لا بد أن نفرح .. لا بد أن نفرح

الأسرة والمجتمع





لا بد أن نفرح



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
كثيرا ما يطالعنا الوعاظ بنقولات تفيد بأن المؤمن ينبغي أن يكون في حزن دائم، ولا ينبغي له أن يفرح إن كان عاقلا. ويستدلون على ذلك بنقولات عن بعض السلف دون إيراد أسانيدها، وإن صحت فلا تقوم بها الحجة.
وكثيرا ما نجلد ذواتنا ونتهم أنفسنا بأن إصابتنا بـ"مرض الفرح" دليل على غفلتنا عن الآخرة وعدم اهتمامنا بهموم المسلمين، حتى وكأن الحزن أصبح مطلوبا لِذاته، بدلا من أن ننظر إلى الحزن والهم بإيجابية على أنها مشاعر مؤقتة تعدل المسار وتصوب الوجهة وتتحول إلى قوة دافعة لننطلق في الحياة بهمة ونشاط وأمل وشعور بالمسؤولية.
فهل هذه حقيقة؟ أننا لا يحق لنا أن نفرح؟ أم يمكننا القول بأن حزن المؤمن وتفكيره بهموم الأمة وخوفه من الموت وما بعده هي جميعا قوى دافعة تجعله يسعى في الاتجاه الصحيح ضمن الخطة المرسومة له، فكلما قطع شوطا أحس بالابتهاج وفَرِحَ حينئذ فرحا حقيقيا في محله. بينما الغافلون يطلقون ضحكات هستيرية تدل على نفوس تحاول اصطناع الفرح وتبحث عنه في أعماقها فلا تجده فتعوض عنه بعلو الصوت والقهقهة.
عندما نستعرض ما فعله أسلافنا الذين يُنسب إليهم الحزن الدائم على لسان وعاظنا احيانا...عندما نستعرض الإنجازات العظيمة التي قاموا بها في فترات وجيزة...نخلُص إلى نتيجة أنه من المستحيل قطعا أن من قام بهذا كله أصحاب نفوس كئيبة لا تعرف الفرح! من المستحيل أن تكون الكآبة هي القوة الدافعة التي جعلتهم يحكمون الأرض ويجذبون الناس إلى دين الله ويتفوقون في مجالات الحياة كلها.
وعندما نستعرض حياة الشخصيات التي كانت الأكثر أثرا في تاريخ المسلمين نجد وصفها بطمأنينة النفس وانشراح الصدر والبسمة الهادئة على الشفاه عميقة الجذور في القلب وطلاقة المحيا...كشيخ الإسلام ابن تيمية الذي قضى كثيرا من حياته في السجن بل وتوفي في السجن، وكاد له اعداؤه وافتروا عليه، وكان من أكثر الناس غيرة على حرمات الله وشعورا بهم الأمة...ولكن هذه الظروف كلها ما اقتلعت البسمة من شفتيه وما أطفأت نور الأمل في قلبه. فقال ابن القيم واصفا شيخه ابن تيمية:
(وعِلمِ الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق. وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه.وكنا إذا اشتدَّ بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب عنا ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنية، وكان يقول: (إن في الدنيا جنّة من لم يدخلها لا يدخل جنّة الآخرة). فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها)
كم نحن بحاجة إلى أمثال ابن تيمية في طمأنينة النفس هذه. فعامة الناس لا يجذبهم شيء إلى دين الله مثل أن يروا بسمات الطمأنينة والرضى عن الله على وجوه العاملين للدين، ولا ينفرهم عن دين الله شيء مثل أن يروا صاحب الدعوة قد تأثر بما يتعرض له من أذى حتى ذبلت البهجة في وجهه وعلته غشاوة اليأس، وكأن وجهه يروي للناس قصة صفقة "خاسرة" دخلها مع الدين... وإن لم يجد الناس عندنا السعادة فلم يعد لدينا شيء نقدمه لهم، وفاقد الشيء لا يعطيه.
لذلك كله وللكثير غيره أقول:

لا بد أن نفرح. نعم لا بد أن نفرح!

