لأول مرة : مذكرات عائد من غوانتانامو

الملتقى العام

مذكرات
عادل كامل-البحريني- العائد من غوانتنامو


منقول باختصار


بسم الله الرحمن الرحيم
((( التعريف )))
الاسم/ عادل كامل عبدالله، أبلغ من العمر 41 عاماً.
ولدت ونشأت في فريج العمامرة بالمحرق، وهو حي بسيط يتصف كما هو حال فرجان المحرق بترابط أهله وفطرتهم السليمة وخلقهم الأصيل، وقد أعانتني تلك الصفات على أن أكون محافظا على الصلاة والصيام منذ كنت صغيراً.
تخرجت من مدرسة المنامة الثانوية التجارية عام 1983م.
كنت أعمل في قوة دفاع البحرين حتى سفري إلى أفغانستان. متزوج ولي ابنة واحدة تركتها وهي في الصف الخامس الابتدائي وعمرها عشر سنوات وعدت إليها وهي في الرابعة عشرة من عمرها وبالصف الثالث الإعدادي، وهي ابنتي الوحيدة التي أعطيتها وما زلت كل محبتي. كنت حنوناً عليها، كثير المزاح معها، وكثيرا ما كنت آخذها للحدائق العامة وللسباحة بالبحر، فقد كانت وهي صغيرة تحب السباحة وركوب الخيل، وكانت هي كذلك تحبني كثيرا ولا تفارقني.

((( قرار السفر إلى أفغانستان )))
عندما بدأ الأفغان بالنزوح من مدنهم وقراهم جراء القصف الأمريكي لأفغانستان في عام 2001م ، رداً على الهجوم الذي تعرضت له أمريكا والذي حمّلت الإدارة الأمريكية مسؤوليته المسلمين، كانت محطات التلفزيون ووكالات الأنباء تنقل الوضع المأساوي وحالة الهلع والخوف الذي يعيشه الأفغان والرعب مما قد يصيبهم إذا تعرضوا لهجوم من قبل القوات الأمريكية، فقد جرب الأفغان حياة اللاجئين وعاشوها لسنوات طويلة.
عندها قررت بشكل جازم أنه لابد من أن يكون لي دور إيجابي في مساعدة هؤلاء المساكين، لا أدري ماذا يمكنني أن أفعل بالتحديد ولا كيف السبيل، فأنا لست من العاملين في الحقل الإغاثي ولا أنتمي إلى جمعية من الجمعيات الخيرية،
فماذا عساني أفعل؟
ولكن هذا التفكير السلبي لم يثنني عن القرار الذي كنت قد اتخذته بشكل جازم ألا وهو التوجه على الفور إلى أفغانستان لمساعدة الناس والوقوف بجانبهم. بدأت على الفور في تأمين حاجيات أسرتي وذلك حتى لا يضطروا إلى طلب العون من أحد، فلا يعقل أن أذهب لإغاثة البعيد وأترك أمي وزوجتي وابنتي عالة على الآخرين.
كما قمت بطلب بعض المساعدات المالية من الزكوات والصدقات من أهلي، لتوزيعها على المحتاجين. كنت في ذلك الوقت في إجازتي السنوية التي لم أكن قد طلبتها من أجل السفر، ولكنها تزامنت مع عزمي على السفر، فأعددت مستلزمات السفر وتوكلت على الله واشتريت تذكرة السفر إلى إيران لدخول أفغانستان عن طريق الحدود البرية بين البلدين.

((( الوصول إلى إيران ثم إلى قندهار )))
في شهر أكتوبر 2001م وصلت إلى مدينة مشهد الإيرانية والقريبة من الحدود مع أفغانستان، وقمت بالسؤال عن الطريق المؤدية إلى الحدود الأفغانية وكيفية الدخول إلى أفغانستان بشكل صحيح، وذلك حتى لا أعرض نفسي لمخالفات مع الإيرانيين مما قد يعرقل وصولي إلى أفغانستان وهو الهدف الذي أتيت من أجله. لذلك فقد اضطررت للمكوث في إيران قرابة الأسبوعين حتى تمكنت أخيرا من دخول الأراضي الأفغانية. مررت بالعديد من مدن أفغانستان وقراها وشاهدت الوضع المأساوي الذي يعيشه الأفغان، والفقر الشديد الذي يعانونه، ورأيت الدمار والخراب الذي تعرضت له الكثير من المناطق جراء الهجمات التي قام بها الطيران الأمريكي الهمجي.
كان مسيرنا خلال رحلة الدخول إلى أفغانستان بالنهار بسبب حظر التجول ومنع تحرك السيارات ليلاً، وذلك لأن الطائرات الأمريكية كانت تقصف أي هدف يتحرك ليلا سواء كان مدنيا أو عسكرياً، ولم تسلم القوافل الإغاثية من التعرض للهجمات الصاروخية الأمريكية.

