نخلة مثمره

نخلة مثمره @nkhl_mthmrh

كبيرة محررات

لكل من تعاني من قلة المال

الملتقى العام

نتمنى المال والمناصب والقصور والاثاث الفخم وماندري ممكن هالمال يكون نغمه علينا
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري




وردت قصة قارون في سورة القصص ما بين الايات الكريمات 76- 83


كان قارون من بني اسرائيل من قوم موسى عليه الصلاة والسلام الذين شاءت أقدارهم أن يعيشوا في مصر تحت حكم فرعون وسلطانه , يستذلهم ويستبدّ بهم, وقد كانت رسالة موسى عليه السلام لتتلخص في ثلاثة أمور: تخليص بني اسرائيل من سيطرة فرعون عليهم, ورفع عنهم الأغلال , وأن ينجو بهم الى أرض المعاد في ايمان وعزة وكرامة.

واذا كانت مواجهة موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون تعني المواجهة مع طغيان السلطان واستبداد الحكم, فانها كانت مع قارون كانت تعني المواجهة مع طغيان المال واستبداد الغنى , يقول الله تعالى في سورة الليل

كلا انّ الانسنَ ليطغى * أن رآهُ استغنى

والسلطة والمال شهوتان تصبّان في بوتقة واحدة تفور بالشهوة وتمور بالهوى

ولقد ظلّ غنى قارون وما أوتي من مالٍ وثروة على مدى القرون والاجيال الماضية مضرب الأمثال والى يومنا هذا, ولقد درج القول على كل من يملك مالا كثيرا أو ثروة عظيمة: لقد أوتي مال قارون, وما هذا القول الا تعبيرا ضمنيا عن الثراء والغنى.


لم تكن أموال قارون نقدية فحسب, بل كانت من الذهب والفضة والجواهر واللآليء, وكان يودعها في خزائن حديدية موزعة في الغرف السفلية لقصره المشيبد, ولكثرتها فانّ مفاتيحها كانت رزماً في سلاسل يعجز عن حملها ونقلها مجموعة من الرجال الأشداء الأقوياء.

ولا عجب من ثروة قارون مهما بلغت, فقارون اسمً يتكرر في كل مكان وزمان, ولعلّ أثرياء العالم على كثرتهم يملكون ثروات هائلة لو عاد قارون للحياة من جديد وحصر ثروته لربما وجد نفسه أفقرهم, وان كان لقارون رجالا أشداء أقوياء مهمتهم حمل مفاتيح خزائنه, فأثرياء اليوم لم يعودوا بحاجة الى هذه مثل هؤلاء الرجال بعد توافرت البنوك العالمية وتناثرت هنا وهناك.

انّ العقل الضعيف المحدود, والرؤية السطحية للأمور والأشياء تتصوّر أنّ المال والثروة نعمة من الله عزوجل على العباد , ولم يدركوا بعد أنّ المال انما هو نعمة ونقمة في آن واحد, فهو نعمة اذا رُزق به الانسان به وعرف مصارفه في وجوه الخير دون حساب, تماما كعثمان بن عفان وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم. وغيرهم ممّن أنعم الله عزوجل عليهم وتتبعوا أثرهم , ونقمة لمن بخل به واستغنى وأصبح شاغله الشاغل ينام على ذكره ويصحو على ذكره, يقطع به الأرحام ويأكل به اموال الناس ظلما, ويعين به على معاصي الله عزوجل , والسعيد من الناس من يكون عليه نعمة, ذلك أنّ الانسان متى مات , فالله عزوجل سيسأله عنه سؤالان : من أين اكتسب هذا المال, وأين أنفقه؟

وكما في الحديث الصحيح: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه , وعن علمه ماذا عمل به, وعن شبابه فيما أبلاه , وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه.

فمقومات الحياة الدنيا هي هذه الأربعة خصال: يعطيها الله عزوجل للإنسان في الدنيا ليحاسَبُه عليها في الآخرة , والقبر أولى منازل الآخرة.


