
هل تأملت يوما عيني طفل صغير ؟!
لن تعرف الزهر ما لم تره ...
لن تمسك اللحظة الرائعة ما لم تنظر مليا .
كن من شئت ففي عيون طفل صغير للكل مساحة ود...
النظرة الهادئة... الصافية ... الوديعة ...
محراب التأمل وحده الذي ينقلك إلى زمن البراءة ..
و تولد مرة أخرى في عينين...
الحمامات البيضاء التي تراها ..
و أراجيح الجنان ..
و ممالك اللون و الرذاذ...
و شلالات الوهج السني ..
و ظلال النخل الهادئ ...
و زرقة السماء في صبيحة ربيعية ...
و النسمات العليلات ...
و البدر حين يطل .
و الشمس حين تلبس معطف الأرجوان و تغادر ملوحة بيدها ...
هل رأيت بعض ذلك في عيني طفل صغير ؟
ما ذا في عيون الكبار غير الشرر و الدخان ؟!
و خرائب روما يتوسدها نيرون عازفا لحن عشق الموت .
هل تصدق أن نيرون عشق روما فأحرقها ..؟
أتعبتك المسافات و انهيارات المباني و رائحة البارود ...
أتعبك الموج الصاخب ...
أحزنتك استغاثة مئذنة في الظلام ..
روعت حماماتك الطلقات ..
حسن حسن ..
و ما ذا بعد ...؟!
تتكئ على ما بقي من جدران الخراب و تتأمل ..
متعَب أنت ..
كل ما حولك الغرابيب و أطلال الظاعنين ...
مؤلم أن تعيش بلا أقحوان ...
تهرب من نفسك عبر مسارب ضيقة ..
تتقيؤك الشوارع و الممرات ...
و يسلمك الرعب للرعب ...
حسن حسن ...
لست وحدك ..
فهل تأملت عيني طفل ؟
سأهديك لحظة عبور إلى الضفة الأخرى ..
لا ذراع لك و لا شراع ..
فقط بعينيك تعبر حين تبحر بهما في عينيه ..
الفضاءات الممتدة ..
هل رأيتها ...؟!
تكفيك دقائق لتعرف أن في العالم عالما ...
و أن خلف الدخان الخانق أفقا يتسع لأنفاسك .
لن تفهم ما أحدثك عنه إن لم تفعل .
لغة العيون لا تفهمها غير العيون ..
و أنت ما نظرت ... فكيف ستفهم ..؟!
في دفتر العمر بقاياك حين كنت بلا جرح و لا مخلب ...
في ذكرياتك طفل يحبو ...
يتعلق بالأشياء لئلا يسقط .. و يلثغ بلغة محببة...
لا يحسن نطق الحروف لكنه ينطقها فاتنة ...
كنت بلا جرح و لا مخلب ..
و الآن كم جَرحتَ و كم جُرحت !!!
العوالم القديمة لا زالت كما كانت في صندوق الذكريات ..
عيون أمك حين تلتهمك متحدثا أو ماشيا ...
فراشات الحدائق حين تجر أذيالها الملونة أمام عينيك و تبتعد ...
اللُّعب التي عليها بصماتك ...
حصان الأجنحة ...
و زورق الخشب ...
و الدب الأصفر المحشو صوفا ...
و على الأبواب و النوافذ و الساحات و الجدران و الكتب الملونة بقاياك ..
وعليها وقعت منك ذات يوم لمسة أو نظرة أو قبلة ...
كان في عينيك شيء تفتقده اليوم حين كبرت ...
أتريده ؟
ابحث عنه في عيني طفل صغير ...
و سيحدثونك عن محميات الطيور و الأعشاب و حيوانات البراري ...
يحدثونك عن جهدهم لئلا تنقرض ...
و لا يحدثونك عن عيون بريئة غرسوها شوكا و طيروا أسراب حمامها ..
لا يحدثونك عن عيني الطفل كيف خطفوا منها الهدوء و سيّجوها بالذعر و المشانق ...
لا يحدثونك عن البراءة حين تنقرض ..
كيف يمحو سطورها الرصاص المقهقه ...
لا يحدثونك عن عالم كنا نهرب فيه لعيون الأطفال لاختطاف لحظات صافية ...
فاغتالوا فيها العيون ...
حين أهدوا الطفل المتكوّم في حضن أمه ... قنبلة ...
بدل لعبة ..
فهل نبكي براءة الطفولة و الدخان يتصاعد من بقاياها ..؟
أم نبكي أنفسنا في عالم لا نجد فيه عيونا صافية بريئة لطفل ...
نبحر في بؤبؤيه ساعة لنستريح ؟
(قتلوا عيون الأطفال - بقلم : سعيد صالح الغامدي)
بقدر ما أحب بريقها غصصت
بقدر ما تسعدني ضحكاتهم بكيت
أين الشعور والإحساس
أين بنو البشر
أين الإنسان ؟؟
أين القلوب التي تدعي الحب
وتتغنى بالمشاعر ؟؟
أينهم جميعا عن عين طفل دامعة ؟؟
ونظرة طفلة كسيرة ؟؟
{ ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة }
نسأل الله لبني البشر قلوبا !!!!!!!!
حياك الله يا أثباج
طالت الغيبة
وأسعدتنا العودة :27: