كيف يعرف المصاب ان كانت مصيبته عقوبه ام ابتلاء لرفع درجاته

ملتقى الإيمان


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



السؤال : إذا وقعت للمسلم مصيبة ، فكيف نعرف هل


هي عقوبة على معاصيه ، أم ابتلاء لرفع درجاته ؟




الجواب : الحمد لله



للمصائب والابتلاءات فـي الكتاب والسنة سببان اثنان



مباشران - إلـــى جانب حكمة الله تعــالى فــي قضائه


وقدره - :



السبب الأول :الذنوب والمعاصي التي يرتكبها الإنسان


ســــواء كانت كفرا أو معصية مجردة أو كبـيـــرة مــن


الكبائر ،فيبتلي الله عز وجل بسببها صاحبها بالمصيبة



عـــلى وجــه المجازاة والعقـوبة العاجلة . يقـــول الله


عز وجل( وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) النساء،


قال المفسرون :أي بذنبك ويقول سبحانه(وَمَا أَصَابَكُمْ



مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُـو عَـــنْ كَثِيــــرٍ )


الشورى/30،انظر"تفسير القرآن العظيم"(2/363)




وعَــنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى


اللَّهُ عَلَيْـهِ وَسَلّــــَمَ ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ



الْعُقُوبَةَ فِـــي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّـرَّ أَمْسَكَ


عَنْــــهُ بِذَنْبِهِ حَتَّــى يُـوَافِيَ بِــهِ يَــوْمَ الْقِيَـامَــةِ ) رواه


الترمذي (2396) وحسنــه ، وصححه الألباني فــي


"صحيح الترمذي " .



السبــب الثانـي : إرادة الله تعالى رفعة درجات المؤمن


الصابر ، فيبتليه بالمصيبة ليرضى ويصبر فيُوفَّى أجر


الصابرين فــي الآخرة ويكتب عنــد الله من الفائزين ،



وقـــــد رافق البلاء الأنبياء والصالحين فلم يغادرهم ،


جعلــه الله تعالى مكرمة لهم ينالون به الدرجة العالية


في الجنة ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي



صـلى الله عـليـه وســلـم ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ


اللَّهِ مَنْـزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِــي جَسَدِهِ أَوْ


فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ)رواه أبو داود(3090)وصححه


الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2599)



وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه النبي صلى الله


عـليه وسلم قال ( قَالَ إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ


وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَــبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا


ومـــنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) رواه التـرمذي ( 2396 )


وحسنه ، وصححه الشيخ الألباني فـي " السلسـلـة


الصحيحة" (رقم/146)



وقد جُمع السببان في حديث عائشة رضــي الله عنها ،


أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ


مِــنْ شَوْكَةٍ فَمَـا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حَطَّ



عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ) رواه البخــاري (5641) ومسلـم


(2573) .




ثــم إن التداخل والاشتراك بيــــن هذين السببين أعظم


من الصور التي ينفرد كل منهــما بــه :



ألا ترى أن من ابتلاه الله بمصيبة بسبب ذنبــــه فصبر


وشكر غفر الله تعالى له ذنبه ، ورفع درجته في الجنة


ووفـاه أجر الصابرين المحتسبين . كمــا أن مـن بتلاه



الله بالمصيبة ليبلغ المنزلة الرفيعة التـي كتبها له في


الجنة، تكفر عـنه ذنوبه السالفة ، وتعتبـر جزاء لـــه


عليها في الدنيا ، فلا تكرر عليه فــــي الآخرة ، كمــا



وقـع لبعض الرسل والأنبياء : كآدم عليــــه الســـلام


ويونس عليه السلام ،حين ابتلى الله سبحانه وتعالى


آدم بالإخراج مـن الجنــة ، وابتلى يونـس بـن مـتـى



بالغرق فـــي بـطن الحوت ، فرفعهما الله بهذا البلاء


لصبرهمـــا واحتسابهما الثــواب عنـــده سبحانــه ،


وكانت كفارة للمخالفة التي وقعت مــن كـل منهما


عليهما الصلاة والسلام .



ويدلك عـــلى ذلك أن الجــزاء الدنيوي لا ينفصل عـــن


الجزاء الأخروي ، وأن اقتران ذكـر هذين السببين جاء


في كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة ،منها ما رواه



سعـد بـــن أبـــي وقاص رضي الله عنــه قــال ( قُلْتُ :


يَا رَسُـولَ اللهِ ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً ؟ قَـالَ : الأَنْبِيَاءُ ،


ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَــــلَى حَسَبِ دِينِهِ ،



فَـــإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِـي دِينِهِ


رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَــلَى حَسَـبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ البَلاَءُ بِالعَبْدِ


حَـتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْـهِ خَطِيئَةٌ ) .


رواه التـرمذي (2398) وقــال : حسن صحيح .




