الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد :
فالحمد لله الذي من علينا بأعظم النعم وأجلها وهي نعمة الإسلام؛ فكم من أمم تتخبط في ظلام الشرك و الكفر، وكم من حسيب ووجيه وغني ورئيس لم تدركه رحمة الله؛ ها هو فرعون يحكم ويدير مملكة مترامية الأطراف لم تغن عنه شيئًا، وها هو قارون أغنى الأغنياء في زمانه ولم تمنعه أمواله عن الناروها هو سيد ووجيه قريش وعم النبي r أبو طالب في النار، لم تنفعه القرابة، ولم تنفعه عراقة النسب؛ وأبو لهب وأبو جهل.. والقائمة طويلة، فاللهم لك الحمد على ما تفضلت به علينا، ونسألك الثبات حتى نلقاك...
وإن من شكر هذه النعم القيام ببعض حقوق هذا الدين العظيم، والسعي في رفع رايته وإيصاله إلى الناس، مع استشعار التقصير والعجز عن الوفاء بذلك فاللهم تقبل منا القليل، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
مستشفى طائر للتنصير
بتكلفة 25 مليون دولار...
نشرت الصحف العام الماضي الخبر التالي:
عم الترقب والتلهف حين وصلت الأخبار إلى المدينة حيدر أباد بجنوب الهند قبل شهور بأن (المستشفى الطائر) إحدى معجزات القرن العشرين سيزور المدينة لأسبوعين في شهر نوفمبر القادم، وسيعالج الفقراء فقط وسيجري عمليات جراحية للمعدمين الذين لا حظ لهم في الحياة.. وكل هذا سيكون مجانا.. وعلت لافتات كبيرة شوارع المدينة تعلن هذا الحدث العظيم، تدعو الفقراء للتقدم إلى عناوين معينة لتسجيل أسمائهم.
وهكذا حين حط المستشفى الطائر بمطار المدينة كان الجو مشحونا بالترقب، لدرجة أن كبير وزراء الولاية (تشاندرا بابو نايدو) بنفسه كان في استقبال المستشفى الطائر بالمطار وقام بزيارة أجنحته في شوق ولهفة للتعرف على أحدث الأجهزة والتسهيلات التي يقدمها هذا المستشفى الذي يعتبر أكبر مستشفى طائر في العالم. فقد تم تحويل طائر لوكهيد من طراز (لـ 1011-50) إلى مستشفى طائر بإنفاق (25) مليون دولار على هذا المشروع.
وتدافع الفقراء إلى المدينة للحصول على العلاج المجاني الذي قيل: إنه سيكون ذا مستوى عالمي غير متوفر في الهند. وسرعان ما انكشف الأمر حين بدأ المرضى يكتشفون بأنفسهم حقيقة هذا العمل الخيري. فكان أول شيء يتعرض له المريض قبل الكشف عليه هو السؤال عن ديانته ثم يعطى محاضرة لنحو (10) دقائق حول (السيد المسيح) والمسيحية() وضرورة البحث عن الخلاص في رحاب (السيد المسيح) ثم يعطى كمية من الكتب والنشرات ويطلب منه دراستها والحضور إلى عنوان معين بعد أيام. وكان من أوائل هؤلاء سيدة مسلمة تدعى (سعيدة بي) التي رمت بالكتب وصرخت في وجوههم: إن لها ديانة تؤمن بها وهي جاءت هنا للعلاج، وليس للوعظ والكتب.
وحين علت الصيحات وأخذت الصحف المحلية تكشف حقيقة هذا العمل الخيري، خفت نبرة الوعظ وسكتت مكبرات الصوت، ولكن محاولات التنصير لم تنته.
وظهر من تحقيقات الصحافة أن المستشفى الطائر يتبع منظمة تنصيرية تدعى «عملية البركة الدولية»، والتي تتبع بدورها منظمة شبكة الإذاعة المسيحية التي يرأسها المنصر المعروف (بات روبرتسون) الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وسبق أن رشح نفسه في الانتخابات الأمريكية سنة 1987م كما عمل في إدارة الرئيس ريغان سنة 1982 م.
ويقال: إن هذا المستشفى الطائر، الذي يزور مناطق كثيرة في أنحاء العالم، قد عالج حتى الآن (43000) مريض وأجرى أكثر من (19000) عملية جراحية، وهو يمكث في مختلف الأمكنة نحو أسبوع أو عشرة أيام، ويقال: إنه أكبر مستشفى جوي في العالم وهو مزود بكل التسهيلات الممكنة للعمليات الجراحية والعلاجية.
انتهى الخبر، والله أعلم كم مسلمًا تحول فكره إلى النصرانية؟ وكم مسلمة أثيرت الشبه في قلبها عن دين الإسلام؟
وهم يعملون
ذكرت مجلة البيان أنه أنشئ مستشفى تنصيري في عام 1965 م في قرية (معلوم جات) في منطقة (شيتا جانج) في بنغلادش التي لم يكد يوجد بها نصراني آنذاك، أما الآن فقد بلغ عددهم أربعين ألف نصراني.
