لا يصح جمع صلاة العصر مع الجمعة
وقد فصَّل الشيخ ابن عثيمين حكم هذهالمسألة فقال :
" لايجوز جمع العصر إلى الجمعة في الحال التي يجوز فيها الجمع بين الظهر والعصر.
فلو مر المسافرببلد وصلى معهم الجمعة لم يجز أن يجمع العصر إليها .
ولو نزل مطر يبيح الجمع – وقلنا بجواز الجمعبين الظهر والعصر للمطر – لم يجز جمع العصر إلى الجمعة . ولو حضر المريض الذي يباحله الجمع إلى صلاة الجمعة فصلاها لم يجز أن يجمع إليها صلاة العصر .
ودليل ذلك قولهتعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَكِتَاباً مَوْقُوتاً )النساء/103 . أي : مفروضاً لوقت معين , وقد بين اللهتعالى هذا الوقت إجمالاً في قوله تعالى : (أ َقِمِ الصَّلاةَلِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَالْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً )الإسراء /78 .
فـ (دلوك الشمس) زوالها , و (غسق الليل) اشتداد ظلمته , وهذا منتصف الليل . ويشمل هذا الوقت أربع صلوات : الظهر والعصروالمغرب والعشاء ، جمعت في وقت واحد ؛ لأنه لا فصل بين أوقاتها , فكلما خرج وقتصلاة كان دخول وقت الصلاة التي تليها ، وفصل صلاة الفجر لأنها لا تتصل بها صلاةالعشاء ولا تتصل بصلاة الظهر .
وقد بينت السنة هذه الأوقات بالتفصيل في حديثعبد الله بن عمرو بن العاص , وجابر وغيرهما , وهو أن الظهر من زوال الشمس إلى أنيصير ظل كل شيء مثله , ووقت العصر من حين أن يصير ظل كل شيء مثله إلى غروب الشمس ،لكن ما بعد اصفرارها وقت ضرورة , ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر, ووقت صلاة العشاء من غروب الشفق الأحمر إلى نصف الليل , ووقت الفجر من طلوع الفجرإلى طلوع الشمس , هذه حدود الله تعالى لأوقات الصلوات في كتاب الله تعالى وسنةرسوله صلي الله عليه وسلم .
فمن صلى صلاة قبل وقتها المحدد في كتاب اللهتعالى وسنة رسوله فهو آثم وصلاته مردودة , لقوله تعالى: ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) البقرة / 229 . ولقوله صلي الله عليه وسلم( من عمل عملاً ليس عليهأمرنا فهو رد ) . وكذلك من صلاها بعد الوقت لغير عذر شرعي .
فمن صلى الظهرقبل زوال الشمس فصلاته باطلة مردودة وعليه قضاؤها . ومن صلى العصر قبل أن يصير ظلكل شيء مثله فصلاته باطلة مردودة , وعليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرعي يبيح لهجمعها تقديماً إلى الظهر .
ومن صلى المغرب قبل غروب الشمس فصلاته باطلةمردودة , وعليه قضاؤها .
ومن صلى العشاء قبل مغيب الشفق الأحمر فصلاته باطلة مردودة , وعليه قضاؤهاإلا أن يكون له عذر شرع يبيح له جمعها تقديماً إلى المغرب .
ومن صلى الفجرقبل طلوع الفجر فصلاته مردودة , وعليه قضاؤها . هذا ما يقتضيه كتاب الله تعالى وسنةرسوله صلي الله عليه وسلم .
وعلى هذا فمن جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعةفقد صلاها قبل أن يدخل وقتها , وهو أن يصير ظل كل شيء مثله فتكون باطلة مردودة .
فإن قال قائل : أفلا يصح قياس جمع العصر إلى الجمعة على جمعها إلى الظهر؟
فالجواب : لا يصحذلك لوجوه :
الأول : أنه قياس في العبادات .
الثاني : أن الجمعة صلاة مستقلة منفردةبأحكامها تفترق مع الظهر بأكثر من عشرين حكماً , ومثل هذه الفروق تمنع أن تلحق إحدىالصلاتين بالأخرى .
الثالث : أن هذا القياس مخالف لظاهر السنة , فإن في صحيح مسلم عن عبد اللهعباس رضي الله عنهماأن النبي صلي الله عليه وسلم جمع بينالظهر والعصر , وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر, فسئل عن ذلك , فقال : أراد أن لا يُحَرِّج أمته .
وقد وقع المطر الذي فيه المشقة في عهد النبيصلي الله عليه وسلم ولم يجمع فيه بين العصر والجمعة كما في صحيح البخاري وغيره عنأنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة وهو على المنبر , فمانزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته , ومثل هذا لا يقع إلا من مطر كثير يبيحالجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة , قال : وفي الجمعة الأخرى دخل رجل فقال : يا رسول الله! غرق المال , وتهدم البناء , فادع الله يمسكها عنا . ومثل هذا يوجب أنيكون في الطرقات وحل يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة . فإن قال قائل : ما الدليل على منع جمع العصر والجمعة ؟
فالجواب : أن هذا السؤال غير وارد ؛ لأن الأصلفي العبادات المنع إلا بدليل , فلا يطالب من منع التعبد لله تعالى بشيء من الأعمالالظاهرة أو الباطنة , وإنما يطالب بذلك من تعبد به لقوله تعالى منكراً على منتعبدوا الله بلا شرع : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوالَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )الشورى /21. وقالالله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْوَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً )المائدة /3. وقال النبي صلي الله عليه وسلم : ( من عمل عملاًليس فيه أمرنا فهو رد ) . وعلى هذا :
فإذا قال القائل : ما الدليل على منع جمعالعصر مع الجمعة ؟
قلنا : ما الدليل على جوازه ؟ فإن الأصل وجوب فعل صلاة العصر في وقتها خولفهذا الأصل في جمعها عند وجود سبب الجمع فبقي ما عداه على الأصل , وهو منع تقديمهاعلى وقتها . فإن قال قائل : أرأيتم لو نوى بصلاة الجمعة صلاة الظهر ليتم له الجمع ؟
فالجواب : إن كانذلك إمام الجمعة في أهل البلد أي أن أهل البلد نووا بالجمعة صلاة الظهر فلا شك فيتحريمه وبطلان الصلاة ؛ لأن الجمعة واجبة عليهم , فإذا عدلوا عنها إلى الظهر فقدعدلوا عما أمروا به إلى ما لم يؤمروا به ,فيكون عملهم باطلاً مردوداً لقول النبيصلي الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
وأما إنكان الذي نوى بالجمعة الظهر كمسافر صلى الجمعة وراء من يصليها فنوى بها الظهر ليجمعإليها العصر فلا يصح أيضاً , لأنه لما حضر الجمعة لزمته , ومن لزمته الجمعة فصلىالظهر قبل سلام الإمام منها لم تصح ظهره . وعلى تقدير صحة ذلك فقد فوت على نفسهخيراً كثيراً وهو أجر صلاة الجمعة .
هذا , وقد نص صاحبا المنتهى والإقناع (منعلماء الحنابلة) على أن الجمعة لا يصح جمع العصر إليها ، ذكرا ذلك في أول باب صلاةالجمعة .
وإنماأطلت في ذلك للحاجة إليه , والله أسأل أن يوفقنا للصواب , ونفع العباد , إنه جوادكريم" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/371375) .
ربـي اغـلى @rby_aghl_2
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزاك الله عنا عزيزتي الغالية خير الجزاء وأفاض عليك من نعمه ظاهره وباطنه