وليعلم كل منّا أنّ كل عطاء يعطيه الله عزوجل لعباده انما هو للابتلاء والامتحان, فاذا ما استخدم هذا العطاء في وجوه الطاعة والخير والبر كان عليه نعمة عظيمة يجازيه الله عزوجل بها بأحسن الجزاء في الدارين الدنيا والآخرة, وأما اذا استُخدم هذا العطاء في المعصية, وانفقه في الشرور والآثام كان عليه نقمة, ويزيد من سيئات صاحبه , فيضاعف له العذاب يوم القيامة, تماما كقوله تعالى في سورة التوبة 34- 35:

وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ



انّ عطاء المسيء واغداق المال عليه وتوسعة الرزق والثروة انما هو استدراج من الله تعالى لعباده, والحكمة كل الحكمة هي في قول سليمان عليه الصلاة والسلام في سورة النمل: هذا من فضل ربي لماذا؟ ليبلوَني أأشكرُ أم أكفرُ, ومَنْ شكرَ فانما يشكرُ لنفسهِ, ومَنْ كفرَ فانّ ربي غنيٌّ كريم


ونعود الى قارون,وكما ذكرنا أنه كان من بني اسرائيل من قوم موسى عليه الصلاة والسلام لكنه يختلف عنهم في أنه لم يكن مستعبد عند فرعون, كونه كفرعون تماما قد مشى على خطى الشيطان ونهجه بانحرافاته وكفره وطغيانه وبغيه , فان كان طغيان فرعون في السلطة فطغيان قارون كان بالمال, ولاهما في الاثم سواء لايثارهما الحياة الدنيا على الآخرة, وتجبرهما وتكبرهما واستذلالهما رقاب العباد, وكل مهنما سخر العباد لخدمة مآربه وشهواته, وهذا ما أخبرنا القرآن الكريم به كما في قوله تعالى

انّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم

لقد وصف لنا القرآن الكريم كيف تدفق المال على قارون تدفق النهر في جريانه, منقطع النظير ليصبح أغنى الناس وأكثرهم مالا وكنوزا وثروة ورزقا لدرجة أنه بات مضربا للمثل لعشرات القرون والى يومنا هذا, وما كان هذا الثراء الا استدراجا وابتلاء وفتنة, كما فيى قوله تعالى:

وآتيناه من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوؤوا بالعصبة أولي القوة



وعندما رأى موسى عليه الصلاة والسلام كل هذا الطغيان والتجبر والتكبر والذل لخلق الله , كان عليه لرسول ونبي مرسل من قبل الله عزوجل أن يقضيي على هذا الفساد الذي عمّ البلاد, كان عليه أن يواجه قارون في غيّه واستبداده وظلمه ليردُّه الى صوابه ان استطاع, وليبين له طريق الهداية وصراط الله المستقيم لعله يُدركُ أنّ الله حق, وان موسى عليه السلام قد دخل على فرعون من باب نفي صفات اللوهية عنه ودعوته للايمان بالله ربا وبه نبيا ورسولا, فقد دخل على قارون من عدة أبوب على رأسها تكبره وتجبره طغيانه وسلطانه على العباد والتي ولدّت نشوته وفرحته العامرة متباهيا بثراءه العظيم الذي ولد عنده احساس بأنه ما أوتي كل هذا الثراء الا عن محبة الله تعالى له , معتقدا بجهله أنّما الله تعالى يكافىء عباده بالمال, ولطالما ضحك ملء شدقية للمعان الذهب وبريق الفضة, وعندما وجده موسى عليه الصلاة والسلام بهذه الحالة الهستيرية من التدهور والانحراف, أرسل له طائفة من عقلاء بني اسرائيل ينصحونه بالقول : بألا تزهو ولا تتجبر وتتكبر, وألا تفرح كثيرا , فانّ الله تعالى لا يحبُّ كل مختال فخور, وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى
لا تفرح, انّ الله لا يحبُّ الفرحين