منظمة براك: منظمة تنصيرية كندية يتبعها في بنغلادش 3099 مدرسة، وعدد المنظمات في هذا البلد المسلم الفقير (3000) منظمة تنصيرية.
وكان عدد النصارى في دولة بنغلادش عام 1972 م مئتي ألف نسمة وارتفع في عام 1991 أي خلال 19 سنة إلى خمسة ملايين.
وفي هذه السنوات بذلت أموال وجهود مكثفة حتى نالوا ما أرادوا.
كيف أخدم الإسلام
خدمة هذا الدين أمنية عزيزة وهدف سام نبيل لمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد r نبيا ورسولا، إنه حلم يراود الكبار والصغار والرجال والنساء، لكن الجنة سلعة الله الغالية لا تنال بالأماني والأحلام.
وقد وفق الله من شاء من عباده للقيام بأمر هذا الدين ونصرة أهله والدفاع عنه والدعوة له، وحرم آخرون من هذا الخير بسب أنفسهم وضعفها وجبنها وخورها وشحها وبخلها وتلبيس إبليس عليها.
خدمة الإسلام: شرف ما بعده شرف، وعز ما بعده عز.
خدمة هذا الدين: رفعة وعزة، وعلو منزلة، تسير في طريق آمن سار عليه محمد r وتقتفي أثره.
خدمة الإسلام: ليست قصرا على العلماء والفقهاء والمحدثين، وليست قصرا على الأغنياء والموسرين.
إنها باب مفتوح لكل مسلم ومسلمة، والناس ما بين مقل ومستكثر!
قال ابن القيم رحمه الله: «فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم».
وقال رحمه الله عن الدعوة إلى الله: «إنها أشرف مقامات العبد، وأجلها وأفضلها».
وتأملي في مهمة الأنبياء والمرسلين فهي ليست إعمار الأرض ولا بناء الدور والقصور وإجراء الأنهار وغرس الأشجار، بل إن مهمتهم الأساسية تبليغ الرسالة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور .
الكل يريد خدمة هذا الدين ويبحث عن عمل يقربه إلى الله زلفى، ولكن الكسل والفتور وعدم المبالاة تصد الإنسان عن أمر الدعوة؛ استشعر الثمرات الحاصلة بالدعوة حتى تنهض من كبوتك وتقوم من قعدتك فإن لك أجرا ومثوبة وخيرًا عظيمًا.
من أعظم ما يعود عليك إذا قمت ونهضت لهذا الدين:
1- الأجر والمثوبة: قال تعالى: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ{.
2- التسديد والتوفيق.. قال عز وجل }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{.
3- حفظ الذرية قال تعالى: }وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا{.
4- تكثير سواد المسلمين: فقد انتشر الفساد وكثر أتباعه، وبالدعوة يكثر سواد الأخيار ويزيد في الأمة عددهم ويظهر أثرهم.
5- تقليل الفساد ودحر المفسدين: فإن الدعوة إلى الله أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وفي هذا العمل دحر للمفسدين، وشل لطاقاتهم، وإيقاف لفسادهم.
6- النظر إلى نصر قادم لهذا الدين يعيد عز الأمة وكرامتها.
أين أثرك؟
كل من سار على هذه الأرض ترك أثرًا وعلامة تدل على مروره على هذه الأرض، فإن سرت على الرمال بدت آثار قدمك، وإن تجولت في حديقة ظهرت علامات طريقك.
ولنا اليوم أن نتساءل: لك سنوات تتعلم العلم فأين أثر علمك؟ ولك سنوات تصلي وتصوم فأين الأثر في النفس والجوارح؟ ولقد قرأت كثيرًا وحفظت كثيرا عن بر الوالدين وحسن المعاملة فأين النتيجة؟
دعني أنقلك إلى واقع موظف صغير في إحدى المستشفيات لترى كيف نفع الإسلام والمسلمين.
موظف صغير في المرتبة والمكان ولكنه موفق مسدد استثمر مكانه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك بتطبيق عملي، فهو يعمل في قسم المواعيد، فإذا أتته امرأة أحالها إلى الطبيبة مباشرة، وإذا تقدم إليه رجل أحاله إلى الطبيب، ثم في حالة وجود عجز وضغط على الطبيبة فإنه يحول النساء الكبيرات في السن إلى الطبيب . وهو بهذا حفظ نساء المسلمين وحفظ رجالهم ومنع وقوع المحظور الشرعي من رؤية الرجل للمرأة والمرأة للرجل.
