إن القرآن كالبحر كلما غاص فيه الغواص كلما تحصل على الدرر الثمينة والنفائس الغالية ، ومن لم يتعمق فيه فإنه بمنزلة الصياد على شاطيء البحر ، ولذا أشار القرآن إلى أن حصول العبر والمواعظ والانتفاع بكتاب الله تعالى يحتاج عدة شروط :
1 - حضور القلب ، وانتفاء الشواغل والصوارف ، فإذا تفرغ القلب وأقبل بكليته على تدبر كلام الله تعالى أورثه الله جل وعلا من الفهوم وفتح عليه من الفتوح ما لا يخطر على بال ، ودخلت المواعظ في سويداء هذا القلب فأخرجت منه كل ظلمة ، وأورثته كل بصيرة ، وفي هذا يقول الله تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون )
ويقول تعالى : ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )
ويقول جل وعلا : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) .
2 - وجود القبول لهذا القرآن واليقين بحصول النفع والهداية منه ، إذ أن من لم يكن متيقنا تمام اليقين بأنه لا هدى إلا في كتاب الله ولا فلاح إلا في كلام الله ولا شقاء إلا في تركه ولا موت إلا في البعد عنه ، فإنه لا يمكن أن ينتفع بالقرآن
قال الله تعالى : ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )
وقال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى )
وقال تعالى : ( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )
3 - الاعتقاد الجازم بأنه هو منبع السعادة وسبب الانشرح وسعة الصدور وشفاء ما فيها من الأمراض والأحزان والمنغصات ، وأنه هو قوت القلوب وغذاؤها فبدونه تموت القلوب ، وإذا ماتت القلوب حلت الوحشة في الصدور كما تحل الوحشة في الدور إذا مات ربها وسيدها .
قال الله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )
فهو الروح وهو غذاء الروح ، فالله أنزل الروح من السماء وجعل غذاءها ينزل من السماء وهو القرآن وينزل به الروح الأمين وهو جبريل عليه السلام ، ومرد هذه الروح إن تغذت بهذا الغذاء إلى السماء بعد الموت لتنعم النعيم الأبدي في جنان الخلد وتلك غاية السعادة في الدنيا وفي البرزخ ويوم القيامة .
وإن لم تتغى بهذا الغذاء فإنها تطرد من ملكوت السماء وتطرح من السماء طرحا لتلقى في سجين في الأرض السفى والعياذ بالله تحت خد إبليس . لأنها قد عششت فيها الأسقام والأمراض والآفات فلا يحرقها ويذهب أدواءها إلا نار الجحيم نسأل الله العافية . وقد كان لها في القرآن شفاء من كل ما يكدرها ويعكر صفوها ولكن صاحبها لم يرفع بهذا الشفاء رأساً فتطرق إليها التلف والموات من كل جهة والعياذ بالله تعالى ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )
فالقرآن مصدر الهداية ومنبع السعادة ودليل كل حائر وقائد كل ضال وحبل المتين من تمسك به هدي ومن تركه ضل ومن اتبعه قاده إلى جنات النعيم .
اللهم يا رب العالمين نسألك أن تصلح فساد قلوبنا وأن تبصرنا في كتابك ، علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
منقول

ورقة خريفية @ork_khryfy
محررة ماسية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
اللهم اجعل القـرآن ربيع قلـوبنا ونور صـدورنا وجـلاء أحـزاننا وهـمومنا
جــــزاك الله خير