وعندما لم يأبه لموعظتهم , ذهب اليه موسى عليه الصلاة والسلام بنفسه ووعظه موعظة بليغة , وذكره بالموت, وزجره وتوعده بعذاب الله تعالى عاجلا أم آجلا, فقال له موسى عليه الصلاة والسلام: يا قارون! لقد آتاك الله عزوجل مالاً لا حصر له, وثروةً ما عرفت في الأولين, وما ذاك الا ليفتنك ويبتليك, أتشكر على ما آتاك الله أم تكفر بنعمه وآلاءه, فما أُوتيته من ثروة يجب أن توازن فيه وفي مصارفه بين المستقر والمستودع, وبين المعبر والممر, بين الدنيا والآخرة, بين الحياة الفانية والباقية, فالمال أساسا يوهبه الله عزوجل لعباده ليختبرهم فيه , اينفقونه في أوجه الخير أم الشر, أينفقه في سبيل الله أم في سبيل الطاغوت, خذ نيبك منه واستمتع بحياتك كما يحلو لك في المطعم والمشرب والملبس وباقي متع الحياة من غير اسراف أو تبذير, ولا تنسى حق الله عزوجل في عباده الفقراء واليتامى والمساكين, وهذا معنى قوله تعالى

واتبّع فيما آتاك الله الدار الآخرة, ولا تنس نصيبك من الدنيا

الا أنه أغمض عينيه عن كل حقيقة, وزاغ عقله عن كل هدى, وبقي على عناده وغطرسته وطغيانه, تماماً كقوله تعالى

فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور

وكقوله نبينا محمد بن عبد الله , عليه أفضل صلوات الله وسلامه, بما معناه

اذ ليس لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت, أو لبست فأبليت, أو تصدّقت فأبقيت

كان قارون يستمع الى مواعظ موسى عليه الصلاة والسلام بجسمه الحاضر لا بعقله وحسه , فالعقل والحسُّ كانا مشغولين بالنظر بزهو الى يده المقبوضة وقد زينتها الخواتم, ولم يتنبّه الى حديث موسى عليه الصلاة والسلام, الا بعد لحظات من توقفه عن متابعة الكلام , ليقول له قارون: هيه.. وماذا بعد؟

عند هذا السؤال أيقن موسى عليه الصلاة والسلام أن عليه يخاطبه باللهجة التي يفهمها كل متغطرس جبار عنيد, اللغة تصفعه صفعا بلهجة موجعة لعلها توقظه من عنجهيته وتكبره وتجبره فيدرك أنّ الله عزوجل حق, فقال له موسى عليه الصلاة والسلام: يا قارون, فكما أحسن الله عزوجل عليك بالصحة والعافية والرزق الوفير, أيضا عليك أن تحسن الى خلق الله وعباده, عليك أن تعيد كفتي ميزانك ليستقيم أمرك, اما أن تبقى بهذا الغي وهذا الفساد والتجبر والتكبر والزيغ والضلال, فذاك لعمري هو الخسران المبين, وقمة الانحراف وذروة الفساد في الأرض, فانتبه وحاذر انتقام الله منك, واعلم بأنّ الله تعالى لا يحب الفساد , ولا يحب المتجاوزين لحدوده, وهذا معنى قوله تعالى

وأحسن كما أحسن الله اليك, انّ الله لا يحبُّ المعتديبن

ومع هذا وذاك لم يأبهْ قارون بما وُعظَ به, وكان تماما كمن أخذته العزة بالاثم , فحسبه جهنم ولبئس المصير (البقرة 206)