((( الرحلة إلى قندهار )))
كانت وجهتنا مدينة قندهار والتي تعد من أكبر المدن الأفغانية، استغرقت الرحلة عن طريق حافلات النقل العام من الحدود الإيرانية إلى مدينة قندهار حوالي اليومين.
كنا نبيت بالمساء في الاستراحات التي على الطريق حتى يبزغ الفجر ثم نواصل طريقنا نهارا. كانت الطريق آمنة ولم نتعرض لأي مشاكل كقطاع الطريق والعصابات أو القصف الجوي.
ومررت على الكثير من الأحياء والمباني والمنازل والسيارات المدمرة والتي قصفت ليلا.
وقد رأيت أثناء مروري بالقرى الأفغانية الفقر الشديد الذي تعاني منه الأسر الأفغانية والحالة المتردية للبيوت والبنية التحتية لهذه المناطق، فقمت بتقديم بعض من المساعدات والصدقات التي أحضرتها معي لهؤلاء المحتاجين الذين كانت علامات الفقر والعوز واضحة على وجوههم. وفي قندهار استقر بي المقام بأحد الفنادق المتواضعة، وقمت بالاتصال بأهلي بالبحرين لكي أطمأنتهم على وصولي. وقد تجولت في مدينة قندهار ومررت بمكتب الصليب الأحمر الذي كان مغلقا في ذلك الوقت، ثم تجولت في أحياء المدينة التي بدت لي مدينة قديمة المباني والشوارع. وكانت الشوارع والأسواق مزدحمة بالناس.


يتبع
^
^
^
21
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حبة السوداء
حبة السوداء
((( إلى العاصمة كابول )))

بعد أن مكثت في قندهار عدة أيام قررت الانتقال إلى العاصمة الأفغانية كابول لتقديم المساعدة والوقوف على الوضع الإنساني، حيث من المعلوم أن العمل الإغاثي يتركز عادة في العاصمة أكثر من غيرها من المدن الأخرى والمناطق الريفية. وصلت إلى العاصمة كابول بعد رحلة استغرقت يوما كاملا بواسطة الباص ومكثت فيها عدة أيام، قدمت خلالها بعض المساعدات والصدقات للمساكين والمحتاجين. ورغم سماع أصوات الانفجارات والقصف من المناطق البعيدة، فقد كان الوضع العام في العاصمة كابول شبه مستقر وكانت الحياة طبيعية. كانت كابول مختلفة تماما عن مدينة قندهار، فكابول مدينة منظمة حديثة، شوارعها مرصوفة وواسعة ونظيفة ومشجرة بالأشجار الجميلة، كانت المباني جديدة وجميلة.
وكنت أرى الناس وهم يتجولون في شوارع العاصمة، وكانت الأسواق مليئة بالبضائع وكانت النساء يشترين من الأسواق بكل أمان، قد كنت أرى الأطفال وهم يلعبون بفرح وأمان فتذكرت ابنتي هاجر وتمنيت لها السعادة والخير.
كان الناس يلبسون ملابس نظيفة على خلاف ما رأيته في قندهار.
كانت الجبال تحيط بالعاصمة كابل، لذا فقد كان جوها بالنهار جميلا ومائلا إلى البرودة، وأما بالليل فقد كان الجو بارداً. وكان الهواء نظيفا نقيا، أما قندهار فقد كان طقسها حاراً بالنهار ومعتدلا بالليل، وأما الهواء فلم يكن صحيا بل كان مغبرا لأن الشوارع لم تكن مرصوفة بل كانت تعلوها الأتربة.


((( الخروج من كابول )))
كانت الأحداث في أفغانستان تتسارع بشكل غير متوقع، وأيقن الناس أن كابول ستسقط لا محالة في أيدي الميليشيات الشمالية التي يطلقون عليها لقب المخالفين.
كانت الميليشيات الشمالية تنتمي إلى العرق الطاجيكي والفارسي وكان هؤلاء يكنون عداوة شديدة جداً للعرب ويحمّلونهم مسئولية مقتل القائد الأفغاني الطاجيكي أحمد شاه مسعود، لذا فقد كانوا يتحينون الفرصة ويتمنون أسر أي عربي للانتقام لمقتل قائدهم وزعيمهم. فلما أحس العرب بأن الوضع لم يعد آمنا، بدؤوا بالخروج من أفغانستان، وعندها قررت عدم البقاء في العاصمة فخرجت إلى المناطق الريفية على أمل أن أتمكن من مغادرة أفغانستان إذا ساءت الأحوال. وقد صدقت التوقعات، فبعد خروجي من كابول بأيام قليلة، سقطت العاصمة الأفغانية في أيدي الميليشيات الشمالية التي عاثت فيها فسادا ودماراً، وقامت بالانتقام من العرب الذين وقعوا في قبضتهم، وقاموا بقتل العديد من الأفغان من الأصول البشتونية، والذين يسكنون المناطق الجنوبية والشرقية المحاذية لباكستان. كان الشماليون يقتلون الناس على الهوية وعلى الهيئة، لذا فقط سارع الكثيرون من الأفغان إلى حلق لحاهم ولبس البنطلون بدلا من اللباس الأفغاني التقليدي وذلك حتى يسلموا من القتل والانتقام العشوائي.


