك".
هذان الحديثان حُجَّة قوية للذين يرون من الفقهاء أنَّ من مات وعليه صيام، سواءٌ أكان صيام رمضان أم صيام نَذْر، يصوم عنه وليُّه، والولي هو كل قريب، سواء أكان وارثًا أم غير وارثٍ، وقيل: يجوز أن يصوم عنه غير وليه من الأصدقاء مثلاً، كالدَّيْن لا يختص بسداده القريب.
وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي في القوْل الجديد إلى أنَّ الميت لا يُصام عنه مُطْلقًا، مُتمسكين بقول ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه النسائي بإسناد صحيح: لا يُصَلِّ أحد عن أحدٍ، ولا يَصُمْ أحدٌ عن أحدٍ. وبقول عائشة رضي الله عنها: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم: وقد أخرجه عبد الرزاق في مُصنفه، لكن هذين الأثرين لا يعارضان ما هو أقوى منهما، وهو رواية البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ ولي الميت يصوم عنه.
(ه) الصّدقة عليهما:
روى أحمد والنسائي وغيرهما أن أمّ سعد بن عبادة لمَّا ماتت قال: يا رسول الله ، إنّ أمي ماتتْ، أفأتصدّق عنها؛ قال (نعم) قلت: فأيُّ الصّدقة أفضل؟ قال: (سقي الماء).
قال الحسن: فتلك سِقاية آل سعد بالمدينة، والظاهر أن هذه الصدقة ليست واجبة، وإلا لكانت مُتَعيّنة ولم يَسأل سعد عن أفضلها، وهذا الحديث وإن كان لبعض المحدِّثين فيه مقال، فإن كثيرًا من النصوص تشهد بأن الصدقة تفيد الميّت، سواء أكانت واجبة أم مندوبة.
(و) الحجّ للوالدين:
وقد أجاز العلماء قضاء الحج عن الوالدين بعد الموت، ولم يرِد ما يمنع بِرَّهما بالحجّ أو بغيره من القُرَب .
(ز) قراءة القرآن:
وفي قراءة القرآن للميّت خلاف للعلماء بين المنع من استفادته بها، بناء على أنها عبادة بدنيّة لا تَقبل النيابة، وبين الجواز بناء على رجاء رحمة الله وما ورد من بعض النصوص ، ومن تتبُّع أقوال الكثيرين يمكن استنتاج ما يلي:
1 إذا قُرِئ القرآن بحَضرة الميت، فانتفاعه بالقراءة مرجوٌّ، سواء أكان معها أم لم يكن، وذلك بحكم المجاورة، فإن القرآن إذا تُلِيَ، وبخاصة إذا كان في اجتماع، حَفَّت القارئين الملائكة، وغَشِيَتْهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، روى مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يقرؤونَ كِتاب الله ويَتدارسونَه بينهم إلا حَفَّتهم الملائكة وغَشِيَتهم الرحمة ونزلت عليهم السّكينة" ! والقرآن ذكر بل أفضل الذِّكْر، وقد روى مسلم وغيره حديث: "لا يقعُد قوم يذكُرون الله إلا حفّتهم الملائكةُ، وغَشِيتهم الرّحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرَهم الله فيمَن عنده" . بل لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذّكر في جماعة، فيحصُل ذلك للشخص الواحد، روى البخاري ومسلم حديث أُسيد بن حُضير الذي كان يقرأ القرآن، في مِربده وبجواره ولده وفرسه، وجاء فيه. فإذا مثل الظُّلّة فوق رأسي، فيها أمثال السُّرُج عَرَجت في الجو حتى ما أراها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (تِلْكَ المَلائِكة تَسْتَمِع لك، ولو قرأتَ لأصبحتْ يراها الناسُ ما تَستتر منهم).
2 إذا قُرِئ القرآن بعيدًا عن الميّت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم المجاورة وحضور الملائكة ، اختلف الفقهاء في جواز انتفاع الميت به، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه.
الحالة الأولى:
إذا قرأ القارئ ثم دعا الله بما قرأ أن يَرحَم الميّت أو يَغفر له، فقد توسّل القارئ إلى الله بعمله الصالح وهو القراءة، ودعا للميّت بالرّحمة، والدعاء له متفق على جوازه، وعلى رجاء انتفاعه له إن قبله الله، كمَن توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم، فانفرَجت عنهم الصّخرة التي سَدّت فم الغار، وفي هذه الحالة لا ينبغي أن يكون هناك خلاف يُذكَر في عدم نفع الميت بالدعاء بعد القراءة.