وعندما لم يحتمل موعظة موسى عليه السلام استبدّ به الكبر والتجبر, وهبّ به شيطانه , فقام واقفا ثم هاج وماج كالثور في الساقية وقال: انّ هذا الجاه وهذا السطان الذي تراهُ , انما كوّنته بكفاءتي ومقدرتي, كونته بعلمي وعملي, وليس لأحدٍ عليّ منةٍ أو فضل, ولئن أُوتيت هذا المال من عند الله كما تزعم, فذلك لأنني أهلٌ له, ولأني جديرٌ به, ولأني أستحقه من دون الآخرين, فكفاك مواعظاً , فأذنايَ لم تعد تُطيقُ سماعَ أكثر من هذا وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى

قال انما أُوتيته على علم عندي, أوَ لمْ يعلمْ أنّ الله قد أهلكَ مِنْ قبلهِ , من القرونِ مَنْ هوَ أشدُّ منهُ قوّةً وأكثرَ جمعاً, ولا يُسئلُ عن ذُنوبهمُ المجرمون

ولكون موسى عليه الصلاة والسلام نبياً ومرسلا من عند الله عزوجل , فقد تلقى كلمات قارون بكل رباطة جأش , لم يغضب ولم يحتد, آخذا بوصية الله عزوجل الأزلية: وأْمر بالعُرف وأعرضْ عن الجاهلين.. الأمر الذي جعله لأن يسمعه كلمته الأخيرة , والتي كانت فصل الخطاب بينهما فقال له عليه السلام: ما تزال نفسك تخدعك يا قارون, وما يزال ابليسك يغويك ويغرّك, ولقد كان فيمن مضى من الأمم قبلك من هو أشدُّ منك قوةً وأكثر جمعاً, فأخذهم الله بذنوبهم وآثامهم, وطوتهم الأرض في بطنها ينتظرون يوم الحساب يوم لاينفع مالٌ ولا بنون * الا مَنْ اتى الله بقلبٍ سليم

وانتهى اللقاء بينهما , على بثقاء قارون في غيّه متمادياُ, وفي باطله وطغيانه متمرغا, يعبُّ من كؤوس اللذة العاجلة حتى الثمالة , لذا فقد خسف الله عزوجل به وبثروته وأعوانه الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة

انّ لكل ظالم متجبر متكبر نهاية, فمهما طال عمر الباطل فلا بد للحق أن ينتصر, وهذه سنة الله عزوجل الخالدة في هذا الكون كما في قوله تعالى: قل جاء الحق وزهق الباطل , انّ الباطل كان زهوقا, ولن تجد لسنة الله تبديلا... ولن تجد لسنة الله تحويلا...ويوم يعَضُّ الظالمُ على يديهِ يقولُ يا ليتني اتخذْتُ معَ الرسولِ سبيلاً يا ويلتى ليتني لمْ أتخذْ فُلاناً خليلا * لقدْ أضلَني عنِ الذكرِ بعدَ اذْ جاءني , وكانَ الشيطانُ للانسانِ خذولاً

وتقترب نهاية الطاغية قارون وجاءت سكرة الموت بالحق , ذلك ما كنت منه تحيدوتقترب نهاية الطاغية قارون , فذات يوم مشهودٍ شهده جمع من الناس خرج قارون من قصره يرفل بأبهى الحلل التي تتماوج ألوانها, مُزيّناً رأسه باكليل من الجواهر واللاليء , وكأنه التاج المرصّع يثحاكي به الملوك, تحيط به حاشيته من الأعوان والخدم, جميعم في أبهى زينة واعظمها, يحرقون البخور بين يديه في مجامر من نحاس مثطَعَّمٌ, تلتمع في وهج الشمس, وتتقد بالنار وتنفحُ الجو بدخان مُشِعٍّ بأزكى الروائح العطرة, وهناك عصبة من الرجال ذوي العضلات القوية والسواعد المفتولة يحملون رزما من المفاتيح في سلاسل من الحديد, يكادون يقعون أرضا لثقلها وشدة وطأتها, يمضون خلفه ويتعقبون خطاه