((( البحث عن العرب )))
في ظل هذه الفوضى العارمة، كان قرار التحرك شمالاً أو جنوباً وشرقاً أو غرباً ليس سهلاً، فقد
يقودك الطريق إلى بر الأمان، وقد يوقعك في أيدي القوت التي تبحث عن العرب لقتلهم أو تسليمهم للأمريكان للحصول على المكافآت المالية التي رصدت لمن يأتي بأي عربي حيا أو ميتاً.
أصبح العرب بين فكي كماشة، فالأمريكيون يودون البطش بهم انتقاما لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، والميليشيات الأفغانية الشمالية يبحثون عنهم لينتقموا لمقتل أحمد شاه مسعود والحصول على الجوائز والمكافآت.
ورغم عدم صلتي لي بهجمات سبتمبر ولا بمقتل مسعود، إلا أن كوني عربياً كان يكفي لتعرضي للخطر، لذا كان الوضع يستدعي الخروج بسرعة من هذا المأزق، فكيف سيفهم الأمريكان والشماليون أنني بريء من كلتا التهمتين .
كان من حسن حظي أن التقيت في هذه الأثناء بالأخ عمر رجب الكويتي والأخ عبد الهادي السبيعي السعودي، فقررنا التحرك معاً وبدأنا نتنقل ببطء وحذر من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى أخرى أملا في الوصول إلى الحدود الباكستانية.


يتبع

^
^
^
حبة السوداء
حبة السوداء
((( الاستعانة بدليل أفغاني )))

بلغ القصف الأمريكي ذروته، وكانت الطائرات تقصف كل شيء بشكل عشوائي ودون تمييز، وسقط آلاف الضحايا من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ.
وقد سمعت من الإعلامي سامي الحاج مصور قناة الجزيرة والذي التقيته في معتقل غوانتنامو، بأن بعض القرى قد مسحت عن بكرة أبيها. وقد صورت قناة الجزيرة بعض هذه المجازر وغطت الأحداث بالتفصيل، فعاقبت القوات الأمريكية قناة الجزيرة بإيداع سامي الحاج معتقل غوانتنامو، رغم كونه مجرد إعلامي ينقل الحدث بكل موضوعية وحرفية.
وصلنا مع الأخوين عمر وعبدالهادي إلى إحدى القرى، ولما علم الأهالي بوصول ضيوف من العرب استقبلونا أحسن استقبال وأكرمونا وضيفونا في بيوتهم. وفي اليوم التالي أخبرناهم بأننا قد نتعرض للخطر إذا ما وقعنا في أيدي المخالفين، فطمأنونا ووعدونا بأنهم سيساعدوننا في الوصول إلى باكستان.
وبالفعل فقد كلفوا اثنين من رجال القرية ليرافقانا أثناء رحلة الخروج.
ولأن السفر بواسطة السيارات غير آمن وذلك لوجود الكثير من الحواجز العسكرية في الطريق، كان من الأسلم لنا أن نخرج مشيا على الأقدام عبر القرى حتى نصل إلى باكستان.
وقد أمّن لنا أهل القرية الملابس الأفغانية وزودونا بالطعام والشراب والملابس الشتوية وقاموا بالواجب نحونا خير قيام فجزاهم الله خيرا.
كان الدليلان يعرفان القرى التي نمر بها ويتجنبان المرور بالقرى غير المأمونة والتي قد يغدر بنا أهلها.
وكان الناس في القرى التي نمر بها يكرموننا ويقدمون لنا الطعام والشراب والمأوى والمبيت، وبقي هذان الدليلان معنا حتى اقتربنا من إلى الحدود الباكستانية. جاء بعد ذلك أحد الأفغان وعرض أن يقوم بتوصيلنا إلى سفارات بلادنا مقابل مبلغ من المال، وقد أراد الدليلان أن يقدما له المال، ولكننا شكرناهم وأخبرناهم بأننا سنقدم له المال بأنفسنا عندما نصل إلى سفاراتنا آمنين. بدأنا السير مع الدليل الجديد عبر المناطق الحدودية الوعرة حتى دخلنا الأراضي الباكستانية.
خلال رحلة الخروج قطعنا الكثير من الوديان والغابات والجبال والأنهار.
كان الجو باردا جدا، وقد نزل علينا المطر والثلج. وقد اضطررنا في المراحل الأخيرة من الرحلة أن نمر عبر جبال وعرة شاهقة جدا بلغ ارتفاعها حوالي أربعة آلاف متر.
كنا نسير في الثلج الذي يصل مستواه إلى الركبة، وأحياناً إلى الفخذ والحوض.
كانت الرحلة في غاية الصعوبة والمشقة حتى أن الدليل قد اضطر إلى الاستعانة بأدلة آخرين، لتجنب الوقوع في الحفر والسفوح والوديان المغطاة بالثلوج مما يعني موتا محققا.
كان مسيرنا بالنهار حيث أن المشي بالليل كان في غاية الخطورة للأسباب التي ذكرتها آنفاً.
كان شهر رمضان قد دخل علينا أثناء هذه الرحلة، وقد صمنا بعض الأيام واضطررنا للفطر في أيام أخرى وذلك من شدة التعب والجوع، وقد أنهينا في معتقل غوانتنامو قضاء الأيام من شهر رمضان والتي لم نستطع صيامها في أفغانستان.