لأن الله امتنَّ علينا بنعمة الإيجاد، ولا يمكن أن يمتن علينا بشيء هو تعاسة وشقاء، فلا بد أن وجودنا في هذه الحياة نعمة تدفعنا إلى أن...نفرح

لأننا نحسن الظن بربنا...يجب أن نفرح

لأن المتتبع لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبدا أن يجد كلمة توحي باليأس ولا موقفا يحمل في طياته التشاؤم...بل هي الإيجابية والتطلع إلى الأمام...فلنا في رسول الله أسوة حسنة ويجب أن نتفاءل، ويجب أن نفرح

لأن النفس التي تلازمها الكآبة لا تعمر الأرض ولا تحقق الاستخلاف...فلا ينبغي أن نكتئب بل...نفرح

لأن الناس لن يُقبلوا على دين الله أفواجا إن رأونا، نحن أصحاب هذا الدين، كئيبين...فكل إنسان إنما يبحث عن منهج الحياة الذي يحقق له السعادة...فلا ينبغي لنا أن نصد عن سبيل الله بعبوس وجوهنا وقساوة ملامحنا، بل لا بد أن نبتهج ويظهر ابتهاجنا، ولا بد من أعماقنا أن...نفرح

لأن أعداءنا يريدون لنا أن نحزن، ويريدون أن يحطموا معنوياتنا، ويعز عليهم أن يروا بسمات الأمل على شفاهنا، ولأن الله كتب الأجر في إغاظتهم قائلا عن المؤمنين: ((ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كُتب لهم به عمل صالح))...فيجب أن نغيظهم ويجب أن نفرح

لأن هَمَّنا على أمتنا وألمنا لأوضاعها دليل على حياة قلوبنا وسبب في نجاتنا في آخرتنا...يجب أن نفرح

لأن الله اختارنا من بين أكوام البشر لنكون من عباده وأتباع نبيه صلى الله عليه وسلم...لا بد أن نفرح

لأن بين أيدينا كتابَ الله الذي لو أنزل على جبل لخشع وتصدع، فمن باب أولى أن يجلو صدورنا ويذهب بهمومنا وأحزاننا فهو ((شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين))...فيجب أن نفرح

لأن الله الذي بيده القلوب إن شاء أن يسعد عبدا فلن تستطيع قوى الأرض كلُّها أن تتعسه. وهو تعالى قريب مجيب إن سألناه السعادة أعطانا إياها...يجب أن نفرح

لأن صبغة في الجنة تجعل أشد الناس بؤسا يقول: (لا والله يا رب! ما مرَّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط)...فلا بد أن نفرح

لأننا نستطيع أن نكون أعز الناس على وجه الأرض...بأن نطيع ربنا حتى نكون أولياءه، نجده تجاهنا،

إن سألناه أعطانا وإن استعذنا به نجانا، وهو تعالى يؤذن بالحرب من عادانا...فحُقَّ لنا أن نفرح

لأننا الأمة المرحومة الذين قال الله لنبيها صلى الله عليه وسلم: ((إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك))...يجب أن نفرح

لأنا لنا ربَّاً يضحك من القانطين...في الحديث الحسن قال عليه الصلاة والسلام: ((ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده وقُرب غِيَره-أي تبدُّل الأحوال من شِدة إلى فَرَج- فقال أبو رزين: أَوَيضحك الرب عز وجل؟ فقال عليه السلام: نعم...قال أبو رزين: لن نعدم من ربٍّ يضحك خيرا))...فلا بد أن نفرح.