أليس هذا الموظف الصغير قدم خدمة عظيمة للإسلام؟
ومن أمثلة خدمة الدين: طرح الآراء النيرة والأفكار الجيدة على أهلها، ومتابعة تنفيذها، وقد ألقى أحد الموفقين قبل سنوات كلمة إلى أحد الدعاة وقال له: هذه الجالية التي تقدر أعدادها بالملايين لماذا لا يجعل لها مكان يختص بدعوتها وتعليمها الإسلام؟ ألقى هذه الكلمات على الداعية وخرج.. ولا يعرف من هو حتى الآن؟ بعد حين سعى الداعية إلى تنفيذ هذه الفكرة الجيدة وطرق الأبواب لإصدار ترخيص لأول مكتب جاليات في المملكة وكان له ما أراد، وزاد اليوم عدد تلك المكاتب عن مائة وعشرين مكتبا نفع الله بها نفعا عظيما.
فما رأيكم لو بقيت هذه الفكرة حبيسة رأس صاحبها؟
ومن أمثلة نفع الإسلام والمسلمين: عمل بسيط قام به أحد الشباب قبل سنوات، بأن أحصى من بداية العام الدراسي عدد المكتبات التجارية في حيهم، واشترى من جيبه الخاص مجموعة من الكتيبات والمطويات، والأذكار وذهب بها إلى تلك المكتبات وكانت فترة زحام وكثرة مشترين، وقال لكل صاحب مكتبة: هذه هدايا وزعها على المشترين: فسروا بذلك وفرحوا وأخذوها وفيما بعد طالبوا بالمزيد.
وقس على ذلك توزيع الكتب على الأسواق التجارية، ومحلات الملابس، والذهب، وغيرها مما يرتاده الناس بكثرة.
أما توزيع الكتب على صوالين الحلاقة، والمستشفيات الحكومية الخاصة، وإدارات الجوازات والمرور وأماكن المراجعين فيها، فهي ولله الحمد منتشرة وبكثرة لكنها تشكو من الفتور والغفلة وكل موظف يستطيع أن يجعل رفًّا من هذه الكتب كإهداء ويتعاهدها باستمرار ولا تكلف شيئا يذكر من مرتبة.
امرأة كبيرة محبة للخير، فقد كنت خارجا من مكة المكرمة إلى الرياض في رمضان العام الماضي وتوقفت للصلاة في مسجد أحد محطات الوقود وكان مصلى النساء بجوار مدخل الرجال وقد جلست بين المدخلين امرأة عجوز كبيرة وكان معها مجموعة من الأشرطة وبجوارها صغير لعله من أحفادها، وكلما رأت مصليا خارجا أرسلت الصغير بشريط من الأشرطة الإسلامية الموجودة لديها كهدية، وكان الشريط الذي أرسلته إلَّ عن بر الوالدين، فجزاها الله خيرا.
أخي الكريم:
ما ذكرته تجارب إخوة لنا في الإسلام ونحن لا نقرأ ونسمع لنستمتع بجهودهم ونفرح بأعمالهم فحسب بل لنقتدي ونتأسى، وإلا فقد قامت الحجة علينا فلا تأخذنا الغفلة وتلهينا الأماني!
فالدعوة تحتاج إلى قيام وجهد وتعب ونصب، يقول الله جل وعلا: }يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ{ فأمره الله عز وجل بالقيام والجهاد في سبيل هذا الدين.
وقال الله عز وجل حاكيا عن أهل النار: }أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ{.
فالنذير يذهب ويكد ويكدح في سبيل الوصول إلى الناس وتعليمهم وإرشادهم، ونبينا عليه الصلاة والسلام في كل مكان يسعى إلى الدعوة فصعد الصفا، وذهب إلى الطائف، وهاجر إلى المدينة، كل ذلك في سبيل نشر هذا الإسلام.
كيف تخدم الإسلام
1- تخدم الإسلام: إذا صح منك العزم وصدقت النية: فإن الله عز وجل يبارك في العمل الخالص لوجهه الكريم حتى وإن كان قليلا ، والإخلاص إذا تمكن من طاعة ما حتى وإن كانت قليلة أو يسيرة في عين صاحبها ولكنها خالصة لله تعالى يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة.
2- تخدم الإسلام: إذا عرفت الطريق وسرت معه: الطريق المستقيم هو سلوك طريق نبينا محمد r في أمر الدعوة ومبتدئها ووسائلها وطرقها والصبر على ذلك مع الرفق بالناس ورحمتهم فهم مرضى المعاصي والذنوب.
3- تخدم الإسلام: إذا استفدت من جميع الظروف المتاحة والإمكانات المتوفرة: وهذه نعمة عظيمة فكل الوسائل مباحة إلا ما حرمها الله عز وجل، ونحن ندعو بكل الوسائل المشروعة مراعين الأدلة الشرعية والآداب المرعية.
4- تخدم الإٍسلام: إذا قدمت حظ الإسلام على حظوظك النفسية والمادية، خدمة هذا الدين معناها قيامك ببذل الغالي والنفيس من مال وجهد ووقت وفكر وغيرها، أرأيت من يحب رياضة (كرة القدم) مثلا، كيف يفرغ جهده ووقته وماله لمحبوبته تلك، وأنت أولى بذلك منه ولا شك.