كان الناس في القرى التي نمر بها في هذه الجبال يرحبون بنا خير ترحيب ويقدمون لنا كل مساعدة ويكرموننا أفضل إكرام رغم فقرهم وحاجتهم. وكان شيوخ القرية وكبراءها يحتفون بنا ويخرجون معنا ويثنون على العرب وما قدموا من مساعدة للشعب الأفغاني، وكانوا يبدون لنا أسفهم الشديد لأنهم لا يستطيعون أن يقدموا لنا المساعدة على أكمل وجه ولا الوقوف معنا في هذه المحنة وذلك بسبب ما تمر به البلاد من فوضى عارمة وتدخل أجنبي، وكانت القرى التي تساعد العرب أو تؤويهم تتعرض للقصف والتدمير، وقد مسحت قرى بأكملها من الخريطة لأنها آوت بعض العرب، حيث قام الوشاة من ضعاف النفوس بالتبليغ عن هذه القرى واتهموا أهلها بالتعاون مع الطالبان، فقام الأمريكان بقصفها بالطائرات ودمروها عن بكرة أبيها. وهذه طبيعة الجنود الأمريكان، فهم من شدة جبنهم لا يواجهون أعداءهم وجها لوجه ولكن يقصفون القرى من بعيد فيقتلون النساء والأطفال والشيوخ.

((( الاختباء عن أعين المرتزقة )))


وعلى النقيض من تلك الصور الرائعة في حب الأفغان للعرب واستعدادهم للمساعدة وتقديم أي خدمة نطلبها، بل وقد كانوا يقولون لنا بأنهم سيفدوننا بالأرواح والأولاد لأننا في نظرهم أبناء الصحابة وقد أتينا من بلاد العرب لمساعدتهم ونجدتهم، كان بعض الأفغان والباكستانيين يتجولون بحثاً عن العرب طمعا في الحصول على المكافآت المالية التي يقدمها الأمريكان لمن يسلم العرب. ورغم حاجتنا إلى الطعام والراحة، فقد كان من الطبيعي أن نختبئ عن الأنظار.
وكنا بدلا من أن نستعين بالمارة، كنا نختبئ عنهم خشية أن يكونوا من المرتزقة المندسين بين النازحين من الأفغان.

ففي حين كان بعض الأفغان يبحث جاهدا عن العرب لتسليمهم للأمريكان، كانت الغالبية من الأفغان يحبون العرب كثيرا ويحتفون بهم ويجلسونهم في صدر المجلس إذا زاروهم، وكان العربي إذا تكلم أصغى الأفغان إليه وأخذوا كلامه بالتصديق والتسليم المطلق. دخل علينا عيد الفطر ولكن لم يكن له طعم العيد الحقيقي عند الأفغان، فرغم أن الناس كانوا يحاولون الفرح والسرور بمقدم العيد، كان سقوط الضحايا الكثيرون من أبنائهم بل وسقوط أفغانستان كلها في أيدي القوات الأمريكية الغازية قد أطفأ الفرحة الحقيقية من قلوبهم ووجوههم.

يتبع
^
^
حبة السوداء
حبة السوداء
((( في أيدي القوات الباكستانية )))

بعد مسير طويل رأينا من بعيد نقطة حدودية للجيش الباكستاني، فكان أمامنا خياران فإما أن نذهب للجنود الباكستانيين ونخبرهم بأننا من العرب وأننا نريد الوصول إلى باكستان ومن ثم إلى سفارات بلداننا، وإما أن نختبئ عن أنظار الجنود ونواصل المسير حتى ندخل إلى الأراضي الباكستانية. وحيث أن أوراقنا كانت سليمة وأن دخولنا إلى أفغانستان قد تم بشكل سليم وقانوني، ولأن التعب قد بلغ منا مبلغه ولم نعد قادرين على مواصلة السير نحو المجهول، ولأن الأفغان والمرتزقة والأمريكان والجوع والعطش والتعب كانوا جميعا أعداء لنا يلاحقوننا، فقد قررنا الذهاب إلى الجنود في تلك النقطة لنطلب منهم توصيلنا إلى سفارات بلادنا في باكستان، وارتحنا لهذا القرار الذي لم يكن أمامنا خيار آخر أفضل منه في تلك اللحظة.
استقبلنا الجنود الباكستانيون استقبالا طيباً وقدموا لنا الماء والطعام وكان الطعام عبارة عن الخبز والعدس، وأخبرونا بأن نأخذ راحتنا في التجول واستخدام دورات المياه، وطمأنونا أن الأمور ستسير على خير ما يرام، وأنهم سيأخذوننا في الصباح إلى الشرطة حيث سيتم استجوابنا بشكل سطحي لتحديد هوياتنا ثم ستقوم السلطات المختصة بتسليمنا إلى سفارات بلداننا. كان في هذه النقطة الحدودية ضابط باكستاني يتحدث الإنجليزية وكان يطمئننا ويقول بأن الأمر سينتهي على خير، وطلب منا أن نسلمه ما نحمله من أمانات وأغراض شخصية في حوزتنا، حيث سيسلمنا للشرطة الباكستانية والتي ستقوم بدورها بتسليمنا لسفاراتنا، فأعطيته ما كان بحوزتي من جواز السفر والبطاقة الشخصية ورخصة القيادة، وكان يعد معي أموالي الخاصة ويسجل كل شيء في ورقة، ثم وقع على الورقة وطلب مني أن أوقع كذلك ثم وضع الأمانات في كيس من البلاستيك.

