.
.
عندما دخل المسجد وجد مجموعة من الأطفال الصغار يمرحون في جنبات المسجد حتى تحين موعد الصلاة فيصلون ،
ولكن لمحهم بعض الرجال من كبار السن على هذه الحال فنهروهم بشدة على سلوكهم وطردوهم من المسجد ،
فذهب الأطفال دون أن يدركوا الصلاة ، وبدأ صاحبنا يشاهدهم يترددون على مقهى الإنترنت تارة ويلعبون
في الشوارع والحارات تارة أخرى وبعد سنوات كبر الأطفال وصاروا شباباً وقد انقطعت صلتهم بالصلاة
أو بالدخول إلى بيت الله ، وبدأ صاحبنا يلاحظ علامات الانحراف تتبدى في وجوهم وسلوكياتهم حتى أصبحوا
مصدر إزعاج وتهديد لسكان المنطقة بأسرها ؛ فعلم وأدرك أن الموقف القديم عندما طردوا من المسجد كان
سبباً لما هم عليه الآن .
هذا هو المشهد المؤلم كما رواه صاحبنا ، ولكن هل يمكننا أن نعود بالساعة إلى الوراء فنرى المشهد من جديد
حينما دخل المسجد وجد مجموعة من الأطفال الصغار يمرحون في جنبات المسجد حتى تحين موعد الصلاة فيصلّون ،
ولكن لمحهم بعض الرجال كبار السن فنهروهم بشدة على سلوكهم وطردوهم من المسجد ، ولأنه إنسان إيجابي
لم يقف موقف المتفرج من المشهد ولكنه أسرع إلى الأطفال وأدخلهم من جديد ، وبدأ يتحدث معهم عن
سلوكيات وآداب المسجد ، وطلب منهم أن يعتذروا لرواد المسجد عما سببوه من إزعاج ، ثم جلس إليهم ليحكي لهم
قصة دينية ويتحدث معهم عن أفكارهم وأحلامهم حتى نودي للصلاة فقاموا جميعاً إلى الصلاة خاشعين ،
واتفق صاحبنا مع الأطفال أن يلتقي بهم كل يوم قبل صلاة العصر ليحكوا قصة ويحفظوا بعضاً من آيات الله
ويتناولوا حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم بالشرح والتفسير ، وبعد أيام تزايد عدد الأطفال في حلقة هذا الشاب
فاضطر إلى الاستعانة ببعض أصدقائه ليساعدوه في تقسيم الأطفال إلى حلقات ، وأصبح هذا الحي معروفاً
بشبابه الإيجابيين وأطفاله المتميزين وحلقات دروس العلم للأطفال .
وبعد سنوات أصبح هؤلاء الأطفال شباباً ناجحين يتميزون بالجدية وبالأخلاق الحميدة وكانوا نماذج مشرفة
في حيهم وفي أسرهم ، وكانوا يدينون بالفضل لهذا الشاب الذي أبى أن يقف موقف المتفرج مما يرى أو يسمع
بل قرر أن تكون له بصمة إيجابية في حياته وفي مجتمعه ..
هذه قصة واقعية تحدث بها أحد الشباب الصالحين عن تجربته التربوية مع أطفال الحي ، ولعلك الآن تحدث نفسك ،
لابد أنه غير مشغول ولا يجد ما يفعله لذا شغل نفسه بهذه الطريقة ، أو لعل لديه من العلم الشرعي ما يؤهله لهذا الدور ،
أو ربما يعود عليه هذا الأمر بشيء من النفع والفائدة وأحب أن أخيب ظنونك فهو ليس كل هذا
- لأنه طبيب وليس أكثر من الطبيب انشغالاً ، ولكنه حين قرر أن يفرغ نفسه ساعة فقد رأى أن هذه الساعة
هي عمل يتقرب به إلى الله ، وهي زكاة عن نفسه وعلمه وصحته ووقته ، لذا فقد لاحظ هذا الشاب بركة تعود
على حياته ووقته من هذا العمل بل ازداد تفوقاً وتقدماً في عمله .
- أما عن العلم الشرعي فلم يكن لدى هذا الشاب أي إلمام بعلوم الفقه والتفسير والحديث ، ولكنه عندما قرر أن يجمع الأولاد
استعان بما كان قد تعلمه في فترات دراسته ، كما أنه كان يحضِّر لكل جلسة معهم بما تيسر له معتمداً على
التبسيط والاستعانة بالقصص ولحكايات التي يحبها الأطفال وينجذبون إليها ..
- أما عن النفع والفائدة فقد كان عمله ابتغاء لمرضاة الله عز وجل وخالصاً لوجهه الكريم ..
ولكننا نستخلص من قصته عدة فوائد :
- لا تكن سلبياً إزاء ما تشاهد من مظاهر وسلوكيات سلبية في مجتمعك وحاول أن تغير فلعل كلمة صادقة أو عمل
صالح تفعله يغير الله به أمراً عظيماً في أمتك ..
- اخلص نيتك لله في كل عمل تعتزم القيام به ، وابتغي به مرضاة الله وسيزلل الله لك الصعاب ويجمع عليك القلوب ..
- لا تبخل أن تزكي بساعة من وقتك وشيئاً من علمك فالزكاة ليست بالمال فقط ولكن بالوقت والجهد والعلم أيضاً
فابحث عمن تنفعه بلا مقابل ، وتعينه بلا انتظار لشكر أو ذكر ..
- تذكر أن تحبيب الأطفال في المسجد وتقريب الدين إليهم في سن صغيرة يجعل منهم شباباً صالحين ينفعون أمتهم
ويخدمون دينهم ويحميهم من خطر الانحراف في المستقبل ، فابحث عن طفل قريب منك تعينه وتهديه إلى الخير
والصلاح والتقوى ..
- أغلق عن نفسك أبواب الشيطان والذي يصرفك عن الطاعات وعمل الخيرات ، ويضعف من همتك ويضع أمامك
العراقيل بأن لديك انشغالات وبأن عملك وأسرتك أولى بهذا الوقت ، ولكن اعلم أن هذا من تلبيس إبليس
فحاول دفع الشيطان عن نفسك بالدعاء والذكر ، وتذكر قوله تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }
وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ،
أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ ، أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ ،
وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا ،
أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ " .:19:
وردي سماوي @ordy_smaoy
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
بارك الله فيك