لأن رسول الله كان يفرح حتى يستنير وجهه، ويفرح حتى يتهلل وجهه كأنه مُذهبة، ويفرح حتى تبرق أسارير وجهه، ونحن مأمورون باتباعه...فلا بد أن نفرح

لأن أمر المؤمن كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن...فيجب أن نفرح

لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا))...فيجب أن نستبشر ونُبَشر ويجب أن نفرح

لأن الله تعالى يحيي في قلوبنا الأمل هذه الأيام بنصر مؤمنين قلة ضعفاء على جيوش العالم جميعا دون حساب لأساطيلها وتخطيطها وعددها وعتادها...فحُق لنا أن نفرح

لأننا مستبشرون بأن رمضان القادم، والعيد القادم سيشهد حالا أفضل وشأنا أعز للمسلمين، وذلا وصغارا للكافرين بإذن الله...فعلينا أن نفرح

لأنه -حتى وإن تفوق أعداء الإسلام بالسيطرة الجوية- فالله

تعالى في عليائه فوقهم هو المصيطر...يجب أن نفرح

لأن اليأس من صفة الكافرين ((إنه لا ييأس من رَّوح الله إلا القوم الكافرون)) والقنوط من طبع الضالين ((قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون))...فلا يجوز أن نيأس ولا أن نقنط بل يجب أن...نفرح

لأن من ابتلاهم الله يفرحون...كضحايا الفيضانات في باكستان الذين رأيناهم وقد فقدوا بيوتهم ومزارعهم ومواشيهم يمشون المسافات الطويلة ليصلوا صلاة العيد مع إخوانهم ويتعانقوا ويتبادلوا التهاني بوجوه بشوشة...فإن فرح هؤلاء فمن باب أولى لنا نحن أن نفرح

لأن التبسم في وجوه الناس صدقة...ولأن من النبل أن تبتسم وأنت تداري في عينيك دمعة...فيجب أن نبتسم، ويجب أن نفرح

لأن مصير كل موحد إلى الجنة وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه...يجب أن نفرح

لأن الله تعالى يقول: ((ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون))...فلا نحزن بل نفرح

ولأنه تعالى قال: ((لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة))...فلنا في الدنيا والآخرة أن نفرح

لأن لنا ربَّاً خلقنا ليرحمنا، وما يحب أن يعذبنا ((ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما))...فحُقَّ لنا أن نفرح

لأن لنا ربا رحيما كريما يتحبب إلينا ويقول لنا: ((هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما (43) تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما (44) ))..فحُقَّ-واللهِ- لمن يؤمن برب هذه رحمته وهذا كرمه وهذا تحبُّبه أن...يفرح

لأننا نؤمن برب نناجيه في لحظة فيغفر الذنوب جميعا ولا يبالي...فيجب أن نفرح

وختاما...لأن لنا ربا يأمرنا أن نفرح فيقول: ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا))...فيجب ولا بد ولا ريب، ولا بديل لنا عن أن...نفرح




http://al-furqan.org/PR/Default.aspx?pid=286&pvr=3
14
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

مبتغآآي آلجنه
الله يجزاك خير من حيث لاتحتسبين


يارب مااكرمك ومااعظمك وماارحمك
فيارب ارحمنا واغفر لنا واعفوا عنا


اللهم لك الحمد كما يبنغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
عفوك وعافيتك
عفوك وعافيتك
جزاك الله خير
ألم و حزن
ألم و حزن
الله يجزاك الجنة
مس لوتس
مس لوتس
بجد موضوع مميز الى ابعد حد .. اجمل موضوع قرأته في حواء من اسابيع ... رفع الله قدرك في الدنيا والآخره .. اتمنى يثبت الموضوع حتى ينال حقه من القراءه .. ومتأكده ان كثيرات بحاجة لهكذا موضوع ..
حلاها في حياهاا
الله يسعدك موضوعك روعه
يّعّطّيكّ عّآفيّهّ عّلّىّ آلطّرّح ّآلقّيّمّ
آنّتّظّرّ جدّيّدّكّ بّكّلّ شّغّفّ .
دّمّتي ّبخّيّرّ