5- تخدم الإسلام: إذا سلكت سبل العلماء والدعاة والمصلحين: فاستصحب الصبر وتحمل التعب والنصب فأنت في عبادة عظيمة هي مهمة الأنبياء والمرسلين ومن سار على أثرهم.
6- تخدم الإسلام: إذا ابتعدت عن الكسل والضعف والخور: فإن هذا الدين دين العزيمة والهمة والشجاعة والإقدام، ولا يضر الدعوة إلا خمول كسول ، أو متهور جهول.
7- تخدم الإسلام: إذا ربطت قلبك بالله عز وجل وأكثرت من الدعاء والاستغفار ومداومة قراءة القرآن، فليس أنفع في جلاء القلوب وصقل الأرواح وجعلها تعمل ولا تكل، وتكدح ولا تمل من الإكثار من ذكر الله عز وجل والتقرب إليه بالطاعات ونوافل العبادات.
8- تخدم الإسلام: إذا ارتبطت بالعلماء العاملين: الذين لهم قدم صدق وجهاد معلوم في نصرة هذا الدين، فإن السير تحت علمهم وتوجيههم فيه خير عظيم، ونفع عميم.
9- تخدم الإسلام: إذا نظمت الوقت بشكل يومي وأسبوعي وشهري: فهناك أعمال تقضيها في اليوم، وأخرى في الأسبوع، وثالثة شهرية، ورابعة سنوية.
مثال اليومي: دعوة من تراهم كل يوم، وأسبوعي: من تقابلهم كل أسبوع، وشهري: مثل اجتماع الأسرة العائلي الشهري، وسنوي: مثل اللقاءات الكبيرة السنوية أو السفر إلى الحج أو العمرة وهكذا
10- تخدم الإسلام: إذا وهبته جزءًا من همك، وأعطيته جزءًا من وقتك وعقلك وفكرك ومالك، وأصبح هو شغلك الشاغل وهمك وديدنك، فإن قمت فللإسلام، وإن سرت فللإسلام، وإن فكرت فللإسلام وإن دفعت فللإسلام، وإن جلست فللإسلام.
11- تخدم الإسلام: كلما وجدت بابا من أبواب الخير سابقت إليه وسرت إلى الإسهام بالعمل فيه.. لا تتردد ولا تؤخر ولا تسوف...
يرى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أن الدعوة إلى الله تصير فرض عين عند تغير الأحوال حيث يقول: «فعند قلة الدعاة، وعند كثرة المنكرات وعند غلبة الجهل كحالنا تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته»().
الدعوة إلى الله
الدعوة إلى الله عز وجل هي مهمة الأنبياء والمرسلين ومن سار على دربهم إلى يوم الدين من الدعاة والمصلحين قال تعالى: }ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ{ وقال تعالى: }وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا{.
ويقول النبي r في حديث هو حجة علينا جميعا: "بلغوا عني ولو آية".
وبعض الجن أفقه من بعض الإنس لما نزل قول الله تعالى: }قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ{ كانت نتيجة ذلك أن قام البعض بمهمة الدعوة: }وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ{ يدعون إلى الله عز وجل }يَا قَوْمنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ{.
ويقول الله عز وجل حاكيا عن أهل النار: }أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ{ وهذا يؤكد أن الداعي هو الذي يذهب إلى الناس ويقوم بدعوتهم؛ ولهذا أمر الله عز وجل نبيه بالقيام، والعمل لأجلها: }يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ{ وهذا يتطلب جهدا بدنيًا وماليًّا وفكريًا للقيام بذلك كله.
ورتب الله عز وجل الأجر والمثوبة العظيمة والفضل الجزيل، لمن قام بذلك: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم".
ويقول r: "من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" .
والدعوة لا تحدها الحدود ولا تردها القيود؛ هذا نبي من أعظم الدعاة إلى الله عز وجل يدعو وهو في السجن، الأبواب فيه موصدة، والجدران سميكة، والحراس أعينهم لا تنام، ومع هذا فهو يستفيد من كل الوسائل ويدعو من حوله: }يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{.
ونبي آخر هو نوح عليه السلام لم يمنعه طول المدة وعدم الاستجابة من السير قدما في الدعوة مئات السنين: }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ{ فأين هو عليه السلام من صاحب النفس القصير الذي يدعو مرة وثانية ثم يتوقف؟
وأين من يكسل حينا ويفتر حينا آخر من نبينا محمد r وهو في النزع الأخير وقد اشتد عليه الخطب ودنا الفراق يحذر أمته ويقول: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" .