الحالة الثانية:
إذا قرأ القارئ ثم دعا الله أن يُهدي مثل ثواب قراءته إلى الميت، قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع : اللهم أوصلْ ثواب ما قرأناه، أي مثله، فهو المراد ، وأن يصرِّح به لفلان ؛ لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فما له أولى ، ويجري ذلك في سائر الأعمال. ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعيَ يدعو الله أن يرحم الميت: والرحمة ليست ملكًا له بل لله، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهي ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها.
الحالة الثالثة:
إذا نَوى القارئ أن يكون الثواب، أي مثله، للميّت ابتداء أي: قبل قراءته أو في أثنائِها يصل ذلك إن شاء الله، وقال الإمام ابن رشد في نوازله: إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز، وحصل للميت أجره، ووصل إليه نفعه، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة، أو معها أو بعدها. والقراءة للميت، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغي إهمالُها، فلعلَّ الحقّ الوصول ، إن هذه الأمور مُغَيّبة عنا، وليس الخلاف في حكم شرعي، إنما هو في أمر هل يقع كذلك أم لا.
14- الأعمال التي ينتفع بها الأموات
ما هي الأمور التي ينتفع بها الإنسان بعد وفاته ويصل ثوابها إليه ؟
يقول الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة - أستاذ الفقه وأصوله - جامعة القدس - فلسطين :
أولاً: إن مما اتفق عليه علماء الإسلام أن الميت ينتفع بدعاء غيره له ، ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها :
قوله تعالى " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) سورة الحشر آية 10 .
وكذلك ثبت في أحاديث كثيرة من الدعاء للأموات في صلاة الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك كما ورد في الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة وعند رأسه ملك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل آمين ولك بمثل ) رواه مسلم وغيره .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم وغيره . وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ) ، رواه مسلم .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم اغفر لحينا وميتنا ... ) رواه أبو داود والترمذي وهو حديثٌ صحيح .
ثانياً: ومن الأمور التي اتفق العلماء على أن الميت ينتفع بها ويصل ثوابها له الصدقة عنه ، وكذلك فإن المتصدق ينتفع بتلك الصدقة أيضاً ويدل على ذلك أحاديث وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم منها :
عن ابن عباس رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال : يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها ؟ قال : نعم ، فقال : فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقة عنها ) رواه البخاري وغيره . وحائط المخراف : بستان نخل وعنب كان لسعد فتصدق به عن أمه .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أمي أفتلتت نفسها - أي ماتت فجأة - ولم توص وأظنها تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ قال : نعم فتصدق عنها ) رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ( إن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه ؟ قال : نعم ) رواه مسلم وغيره . ، قال الإمام النووي : .
ثالثاً: ومن الأمور التي ينتفع بها الميت قضاء صوم النذر عنه فإذا كان الميت قد نذر صوما ًلله تعالى فمات قبل أن يصوم فيجوز لوليه أن يصوم عنه ذلك النذر ، ويدل على ذلك :
عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه ) رواه البخاري ومسلم .
وهذا أرجح أقوال العلماء في الصوم عن الميت أنه يجوز في صوم النذر دون صوم الفريضة وهذا منقول عن عائشة وابن عباس وهو قول الإمام أحمد . وعن ابن عباس رضي الله عنه ، أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهرأ فأنجاها الله عز وجل فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إما أختها أو ابنتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضيه ؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
رابعاً: ومن الأمور التي تصل إلى الميت وينتفع بها الحج والعمرة عنه حج الفريضة والنافلة أو النذر وكذا العمرة وقد وردت الأحاديث بذلك فمنها :
عن ابن عباس قال : أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزى أن تحج عنها ؟ قال : نعم ، لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يجزيء عنها فلتحج عن أمها ) رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد . وعن ابن عباس أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال : أرأيت لو كان عل أختك دين أكنت قاضيه ؟ قال: نعم، قال : فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء ) رواه البخاري وغيره .
وهناك أعمال أخرى ينتفع بها الميت على قول طائفة من أهل العلم كتلاوة القرآن وجعل ثواب التلاوة للميت والأضحية عن الميت ، وغيرها من أنواع البر
15- قضاء الصيام عمن مات مريضا دون صيام
السلام عليكم ، ورحمة الله ، وبركاته ، وبعد : - سؤالي هو :- توفيت أمي في أواخر شهر رمضان الماضي متأثرة بمرضها ، ولم تستطع الصيام لمرضها ، فما السبيل إلى تبرئة ذمتها ؟
مجموعة من الباحثين
بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد .
إذا كانت والدتك ماتت على إثر مرضها، ولم تسترد صحتها لتتمكن من قضاء ما فاتها فليس عليها إثم ، وليس عليك شيء، أما إذا كانت قد استردت صحتها ولم تقض ما فاتها فيمكنك صيام عدد الأيام التي أفطرتها، أو يمكنك بدلا من الصيام أن تطعم عن كل يوم أفطرته مسكينا وجبتين مشبعتين.
قال الإمام النووي الشافعي في المجموع :-
أما مذاهب العلماء فيمن مات وعليه صوم فاته بمرض أو سفر أو غيرهما من الأعذار ولم يتمكن من قضائه حتى مات . فمذهب الشافعية أنه لا شيء عليه ولا يصام عنه ولا يطعم عنه بلا خلاف عندهم .
وبهذا المذهب قال أبو حنيفة ومالك والجمهور .
قال العبدري : وهو قول العلماء كافة إلا طاوسا وقتادة فقالا : يجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين ; لأنه عاجز فأشبه الشيخ الهرم. واحتج البيهقي وغيره من أصحابنا الشافعية لمذهبنا بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } رواه البخاري ومسلم .
واحتجوا أيضا بالقياس على الحج كما ذكره المصنف , وفرقوا بينه وبين الشيخ الهرم بأن الشيخ عامر الذمة ومن أهل العبادات بخلاف الميت . انتهى. وقال الشيرازي من فقهاء الشافعية في المهذب :-
لو كان عليه قضاء شيء من رمضان فلم يصم حتى مات نظرت فإن أخره لعذر اتصل بالموت - لم يجب عليه شيء ; لأنه فرض لم يتمكن من فعله إلى الموت فسقط حكمه كالحج انتهى..
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني :-
من مات وعليه صيام من رمضان , لم يخل من حالين :-
أحدهما , أن يموت قبل إمكان الصيام , إما لضيق الوقت , أو لعذر من مرض أو سفر , أو عجز عن الصوم , فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم , وحكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا : يجب الإطعام عنه ; لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه , فوجب الإطعام عن , كالشيخ الهرم إذا ترك الصيام , لعجزه عنه .
ودليل الجمهور أنه حق لله تعالى وجب بالشرع , مات من يجب عليه قبل إمكان فعله , فسقط إلى غير بدل , كالحج . ويفارق الشيخ الهرم ; فإنه يجوز ابتداء الوجوب عليه , بخلاف الميت .
الحال الثاني , أن يموت بعد إمكان القضاء , فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين . وهذا قول أكثر أهل العلم . انتهى.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي :-
إذا مات المريض أو المسافر، وهما على حالهما من المرض والسفر، لم يلزمهما القضاء، لعدم إدراكهما عدة من أيام أخر. وإن صح المريض، وأقام المسافر، ثم ماتا، لزمهما القضاء بقدر الصحة والإقامة لإدراكهما العدة بهذا المقدار. ومعنى اللزوم هنا أنه أصبح في ذمته، وتبرأ ذمته بأحد أمرين:.
1- إما بصيام وليه عنه، لحديث عائشة في الصحيحين مرفوعا: "من مات وعليه صيام، صام عنه وليه" (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -704). ورواه البزار، بزيادة لفظ "إن شاء" (قال في مجمع الزوائد -179/3: وإسناده حسن).
فصيام الولي عن الميت من باب البر به لا الوجوب عليه، ويؤيد ذلك ما رواه الشيخان، عن ابن عباس: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم فدين الله أحق أن يقضى" (اللؤلؤ والمرجان -705).
ومن المعلوم أن الإنسان ليس مُطالبًا بقضاء دين غيره إلا من باب البر والصلة، لأن الأصل براءة الذمم، وأن المكلف غير ملزم بأداء ما يثبت في ذمة غيره. فالصحيح جواز الصيام عن الميت لا وجوبه، وبه تبرأ ذمة الميت.
2- وإما بالإطعام عنه، أي بإخراج طعام مسكين من تركته وجوبًا، عن كل يوم فاته لأنه دَيْن لله، تعلق بتركته، ودَيْن الله أحق أن يقضى. واشترط بعض الفقهاء أن يكون قد أوصى بذلك، وإلا لم يخرج من تركته شيء لأنها حق الورثة. والصحيح أن حق الورثة من بعد وصية يوصي بها أو دَيْن وهذا دَيْن، لأنه حق المساكين في ماله .