حيث وقارون يمشي متبختراً في خيلاء وزهوفي ممر طريل والأعمدة مصطفة على جانبيه, اذْ هتف بعض ضعاف القلوب والعقول ممن كانوا يشاهدون موكبه وزينته: يا ليتنا نُؤتى بعضا من حظّ قارون من الغنى والثراء وسعة الرزق وعظيم الجاه, ياليت, قالوها في حسرةٍ وألم, وقد لعبت بهم الظنون, وعبثت بقلوبهم الجهالة , وعقولهم الجنون, فردّ عليهم بعضا من الذين أوتوا العلم والايمان: ويلكم أيها المخدوعون بزينة الحياة الدنيا, احذروا الفتنة واتقوا الله, واعلموا أنّ ثواب المولى الباري عزوجل خيرٌ مما ترون وتشاهدون, ويلكم فكل شيءٍ في الدنيا ! مآلهُ الى فناء وزوال, بينما السعادة الأبدية الخالدة لا فناء لها وزوال.

وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى

فخرج على قومه, في وينته, قال الذين يُريدونَ الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أُوتيَ قارونُ انهُ لذو حظِّ عظيمٌ * وقال الذين أُتوا العلم ويلكم ثوابُ اللهِ خيرٌ لمَنْ آمنَ وعملَ صالحاً ولا يُلقاها الا الصابرون



اذن كان قوم موسى عليه الصلاة والسلام يتبعون فريقين : الأول فريق الوهن, وهذا الفريق غلب عليه شقوته وهواه فافتتن بزخرف الحياة الدنيا وزينتها, وزيّن له ابليس سوء الواقع بوهم الخيال والخبال , وهذا الواقع نعيش أحداثه لوقوع وتخبط أمة الاسلام فيه الا من رحمه الله. لقوله عليه الصلاة والسلام: توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلةنحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذكثير، ولكن غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفِنَّ الله في قلوبكم الوهن، قالواوما الوهن يا رسول الله؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت....أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وهذا والله ما نراه اليوم في حال هذه الأمة وهي متشققة ومتفرقة لا يعلم حالها الا الله عزوجل , وبالتأكيد لابد للسبب أن يكون له مسبب , ولو نظر المتمعن في الأمر جليا لأيقن أنه لا يبعد عن الانغماس في الفساد قيد أنملة, فالفساد الذي عمّ البلاد والعباد بابتعادهم عن التمسك بحبل المتين: كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, كما في قوله تعالى في سورة الفرقان
وقال الرسولُ يا ربّ انّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا
وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح
تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ما تمسكتم بهما
أو كما قال عليه الصلاة والسلام

والهجران هنا ليس في عدم تلاوة القرآن فقط, وانما أيضا في البعد عن العمل بأحكامه وتعطيل قوانينه : من احلال الحلال, وتحريم الحرام, واقامة الحدود, وبالانصراف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حاملين شعار: وأنا مالي , مفسرين قوله تعالى: لا يضُرُّكُمْ مَنْ ضلَّ اذا اهتديتم تفسيرا خاطئا, ومحققين قوله صلى الله عليه وسلم: سيأتي زمان على أمتي القابض فيه على دينه كالقابض على جمرةٍ من النار.. او كما قال عليه الصلاة والسلام

وانه ليطيبُ لي في هذا المقام أن أسرد نص خطبة كاملة لابن الجوزي رحمه الله , والتي كان قد ألقاها من على منبر الجامع الأموي بدمشق قبل مئات الأعوام, أيام الغزو الصليبي على ديار الاسلام, وأعرضها فقط للعبرة, كونها تصوّر وبدقة متناهية حال الأمة اليوم المتردي

أيها الناس ! مالكم نسيتم دينكم وتركتم عزتكم وقعدتم عن نصرالله فلم ينصركم؟ أحسبتم أن العزة للمشرك؟ وقد جعل الله تعالى العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