ومع ذلك فقد يكون أحد هذين السببين أظهر في بعض


صور البلاء من السبب الآخــر ، ويمكن فهم ذلك من


خـلال قرائن الحال التي تتعلق بتلك المصيبة :



فـــإذا كـــان المبتلى كافرا : فـلا يمكن أن يكون بلاؤه


لرفعة درجته ، فالكافر ليـس لــه عنـــد الله وزن يوم


القيامة ، لكـن قد يكون في ذلك عبرة وعظة لغيـره ،



ألا يفعل مثل فعله ، وقد يكون مــــن ذلك مــن عاجل


عقاب الله له في الدنيا ، زيادة على مـا ادخره له في


الآخـرة قال الله تعالى ( أَفَمَنْ هُـوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ



بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ


بِمَـا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أَمْ بِظَاهِــرٍ مِــنَ الْقَـوْلِ بَـلْ


زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَـفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَــنْ



يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَـا لَهُ مِنْ هَادٍ ، لَهُــمْ عَـذَابٌ فِي الْحَيَاةِ


الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُـمْ مِـــنَ اللَّهِ مِنْ


وَاقٍ ) الرعد /33-34




وأمــا إذا كان المبتلى مسلما عاصيا مجاهرا أو فاسقا


ظاهر الفسق : فـقــــد يغلب على الظن وجـه المجازاة


والعقـوبة بهـذا الابتلاء ، لأن تكـفيــر السيئات أسبق



مـن رفــع الدرجات ، والعاصي أحـــوج إلــى تكفير


سيئاته من رفع درجاته .





وفي المقابل إذا كان المسلم عابدا طائعا صالحا ليــس


بينه وبين الله إلا العبودية الحقة ، والشكـــر والحمــد



والإنابة والإخبات إليه سبحانه :فهذا يغلب على الظن


فـي ابتلائه وجه المكرمة ورفع الدرجات ، والعبـــــاد


شهداء الله في الأرض ، فـإذا عرفوا فيه الصلاح كان



لهــــم أن يبشروه برفعة الدرجات عند الله تعالى إن


هو صبر على بلائه .





وأما إذا أبدى المبتلى السخط والجزع ، فـــلا يظن أن


يكون ابتلاؤه مكرمة من الله له لرفع درجاته ، وقـــد



علم سبحـانــه منـه عــدم الصبر والرضا ، فــالأقرب


في هذه القرينة وجــه المجازاة والعقوبة ، وقـد قـال



بعض الصالحين " علامة الابتلاء على وجه العقوبة


والمقابلة : عـدم الصبر عـند وجود البلاء والجزع


والشكوى إلى الخلق .




وعـلامـة الابتلاء تكفيراً وتمحيصاً للخطيئات :



وجـود الصبر الجميل من غيـــر شكوى ، ولا جـــزع


ولا ضجر ، ولا ثقل في أداء الأوامر والطاعات.




وعـلامــة الابتلاء لارتفاع الـدرجـات : وجــود الرضا


والموافقة ، وطمأنينة النفس والسكون للأقدار حتى


تنكشف " انتهى.




وهكـذا ، مـــا هي إلا قرائن ظنية يمكن للعبد أن يتأمل


فيها ليعرف شيئــا مـن حكمة الله تعـالى في المصائب


والمحن ، لا ليجزم في الحكم بها عـلى نفســـه ، أو


على عباد الله المبتلين .




ولعــل الأهم من هذا التفصيل كله أن يقال : إن الفائدة


العملية التي ينبغي للعبــد التأمل فيهـــا هــي أن كـــل


مصيبة وابتلاء هــي لـــه خير وأجـــر إن هــــو صبر



واحتسب ، وأن كل ابتلاء ومصيبة هي له سوء وشر


إن جزع وتسخط ، فــإن وطَّن نفســـه عـــلى تحمـــل


المصائب ، والرضى عن الله بقضائه، فـلا يضره بعد



ذلك إن عـلم سبب البلاء أو لـم يعلمه ، بل الأَوْلى به


دائما أن يتَّهِم نفسه بالذنب والتقصير ، ويفتش فيها


عن خلل أو زلل ،فكلنا ذوو خطأ ، وأينا لم يفرط في



جنب الله تعالى ، وإذا كان الله سبـحانه وتـعالى قــد


أصـاب المسلمين يـوم أحــد بمقتلة عظيمة ، وهـــم


أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وخيــر البشر



بعـد الرسل والأنبياء ، بسبـــب مخالفةِ أمــرِ النبـي


صــلى الله عليه وسلم ، فكيف يظن المرء بعد ذلك


فـي نفســه استحقاق رفــعــة الــدرجــات فــي كــل



ما يصيبه ، وقـــد كـان إبراهيم بن أدهم رحمه الله


- إذا رأى اشـتـداد الريــح وتقلب السماء - يقول :


هذا بسبب ذنوبي لو خرجت من بينكم ما أصابكم.


فــكيـف بحـالنــا نحن المقصرين المذنبين .




ثم أولى من ذلك كــله وأهــم ، أن يحســن العبد الظن


بربه دائما ،وعلى كل حال ؛ فالله سبحانه وتعالى هو


أولى بالجميل ، وهــو أهـل التقوى وأهل المغفرة .




نســأل الله تعـالى أن يرحمنا ويغفــر لنـا وأن يعلمنا


مــا ينفعنـا ويأجرنا في مصائبنا إنه سميـع مجيــب


الدعوات . وانظر جواب السؤال رقم (13205)



والله أعلم .



موقع الإسلام سؤال وجواب


م/ن
26
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الامــيــرة01
الامــيــرة01
جزاك الله الجنه ونفع بك وزادك من فضله واحسانه
ومشكووورررة على الموضوع القيم والمفيد

حترامي وتقديري لك غاليتي
ورد مــــــلون
يعطيك العافيه
اسعدني مرورك:26:
ظبي الفلا2000
ظبي الفلا2000
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
noors
noors
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
Jamila 20
Jamila 20
جزاك الله خير