السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطأ والعقاب، مفهوم له تفاصيل أكثر مما يدركها كثير من المربين، فالعقاب ليس سلطة يتنفذ به الأب ليستقر حال المنزل، بل كثيراً ما يكون سوء اختيار العقاب جالباً لمشاكل أكبر من الخطأ نفسه..
فيما يلي دراسة تحليلية تبين بجلاء آثار العقاب، وكيفية التصرف حيال أخطاء الأطفال.
غالباً ما يكون العقاب أحد أهم مسؤوليات الأب، وإنك دائماً تجد الأم تقول لابنها المخطئ.. سترى ما يفعله والدك بك!! وعندما يأتي الأب يحتار كيف يعاقب ولده على ما فعل.
إن العقاب يجب أن يكون بحجم الجرم الذي أتاه الطفل، حتى يأتي بمفعوله، فمثلاً إذا لعب الطفل بكرة في مكان من المنزل غير مخصص للعب الكرة، وكسر زجاج نافذة، فالأفضل أن يخصم ثمن الزجاج الجديد من مصروفه حتى يشعر بالخطأ، أما إذا اكتفى والده بنهره مثلاً، فهذا لن يؤتي أي ثمرة.
أمثلة عملية
إذا تأخرت الابنة في العودة للمنزل في الوقت المحدد بعد زيارة صديقتها مثلاً، رغبة منها في النزهة بالسيارة لبعض الوقت، فإن حرمانها من بعض المصروف أو الحديث معها في هذا الأمر ليس كافياً، ولكن تقييد حريتها، ومنعها عن زيارة أصدقائها لفترة محددة، هو الذي سيشعرها بمدى القلق الذي سببته لعائلتها أثناء تأخرها، وسيجعلها أيضاً تشعر بمسؤوليتها في استخدام الحرية الممنوحة لها.
وإذا تسبب الابن في فوضى البيت برمي ألعابه في الغرفة، فلا يعتبر حرمانه من اللعب بدراجته عقاباً مناسباً، ولكن أمره بتنظيف الغرفة، ثم بقاؤه فيها وحيداً لفترة هو العقاب الأمثل.
لا عنف للعنف
ومن أهم النظريات الحديثة الخاصة بالعقاب، النظرية التي ترفض العنف فهي تقول: كلما زاد عقاب الطفل على عنفه، كلما زاد عنفه، فإذا لاحظ الأب أبناءه وهم يمارسون العنف معاً، وكانوا صغاراً، فعليه أن يأمر المتسبب في هذا العنف بالجلوس على كرسي أمامه دون حركة، أما إذا كانوا كباراً، فالعقاب يكون بجعل كل ابن يجلس وحيداً هادئاً في غرفته حتى يفكر في الخطأ الذي قام به.
الحرية المسؤولة
ويعتبر العقاب هو مجرد جزء من العملية التربوية الأساسية، والتي تسمى التهذيب، ويعتمد التهذيب الصحيح على أسلوب الأب في معالجة مشاكل الأبناء، فالابن الذي يجد نفسه يضرب دائماً على كل خطأ يجنيه مهما صغر، يشعر أنه مُحتقر ولا أهمية له، وكأنه " كيس ملاكمة" يتدرب به الملاكمون، وإذا ما شعر باحتقار والده له، فسيكره بالتأكيد هذا الوالد، وسيحتقر نفسه بعد ذلك، أما الابن الذي يعيش وسط أبوين يناقشانه فيما يرفضان من تصرفاته، فإنه سيشعر بالعدل في تصرفاتهم، وسيتعلم أن يكون حكيماً عادلاً على تصرفاته الخاصة، ويصبح معداً لتهذيب ذاته، كذلك فإن الطفل الذي يسمح له أن يتصرف تبعاً لاختياره في بعض الأمور، وفي حدود معينة، يشعر بالفخر بقدرته على استخدام حريته المسؤولة.
لهذا يتوجب على الأب أن يضع حدوداً معينة لطفله يوسعها كلما كبر هذا الطفل، وكلما شعر أن طفله أصبح أكثر قدرة على تحمل المسؤولية، وأكثر حاجة للحرية.
حدود مرنة
فالطفل في السادسة من عمره، لا يسمح له والده بعبور الطريق وحده دون مرافق، أما إذا وصل إلى الثانية عشرة من عمره، فإن باستطاعه أن يتجول مع أصدقائه كما يشاء، على أن يتصل من وقت لآخر ليطمئن والده عليه، وهكذا تتسع حدود الحرية مع العمر، ومما يسهل وضع القوانين والحدود على الأب، أن يشعر الأبناء أن هذه القوانين توضع من أجل صالحهم، ومن أجل نظام أفضل للأسرة ككل.
ولا بأس أن تكون هذه القوانين مرنة مع الأطفال الذين أثبتوا تحملهم للمسؤولية، فمثلاً: طفلة في العاشرة يفترض أن تكون في السرير الساعة الثامنة والنصف مساءاً، ولكنها أرادت الانضمام لفرق النشاط المدرسي، ولكي تنهي واجباتها وواجبات النشاط، فإن عليها العمل بجد دون راحة، وعندما ناقشت والدها في الأمر استمع إليها وسألها عن اقتراحها، فأجابت: إذا استطعت أن أؤجل موعد النوم إلى التاسعة، فإن بمقدوري أن أنهي مسؤوليات الدراسة والنشاط جميعاً، وبالفعل سمح لها والدها بالانضمام للنشاط على أن تلتزم بالنوم في التاسعة يومياً، وبالفعل التزمت بالشرط الذي وضعته لنفسها وباختيارها.
وفي المقابل طفل في التاسعة كان أبوه يمنعه من زيارة أصدقائه بعد المدرسة، فتطوع في أحد النشاطات المدرسية التي تحتاج لاجتماعات في منزل المدرس المسؤول، وعند عرض الأمر على والده، قال بدون مناقشة: " لا"، إنك تعرف أن هذا أمر مرفوض، فغضب الطفل من قرار والده المتعسف، فقرر أن يكسر القوانين الأخرى ليثأر لنفسه.
إن هذا الأب قد أساء اختيار قوانين منزله وكان عليه أن يحددها حسب قدرة أطفاله على احتمالها، والالتزام بها حتى لا يرفضوها أو يكسروها.
عزيزي الأب.. إنك بالتأكيد تمسك زمام السلطة في منزلك، ولكن لا تحاول أن تحول كلماتك إلى قوانين فأبناؤك لديهم آراء خاصة بهم معارضة لآرائك، ومن حقهم التعبير عنها وتنفيذ ما يستحق منها، ولا تشعر بالقلق والغضب إذا ناقشك أبناؤك، فمن حقهم التعبير عن غضبهم وعن إحساسهم بالظلم، بل ساعدهم على معرفة الأسلوب الأمثل للتعبير عن الغضب دون خوف.
إن عصرنا هذا لم يعد عصر الأب المستبد المتعسف، فهذه الشخصية قد تخدع أو تخيف الأطفال الصغار، ولكنهم عندما يكبرون فهم يرونها رمزاً للعنف والاستبداد، وهذا ما ينتج عنه فجوة بينك وبينهم، وهو الأمر الأشد خطراً في عصرنا الحالي، والذي يحتاج إلى وجود الأب كصديق لابنائه، وسط تيارات الانحراف الضاغطة من كل صوب.
المصدر: موقع مجلة ولدي
البنفسجة @albnfsg_5
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️