يا ويحكم ! أما يُؤلمكم ويُشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم يخطر على أرضكم التيسقاها بالدماء أباؤكم؟ يذلكمويستعبدكم وأنتم كنتم سادت الدنيا؟ أما يهزَّ قلوبكمويُنمّي حماستكم مرأى إخواناً لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف؟
أفتأكلون وتشربون وتتنعمون بلذائذ الحياة؟ وإخوانكم هناك يتسربلون اللهبويخوضون النار وينامون على الجمر ؟


يا أيها الناس ! إنها قد دارت رحى الحربونادى منادي الجهاد وتفتحت أبواب السماء ، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فافسحواالطريق للنساء يُدرنَ رحاها ، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل يا نساءً بعمائمٍ ولِحى. .. أو لا ؟ .
فإلى الخيول وهاكم لجمها وقيودها.. يا ناس أتدرون مما صُنعت هذهاللجَمِ والقيود ؟
لقد صنعها النساء من شعورهن, لأنهن لا يملكن شيئاً غيرها ، هذهوالله ضفائر المُخدِّرات لم تكن تبصرها عين الشمس صيانة وحفظاً ، قطعنها لأن تاريخالحب قد انتهى ، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة ، الحرب في سبيل الله, ثم في سبيلالدفاع عن الأرض والعرض .
فإذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها , فخذوها فاجعلوهاذوائب لكم وظفائر, إنها من شعور النساء ، ألم يبق في نفوسكم شعور .
وألقى اللجممن فوق المنبر على رؤوس الناس وصرخ :
ميدي يا عُمَدَ المسجد وانقضي يا رُجوم , وتحرّقييا قلوب ألماً وكمداً ، لقد أضاع الرجال
رجولتهم .


فرحمك الله يا ابن الجوزي رحمة واسعة, وما أشبه اليوم بالبارحة
أعلم أني شتت قد عن الموضوع , وما هو الا بسببالحرقة من حال الأمة اليوم , فاعذروني





والثاني: فريق استمسك بالهدى, وظلّ موصولاً بالله عزوجل, فلم تُغرُّهُ زينة الحياة الدنيا ولا مباهجها وشهواتها, ولم يغرهم بالله الغرور, قابضين على دينهم كالقابض على جمرةٍ من نار, وان كان هذه الفئة قليلة, الا أنها تُبشِّرُ بوعدٍ صادق , كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين
لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك

وليعلم كل مغرور في هذه الدنيا الفانية أنّ ما أصاب الأمم من قبلنا سيُصيبنا ان نحن ابتعدنا عن شريعة الله عزوجل, ولو علمنا أنّ العمل بشريعته عزوجل هو السعادة الابدية في الدارين الدنيا والآخرة لربما كان حالنا أفضل, فكفانا عزّا بها انها تحفل بنعيم لا ينضب, نعيم سرمدي خالد لا نهاية له, نعيم لا يوازيه شيء من تصورنا, وهي كما في صحيح مسلم رحمه الله من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعا الى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سأل موسى عليه السلام ربه فقال:يا رب! ما أدنى اهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجلٌ يأتي بعدما يدخل أهل الجنة الجنة, فيقال له: ادخل الجنة, فيقول: أي رب, كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب,فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله, وقال في الخامسة: رضيت يا رب, فيقال: هذا لك وعشرة أمثاله, ولك ما اشتهت نفسك ولذّت عينك, فيقول : رضيت يا رب

قال: ربّ فأعلاهم منزلةً:قال: أولئك الذين أردت غرس كرامتهم بيديّ, وختمت عليها, فلم تر عينٌ, ولا تسمعُ أذنٌ, ولم يخطر على قلب بشر...قال: ومصداقه من كتاب الله تعالى: فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفيَ لهمْ مِنْ قُرَّةُ أعيُنٍ جواءً بما كانوا يعملون