((( الغدر والخديعة )))
بقينا في النقطة الحدودية حتى صباح اليوم التالي في انتظار السيارة التي وعدنا الضابط بتوفيرها لنقلنا إلى مركز الشرطة، ولكن السيارة تحولت إلى طائرة عمودية أرسلتها القوات الباكستانية مع فرقة من القوات الخاصة المسلحة التي ترتدي الملابس السوداء وقد تكون القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وكان عددهم حوالي الخمسة عشر جنديا، وتسلمونا من النقطة الحدودية، عرفنا حينها أننا قد تعرضنا للغدر والخديعة. قام الجنود بربط أيدينا وأرجلنا من الخلف بحبال غليظة وغطوا أعيننا، ثم حملونا حملاً ورمونا داخل الطائرة. وتم تعيين أربعة جنود داخل الطائرة لحراسة كل واحد منا حيث جلس الجنود على ظهورنا طوال رحلة الطائرة، فكان الأمر شاقا علينا وكانت مفاجأة غير متوقعة.
هبطت الطائرة في مطار بيشاور حيث أخرجونا من الطائرة ورمونا رميا مرة أخرى على أرض المطار وبقينا في العراء مدة ساعتين دون أن يكلمنا أحد من الجنود، وكان ذلك اليوم هو يوم الجمعة حيث كنا نسمع الخطباء يخطبون من المساجد القريبة من المطار. ثم تم حملنا من جديد في إحدى الشاحنات مع عدد من الجنود، ولم نتمكن من معرفة عددهم لأن أعيننا كانت معصوبة، وسارت بنا الشاحنة حوالي عشرين دقيقة إلى أحد مراكز الشرطة، حيث فكوا أرجلنا وقادونا ونحن موثقي الأيدي ومعصوبي الأعين إلى زنازين وهناك فكوا أيدينا وأعيننا فاكتشفنا أننا قد تم إيداعنا في زنازين تقع تحت الأرض عليها أبواب حديدية وعددها حوالي ستة زنازين صغيرة وكنا أربعة ألأشخاص في زنزانة واحدة. كانت أرضية الزنزانة وسخة جدا، ومفروشة بسجادة شديدة القذارة. فطلبنا من الحراس أن يعطونا بعض البطانيات فادعوا عدم توفر أي بطانيات لديهم، فطلبنا منهم أن يشتروا لنا من أموالنا بعض البطانيات فرفضوا.
وكان في الزنزانة المجاورة بعض الإخوة الباكستانيين الذين سجنوا لأنهم ساعدوا العرب على الخروج من أفغانستان إلى باكستان، فلما سمعونا نتحدث مع الحراس بشأن البطانيات، تبرعوا ببعض ما عندهم من البطانيات والوسائد والفرش وطلبوا من الجنود أن يقدموها لنا. بقينا في هذا المركز قرابة الأسبوع، كانت المعاملة في هذا السجن سيئة جدا، فلم يكونوا يسمحون لنا بالذهاب إلى الخلاء إلا قليلا، وأما الطعام الذي يقدم لنا فكان سيئا جدا، وهو عبارة عن عدس حار جدا ورغيف واحد في الغداء والعشاء، وأما الفطور فرغيف خبر واحد وبعض الشاي. ولم يكونوا يسمحون لنا بالخروج للوضوء بل كانوا يحضرون لنا الماء في قوارير لنتوضأ في الزنازين وكان ذلك صعبا لأن الماء يتجمع في الزنزانة الضيقة فتضايق المعتقلين ولكن لم يكن أمامنا خيار آخر، وكنا نصلي في الزنزانة صلاة الجماعة والحمد لله. وتم التحقيق معنا من قبل جهاز الاستخبارات الباكستانية الذين أخبرتهم بأنني قد ذهبت إلى أفغانستان من أجل تقديم العون والمساعدة للشعب الأفغاني، فوعدونا خيراً وأخبرونا أنهم سيقومون بالاتصال بسفارات بلداننا لاستلامنا وإرسالنا إلى بلداننا ولم يوجهوا لنا أي اتهام.

