قصة الأصفار
ذلك الصفر ...
قبل أن نروي قصته ونخوض في علته ولماذا أنقص من قيمته
يجب أن ننوه أنه...
ممن يشهد لهم بالاستقامة ويحتسب فيهم الخير والصلاح
ممن ينتظر منهم أن يكونوا زيتا لقنديل ينضم إلى وهج الحق
ممن يحتسب على صفوف الدعاة وجموع المصلحين
ممن نريده أن يرتفع قدره بعون الله ليكون
الراحلة المائة
وبداية القصة حين ارتضى الوقوف في منزلة اللاقيمة على الشمال
وهذا جانب برهان ...
@عنده قدرات ولديه قابلية للتقدم ولكنه كثير التحجج واختلاق الأعذار للتنصل من المسؤوليات
@متقوقع على ذاته راغب عن الاختلاط الإيجابي بالعالم حوله
@يملك قلبا وحسا مهيئا لدفق العطاء لكنه بارد التفاعل رغم ما قد يتفجر أمامه من مواقف الخير والشر
@ربما يخطط أحيانا ويضع لنفسه أهدافا ولكنها تظل غالبا معلقة فهو عاجز عن مواصلة ما يبدأ
@ملاحظته الدقيقة انصبت في تعقب عثرات الآخرين ونقد أعمالهم
@تحدث أمامه الكثير من المواقف تتطلب منه البذل والعمل ولكن ما لم يتم تكليفه بأمر فهو لا يعتبر نفسه مسؤولا
@قد تلوح أمامه الفرص لإحراز تقدم وإضافة نجاح لرصيده لكنه قانع بما هو عليه لا يرفع رأسه تطلعا لما هو أفضل بل دائما يقارن نفسه بمن هم أقل منه.
وغيرذلك من جوانب حياته و شخصيته تنبي أنه مريض
وإذا اجتمعنا لنسمي المرض احترنا
فهل نقول أنه سلبية ....
أم عجز ....
أو لربما تكاسل ....
عدم مبادرة ....
أم هو ضعف للذاتية....
فكلها أمراض تحتاج إلى علاج
فالثوب الأبيض ترى فيه النكتة السوداء مهما صغرت تشوه منظره وتنتقص جماله
فما بالنا بالقلوب إن تقلبت
وبالنفوس إن ملأها الخور
وبالغيرة على دين الله إن أطفأت
فلا غضب الفرد ولا تمعر وجهه ولا احترق نبض قلبه لله بل صار المنكر مألوفا
ونام القوم والفراشات حول النار تحوم .
فمن لها يأخذ بحجزها والله المستعان !!!
فكيف تزحزحت ألوف مؤلفة من منازلها الثمينة منزلة منزلة حتى توارت على الشمال مع أصفار السكون والخمول والدعة
وكيف عطلت الجهود والقدرات وفرط بالأعمار والأوقات فانصبت في هامش أنزلها من عليائها لتركن للدنيا وتغفل عن موعد الآخرة
وكيف تترك الساحة لمن يدعم قبضة المنكر الطائشة ويطبل لما يقول أهل الباطل يصول ويجول بلا رادع
تابعوا القصة
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
الذاكرات @althakrat
محررة ذهبية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ولاء200
•
اكملي تحمست لذلك
الذاكرات
•
أهي الغفلة عن عظمة الله وضعف الإيمان
وإلا من عرف الله حق معرفته وتدبر في أسمائه وصفاته وقلّب فكره في عظيم ملكه وقوة سلطانه وبديع صنعه فكيف له أن يسلم نفسه للكسل بل كيف يهنأ له بال بالقعود وفراغ اليد !
قال تعالى : " فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (يس:83)
وقال تعالى : " وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ "، قال المفسرون : أي ما عظموه حق عظمته
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ "
بل كيف والآجال تطوى والقبر مسكن من جميع الخلق تمكن ، وما بعده أهوال تشيب لها مفارق الصبيان ، فصراط مد على النار كلنا آتيه وكلاليب على جانبيه والأنوار تتفاوت بين السائرين عليه، بل كيف و خلود في دار النعيم فلا موت أو خلود في دار الجحيم فلا موت – نسأل الله رحمته .