نعود الى قارون مرة أخرى, وبعدما انقضت الجموع وأوى كل حيٍّ الى سكنه وداره, ومع حلول الظلام وقد أرخى الليل سدوله وقعت الواقعة على قارون ومن معه من الفاسقين الظالمين, وامتثل الدرس حيّا بوعد الله عزوجل القائل في كتابه الكريم سورة الاسراء

واذا أردنا أنْ نُهلكَ قريةً أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها, فحقّ عليها القول فدّمرناها تدميرا

وهذا القول الكريم وان أتى بعد عهد موسى عليه السلام بمئات السنين, الا أنه احدى سنن الله عزوجل الجليلة, في كل جبّار عنيد متكبر لا يخشى الله عزوجل ولا يؤمن باليوم الآخر, وقوله تعالى الكريم نافذٌ لكلّ زمان ومكان الى قيام الساعة.


ماذا حدث لقارون وقومه؟ لا يخرج زلزال تبعه بركان, زلزال هائل زلزل كيانه وأخذ معه كل شيء صادفه أمامه, اتبعه عزوجل ببركان أشدّ منه فأحرق كل شيء في قصر الطاغية قارون الأخضر واليابس , اذ وقارون في القاعات السفلية من القصر يُحصي حصيلة يومه من الدنانير الذهبية ليودعها احدى خزائنه في زهوٍّ وفرحٍ يأتيه أمر الله عزوجل باهتزاز الأرض وارتجاجها, وترنح المباني من حول القصر وتمايلها
تهدأ قليلا ليقوم الناس من رقادهم مذعورين بعد قضاءهم ليلة من ليالي العمر وهم يشهدون ما كان لقارون وحاشيته بالأمس, قاموا في رعب وقلق وخوف متسمّرين في أماكنهم كالتماثيل بأحداق واسعة مفتوحة, وبالوان الطيف مخطوفة, وبقلوب واجفة مضطربة, وبألسن محبوسة حتى عن الصراخ, ولم يلبث الهدوء الا ثوانٍ معدودة حتى حدثت رجفة جديدة مصحوبة بدويٍّ هائلٍ وأصواتٍ كالرعد المتواصل, في هذه الأثناء تنشق الأرض من تحت قصر قارون وتتدفق

ألسنة اللهب من كل جانب لتأكل كلّ محتويات القصر بنهم , وتبتلعه في ثوانٍ معدودة, وما أن وقعت الأعمدة والجدران بحجارتها الضخمة وأتربتها, حتى وجد قارون نفسه محاصرا من كل جانب, ولسان حاله يقول قوله تعالى في سورة الحاقة: ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه

وهو على ذا الحال تحت الأنقاض واذ بالماء يتبع النار, ويتفجّر من الأرض عيوناً كأنه الاعصار في سرعته, والطوفان يغمر المكان كله, لينتهي امر قارون, وليعلم:

انّ ربَّكَ لبالمرصاد ..... و ..... انّ بطش ربك لشديد


وبهاتين الآيتين الكريمتين العظيمتين نأتي على ختام هذه القصة القرآنية , التي ما أوردناها الا للعبرة والعظة لكل من يؤمن بقوله تعالى في آية عظيمة يخاطب بها نبيه صلى الله عليه وسلم : فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد, على أمل اللقاء بكم ان شاء الله تعالى مع قصة قرآنية أخرى , نترككم برعاية المولى عزوجل
9
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بوتيك جلنار السيالي
جزاك الله خير
ويرزقنا الحلال الطيب بما يكفينا ويعفنا ويبارك لنا بيه
سحورهـ1
سحورهـ1
موضوع رائع
جزيتي خيرا
مياآآاسه
مياآآاسه
جزاك الله خير
اريـــن
اريـــن
بارك الله فيك
عجيبة وغريبة
عجيبة وغريبة
اللهم صل ع الحبيب