يتبع
^
^
حبة السوداء
حبة السوداء
((( اللقاء الأول مع الأمريكان )))

خلال الفترة الذين قضيناهما في سجن بيشاور، أخذنا الباكستانيون لمقابلة أشخاص في جهة لم يحددوها للإجابة على بعض الأسئلة البسيطة التي ستوجه لنا. تم أخذنا إلى إحدى الفيلات، وفوجئنا بأننا نتقابل وجها لوجه مع المحققين الأمريكان، ولكن لم يكن أمامنا خيار آخر سوى التعاون مع المحققين. تم التحقيق معي من قبل رجل وامرأة من المخابرات الأمريكية، كان المحقق من أصل لبناني ويبلغ من العمر حوالي الخمسين سنة، أبيض اللون مائل إلى الحمرة، وكانت علامات الحقد والبغض تبدو على وجهه، وكان يتحدث العربية بطلاقة ولكن باستهزاء وتكبر وغطرسة، أما المرأة فكانت تتحدث العربية قليلا.
وكنا نأمل أن يتم توجيه بعض الأسئلة العامة لنا ثم يطلق سراحنا.
سألنا الأمريكان عن الاسم والجنسية والعمر والمؤهل وسبب الذهاب إلى أفغانستان وكيفية الدخول وتاريخ الوصول إلى أفغانستان.
بعد الانتهاء من التحقيق، أعادونا إلى سجن مركز الشرطة وبقينا هناك مدة يوم أو يومين. عاود الباكستانيون التحقيق معنا خلال فترة مكوثنا في هذا السجن ثلاث أو أربع مرات.
ثم أحضر لنا الباكستانيون ملابس زرقاء وقالوا لنا بأن ملابسنا التي نلبسها وسخة وأنهم سيقومون بغسلها ثم سيعيدونها لنا. لم تنطلي هذه الخدعة علينا، بل زاد يقيننا من خبثهم وغدرهم، ولكن لم تكن أمامنا حيلة أو خيار إلا الاستجابة لمطالبهم طمعاً في انتهاء هذا الكابوس.


((( في قبضة القوات الأمريكية )))
لبسنا الزي الأزرق وهو عبارة عن قطعة واحدة.
ثم تم إخراجنا من السجن واحدا تلو الآخر، وتم تقييدنا بالقيود من خلف ظهورنا وتم تعصيب أعيننا وأدخلنا في ميني باص. كانت الساعة حوالي العاشرة ليلاً، وكانت وجهتنا مطار بيشاور الباكستاني. عندما وصلنا إلى المطار سمعنا أصوات الجنود الأمريكان، فتيقنا أننا سنسلم للقوات الأمريكية وأن وعود الجنود الباكستانيين بتسليمنا لسفارات بلداننا كانت أكاذيب وخداع.
ورغم أننا كنا نطمئن أنفسنا بأن الباكستانيين لا يمكن أن يسلمونا للأمريكان لأنه لا يعقل أن يسلمونا للكفار الذين يقاتلون الله ورسوله والمسلمين.
ثم إن الجنود الباكستانيين قد حققوا معنا بما فيه الكفاية، وأكدوا لنا بأننا أبرياء، وأن رجوعنا إلى بلداننا مسألة وقت، ولكن عندما وصلنا إلى المطار وأصبحنا في قبضة الأمريكان، تلاشت كل الآمال في الجنود الباكستانيين وعلمنا أنهم قد خانوا وغدروا، وأيقنا أن مرحلة جديدة من حياتنا قد بدأت منذ تلك اللحظة، وأن الابتلاء الحقيقي قد بدأ الآن، فاحتسبنا ذلك عند الله وصبرنا وقلنا حسبنا الله ونعم الوكيل، وذكّرنا بعضناً بعضاً بأن الله هو خير حافظاً وأنه هو أرحم الراحمين. كانت أعيننا معصوبة فلم نكن نرى شيئاً، وبدأ الأمريكيون يستعرضون قوتهم وشجاعتهم علينا، فشدوا القيود علينا أكثر واستخدموا معنا وسائل عنيفة وعاملونا بقسوة وشدة، ولم يكن هذا بمستغرب فهم يعتبروننا إرهابيين نستحق القتل والإبادة.

