الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
أختي الحبيبة..
ربما سأكرر كلاماً قلته في ردود كثيرة..
لكني سأجمعها هنا..
حى تكون مرجعا ًلكل من فقدت جنينها أو طفلها..
أختي المبتلاة..
أختي الحبيبة الغالية..
اسأل الله أن يصبرك ويثبت فؤادك.. وأن ينزل عليك السكينة والرحمة والرضوان..
اسأله أن يلهمك الصبر والسلوان..
وأن يرزقك خيراً مما فاتك..
وأن يجعل هذا الابتلاء تكفيراً لذنوبك.. وتمحيصاً لك.. ورفعاً لدرجتك في الجنة.. وشفاعة لك يوم القيامة..
وأبشرك أختي الحبيبة
أنك قد حصلت على ما لم تحصل عليه الكثيرات..
اصطفاك الله من بين آلاف وعشرات آلاف النساء.. ليكون لك شفيع تدخرينه ليوم الحساب..
أهنئك وأبشرك أنه قد صار عندك الآن شفيع ينتظرك على باب الجنة إن شاء الله..
هو الآن في حواصل طير خضر تطير وتدور في سماء الجنة..
ترتع في أنهارها وعيونها وتلهو بين أشجارها الوارفة..
فأي نعيم هو فيه طفلك الآن؟
أبشرك أن طفلك هو الآن في حضن نبي الله ابراهيم عليه السلام..
يرعاه لك.. ويحنو عليه..
انتقل طفلك من رعايتك ورعاية الممرضات والأطباء وازعاجهم..
إلى رعاية رب الأرباب.. الرحيم الرحمن..
إلى من هو أرحم به منك ومن كل مخلوق سبحانه..
ومن أرحم به من خالقه.. وفاطره؟
هو الآن قد انتقل..
من ظلمة البطن وضيقه..
أو من ازعاج المستشفى وآلامه..
أو من آلام الدنيا وهمومها وفنها..
إلى..
ضيافة الرحمن..
في السماء العليا..
عند ملك الملوك..
وكيف ستكون ضيافة الملك؟؟
وكيف ستكون رعايته له؟؟ لك أن تتخيلي..
لا هم.. ولا ألم.. ولا بكاء..
بل فرح وسعادة ولعب..
أختي الحبيبة
أبشرك أنك إن صبرتي واحتسبتي فلك الجنة إن شاء الله..
وأنا أعلم يقيناً أن فقدان الطفل ليس بالأمر الهين..
أمي جربت ذلك من قبل..
فقدت طفلها البكر في الشهر الثامن.. وبدون سبب..
كان سليماً معافاً دقات قلبه منتظمة وكل شيء سليم - كما يقول الأطباء..
ثم..
سبحان الله ذهبت لمراجعة عادية.. وضعوا السماعة على بطنها
فما وجدوا نبضاً...
سبحانه الملك..
أمر بأخذ روحه..
فهل نراجعه؟ هل نلومه سبحانه؟ هل نتذمر لما قضاه؟؟
بل نحمد ونشكر ونرضى..
هو الذي أعطى وهو الذي أخذ سبحانه..
تقول أمي..
أعطوني محفزات.. وولدته سليماً كاملاً ماشاء الله حتى شعره أسود وكثيف تبارك الله..
انظر اليه أبحث عن نقص أو خلل فلا أجد..
هي حكمة الله..
أخذ روحه لسبب لا نعلمه.. ولا يعلمه إلا هو علام الغيوب..
أختي الغالية..
مهما كان الأمر مؤلماً..
تذكري..
لعل في هذا خيراً لك وله سبحان الله لا تعرفينه الآن..
وقد لا تعرفينه إلى يوم الدين..
خيراً عظيماً لكما..
كيف؟
الله حكيم سبحانه..
لا يقضى أمراً في هذا الكون إلا بحكمة.. تأكدي من ذلك.. وتيقني منه.. وآمني به إيماناً جاااازماً..