وكيف تنام العين وهي قريرة،،،،،، ولم تدرِ على أي المحلين تنزل ؟!
إن الغفلة عن ذلك والركون إلى الدنيا وهجر كتاب الله والتهاون في إجابة داعيه يؤدي إلى فتور الايجابية وضعف الدافع وبطء الحركة والوقوف وإلا فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه .
ولن نعدد في مقامنا هنا أنواع العبادات وطرق تجديد الإيمان فليس المشتكى من الجهل بها ولكن ضعف الوازع وفتور الهمة وكدر الأهواء مما يقعد بالنفس ويدبر بالقلب وهذا قد يظهر أيضا في نقص الأثر الذي تحدثه تلك العبادات .
فإن لها مطلوبا أعظم من صور أو هيئات تؤدى يتمثل في ذكر الله تعالى والخشوع بين يديه وبث الإيمان
وأثر ينعكس في النفس فتتقرب إلى المولى وتطبع في القلب رقة فيبحث عن مواطن الأجر ويجري سعيا وراء الطاعة في مظانها .
"وبشر المخبتين الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "
ولنا أن نقيس ذلك على نظام الحياة بكل تفاصيله الدقيقة من نومة وقومة ومشرب وملبس وحديث وصمت وغدوة وروحة ضمن إطار شامل جاء به الإسلام للإقرار بالعبودية الكاملة لله تعالى .
أم قلة زاد العلم
كمن يسلك طريقا وما حمل له من الزاد ما يكفي للقيام بأعباء الرحلة فنحل منه الجسد وهزل سيره
أو كمن سار في ليل مظلم وليس معه قبس من نور فتخبط يمنة ويسرة .
لكن إذا كنا حقا نريد مجابهة العالم ومكابدة المشاقين ودحر الماكرين
فلا يكفي للمواصلة عاطفة تتأجج لأنها تحتاج إلى ضابط
أو حماس كما أنه قد يثور حينا فإنه لا يأمن متى يخمد
بل يضاف إلى ذلك علم يترسخ به عود العطاء ويثبت الأقدام إذا أطلت برأسها محنة أو اشتد ابتلاء .
علم يجعل صاحبه على نور وبصيرة يعرف أين يضع قدمه إذا تردد الناس واحتاروا
" قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " قال المفسرون :هم العلماء والجهال
والعلم قائد وحارس لا يستغنى عنه ، به يعرف الله عز وجل ويعبد ويوحد ويمجد وتبعد ريبة الشبهات ويعرف الحلال من الحرام وتتضح المقاصد والوسائل
قال الإمام أحمد رحمه الله : الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب . لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه
وإننا نتحدث عمن نريدهم نخبة وصفوة بما حازوا من وعي وبصيرة فاتبعهم الناس وانقادوا لهم، فهم بالعلم يعرفون مواطن الخير والشر وكيف يملك زمام النفس وتوجه إلى فعل الخيرات والأعمال النافعات.
جاء في الصحيحين من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
ولأننا نريد الصفر أن يتحرك لمنازل أثمن فلا بد من ارتقاء مواز في طلب العلم فقد لا يكتفى بسماع متفرقات من المحاضرات هنا وهناك دون أخذ النفس بالشدة في طلب العلم وحجزها مثنية الركب في مجالس العلماء تتلقف الفوائد وتقتنص الدرروتقلب الفكر في رياض مذاكرة ومراجعة وحفظ وفهم .
قال تعالى : " وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً " (طه: 114)
وقال تعالى : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ " (المجادلة: 11)
وقال تعالى : " وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ " (العنكبوت: 43)
من أراد أن يصلح آلة فعليه أن يعرف ما يتعلق بجزئياتها صغيرة كانت أو كبيرة
فما بالنا بمن نذر أنفاسه لإصلاح نفس بشرية فهي بلا ريب أصعب تركيبا و أشد تعقيدا .
أم الركون للزخرف الفاني
ولا بد لكل فرد من مكابدة أعباء الدنيا وهمومها وأن يضرب في أوديتها وشعابها
وأن يشتغل في طلب الرزق وتربية الأبناء ومداراة الأهل والجيران وغيرها
نعم لا بد من مخالطة الدنيا ولكن رويدا رويدا ورفقا رفقا
لا تغتر بسعة الرزق ولا بالمسكن الجميل ولا بجاه أو منصب
فإنما هي وسائل تعينك على أداء رسالتك لا غايات تطلب لذاتها .
( رب مستدرج بنعم الله عليه وهو لا يعلم ، ورب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم ، ورب مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم ) الجواب الكافي
قال عليه الصلاة والسلام : " مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح عنها وتركها " (صحيح رواه الترمذي وأحمد )
وقال عليه الصلاة والسلام : " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع " ( رواه مسلم )
وقال عليه الصلاة والسلام : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"
وقد قيل : أي قدر للدنيا حتى يحتاج قلبك إلى محاربة لها ؟!
وقيل : يا هذا الدنيا وراءك والآخرة أمامك ، والطلب لما وراءك هزيمة .
وقيل : إن الله ضمن لك الرزق فلا تقلق ولكنه لم يضمن لك الجنة فلا تفتر
وحسبنا ذو البجادين رضي الله عنه وأرضاه حين هدد بسلب كل ما لديه إن أسلم قال : نظرة من محمد صلى الله عليه وسلم خير من الدنيا وما فيها .
فها هنا المفترق
حين النداء يتكرر أن " سارعوا "و" سابقوا " فيغفل غافل عن ميدان التنافس الحقيقي ويصبح همه الشاغل ثروة مالية أو وظيفة مرموقة أو مسكن فاخر ، فتطغى معايير النجاح الدنيوية شيئا فشيئا حتى إذا طلب منه جهد بسيط نصرة للدعوة فكأنما حمل الكون على كاهله .
وحتما ستسترد الليالي كل ما وهبت .
وفي الحديث : " إن الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب ، والدين لا يعطيه الله إلا من يحب " .
أم أن مصاحبة اللاهين قد شتت سير المقدمين
ومن ركن إلى مخالطة أهل اللهو فلا يأمن عليه من زلات السهو، فهم يقحمونه في سفاهاتهم ويضيعون عليه أوقاته بالعبث ، ويصدونه عن الكثير من الخير بالغفلة، ويقعدونه عن طلب العلم والدعوة ،فلا يأمن على نفسه أن يتطبع بطباعهم بطول ملازمتهم دون أن يشعر فيتعلق قلبه بالدنيا بعد أن كان وقافا على هم الآخرة ،وتصير أفكاره وهواجسه منصبة على الجري وراء تحقيق اللذات والمتع والزينة والمظاهر، بل أقل تقدير أن يقارن نفسه بما هم عليه من تقصير فيظن أنه على خير ويرتضي بالقعود .
فإنما هو تأثر وتأثير فلا يأمن على نفسه من ارتضى مصاحبة الغافلين الذين حتى إن لم يضروه فإنهم ما نفعوه ولا كانوا له بيئة مهيئة معينة على الخير .
يقول ابن حجر رحمه الله :
( ولا ينبغي للمرء أن يهمل اختيار من يصلح للصحبة لأن للصحبة تأثيرها البالغ على المرء ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الرجل على دين خليله فلينظر أحكم من يخالل " ).
بل عدّ ابن القيم رحمه الله مجالسة الصالحين ضمن الأسباب الموجبة لنيل محبة الله تعالى :
( السبب التاسع : مجالسة المحبين الصادقين ، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر ...... )
وقد كان الواحد من الصالحين يبيت عند أخيه ليتعلم من قيامه الليل ، وآخر إذا رؤي ذكرت رؤيته بالله عز وجل ، وغيره يدعو أخاه أن هيا بنا نؤمن ساعة ، وهكذا مدار محبتهم واجتماع قلوبهم آخذين بأيدي بعضهم البعض في اتجاه واحد ، عن معاذ بن جبل –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتجالسين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، والمتباذلين فيّ " ( رواه مالك في الموطأ )
فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه
وللشيء من الشيء مقاييس وأشباه
وللقلب من القلب دليل حين يلقاه.
