بقلم: د. محمد العريفي
كان أحد طلابي في الجامعة ..
غاب أسبوعاً كاملاً .. ثم لقيته فسألته : سلامات .. سعد ..؟
قال : لا شيء .. كنت مشغولاً قليلاً .. كان الحزن واضحاً عليه ..
قلت : ما الخبر ؟
قال : كان ولدي مريضاً .. عنده تليف في الكبد .. وأصابه قبل أيام تسمم في الدم .. وتفاجأت أمس أن التسمم تسلل إلى الدماغ ..
قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله .. اصبر .. وأسأل الله أن يشفيه .. وإن قضى الله عليه بشيء .. فأسأل الله أن يجعله شافعاً لك يوم القيامة ..
قال : شافع ؟ يا شيخ .. الولد ليس صغيراً ..
قلت : كم عمره ؟
قال : سبع عشرة سنة .
قلت : الله يشفيه .. ويبارك لك في إخوانه ..
فخفض رأسه وقال : يا شيخ .. ليس له إخوان .. لم أُرْزق بغير هذا الولد .. وقد أصابه ما ترى ..
قلت له : سعد .. بكل اختصار .. لا تقتل نفسك بالهم .. لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .. ثم خففت عنه مصابه وذهبت ..
نعم لا تقتل نفسك بالهم .. فالهم لا يخفف المصيبة ..
أذكر أني قبل فترة .. ذهبت إلى المدينة النبوية ..
التقيت بخالد .. قال لي : ما رأيك أن نزور الدكتور : عبد الله ..
قلت : لماذا .. ما الخبر ؟
قال : نعزيه ..
قلت : نعزيه ؟!!
قال : نعم .. ذهب ولده الكبير بالعائلة كلها لحضور حفل عرس في مدينة مجاورة .. وبقي هو في المدينة لارتباطه بالجامعة ..
وفي أثناء عودتهم وقع لهم حادث مروع .. فماتوا جميعاً .. أحدى عشر نفساً !!
كان الدكتور رجلاً صالحاً قد جاوز الخمسين .. لكنه على كل حال .. بشر .. له مشاعر وأحاسيس ..
في صدره قلب .. وله عينان تبكيان .. ونفس تفرح وتحزن ..
تلقى الخبر المفزع .. صلى عليهم .. ثم وسدهم في التراب بيديه .. إحدى عشر نفساً ..
صار يطوف في بيته حيران .. يمر بألعاب متناثرة .. قد مضى عليها أيام لم تحرك .. لأن خلود وسارة اللتان كانتا تلعبان بها .. ماتتا .
يأوي إلى فراشه .. لم يرتب .. لأن أم صالح .. ماتت ..
يمر بدراجة ياسر .. لم تتحرك .. لأن الذي كان يقودها .. مااات ..
يدخل غرف ابنته الكبرى .. يرى حقائب عرسها مصفوفة .. وملابسها مفروشة على سريرها .. ماتت .. وهي ترتب ألوانها وتنسقها ..
سبحان من صبّره .. وثبت قلبه ..
كان الضيوف يأتون .. معهم قهوتهم .. لأنه لا أحد عنده يخدم أو يُعين ..
العجيب أنك إذا رأيت الرجل في العزاء .. حسبت أنه أحد المعزين .. وأن المصاب غيره ..
كان يردد .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. لله ما أخذ وله ما أعطى .. وكل شيء عنده بأجل مسمى ..
وهذا هو قمة العقل .. فلو لم يفعل ذلك .. لمات هماً ..
أفنيت يا مسكين عمرك بالتأوه والحزن
وظللت مكتوف اليدين تقول حاربني الزمن
إن لم تقم بالعبء أنت فمن يقوم به إذن
عش حياتك بما بين يدك من معطيات .. لتسعد
من كتاب "استمتع بحياتك"
لا تحرج احد أو تجرحه بكلمه
ألم يحدث مرة أن أحرجك شخص ما في مجلس عام بكلمة جارحة ؟
أو ربما سخر منك .. بأي شيء وإن كان صغيراً .. بلباسك أو كلامك .. أو أسلوبك
فدافَع عنك شخص ما .. فشعرتَ بامتنان عظيم له .. لأنه كأنما أمسك بطرف ثوبك عندما دفعك غيرك إلى هاوية
مارس هذه المهارة مع الآخرين .. وسترى لها تأثيراً ساحراً
لو دخلت على شخص وأقبل ولده يحمل طبقاً في طعام.. لكنه استعجل قليلاً
فكاد أن يقع الطبق على الأرض .. فانطلق الأب عليه ثائراً.. لماذا العجلة ؟ كم مرة أعلمك ؟
فاحمرَّ وجه الولد واصفرَّ
فقلت أنت: لا .. بل فلان بطل .. رجُل .. ما شاء الله عليه يحمل كل هذا لوحده .. ولعله استعجل لأن هناك أغراض أخرى أيضاً
أي امتنان سيشعر به الغلام لك
هذا مع الصغار.. فما بالك مع الكبار ؟
لو أثنيتَ على زميل في اجتماع .. بعدما صبّوا عليه وابلاً من اللوم
أو أثنيت على أحد إخوانك .. بعدما انكبّ الإراد الأسرة عليه معاتبين
شاب أحرجه شخص بسؤال أمام الناس: بَشَّرْ يا فلان .. كم نسبتك في الجامعة ؟
بالله عليك .. هل هذا سؤال يسأله عاقل أمام الناس ؟
فانقلب وجه الشاب متلوناً ..
فأنقذته قائلاً بلطف: لماذا يا أبا فلان .. هل ستزوّجه؟!! أو عندك وظيفة له؟
فضحكوا ونُسي السؤال
أو لو عاتبه على دنوِّ معدله الدراسي.. فقلت: يا أخي لا تلمه.. تخصصه صعب.. لكن سيشد حيله إن شاء الله
كان عبد الله بن مسعود .. يمشي مع النبي عليه السلام
فمرا بشجرة فأمره النبي أن يصعدها ويحتزَّ له عوداً يتسوك به
فرقى ابن مسعود وكان خفيفاً .. نحيل الجسم .. فأخذ يعالج العود لقطعه
فأتت الريح فحركت ثوبه وكشفت ساقيه .. فإذا هما ساقان دقيقتان صغيرتان
فضحك القوم من دقة ساقيه
فقال النبي عليه السلام: ممّ تضحكون؟!.. من دقة ساقيه؟.. والذي نفسي بيده إنهما أثقل في الميزان من أُحد
كسب محبة الناس فرص يقتنصها الأذكياء
إذا هبت رياحك فاغتنمها,,
,,فإن لكل خافقة سكون
د. محمد العريفي

انسه فله @ansh_flh_1
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

الصفحة الأخيرة
فعلاً الهم مهما كان كبيراً ،،، مع الصبر واحتساب الأجر والحمد والثناء على الله ،،، يغدو صغيراً ..
وربما ينقلب نعمة بعدما كان نقمة ..
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ..
,