الله لا يقضي بشيء إلا لحكمة يعلمها سبحانه..
ربما.. لو عاش هذا الطفل.. كان عاقاً أو ظالماً لك ولوالده ولنفسه..
الله أعلم
لا تقولي كيف؟.. نبي الله نوح عليه السلام كان ابنه كافر..
والزوجان المؤمنان الصالحان في سورة الكهف أرسل الله لهم العبد الصالح الخضر لكي يقتل ولدهم الصغير..
تخيلي نفسك مكانهم..
طفل يلعب بريء مع اقرانه..
يأتي رجل مار في الشارع.. و..
يذبحه بدون سبب..!
تخيلي لو حدث هذا في عصرنا..
تخيلي أنك أم هذا الطفل..
ما الذي ستشعرين به وتفكرين به؟؟
لماذا يموت ابني الصغير..؟؟
هذا طفل بريء..لماذا يموت بهذه الطريقة؟!!
لماذا هذه الجريمة الشنعاء لطفل صغير.. ياااارب
(وحاشا لله أن نكون من المتذمرين المعترضين على قضاء الله)
لكن..
الله..
يعلم..
ونحن.. لا نعلم..
كان هذا من رحمة ربي لأن ربي يعلم يقيناً - بمقتضى الكتاب- أن هذا الطفل الذي نراه الآن بريئاً وصغيراً.. لو كبر لآذاهما وعذبهما في حياتهما بكفره وطغيانه وفساده {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهفهما طغياناً وكفراً}
سبحـــــــانه..
ما أرحمه وما أكرمه..!
الطفل الآن حين مات هو في الجنة.. لأنه مات صغيراً
ولكن..
لو ترك وعاش وفسد وكفر.. لدخل النار بمقتضى كفره..
فكري معي قليلاً..
من أرحم بهذا الطفل؟
أمه التي كانت ترغب في حياته.. ولو كان مآله إلى النار..
أم ربه الرحيم الذي أخذ روحه في الصغر واختار له الموت لأنه يريد له الجنة؟؟
وأيضاً أختي الحبيبة ..
تذكري من هي أسوأ منك حالاً..
من فقدت طفلها بعد أن عاشت معه سنوات وتعلق قلبها به..
ومن فقدت طفلها بعد أن كبر وأصبح يتحدث معها ويتكلم..
أعرف امرأة كبيرة في السن توفى لها 3 أطفال في سن صغيرة دون السنتين..
وتوفى لها ابن شاب عمره 18 سنة بعد تخرجه من الثانوية..
تقول..
"والله أن اللي توفوا صغار كأنهم ذبان عند حرتي على الكبير.."
هذه كلمتها بالحرف..
لماذا؟
لأنهم صغار .. توفوا وليس لهم ذكريات كثيرة..
لكن هذا.. كانت تتأمل عليه..
ولا زالت لديهم غرفته وكتبه وأغراضه وسيارته..
وقد سجل في الجامعة وأهله ينتظرون دراسته وتخرجه وزواجه..
هذا غييييييير ..
حر مصيبته يفطر القلب فعلاً.. سبحان الله
فقولي الحمدلله يا أختي..
أن الله أخذ طفلك من بطنك أو في صغره .. رحمة به وبك قبل أن تتعلقي به.. وهو الرحمن سبحانه أرحم به منك..
وأيضاً أختي
تذكري من ابتلاها الله بابن معاق أو يعاني من تخلف عقلي..
تموت كل يوم ألـــــــــــف مرة.. وهي تفكر:
ماذا سيحصل له لو ماتت قبله؟ من سيرعاه؟
تتمنى من شدة حبها له لو أنه يموت لترتاح وتعرف أنه ذهب عند الرحيم الرحمن..
أرحم من أن تكبر وتموت وهي لا تعرف ماذا سيحصل له في هذه الدنيا من بعدها..
