التمويل المالي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم
بدأت المشروعات الخاصة الصغيرة تلقى إقبالا حتى في الدول التي تمتاز بسيطرة الدولة مركزيا على الاقتصاد الوطني. ومن القطاعات التي سمح فيها للأعمال والمشروعات (صغيرة ومتوسطة الحجم) العمل في قطاع البضائع الاستهلاكية وهو قطاع تعجز مؤسسات الدولة عن تأمين حاجاته بصورة وافية.
يتميز الاقتصاد السوري بوفرة المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم حيث تسيطر المشاريع الصغيرة على بنية الإنتاج، لكن وبسبب عدم توافر مثل هذه الإحصائيات في سورية سنضطر لمقارنتها مع الاقتصاد الإيطالي نظرا لتشابه بعض الظروف كنوعية المنتج وبنية القاعدة الإنتاجية. علما بأن استراتيجية الاتحاد الأوربي دأبت على تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتبسيط إداراتها ولوائحها الناظمة، وتطوير الأبحاث والاختراع، وتبادل الخبرات بين دول الاتحاد وذلك بزيادة اللقاءات والمحاضرات والاجتماعات. فضلا على تحسين البيئة المالية والتمويلية لهذا النوع من الشركات.
وفي هذا السياق لابد لنا من الإشارة إلى تحسين وزيادة فعالية البيئة القانونية لضمان الحقوق، فتنمية الأعمال تحتاج إلى بيئة متكاملة.
تسيطر المشاريع الصغيرة على البنية الإنتاجية للاقتصاد الإيطالي، ولدى 45% من الشركات الإيطالية 10 عمال/موظفين أو أقل وهذه النسبة أكبر مرتين من المعدل الأوربي. ففي ألمانيا وفرنسا لا تتعدى النسبة 20% وفي بريطانيا 30%. وتساهم الشركات التي تشغّل أقل من 20 عامل/موظف في تحقيق 42% من القيمة المضافة في الصناعة والخدمات غير المالية. أما عدد الشركات الضخمة التي تشغل أكثر من 500 موظف في ايطاليا فلا تتعدى 20% بينما تصل مثل هذه الشركات في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى 33%.
إن بنية القطاع الصناعي في إيطاليا تختلف عن تلك الموجودة في البلدان الأوربية لأنها تنتج بشكل أساسي سلع الاستهلاك النهائي والسلع متوسطة التقنية. وتلعب فيها كثافة رأس مال التصنيع وعمليات الإنتاج المتقدمة دورا بسيطا. ولا تستخدم التكنولوجيا العالية، وتكون بضائعها قليلة الحركة الخارجية – عبر الحدود – كما أن أسعارها سرعان ما تتأثر بظروف السوق. إضافة إلى أن الشركات الإيطالية هي أصغر من نظيراتها الأوربية بشكل عام باستثناء صناعات السيارات والتجهيزات المكتبية. لكن فجوة المقارنة تتسع مع الشركات الأوربية في المشاريع المتوسطة الحجم التي تستخدم 100-500 عامل/موظف، فهي تستقطب أقل من 10% من إجمالي اليد العاملة الإيطالية، بينما تصل هذه النسبة في ألمانيا إلى 17.50% و16% في فرنسا و17% في بريطانيا.
ولقد أظهر قسم الأبحاث في مصرف إيطاليا Bank Of Italy أن الأهمية المحدودة للمشاريع متوسطة الحجم تصبح كبيرة في حال تصنيفها على أساس ملكيتها لأنها غالبا ما تتجمع على شكل مجموعات ضمن تنظيمات تسمى (اتحاد شركات). ويعكس مستوى التوظيف فيها ضخامة عدد هذه المشاريع الصغيرة. ففي إيطاليا 750.000 مشروع صغير يشغّل كلا منها أقل من 10 عمال/موظفين. وهذه المشاريع عبارة عن شركات تعمل جنبا إلى جنب يصل عددها إلى 2.300.000 مشروع فردي. ففي الشمال الإيطالي 250 شركة لإنتاج الكراسي متنافسة فيما بينها، لكنها تتعاون بشكل اختصت فيه كل شركة بجزء من تلك صناعة فحققوا إنتاجية عالية ونوعية ممتازة منافسة عالميا. وفي هذا السياق فإن منظمة Confcommercio -الاتحاد التجاري الإيطالي العام- يضم هذه المشاريع ويعتبر أكبر ممثل في إيطاليا لأنه يضم أكثر من 750.000 من قطاعات التجارة والسياحة والخدمات.
الاحتياجات المالية للمشاريع الصغيرة:
تمر المشاريع الصغيرة عند تأسيسها بعدة أطوار، وتختلف أشكال التمويل فيها حسب الطور الذي تمر فيه:
1. طور التأسيس: يتم عادة من قبل العائلة المالكة.
2. طور النمو الأولي: يتم ذاتيا من خلال الأرباح التي يتم استثمارها.
3. طور النمو المتسارع: يمكن للمالك أن يقترض الأموال من المصارف، مستعينا ببعض المنظمات التي تساعده في تقديم الكفالات كمنظمة Confcommercio مثلا مما يخفض تكلفة رأس المال.
4. إذا احتاج المشروع إلى استثمار جديد لتوسيع عمله أو لتنويع منتجاته، فإن التمويل يمكن أن يقدم من الجهات الحكومية أو ما شابهها.
5. يمكن تخفيض تكلفة الأموال المقترضة بإصدار عدد من القوانين تخص الشركات التي تتمتع بتصنيف معين أو التي تمارس عملها في موقع جغرافي محدد.
6. المصارف هي مصدر الأموال، وهي التي تؤمن التمويل قصير الأجل. وفي بعض الأحيان يمكن جدولة ديون المشاريع السابقة وتوحيدها لزيادة رأس المال العامل فيها على المدى المتوسط. ومن الضروري أن يراعي النظام المصرفي البيئة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع المالي الموجود. أما في بلادنا فيمكن إقامة مصارف تراعي قواعد الشريعة الإسلامية لأن كثيرا من الناس تحجم عن التعامل مع المصارف التقليدية لأسباب شرعية، مما يؤدي إلى حرمان أعمالهم من هذا النوع من التمويل رغم الحاجة إليه. فضلا عن أن المصارف الإسلامية تستخدم أدوات أكثر مرونة وإنتاجية من نظام الفائدة التي تثقل كاهل المدينين، من هذه الأدوات المشاركة والمشاركة المنتهية بالتمليك والتأجير والبيع التأجيري والمرابحة وما إلى ذلك.
دور منظمة Confcommercio مع المصارف:
يمكن تلخيص دور منظمة الاتحاد التجاري الإيطالي مع المصارف بما يلي:
1. تسريع التحقق من المشاريع وإجراءات منح القروض.
2. المصادقة على الكفالات المقدمة.
3. التمويل الصحيح للاحتياجات الأنسب.
4. الوصول إلى تكلفة حقيقية للأموال المقترضة.
أما التمويل متوسط الأجل فيسعى إلى تأمين الأموال اللازمة لتمويل رأس المال العامل، وتحقيق الاندماجات، وتمويل التأجير (أي استئجار التجهيزات).
بينما يتوجه التمويل طويل الأجل بأشكاله العديدة إلى مقابلة التطورات المتنامية للأصول الثابتة، ما يرتبط غالبا بنظام الكفالات التي تساعد في التقليل من مخاطر رأس المال. كما أن مصدر الأموال في هذه الحالة هي المصارف ذاتها. ونادرا جدا ما تكون من الأموال الخاصة.
وعليه فإن التمويل هو من أهم معوقات تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ولابد من حلول تتضافر فيها جهود جميع الأطراف وتتناسب مع البيئة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع.
كما يتوجب الاستفادة من التجربة الأوربية عامة والإيطالية خاصة لتنمية وتطوير المشاريع السورية من خلال ربطها ضمن شبكات إنتاجية وتسويقية تجعل منها قوة متكاملة ومسيطرة.

saraj010 @saraj010
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة