
و لنا في من سبقونا العبرة والعظة والإعتبار , فهم اللذين عمّروا الديار
و أطاعوا الله ليل نهار , و تمسكوا بكلام المولى و الأذكار ,فبشرهم الكريم بالجنة دار القرار
فاللهم اجعلنا ممن يستمعون القول و يكونون خير العُمَّار و بلغنا رضاك و صحبه الأخيار

ففعل الخيرات لا شك أنه توفيق من الله وإذا أحب الله عبدا وفقه لكل بر و مهد له طريق النجاة
و سهل له طريق الجنة فرأى من الصعب يسيرا و من الهم ابتلاءا عليه أجر
فصبر و اجتبى حتى شعر بالسعادة و الرضى
و حتى نقف وقفة متدبر مع حديث رسول الله



في هذا المقام أبث دررا نقرأها فنعتبر منها فإن كانت الكلمة الطيبة صدقة
و فيها من الأجر الكثير فكذلك أدناها من المعروف له ثواب عند الله و يتجلى هذا في حادثتين
الأولى بُشرت صاحبتها بالجنة و الثانية بالنار
و منه نجد البعض يترك المعروف لقلته فيستخف به و لا يعطيه اهتماما
و قد يرفع من مقامه عند الله و يكسب رضاه

القصة الأولى في حديث :البخاري رحمه الله قال :
حدثنا عبد الله بن أسماء، حدثنا جويرية، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال:
« عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، فلا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها،
ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ».
وكذا رواه مسلم
و الحادثة الثانية رواها البخاري أيضا رحمه الله حيث قال :
حدثنا سعيد بن تليد، حدثنا ابن وهب قال: أخبرني جرير بن حازم، عن أيوب، عن محمد بن سيرين،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « بينما كلب يطيف بركيه كاد يقتله العطش،
إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته فغفر لها به ».
ورواه مسلم
فهذان الموقفان برغم بساطتهما إلا انهما أدخلا صاحبيهما الجنة والنار
فكأن تلقى أخاك بوجه طَلقٍ أي: وجه ضاحك مُستبشر؛ وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن،
ودَفع الوَحشة عنه، وجبْر خاطره، وبذلك يحصل التآلف المطلوب بين المؤمنين
والأخذ باليد، وبسط الوجه، وتقبيل الصغير، وتقبيل الكبير أيضًا بين عينيه، أو على رأسه،
أو على أنفه، وتقبيل يديه ورجليه إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك لمصلحةٍ شرعيةٍ؛
كما ثبت عن الصحابة الكرام


و لقد كان الناس حتى زمن ليس بالبعيد يبذلون المعروف ويتسابقون إليه ويتنافسون فيه ويتواصون به فيما بينهم،
وكان الإقبال عليه من أسباب المدح والتقدير، بينما الإعراض عنه من أسباب الذم والقدح؛ فلما كثر الناس،
واتسع العمران، وتباعدت منازل القوم، وزحفت القيم المادية على المجتمع، و شح كثير من الناس بالمعروف وزهدوا فيه،
لأن بذله بلا مقابل -في نظرهم- غبن وخسارة ومضيعة للوقت،
وهذا بلا شك خطأ فادح، لأن بذل المعروف إن كان بلا مقابل ممن يُحسَن إليه،
فإنه ابتداء من مكارم الأخلاق، كما أن أجره عند الله عظيم وثوابه جزيل،
و الله لا يضيع أجر المحسنين
وبعد هذا فلا ينبغي لأحد منا أن يحتقر من المعروف شيئاً يقدّمه لإخوانه،
من بذل ابتسامة، أو إسماع كلمة طيبة، أو دفع هدية، أو رفع أذية،
، أو قضاء حاجة، أو حلّ مشكلة، أو إدخال سرور بأي أنواع السرور،
ولو برسالة جوال، فلعل الله أن يرضى عن شيءِ من تلك الأعمال،
فيسعدَ صاحبها سعادة لا شقاوة بعدها.
فبعضهم يؤثر على نفسه لأجل إخوانه و بعضهم يسعد لسعادتهم فاللهم اجعلنا ممن قلت فيهم :
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}




وجعلها الله شاهدة لك لا عليك يوم القيامة ...
وأزيد على ما ذكرت
فقد جاء في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال :
( لقد رأيت رجلا يتقلّب في الجنة فِي شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس ..)
قال ابن حجر رحمه الله مُعلّقا ً:
"ينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه ،
و لا في قليل من الشر أن يجتنبه ،
فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ،
و لا السيئة التي يسخط عليه بها "
.
جعلنا الله واياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه