زهرة الفراشة :

في أول رمضان بدونك.. كلُّ عامٍ وأنتَ بخير اقترب رمضان يا أبي.. فكلُّ عامٍ وأنتَ بخير.. اقترب الشهر الكريم.. وأعرف كم كنت تحبه.. وتفرح به.. وتعد الأيام الباقية على قدومه.. اقترب رمضان.. بل أصبح واقفاً يطرق الأبواب.. وما لي لا أشعر بفرحته ككل عام يا أبي.. اقترب رمضان.. وما لي لا أبتسم حين أراهم يعلقون الزينات والأنوار.. لا أبتهج لرؤية فوانيسه الملونة.. بل إني حتى لا أرى ألوانها.. ما لي أراها قاتمة سوداء اللون يا أبي.. اقترب رمضان وإني أخشاه يا أبي.. لأول مرة بعمري أخشاه.. أخشى أن يستطلعوا هلال رمضان ولست معي.. أخشى أن يعلنوا بدء الشهر الفضيل فلا تتصل بأقاربنا لتهنئتهم.. أخشى أن يؤذن فجر رمضان دون أن توقظني لتسقيني.. أخشى أن يؤذن مغرب رمضان فأجد مكانك مهجوراً على المنضدة.. ولا أحضر لك الدواء.. ولا أسمعك تقول "كل سنة وانتوا طيبين".. أخشى ألا تطلب مني قهوتك.. ولا تصلي معنا.. ولا تمسك بمصحفك.. أخشى أن يأتي العيد ولست معنا يا أبي.. وأن أذهب لصلاته دون أن أتحايل لتذكيرك بأني لم أكبر بعد على "العيدية".. جاءت ليلة رمضان يا أبي.. واستطلعوا الهلال.. وما زالت ملامحي على جمودها.. بدون أي تغيير أو تعبير.. ملامح تسعى جاهدة لإخفاء الحزن.. وفي ذات الوقت لا تقوى على رسم ابتسامة زائفة.. استطلعوا الهلال يا أبي وازدادت المرارة والحسرة.. وأنا أخفيها بداخلي.. أخفيها كي لا أؤذي مشاعرهم.. رغم إدراكي التام يا أبي بأن ذات المشاعر تعتمل في صدورنا جميعاً.. وأن كل منا يحاول التمثيل على الآخر.. ويختبئ وراء قناع ثلجي الملامح.. كم أرهقني حمل القناع.. كم أرغب في خلعه يا أبي.. جاء رمضان يا أبي وأشعر بك ترفرف حولنا.. جاء رمضان يا أبي وما لي أحبس دموعي حين أتلقى المعايدات.. ما لي أدركها تعازي.. ما لي أرد عليها بوقار زائد وحزن مهيب.. ما لي لا أقوى على تهنئة أحد.. ما لصوتي يخفت حين أدفعه دفعاً للتهنئة.. ما له عصيًّا يرتعش ويفضح ما بي.. رغم مجاهدتي لإخفائه.. جاء رمضان يا أبي.. وأحمد الله أنه قد بلغنا شهر الرحمة والمغفرة.. وأسأله أن يتقبل منا.. وأن يغفر لي عدم قدرتي على الابتهاج.. فما أصعب الابتهاج يا أبي وما أقسى الشهر ولست معي.. اقترب أذان المغرب يا أبي، ولم أجدك جالساً تستمع للقرآن.. أذن مغرب رمضان يا أبي وتثاقلت خطواتنا إلى المائدة.. لعلها تخشى أن تصل فلا تجدك.. أو أن تضطر للجلوس على مائدة تنقصك.. ٍجاء إفطار رمضان يا أبي وازددنا وجوماً.. جاء إفطار رمضان ككل عام.. ولكنه جاء بلا طعم ولا لون ولا رائحة.. في أول رمضان بدونك.. كلُّ عامٍ وأنتَ بخير يا أبي.. كل عام وأنا لا أنساك لحظة.. وأعيش على ذكراك الجميلة.. كل عام وأنا أحبك أكثر.. وأفتقدك أكثر.. وأشتاق لك أكثر.. وأشبهك أكثر.. وأفخر بك أكثر.. وأدعو لك أكثر.. وأحسبك بإذن لله تتمتع بنعم الجنة.. في أول رمضان بدونك.. كلُّ عامٍ وأنتَ بخير يا أبي.. منقول

في أول رمضان بدونك.. كلُّ عامٍ وأنتَ بخير اقترب رمضان يا أبي.. فكلُّ عامٍ وأنتَ بخير.. اقترب...