أم اجتمعت غيرها من الأسباب التي أضعفت الصفر
فلا هدف محدد يسعى لنيله يتخبط هنا وهناك ثم يدركه الوقت حسرة وهو خالي اليدين لا من هذا ولا من ذاك
وربما أضيف إلى ذلك ترف مبطر فاعتاد أن يرى كل شيء أمامه جاهزا يأتي إليه على طبق من ذهب فصار يتأفف من أدنى تعب ولا يتحمل مزيدا من الأعباء
أو ربما أهمل محاسبة نفسه فتراكمت شوائب صغيرة إثر صغيرة أدبرت بقلبه و أفسدت عليه عزمه
أوالخوف من الإقدام واقتحام العقبات استصغارا لذاته وتقليلا من قدراته وخوف الرياء وما يلقيه الشيطان في نفسه من الوهن
أوغيرها من الأسباب فكما أنه لن يسعنا المزيد من التقصي فلن يعجز من صدق في طلب الخير حيلة ليعود فيتفقد قلبه
وإننا نقدم طرف الخيط ونترك المجال لألمعية ما زلنا نثق بها لتقرر أين تكون خطوة الإصلاح
ونحتسب في العزائم أنها ستكون بعون الله أقوى للنهوض من عثرة ولإجلاء ما تراكم من غبرة
أعيذكِ من نزعات الهوى وفي موقف الخصب أن تحرمي
على عتبات الهدى والسلام قفي حيث أنتي ولا تسأمي
فإن جاد بالخير رب الأنام فحسبكِ ذلك من مغنم.
يتبع بإذن الله .
وإلا من عرف الله حق معرفته وتدبر في أسمائه وصفاته وقلّب فكره في عظيم ملكه وقوة سلطانه وبديع صنعه فكيف له أن يسلم نفسه للكسل بل كيف يهنأ له بال بالقعود وفراغ اليد !
قال تعالى : " فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (يس:83)
وقال تعالى : " وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ "، قال المفسرون : أي ما عظموه حق عظمته
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ "
بل كيف والآجال تطوى والقبر مسكن من جميع الخلق تمكن ، وما بعده أهوال تشيب لها مفارق الصبيان ، فصراط مد على النار كلنا آتيه وكلاليب على جانبيه والأنوار تتفاوت بين السائرين عليه، بل كيف و خلود في دار النعيم فلا موت أو خلود في دار الجحيم فلا موت – نسأل الله رحمته .
وكيف تنام العين وهي قريرة،،،،،، ولم تدرِ على أي المحلين تنزل ؟!
إن الغفلة عن ذلك والركون إلى الدنيا وهجر كتاب الله والتهاون في إجابة داعيه يؤدي إلى فتور الايجابية وضعف الدافع وبطء الحركة والوقوف وإلا فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه .
ولن نعدد في مقامنا هنا أنواع العبادات وطرق تجديد الإيمان فليس المشتكى من الجهل بها ولكن ضعف الوازع وفتور الهمة وكدر الأهواء مما يقعد بالنفس ويدبر بالقلب وهذا قد يظهر أيضا في نقص الأثر الذي تحدثه تلك العبادات .
فإن لها مطلوبا أعظم من صور أو هيئات تؤدى يتمثل في ذكر الله تعالى والخشوع بين يديه وبث الإيمان
وأثر ينعكس في النفس فتتقرب إلى المولى وتطبع في القلب رقة فيبحث عن مواطن الأجر ويجري سعيا وراء الطاعة في مظانها .
"وبشر المخبتين الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "
ولنا أن نقيس ذلك على نظام الحياة بكل تفاصيله الدقيقة من نومة وقومة ومشرب وملبس وحديث وصمت وغدوة وروحة ضمن إطار شامل جاء به الإسلام للإقرار بالعبودية الكاملة لله تعالى .
أم قلة زاد العلم
كمن يسلك طريقا وما حمل له من الزاد ما يكفي للقيام بأعباء الرحلة فنحل منه الجسد وهزل سيره
أو كمن سار في ليل مظلم وليس معه قبس من نور فتخبط يمنة ويسرة .