وأين الداعية الذي إذا أصابته نازلة توقف؛ من عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي يدعو إلى الله وهو ينزف دما ويقول: "ردوا علي الغلام" ثم قال له: "يا ابن أخي، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك"؟
أين الداعية الذي يبخل ويشح بقليل الدراهم، وها هو أبو بكر رضي الله عنه يخرج من ماله كله؟ أين الذي يبخل ولا يخرج إلى الرديء وأبو طلحة رضي الله عنه لما سمع قول الله عز وجل: }لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ{ خرج من أحب أمواله إليه (بيرحاء) وهو بستان مورق به ماء بارد؟
أين من يقدم نفسه ويقول بإيمان صادق: فزت ورب الكعبة؟
أين الذين يقولون: اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى؟ فهل قدمنا أرواحنا وهل خرجنا من أحب أموالنا، أم من أردئها وأقدمها؟
كيف نصل بالدعوة؟
لا تصل الدعوة إلى الناس إلا عبر طريقين لا ثالث لهما.
أما الأول: فهو القدوة بحسن المعاملة وطيب المعاشرة والصدق في الحديث والالتزام بالعهود وإعطاء كل ذي حقه، يقول الله تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ{ والناس يلاحظون تعاملك مع ربك، ثم مع نفسك ووالديك وزوجتك وأبنائك، ومعاملتك في الشارع، ومعاملتك مع مرؤوسيك ومن تحت يدك فكيف أنت في هذه الأحوال؟
وقد يكون من آثار سوء القدوة الصد عن سبيل الله، فكم من شخص إذا قيل له: دع هذا عنك، قال: أنتم الملتزمون لا تدعونه. أو يقول: رأيت ملتزما مقيما عليه، وإن قيل لرجل كافر: لماذا لا تسلم؟ قال: كفيلي كره الإسلام إلي بسوء معاملته وتأخير الراتب وفظاظة خلقه، وهكذا يكون الصد عن سبيل الله عائقا دون انتشار الدعوة.
أما الأمر الثاني الذي نصل به إلى الناس: فهو البلاغ }يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ{ والوسائل في هذا كثيرة: عبر المنبر، والصحيفة، والمجلة، والكتاب والشريط، والمحاضرة وغيرها لا حصر لها، وقد توفر في هذا الزمن ما لم يتوفر من الوسائل والوسائط والسبل منذ عهد آدم مرورا بالأنبياء عليه السلام وحتى نبينا محمد r فالحجة قائمة والرسالة خالدة فأين العاملون؟
وقبل أن تبدأ العمل تأمل في حديث أبي موسى الأشعري وما لاقوه من الشدائد والصعاب، حيث قال: خرجنا مع رسول الله r في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي، وسقطت أظافري فكنا نلف على أرجلنا الخرق..
.
استفد من الفرص وأوجد بنفسك المناسبات، إن لم تستطع أن يتحول المجلس إلى ما تريد فلا أقل من قطع الطريق على أصحاب الغيبة والنميمة والمزاح والكذب.. اذكر قصة رأيتها عن موت فلان من الناس، أو اذكر بعضًا مما سمعته عن مصائب المسلمين، المجالات كثيرة وطرق الخير مفتوحة؛ فقط أمسك بناصية الحديث ولا يشترط أن تكون خطيبا مفوها!
تأمل في حال نبي الله موسى عليه السلام وما كان يجد من صعوبة في الكلام ومع هذا دعا قومه، ولم يكن ذلك حاجزًا أو سببًا لتوقف دعوته عليه السلام.
قال الحسن رحمه الله في وصف أناس ندعو الله عز وجل أن لا نكون منهم: "إن هؤلاء ملوا العبادة ووجدوا الكلام أسهل عليهم، وقل ورعهم فتحدثوا" وقال الأوزاعي: "إن المؤمن يقول قليلا، ويعمل كثيرا، وإن المنافق يتكلم كثيرًا ويعمل قليلاً".
فاللهم لا تجعلنا من أولئك واجعلنا من عبادك الصالحين
إذا لم تعمل في شبابك ووقت نشاطك فمتى سوف تعمل ! إذا هرمت وشخت وحملت العصا؟
إذا لم تعمل وأنت صحيح الأعضاء تسير بقوة وتسمع بوضوح وترى عن بعد !
إذا متى تعمل؟ إذا قلت أموالك وكثر دائنوك؟
متى تعمل إذا تركت مكانا لن تعود إليه مطلقا مثل الجامعة أو المدرسة؟
متى تعمل إذا مت وانتقلت إلى مثواك وقبرك؟
إذا متى تعمل؟
أنت في هذه الحياة ! أمامك أبواب مفتوحة، وطرق ممهدة ، وجدد سالكة، فإذا أغلقت الأبواب وحيل بين جسمك وروحك انقطع العمل.
من خدمة الإسلام
تتنوع وسائل وطرق خدمة الإسلام ومنها:
أولاً: إشاعة كل عمل إسلامي تراه أو تسمع به فتدل عليه وتخبر عنه ولك مثل أجر فاعله، ويكون ذلك حديثا في المجالس أو نشرة عبر الصحف والمجلات والإذاعة، أو من خلال المدرسة أو الجامعة أو التجمعات العائلية أو غير ذلك.