((( الترحيل إلى قندهار )))
تم إدخالنا إلى طائرة شحن عسكرية ذات مراوح وتم إجلاسنا على أرضية الطائرة الصلبة.
لم نكن نحن الثلاثة الوحيدون الذين أحضرنا إلى الطائرة فقد اتضح أن عددا من الإخوة العرب قد تم إحضارهم من أماكن وسجون مختلفة في نفس الوقت، حيث كنا نسمع أصواتهم وتقييدهم ولكننا لم نستطع أن نراهم لأن أعيننا كانت معصوبة، ولأن الأمريكان غطوا رؤوسنا بأكياس من الخيش قبل الصعود إلى الطائرة. كانت الرحلة متعبة جداً بسبب القيود الشديدة وطريقة الجلوس على الأرضية الصلبة للطائرة، ولأن الرحلة كانت طويلة والجو كان بارداً، ولكن الله منّ علينا بالصبر والثبات والحمد لله رب العالمين. كانت الوجهة مطار مدينة قندهار الأفغانية.
استغرقت الرحلة حوالي الساعة والنصف، كان ذلك اليوم هو الثامن والعشرين من شهر ديسمبر عام 2001م. تم إنزالنا من الطائرة وإجلاسنا على أرض المطار حفاة الأقدام، وكنا نلبس الزي الأزرق الذي وعدنا الجنود الباكستانيون بأنه لباس مؤقت. بقينا جالسين في أماكننا عدة ساعات، ثم نقلنا إلى منطقة أخرى من المطار وبطحنا على الأرض على بطوننا في البرد الشديد لعدة ساعات إضافية.
ثم أخذونا لتحقيق أولي لتحديد هوياتنا وأسمائنا، وقد تعرضنا خلالها للضرب الشديد والإهانة، تم إيداعنا بعد ذلك في معتقل عبارة عن منطقة حجز مسورة بالأسلاك الشائكة وليس بها أي شيء، فكنا نفترش الأرض ونلتحف السماء، ولكن شعورنا بأن الله معنا خفف عنا كثيرا من المعاناة. وفي هذا المعتقل تعرفت للمرة الأولى على الأخوين البحرينيين عبدالله النعيمي وعيسى المرباطي ولم أكن أعرفهما من قبل. جلسنا تلك الليلة في المعتقل حتى أسفر نور الصباح وكانت الحراسة علينا مشددة جداً.
بعد بزوغ الفجر رأينا عدداً كبيراً من الإخوة العرب الذين اعتقلوا من أماكن متفرقة.
تم التحقيق معنا مرة أخرى في اليوم الثاني، كانت الأسئلة تركز على السيرة الذاتية ولماذا ذهبت إلى أفغانستان ومتى، ولماذا خرجت من أفغانستان؟ ومتى؟ وكيف؟.
بقينا في معتقل قندهار قرابة الثلاثة أسابيع تعرضنا خلالها إلى صنوف العذاب.
كان من المضايقات التي تعرضنا لها أنهم لا يقدمون لنا من الطعام إلا القليل من الوجبات العسكرية، وكانوا يمنعوننا من النوم بالليل حيث كانوا يوقظوننا أكثر من خمس مرات كل ليلة بحجة التأكد من عدد المعتقلين وعدم هروب أحد منا، وكانوا يزعجوننا بالأصوات الصاخبة والأنوار العالية.
تم تعذيب المعتقلين بالكهرباء والضرب والوضع في السجن الانفرادي لفترة طويلة، كان السجن الانفرادي عبارة عن صناديق خشبية مصمتة تماماً، وكانوا يحرموننا من الطعام لمدة يومين أو ثلاثة.

يتبع
^
^
حبة السوداء
حبة السوداء
((( إلى غوانتنامو )))

في أحد الأيام أخذت أنا وبعض الإخوة ليلاً من بين باقي المعتقلين، وبعد تقييدنا بشدة، تم نقلنا إلى معتقل آخر شبيه بالمعتقل الأول من حيث كونه منطقة محاطة بأسلاك شائكة حيث بقينا فيه حتى صباح اليوم الثاني.
وفي الصباح تم تقييدنا من الخلف وأخذنا إلى داخل الخيام الملحقة بالسجن حيث تم حلق شعر رأسنا ولحانا ثم ألبسونا ملابس برتقالية بدلاً من الملابس الزرقاء. لم نعرف حتى تلك اللحظة ما الأمر أو إلى أين سيتم نقلنا.
في هذا المكان تعرفت للمرة الأولى على أخي جمعة المرباطي الذي كان رفيق دربي إلى معسكر غوانتنامو وكنا أول البحرينيين الذين نقلنا إلى ذلك المعسكر، وثالث دفعة من المعتقلين الذين أرسلوا إلى معتقل غوانتنامو
تم إغماض أعيننا وآذاننا وأفواهنا، ثم قيدونا مرة أخرى ولكن هذه المرة بطريقة أشد حيث استخدموا قيوداً حديدية وأقفالاً، ثم ربطت أيدينا إلى بطوننا بسلاسل وأقفال، ثم وضعونا في ساحة خلفية من المطار، وبقينا جالسين في العراء من العصر وحتى منتصف الليل تقريباً ونحن معصوبي الأعين والآذان. أخذنا إلى إحدى طائرات الشحن العسكرية وكانت المقاعد على جانبي الطائرة، وتم تقييد أيدينا إلى المقاعد وأرجلنا إلى أرضية الطائرة، وفي هذه المرة قاموا بتكميم أفواهنا بكمامات.
أقلعت الطائرة مدة ثلاث ساعات ثم حطت في أحد المطارات، حيث نقلنا إلى طائرة شحن عسكرية أخرى دون أن يرفعوا الغطاء عن أعيننا أو يفكوا قيودنا.
تم تقييدنا من جديد كالمرة الأولى ولكن بطريقة أشد، وكانت المقاعد في هذه الطائرة أسوأ من المرة الماضية فهي عبارة عن قماش فقط، انتظرنا في الطائرة قرابة الست ساعات وحتى الفجر حسب اعتقادي، فصلينا الفجر ثم أحسست بشروق الشمس.
أقلعت الطائرة في رحلة طويلة ومرهقة استغرقت قرابة الأربع والعشرين ساعة أو أكثر لم نتمكن خلالها من استخدام دورات المياه ولم يقدم لنا الماء أو الطعام ولم يسمح لنا بالكلام أو الحركة، كان التعب والإعياء قد بلغ مني مبلغه وانتفخت يداي ورجلاي من شدة الربط وطول مدة القيد، كانت وجهة الطائرة هي معتقل غوانتنامو.
أنزلونا من الطائرة، وتم ضربنا ضربا مبرحا ونحن معصوبي الأعين والأذن والفم واليدين والرجلين.
ثم وضعنا في باصات وأجلسنا على أرضية الباص حيث لم تكن هناك مقاعد. تم أخذنا بالباصات إلى معتقل X-RAY.