لكن إذا كنا حقا نريد مجابهة العالم ومكابدة المشاقين ودحر الماكرين
فلا يكفي للمواصلة عاطفة تتأجج لأنها تحتاج إلى ضابط
أو حماس كما أنه قد يثور حينا فإنه لا يأمن متى يخمد
بل يضاف إلى ذلك علم يترسخ به عود العطاء ويثبت الأقدام إذا أطلت برأسها محنة أو اشتد ابتلاء .
علم يجعل صاحبه على نور وبصيرة يعرف أين يضع قدمه إذا تردد الناس واحتاروا
" قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " قال المفسرون :هم العلماء والجهال
والعلم قائد وحارس لا يستغنى عنه ، به يعرف الله عز وجل ويعبد ويوحد ويمجد وتبعد ريبة الشبهات ويعرف الحلال من الحرام وتتضح المقاصد والوسائل
قال الإمام أحمد رحمه الله : الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب . لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه
وإننا نتحدث عمن نريدهم نخبة وصفوة بما حازوا من وعي وبصيرة فاتبعهم الناس وانقادوا لهم، فهم بالعلم يعرفون مواطن الخير والشر وكيف يملك زمام النفس وتوجه إلى فعل الخيرات والأعمال النافعات.
جاء في الصحيحين من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
ولأننا نريد الصفر أن يتحرك لمنازل أثمن فلا بد من ارتقاء مواز في طلب العلم فقد لا يكتفى بسماع متفرقات من المحاضرات هنا وهناك دون أخذ النفس بالشدة في طلب العلم وحجزها مثنية الركب في مجالس العلماء تتلقف الفوائد وتقتنص الدرروتقلب الفكر في رياض مذاكرة ومراجعة وحفظ وفهم .
قال تعالى : " وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً " (طه: 114)
وقال تعالى : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ " (المجادلة: 11)
وقال تعالى : " وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ " (العنكبوت: 43)
من أراد أن يصلح آلة فعليه أن يعرف ما يتعلق بجزئياتها صغيرة كانت أو كبيرة
فما بالنا بمن نذر أنفاسه لإصلاح نفس بشرية فهي بلا ريب أصعب تركيبا و أشد تعقيدا .
أم الركون للزخرف الفاني
ولا بد لكل فرد من مكابدة أعباء الدنيا وهمومها وأن يضرب في أوديتها وشعابها
وأن يشتغل في طلب الرزق وتربية الأبناء ومداراة الأهل والجيران وغيرها
نعم لا بد من مخالطة الدنيا ولكن رويدا رويدا ورفقا رفقا
لا تغتر بسعة الرزق ولا بالمسكن الجميل ولا بجاه أو منصب
فإنما هي وسائل تعينك على أداء رسالتك لا غايات تطلب لذاتها .
( رب مستدرج بنعم الله عليه وهو لا يعلم ، ورب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم ، ورب مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم ) الجواب الكافي
قال عليه الصلاة والسلام : " مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح عنها وتركها " (صحيح رواه الترمذي وأحمد )
وقال عليه الصلاة والسلام : " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع " ( رواه مسلم )
وقال عليه الصلاة والسلام : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"
وقد قيل : أي قدر للدنيا حتى يحتاج قلبك إلى محاربة لها ؟!
وقيل : يا هذا الدنيا وراءك والآخرة أمامك ، والطلب لما وراءك هزيمة .
وقيل : إن الله ضمن لك الرزق فلا تقلق ولكنه لم يضمن لك الجنة فلا تفتر
وحسبنا ذو البجادين رضي الله عنه وأرضاه حين هدد بسلب كل ما لديه إن أسلم قال : نظرة من محمد صلى الله عليه وسلم خير من الدنيا وما فيها .
فها هنا المفترق
حين النداء يتكرر أن " سارعوا "و" سابقوا " فيغفل غافل عن ميدان التنافس الحقيقي ويصبح همه الشاغل ثروة مالية أو وظيفة مرموقة أو مسكن فاخر ، فتطغى معايير النجاح الدنيوية شيئا فشيئا حتى إذا طلب منه جهد بسيط نصرة للدعوة فكأنما حمل الكون على كاهله .