ثانيًا: الدفاع عن العلماء والدعاة والمصلحين ورد غيبتهم؛ وذكر محاسنهم وفضائلهم، ونبذ أولئك الذين لا هم لهم إلا الحديث عن العلماء وتصيد هفواتهم وزلاتهم، يقول النبي r: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" .
ثالثًا: التحدث بفضائل هذا الدين ومحاسنه، وإزالة الالتباس الذي زرعه الفكر السيء الدخيل على الأمة ومن المواضيع المطروحة، تكريم المرأة في الإسلام، حقوق الأطفال، الطلاق وما هي ضوابطه الشرعية وكيف شدد في عدم التساهل فيه؟ تربية الأبناء والحرص على تنشئتهم النشأة الصحيحة، حقوق الزوجة المادية والمعنوية، تعدد الزوجات وما فيه من المصالح العظيمة وفق الضوابط الشرعية، الإنجاب وكيف سعى الأعداء إلى تحديده، وهكذا تساهم في إزالة ما علق في أذهان الناس من تشويه لهذه الأمور.
رابعًا: بطاقات دعوة الأفراح تباهى الناس فيها كثيرا، لكن من أجملها ما يقدم بشكل جميل أنيق بسيط فيقوم الموفق بإعداد هذه البطاقات عن طريق الكمبيوتر والطابعة الملونة إذا توفرت، أو عن طريق الخدمات الطلابية التي تقدم مثل هذه البطاقات الجميلة وتوضع الدعوة داخل علبة تحوي كتابا وشريطا، وقد رأيت أحد الشباب وقد فرغ نفسه لهذا العمل لدى أهل قريته فهو الذي يطبع البطاقات ويشتري الكتب والأشرطة فنفع الله بجهده نفعا عظيما.
خامسًا: امرأة فاضلة وداعية موفقة أدخلت المستشفى ورغم ما لها من وجاهة ونسب إلا أنها رفضت أن تكون في غرفة مستقلة وقالت: أبقى مع المريضات في غرفة مشتركة حتى أدعوهن، وكان لها ذلك، فتوطدت علاقتها بالمريضات ودعتهن إلى الأخذ بالأسباب والتوكل على الله عز وجل وأوضحت لهن في أيام ما لا يستطيع غيرها في شهور، لقرب المكان وكثرة الفراغ.
سادسًا: امرأة إذا ذهبت للحرم المكي أو المسجد النبوي بذلت نفسها لتعليم المسلمات أمور دينهن، وحثهن على الحجاب الشرعي، إحداهن رأت مجموعة من الفتيات من دولة عربية كاشفات الرأس وعندما سألت عن حضور الشابات بهذه الصورة، قلن لها: نحن عضوات فريق كرة الطائرة في بلد.. وأتينا للعمرة عندها بدأت الموفقة في الدعوة إلى الله عز وجل فما خرجت حتى تحجب بعضهن، وقد رأيت رسالة من إحدى اللاعبات أرسلتها إلى الداعية من بلدها وبشرتها بأنها بدأت تبث في نفوس اللاعبات التمسك بالحجاب والستر والعفاف.
أبواب الدعوة كثيرة جدا ولكل منا أن يطرق ما يناسب قدراته وملكاته من وقت ومال وفكر وعلم، والبعض يفتح الله له بابا من أبواب الخير وتراه يلج فيه ويسارع إليه، لكن ما إن تمر أيام أو تعصف أدنى مشكلة، أو تقف أمامه عقبة إلا رجع وترك هذا الطريق، بعضهم يترك المكان لأن فلانا من الناس يعمل في ذاك المكان وهو لا يريد هذا الرجل، وآخر يتعذر أعذارًا أخرى واهية؛ مثل عدم وجود الإمكانات الكبيرة والاستعدادات التامة، وآخر لأن المكيفات لا تعمل وهكذا.
واعرف بعض الشباب دخل في طريق خير ولكن الشيطان لبس عليه بأمور يسيرة فارتد على عقبه وترك أمر الدعوة وضاعت عليه سنوات من عمره بدون عمل دعوي وآخرون سمعت أنهم والعياذ بالله قد أصابهم الوهن وعلت قلوبهم الانتكاسة نسأل الله السلامة وما ذاك إلا أنهم فتح لهم باب فأعرضوا عنه، وقد لا يفتح هذا الباب مرة أخرى، فاستمسك بالذي أنت فيه، فسر ولا تدع الفرصة، فإن عمرك فرصة، والأيام تطوى والمراحل تقضى.
كتب عبد الله القمري العابد إلى الإمام مالك يحضه على الانفراد والعمل فكتب إليه مالك رحمه الله: «إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر».
ومما يبطئ العمل وقد يوفقه أمور لا تخفى على فطن مثلك ومنها:
احذر الكسل والفتور: فإنه يقعد عن العمل ويضيع الأوقات والفرص والمناسبات، وربما تحول إلى داء يستمر معك ولا يتركك.
