لــم يكــن داود عليــه الســلام خــارجيــا...!!

الملتقى العام

يظل أمر الخوارج في كل زمان غريبا وعجيبا؛ وما يدعو إلى الاستغراب أمران:

الأول : عمى البصيرة - والعياذ بالله - و إن كانت أبصارهم سليمة فإن أحدهم يسمع آيات الله تتلى عليه فلا يتعظ ..

و يسمع عن أهل الضلال من السابقين فيلعنهم ويزدريهم .. لكن مسلكه ومذهبه مرآة تعكس منهجهم حذو القذة بالقذة وإن اختلفت الأساليب.


الأمر الثاني : أن يظهر له الحق واضحا بينا كالشمس في رابعة النهار، ولكنه يعاند ويكابر ويظل متشبثا بموقفه وتأخذه العزة بالإثم فيتبع سنة إبليس وفرعون ونمرود و أبي جهل وحيي بن الأخطب وكعب بن الأشرف وغيرهم من المعاندين والمنافقين... رغم أنهم في أجندته ملعونون مبغضون كل البغض ؛ لكن فعله يكذب ذلك كله وللأسف.

اختبار عظيم وابتلاء ابتلي به نبي الله داود - عليه السلا م- فهل صبر أم نكص على عقبيه كشأن خوارج العصر عند أول هزة وأوهن ريح ؟؟!!

لنقف مع هذا النبي - عليه السلام - و لنسترجع قصته وسيرته وننظر إليها من جانب الطاعة والصبر و الامتثال لأمر الله وولي الأمر، فالطاعة والصبر عليها من صفات الأتقياء والصالحين ، والقليل فقط من الناس من يتصف بهما وهذه القلة هي الفائزة برضوان الله عز وجل، فلنعتبر لعلنا نكون من الفائزين ففي قصص من سبقنا عبرة ، قال تعالى :
{{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }}
((آل عمران:62))


كان نبي الله داود عليه السلام قبل النبوة والملك شابا صغير السن مؤمنا يرعي غنم أبيه فقيرا شأن الكثير من الشباب ولكـــــن تميز عنهم بصفات لم تسع نفوسهم احتوائها , وما يهمنا هنا صفة واحدة وهــــي (طاعة ولي الأمر) فكان من الفئة المؤمنة التي ابتليت فخرجت من الابتلاء غانمة موفقة وذلك لأمور ومواقف تميز بها داود -عليه السلام- عن غيره سنذكرها في هذه السطور .


لم يكن هذا النبي الكريم من المعارضين لأمر الله عندما ملك طالوت على بني إسرائيل، ولم يكن من الحاسدين الناس على ما آتاهم الله من فضله، كما فعل غيره من بني إسرائيل الذين اعترضوا وراجعوا نبـيهم :

{{ قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ }}(لبقرة: من الآية247)


يقول ابن كثير في تفسيره للآية... {{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهُمْ إِنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنّىَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مّنَ الْمَالِ قَالَ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }} أي لما طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكاً منهم, فعين لهم طالوت, وكان رجلاً من أجنادهم, ولم يكن من بيت الملك فيهم, لأن الملك كان في سبط يهوذا, ولم يكن هذا من ذلك السبط, فلهذا قالوا: {أنى يكون له الملك علينا}, أي كيف يكون ملكاً علينا {ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال} أي هو مع هذا فقير لا مال له يقوم بالملك, وقد ذكر بعضهم أنه كان سقاءً, وقيل: دباغاً, وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنت, وكان الأولى بهم طاعة وقول المعروف, ثم قد أجابهم النبي قائلاً: {إن الله اصطفاه عليكم} أي اختاره لكم من بينكم, والله أعلم به منكم, يقول: لست أنا الذي عينته من تلقاء نفسي, بل الله أمرني به لما طلبتم مني ذلك, {وزاده بسطة في العلم والجسم} أي وهو مع هذا, أعلم منكم, وأنبل, وأشكل منكم, وأشد قوة وصبراً في الحرب ومعرفة بها, أي أتم علماً وقامة منكم, ومن هنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة في بدنه ونفسه¹ ثم قال {والله يؤتي ملكه من يشاء} أي هو الحاكم الذي ما شاء فعل, ولا يُسأل عما يفعل, وهم يسألون لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه, ولهذا قال {والله واسع عليم} أي هو واسع الفضل, يختص برحمته من يشاء, عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحقه.