وحتما ستسترد الليالي كل ما وهبت .
وفي الحديث : " إن الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب ، والدين لا يعطيه الله إلا من يحب " .
أم أن مصاحبة اللاهين قد شتت سير المقدمين
ومن ركن إلى مخالطة أهل اللهو فلا يأمن عليه من زلات السهو، فهم يقحمونه في سفاهاتهم ويضيعون عليه أوقاته بالعبث ، ويصدونه عن الكثير من الخير بالغفلة، ويقعدونه عن طلب العلم والدعوة ،فلا يأمن على نفسه أن يتطبع بطباعهم بطول ملازمتهم دون أن يشعر فيتعلق قلبه بالدنيا بعد أن كان وقافا على هم الآخرة ،وتصير أفكاره وهواجسه منصبة على الجري وراء تحقيق اللذات والمتع والزينة والمظاهر، بل أقل تقدير أن يقارن نفسه بما هم عليه من تقصير فيظن أنه على خير ويرتضي بالقعود .
فإنما هو تأثر وتأثير فلا يأمن على نفسه من ارتضى مصاحبة الغافلين الذين حتى إن لم يضروه فإنهم ما نفعوه ولا كانوا له بيئة مهيئة معينة على الخير .
يقول ابن حجر رحمه الله :
( ولا ينبغي للمرء أن يهمل اختيار من يصلح للصحبة لأن للصحبة تأثيرها البالغ على المرء ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الرجل على دين خليله فلينظر أحكم من يخالل " ).
بل عدّ ابن القيم رحمه الله مجالسة الصالحين ضمن الأسباب الموجبة لنيل محبة الله تعالى :
( السبب التاسع : مجالسة المحبين الصادقين ، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر ...... )
وقد كان الواحد من الصالحين يبيت عند أخيه ليتعلم من قيامه الليل ، وآخر إذا رؤي ذكرت رؤيته بالله عز وجل ، وغيره يدعو أخاه أن هيا بنا نؤمن ساعة ، وهكذا مدار محبتهم واجتماع قلوبهم آخذين بأيدي بعضهم البعض في اتجاه واحد ، عن معاذ بن جبل –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتجالسين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، والمتباذلين فيّ " ( رواه مالك في الموطأ )
فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه
وللشيء من الشيء مقاييس وأشباه
وللقلب من القلب دليل حين يلقاه.
أم اجتمعت غيرها من الأسباب التي أضعفت الصفر
فلا هدف محدد يسعى لنيله يتخبط هنا وهناك ثم يدركه الوقت حسرة وهو خالي اليدين لا من هذا ولا من ذاك
وربما أضيف إلى ذلك ترف مبطر فاعتاد أن يرى كل شيء أمامه جاهزا يأتي إليه على طبق من ذهب فصار يتأفف من أدنى تعب ولا يتحمل مزيدا من الأعباء
أو ربما أهمل محاسبة نفسه فتراكمت شوائب صغيرة إثر صغيرة أدبرت بقلبه و أفسدت عليه عزمه
أوالخوف من الإقدام واقتحام العقبات استصغارا لذاته وتقليلا من قدراته وخوف الرياء وما يلقيه الشيطان في نفسه من الوهن
أوغيرها من الأسباب فكما أنه لن يسعنا المزيد من التقصي فلن يعجز من صدق في طلب الخير حيلة ليعود فيتفقد قلبه
وإننا نقدم طرف الخيط ونترك المجال لألمعية ما زلنا نثق بها لتقرر أين تكون خطوة الإصلاح
ونحتسب في العزائم أنها ستكون بعون الله أقوى للنهوض من عثرة ولإجلاء ما تراكم من غبرة
أعيذكِ من نزعات الهوى وفي موقف الخصب أن تحرمي
على عتبات الهدى والسلام قفي حيث أنتي ولا تسأمي
فإن جاد بالخير رب الأنام فحسبكِ ذلك من مغنم.
يتبع بإذن الله .
الصفحة الأخيرة