هل سيتعذب؟ هل سيرمى في دار المعاقين؟
هل سيتم استغلاله أو التحرش به؟
أعرف أمرأة شابة لديها 3 أبناء مصابين بتخلف عقلي شديد...
تلدهم سليمين تامين الخلقة من أجمل الناس ماشاء الله..
ويشهد الأطباء بسلامتهم وصحتهم..
لكن مع نموهم بالسنوات تظهر لديهم علامات التخلف العقلي..
أشعر أنها تموت كل يوم..
وتموت كل ما نظرت إليهم..
دائماً فكرها معلق فيهم..
شبابها ذبل معهم.. وحياتها تقوقعت حولهم فقط..
محرومة من السفر.. من الاستمتاع والخروج لأي مكان..
لا تستطيع تركهم لخادمة ولا لخادم ولا أحد يستطيع تحملهم ماشاء الله كبروا وأصبحوا يرفضون الاستحمام أو سماع الأوامر..
تتعذب معهم كل يوم..
وتبكي كل ليلة..
تتمنى لو تموت معهم.. بدل التفكير كل يوم في مصيرهم..
وأيضاً أختي..
تعالي أذكرك بأخرى أسوأ منك حالاً..
تخيلي من ولدت ابنها.. وفرحت به..
بل طارت فرحاً..
سليم معافى تام الخلقة..
يكبر مع الأيام وهي تضحك كل ما سمعت منه كلمة أو طرفة..
تنتظر متى يمشي.. متى يتكلم.. متى يدخل الروضة..
متى يدخل المدرسة..
ويكبر الطفل يوماً بعد يوم..
لكنه يتحول إلى ابن عاق.. فاسد.. مدمن.. منحرف..
يؤذيها بكلامه وصراخه..
يضربها ويمد يده على والده..
تتمنى لو كان قد مات في بطنها ولم تلده..
أو تلك الأم - ووالله أني قد عرفت بعضهن يا أختي لا أتكلم من خيال-
التي انحرفت ابنتها..
وسلكت طريقاً سيئاً.. فأفسدت سمعتها وسمعة الأسرة..
ومرغت اسم والدها ووالدتها بالتراب..
دخلت السجن في قضية أخلاقية..
ما شعور أمها؟
والله لقد سمعتها بأذني عدة مرات - أيام عملي في الاستشارات الاجتماعية- من أمهات باكيات احترقت قلوبهن:
يااااااليتها ماتت يوم ولدتها!!
ياليتني جلست عليها يوم ولدتها (أي قتلتها)
يا ليتها ماتت في بطني ولا أشوف هاليوم
فلعل الله اختار لك.. هذا الخيار. . لأنه يحبك سبحانه..
اختار لك ان يأخذه منك شفيعاً في صغره..
ولم يختر أن يتركه لك ليكبر ويؤذيك ويعذبك ويقلب حياتك إلى جحيم..
فإن حمدت وصبرت.. كان لك الأجر العظيم من الله..
وإن سخطت وتذمرت كان لك السخط من الله..
وأكثري من الحمد والاستغفار لعل الله يرزقك بيت الحمد في أعلى الجنة لمن ابتلي فصبر وحمد الله..
وأذكرك بأجر الصابر المحتسب..
هذه أحاديث وأقوال للسلف جمعتها لك عن أجر الصبر والاحتساب:
* جاء في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم أحتسبه إلا الجنة )
سبحان الله..
هل رأيتي؟ ليس لك أجر إلا الجنة... لكن لاحظي (ثم احتسبه)
مشروط بالاحتساب والصبر.. ولا يكون مع السخط والتذمر..
* وكان الصحابة والسلف يفرحون بالمصائب نظراً إلى ثوابها ، وحكاياتهم مشهورة في ذلك.
* وتأملي قوله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
سبحان الله.. من قالها صابراً محتسباً.. صلى عليه الله..! أي أنزل عليه رحمته.. ومنحه الهداية.. وأي منحة وعطية أعظم من هداية الله؟؟
فكلما قلتي: إنا لله وإنا إليه راجعون.. تذكري.. الرحمة التي تتنزل عليك من السماء السابعة.. وتذكري هداية الله لك..
* وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله-:
"إن الله-عزوجل-ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالخير"
سبحان الله.. الله يختار المصائب لعباده.. كما نختار نحن الخير والهدايا لمن نحبهم!
* وقيل: متى ما أصابك مكروه في بدنك, أو مالك, أو ولدك، أو حبيبك فاعلم أن الذي قدره حكيم عليم لا يفعل شيئاً عبثاً، ولا يقُدر شيئاً سدى، وأنه- تعالى-رحيم قد تنوعت رحمته على عبده، يرحمه فيعطيه، ويوفقه للشكر، ثم يرحمه فيبتليه، ويوفقه للصبر، فرحمة الله متقدمة على التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها، ويرحمه أيضاً بأن يجعل له بذلك البلاء مكفراً لذنوبه وآثامه ومنمياً لحسناته ورافعاً لدرجاته
* ثم انظري في حال الأنبياء وهم أرفع درجة من غيرهم إلا أن الله-سبحانه وتعالى-ابتلاهم بأنواع الابتلاءات لكي يختبرهم, ويمتحنهم, ولكنهم عباد الله الذين اصطفاهم كانوا أصبر الناس على البلوى قال ابن الجوزي-رحمه الله-يصف ابتلاءات الأنبياء حيث قال:"ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تعتور فيها الأمراض والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار، فآدم يعاني المحن إلى أن خرج من الدنيا، ونوح بكى ثلاثمائة عام، وإبراهيم يكابد النار وذبح الولد، ويعقوب بكى حتى ذهب بصره، وموسى يقاسي فرعون, ويلقى من قومه المحن، وعيسى بن مريم لا مأوى له إلا البراري في العيش الضنك، ومحمد-صلى الله عليه وعليهم أجمعين- يصابر الفقر، وقتل عمه حمزة وهو أحب أقاربه إليه، ونفور قومه عنه، وغير هؤلاء من الأنبياء والأولياء، ولو خلقت الدنيا للذة لم يكن حظ للمؤمن منها".
* ورد في تفسير قول الله تعالى:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ 
أن بعضهم فسر الثمرات بأنهم الأولاد، وأن الله تعالى يقول للملائكة: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، يقول وهو أعلم: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول: ابنوا له بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد أي: الصبر والحمد.* وورد في حديث عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم– قال: سموا أسقاطكم، فإنهم شفعاؤكم .
لاحظي.. حتى السقط.. الجنين الصغير.. شفيع لك.. ولوالده.. ينتظركما في الجنة..
وختاماً..
أذكرك اختي بكثرة الحمد والاستغفار والذكر وقراءة القرآن..
أعرف من مات أطفالها الثلاثة في ليلة واحدة..
ودخلت غيبوبة.. فلما أفاقت وأخبروها بموت أبنائها.. لم تزد أن قالت لا حول ولا قوة إلا بالله إنا لله وإنا إليه راجعون.. أعطوني المصحف..
وأخذت المصحف وأخذت تصلي وتقرأ وهي على سرير المستشفى طوال الليل..
وأمها وأختها عندها يبكون وهي لا تتكلم فقط تقرأ القرآن.. حتى الممرضات كانوا يبكون لحالها..
أما هي فأنزل الله عليها سكينة وثباتاً ورحمة..
لماذا؟
مثل ما ذكر الله سبحانه: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}
اسأل الله سبحانه أن يؤجر كل من ابتليت بفقد ولدها في مصيبتها ويخلفها خيراً منها
اللهم ارزق كل من ابتليت بفقد جنينها أو طفلها طفلاً خيراً منه..
صالحاً معافاً تقياً ذكياً باراً..
يا أرحم الراحمين..