لقد قتلت الكثير فهل هي مجرمة؟ ارجوا الإجابة

الملتقى العام

بسم الله الرحمن الرحيم


وعيت على نفسي ودرجت بين جدران طينية، ومواقد حجرية تُسمى الكانون وإذا أراد أهلي أن يطبخوا أوقدوا حطباً تحت قدر نحاسي كبير داخل هذا الكانون ونفخوا عليها بأفواههم حتى تتوهج فتحتقن الوجوه وتحمر العيون دون ذلك. وهناك البئر يُدلى منها الماء لتُغسل الثيابِ بصحون كبيرة وتكل الأيدي وتمل الأجسام وهي تعرق وتفرك، سقى الله تلك الأيام المباركة التي كانت فيها حركة الجسم هي المحور الذي تدور حوله حياتنا، ولولا تلك الحركة لما أنجز عمل.
ولو قُدِّر لنا تجاوزاً منذ ذلك الأمد البعيد أن الذين كانوا يمارسون هذا الجهد المضني حدثتهم عن مكائن تضع فيها ثيابك وماء وصابون ستقوم بغسل ثيابك دون تدخل منك، أو حدثتهم عن طائر ضخم يحمل العشرات بل المئات من الناس مع حوائجهم لينقلهم بسرعة البرق من بلد إلى آخر فماذا سيقولون؟ لا شك أنهم سوف يسخرون منك ويعتبرون ذلك طرفة للضحك فقط .
أما الآن فعن أي شيء نتحدث؟ وأي شيء نشرح وقد قطفنا أشواطاً بعيدة في عالم التقنية المخيف؟
البيت المسلح بالحديد والعوازل والتبريد الصناعي والثلاجة التي تحفظ فيها ما يكفيك لمدة شهر من للحوم والخضار.. ماؤك بارد وهواؤك بارد ووسائل الإعلام من حولك تنقل الأخبار لك فور حدوثها وأنت على مائدتك التي اختلط بها طعام الصيف بطعام الشتاء. لقد توفرت احتياجاتنا من كل بلد، وتكامل كل أنواع الفاكهة، حتى لم يعد أحدنا يعرف فاكهة الصيف من فاكهة الشتاء...
ثم تطورت التقنية حتى أصبحت تتدرج في إلغاء الحركة الإنسانية لتنوب عنها بمهامها.
المكيف يعمل ويقف بلمسة زر على سطح (الكونترول) وكذلك التلفاز وكذلك السيارة وباب بوابتك وهاتفك الثابت والمحمول ينتقل بك في ثوان من قارة إلى أخرى ، يتحدث معك الشخص كأنه بمجلس بجانبك. أدواتك المطبخية كلها بالأزرار. موقدك جزء منه على الغاز وجزء على الكهرباء، عصّارتك التي توفر لك العصائر المختلفة تنوعت أشكالاً وكلها تعمل بلمسة زر، حتى بصلك تقطعه آلة. والمبخرة التي يُدخن عليها البخور أصبحت كهربائية لا جمر ولا موقد ولا طين ولا جهد ... زال الجهد شيئاً فشيئاً وزالت معه لذة العمل ولذة الطعام ولذة النوم ... لقد زال الجهد وتعطلت عملية التعرق للجسم وهي أفضل متنفس لسموم الجسم وبلائه .. تضايق العبء بما يحمل وتكون داخل الجسم المتراكمات السُمِّية وتجل الدم بالعروق وانتشرت الأدواء كالسكر وضغط الدم وناء القلب بما يحمل وتهددت حياتنا بالويلات المرضية، وأصبحت صحتنا زائفة نهرع إلى الأعشاب فلا تنفع وإلى الطبيب فيمنعنا عن أحب شيء إلينا وهو الطعام!! ألا فطوبى ... ثم طوبى لمدرسة الطين والكانون التي رحلت عنا ورحل معها نشاطنا وعافيتنا، وربما حياتنا.


مظلة الإسلام
0
420

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️