((( معتقل X-RAY)))
كما هو واضح من اسم المعسكر فهو يعني أنه مكشوف تماماً من جميع الجهات، فلا مجال للاختباء فضلاً عن الهرب.
يقع المعسكر في جزء من جزيرة كوبا قبالة ولاية فلوريدا الأمريكية.
وقد تم تشييد المعسكر قريباً من ساحل البحر، وهذا الساحل عبارة عن شواطئ صخرية مرتفعة ومطلة على المحيط الأطلسي. وكانت دوريات خفر السواحل الأمريكية تطوف المياه روحة وإياباً، هذا فضلا عن أبراج المراقبة الكثيرة والتي تحرس المعتقل طوال اليوم.
والمعتقل عبارة عن عدد من الزنازين مقسمة إلى ستة عنابر، وكل عنبر به ستون زنزانة. والمعتقل مبني في أرض فضاء ليس فيه ما يقي من برد الشتاء والمطر أو من حر الصيف والشمس.
والزنزانة مشيدة من الشبك من الجهات الأربع ومن السقف، أما الأرضية فمبنية من الخرسانة.
مساحة الزنزانة حوالي مترين في متر وثمانين سنتيمتراً. للزنزانة باب من حديد وشبك. تحتوي الزنزانة على حصيرة من الإسفنج الرقيق جدا سمكه حوالي نصف سنتيمتر، وقد وضع كل معتقل في زنزانة لوحده
وقد كان من أشد الأمور التي تضايقنا، هي أننا لا نستطيع أن نختلي لقضاء الحاجة.
بقينا طوال سنوات الاعتقال بالملابس البرتقالية التي كانت تغسل من حين لآخر وبشكل متقطع.
يمكن اعتبار المعسكر حقل للتجارب النفسية والبدنية على البشر لاختبار قوة التحمل عندهم ولعمل التجارب والاختبارات التي تريد القوات الأمريكية تعميمها في حالة ثبت نجاح التجربة على معتقلي غوانتنامو.
في بداية إيداعنا المعتقل المذكور قام الجنود بضربنا بشدة، ثم عرضنا على الطبيب، وتم تصويرنا وأخذ بصماتنا وتغيير ملابسنا، ثم وضعنا في الزنازين قبيل المغرب.
لقد حمدت الله على الطمأنينة والشعور بالثبات والذي كنت أشعر به في ذلك الوقت، والذي كنت في أمس الحاجة له، فليس من السهل أن تتصور نفسك وقد تعرضت لكل هذا الغدر والخيانة ممن تظنهم إخوانك في الدين ثم تجد نفسك في أقصى الأرض بين يدي أعدائك وفي هذه الزنازين القاسية ولا يدري عنك أحد من البشر وما تتعرض له من التعذيب والإهانة طوال الوقت، وأنت بين يدي الجلاد إن شاء قتلك وإن شاء عذبك وإن شاء فعل بك الأفاعيل على غفلة من البشر، ولكن الله شرح صدري وأسبغ علي الثبات والسكينة فحمدت الله منذ اللحظة الأولى على ما أصابني، وتذكرت نبي الله يوسف عليه السلام وقلت في نفسي ربي السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من الزيغ عن ديني.
وكانت الأنوار القوية المسلطة والمضاءة طوال الليل لا تمنعنا من القدرة على النوم فحسب، بل وتجلب البعوض الذي يمنعنا من النوم أيضا.
لقد تم تصميم المعسكر بطريقة تهدف إلى زيادة الضغط النفسي على المعتقلين وإضعاف عزائمهم وكسر معنوياتهم، وفوق كل ذلك فقد كان الجنود يتعمدون إزعاجنا وتشغيل مكبرات الصوت العالية لمنعنا من النوم.

يتبع
^
^