داوود عليه السلام كان من الفئة المؤمنة التي ابتليت فخرجت من الابتلاء غانمة موفقة عندما فرض الله القتال ثبت عليه السلام مع المؤمنين فلم يتولّ ، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفه بقوله : (( ..... ولا يفر إذا لاقى )) قال تعالى :{{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}}
(البقرة: من الآية246)


* كان مطيعا عليه السلام لولي أمره وقائده، و من علامات الطاعة عند داوود :

1. قبوله بملك طالوت عندما خرج مجاهدا تحت رايته .

2. تجاوز فتنه النهرحيث كان من الفئة القليلة التي أطاعت أمر الملك عندما نهاهم عن الشرب من النهر إلا من اغترف غرفة بيده وهو أمر مستغرب من الملك ... ولا تطيقه النفس البشرية في وقت العطش ، حتى خيل للبعض أنه يريد قتلهم من العطش والإرهاق ... ولذلك لم يمتثل منهم الكثير ، فالجوع والعطش من الأمور الصعبه التي يصعب على البشر تحملهما.

لم ير المخالفون ابعد من أرنبة أنوفهم ، فكان العصيان مذهبهم فخسروا وفتــنوا , أما داوود عليه السلام والقليل من المؤمنين مروا من ابتلاء النهر بسلام وأمان وجاوزوه بـيقين وصبر مستعينين بالله على الطاعة .

{{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ) }}
(البقرة: من الآية249)

* ولما جاوزوا النهر وبرزوا لجالوت كان عليه السلام من الفئة الثابتة ولم يكن ممن قال لا طاقة لنا اليوم بجالوت :

{{ فلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ }}
( البقرة: من الآية249)

لكن داوود عليه السلام لم يقل ذلك ، بل كان من الطائفة التي تؤمن بلقاء الله وتطيع فكان ممن قال :

{{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }}
( البقرة: من الآية249)

وكان ممن قال عندما برزوا لطالوت فقالوا:

{{ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين }}
(البقرة : من الآية250)

فماذا كانت النتيجة ؟؟

النصر والتمكين في الأرض ، قال تعالى {{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين }}
(البقرة :251)


فلنتأمل أمر وحال نبي الله داود عليه السلام والصبر على الطاعة التي لازمته :

· أطاع داوود عليه السلام عندما توج عليهم طالوتُ ملكا ً.

· أطاع عندما فرض الله عليه القتال.

· ثم أطاع ملكه طالوت وهو في حالة من العطش الشديد وفي أمسّ الحاجة إلى شربه ماء ليروي ظمأه ، فتجاوز هذا الابتلاء بسلام.

* أطاع وصبر عند لقاء العدو ولم يهن بل استعان بالله وصبر.

· لم يترك نفسه لنفسه ولم يغتر بقوته.

إذن؛ الطاعة والصبر عليها من صفات أهل الإيمان ، فبهما يكون الفوز ورضا الرحمن

كما أن الجدال والعصيان صفة غيرهم.. فبمن نحتذي ونمتـثل ؟؟؟؟

فكان أن رفعه الله وزكاه وأثــنى عليه في القرآن فما أجمل الثناء إن جاء من الرحمن فنال بإذن الله الإمامة بالصبر واليقين وطاعة الله ورسوله .

{{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُون }}
(السجدة :24)

فحصد عليه السلام :
· النصر لقومه والتمكين في الأرض فكان وابنه من أقوى ملوك الأرض في زمانهم
· آتاه الله الملك
· أصبح خليفة في الأرض

{{ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }}
(صّ:26)



فهل يعي خوارج العصر هذا الدرس ؟؟

اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين المقربين وانعم علينا من فضلك انك على كل شئ قدير

اللهم آمين

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



1
586

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

متفائلة2
متفائلة2
الله يجزاك خير
ولكن ارجوان لايوخذ كلامي اني اوافقهم او اعارضهم
ولكن هناك ايضاً ايات ونصوص تشدد على انكار المنكر والامر بالمعروف ... وجعل الشورى بينهم فهلا تكرمتي بشرح اية الشورى والتي نزلت على رسولنا ونبينا نحن المسلمين عليه الصلاة واتم التسليم ففيها تهذيب عضيم للراعي ... وأمر لرسولنا الذي لا ينطق عن الهوى بعد م التغطرس والدكتاتورية بالاستبداد برأية فقط , ومن ايده عليه ....... ففيها قمة التهذيب , لعل الطرف الاخر يعيها وتصفي النفوس .... ولا تأخذ كل منهما العزة بالاثم .
وكل راع مسؤل عن رعيته
والله ولي التوفيق