احذر الرياء والسمعة: فإنه يقتل العمل وقد يحبطه.
تجنب حظوظ النفس: التي من أبرزها الأنانية ونسبة الأعمال إليك وتقليل عمل من كان معك.
تجنب التذمر والتشكي: فإن ذلك من أنواع المنة والعياذ بالله، بل كن صامتا محتسبا.
إياك والانقطاع عن العمل: كثير يأخذه الحماس ليوم أو يومين لكنه بعد ذلك يتوقف، والعمل المستمر حتى وإن كان قليلا فإنه أدعى للاستمرار يقول النبي r: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل".
تجنب الحقد والحسد والكبر، وطهر القلب:
قال الغزالي: والقلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط أثرهم، ومحل استقرارهم، والصفات الرديئة مثل: الغضب والشهوة والحقد، والحسد والكبر والعجب وأخواتها، كلاب نابحة، فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب.
ابتعد عن الاندفاع والعجلة: من عمل في المجال الدعوي يرى أن الساحة تحتاج إلى أضعاف الجهود المبذولة وقد يدفع هذا بالبعض إلى التسرع والعجلة رغبة في تحصيل الخير وسد الثغرات، والعمل الدعوي يحتاج إلى الأناة وعدم العجلة والتريث وإعطاء الأولويات حقها.
ولذا كان التوقف هو داء الأدواء وأخطر الأمراض ، وحديث النبي r "خير العمل أدومه وإن قل" نبراس لمن أراد العمل.
وليكن الرفق حاديك ولصيقك فإنه أدعى للقبول، وقد كان الأنبياء عليهم السلام ديدنهم الرفق بأممهم والمجادلة بالتي هي أحسن استجابة لأمر الله تعالى وسعيا نحو فتح القلوب وقد أمر الله موسى وهارون عليهما السلام بالرفق بفرعون: }اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى{ وفي الحديث: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" .
احذر حب الرياسة والتصدر: فإنها مهلكة للنفس الضعيفة جالبة للرياء والسمعة، قال الفضيل بن عياض: "ما أحب أحد الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب ليتميز هو بالكمال، ويكره أن يذكر الناس أحدًا عنده بخير، ومن عشق الرياسة فقد تودع من صلاحه".
منارات شامخة وعلامات بارزة في تاريخ أمة الإسلام أولهم نبي هذه الأمة r، ماذا ناله من البلاء والمصائب؟ فقد أوذي في جسده وألقي عليه جزور الإبل عند الكعبة، وقيل: كاهن وساحر وكذاب، وحوصر في شعب عامر سنوات، وألقيت عليه الحجارة حتى أدمي عقبه، وطرد من بلده حتى اغروقت عيناه بالدموع وهو يودع مكة أحب البقاع إليه، ثم هو في المدينة يعاني من المنافقين ومن اجتماع المشركين على قتاله والطعن في عرضه الشريف مصائب وبلاءات متتالية فما وهن لا تنازل عن دينه.
وأنت أيها الحبيب وقعت في فتنة عظيمة من نوع آخر، فها أنت تبجل وتقدر وتدعى للولائم والأفراح ولك منزلة بين الناس ثم لا نراك ولله الحمد تتعرض لكلمة نابية ولا للفظة جائرة فما هذا التكاسل والهوان والضعف والله لو جرى خلفك رجل يسمع الناس بقوله: هذا كاذب أو ساحر، لترك الكثير العمل إلى الدين ورفعته، كيف وأنت لم يصبك شيء من ذلك.
ثم إن أصابك شيء من الأمر فأنت مبتلى يضاعف الله لك الأجر، ويمحص دينك، ويطهر قلبك، ويرفع درجتك، انظر إلى الفجار والفساق كيف هم يعانون ومع هذا يصبرون ويواصلون المسير؟ }وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ{.
وقفات
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة، وإنما الهلاك في ترك ما يقدر عليه العبد من الدعوة إلى هذا الدين.
قال ابن ضبارة:
إنا نظرنا فوجدنا الصبر على طاعة الله تعالى أهون من الصبر على عذاب الله تعالى. . فاصبروا يا عباد الله على عمل لا غنى لكم عن ثوابه، واصبروا على عمل لا صبر لكم على عقابه.
قال ابن القيم في الفوائد: قال تعالى: }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا{ علق سبحانه الهداية بالجهاد فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادا، وأفرض الجهاد: جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا؛ فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فإنه من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد.
قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي كما في تذكرة الحفاظ (9م 1184) «عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكت عما خالفك فأقول: لا أسكت.
أخي المسلم:
أسهم لرفع راية هذا الدين وليكن همك وتفكيرك في كل حين كيف أخدم هذا الدين؟ وأنت إنما تخدم نفسك بجمع الحسنات، وتكفير السيئات ورفع الدرجات.
واعلم أن من إعراض الله عن العبد أن يستغله فيما لا فائدة تعود عليه، وانظر في حالك وساعاتك وأيامك.
فأول أمور الدعوة أن يأخذ الإنسان نفسه على الحق وهذه أعظم دعوة، يتوب من المعاصي والذنوب ويستزيد من الصالحات ويحافظ على النوافل قدر المستطاع. ولا بد أن يحدث له توبة من ترك النوافل والمستحبات فيتوب من تضييع السنن الرواتب، ويتوب إلى الله من التفريط في المسارعة إلى الصف الأول، ويتوب إلى الله من هجر القرآن، ويتوب إلى الله من قلة ذكره سبحانه وتعالى، ويتوب إلى الله من إضاعة الأوقات دون فائدة.
ثم هو مع هذا كله يبدأ خطوة في إصلاح منزله وأولهم والداه وزوجته وأبناؤه وقرابته كل بحسبه }وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ{.
ويسهم بين حين وآخر في محاولة دعوة أسرته وقرابته في الاجتماع الأسبوعي أو الشهري، ويعين أهل الحي وخاصة الجيران على الصلاة وتفقد أبنائهم.. إنها قائمة طويلة لو تتبعتها لوجدت في نهايتها صلاح المجتمع بعامة !
ونحتاج لتحقيق ذلك كله إلى أمرين هامين:
الأول: الرفق واللين، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ، ويقول الله تعالى عن نبينا محمد r: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{.
الثاني: الاستمرار والمداومة، فإن البعض يدعو مرة ثم يتوقف، والأمر ليس بذاك، بل هو أمر مستمر ودعوة قائمة حتى يموت الإنسان؛ ونوح عليه السلام مضى عمرًا طويلاً يقارب الألف عام، وهو يدعو والنبي r مكث سنوات وليس معه إلا الرجل والرجلان، وما وهن، أو تراجع، أو توقف.
قصة عجيبة ذكرها لي أحد الأفراد العاملين في دعوة الجاليات قال: ذهبت إلى فندق لمقابلة شخص وانتظرته في صالة الفندق، وكان بجواري رجل فلبيني تجاذبت وإياه أطراف الحديث وقال لي: أقوم الآن ببناء مسجد في الفلبين، يقول الداعية لما ذكر لي حال المسجد وكم تبقى من المبالغ أدخلت يدي في جيبي وأخرجت ورقة وكانت من فئة الخمسمائة ريال، قال: فنازعتني نفسي، المبلغ كبير، وقد يكون الرجل غير صادق، لماذا الحماس والعاطفة السريعة؟ ولكن لما رأيته شاهد الخمسمائة ريال استحييت منه ودفعتها له، وقلت: هذه مساعدة لبناء المسجد، قال: فأعادها إلي وقال: أنا أبني المسجد من مرتبي ولا أقبل أن يدخل معي أحد، وكل شهر أستقطع من مرتبي لبناء هذا المسجد.
قال الداعية: فزاد حزني على سوء الظن وما نالني من البخل والشح.
* إحداهن تسعى إلى إسعاد الفقراء والمساكين وتفريج كربهم، وإدخال السرور على نفوسهم، يوما قالت لأحد أبنائها: هذه مئتا ريال اشتر مطبقا (نوع من الأكل) واذهب به إلى هذه البيوت بعد صلاة العشاء مباشرة حتى يفرح الفقراء مع أطفالهم بهذه الوجبة التي ربما لم يسمعوا عنها، أو سمعوا عنها ولم يأكلوها.
الفرص ومواقع هذه المكاتب واختلاف طرق العمل وغيرها.
بمعنى أن هناك فرص كثيرة متاحة، لكن من يعملون قلة وقلة جدا، وقارن واسأل لتتأكد، ثم الطامة الكبرى أين يذهب الملتزمون الذين لا يعملون في الدعوة، إنه ضياع أوقات وجلسات غيبة ونميمة وقل منهم من استفاد من وقته في تحصيل علم، أو بر والدين، أو عمل دعوي فردي، أو غير ذلك.
إحداهن رأت أن تخرج بعد سنوات داعية من قعر بيتها، إنها خادمتها التي بدأت معها في حفظ سور القرآن، ثم أتت إليها بالكتب والأشرطة وبدأت تشرح لها العقيدة الصحيحة، وتحذرها من البدع والشركيات، وقالت: أطمع أن تكون داعية في قريتها، دع الكثيرات يخرجن خادمات يجدن الطبخ، ولا يعرفن من الدين إلا مثلما أتين.
لو أن كل امرأة استشعرت الأمر، لخرجنا سنويا مئات الآلاف من الداعيات.
أب رحوم وأم رءوف لكنها تلقي بأبنائها وبناتها إلى النار والله عز وجل يقول: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُو أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا{ فهل وقيناهم من تلك النار وجعلنا بينهم وبينها وقاية؟
لا نريد أن يربي الأب ولده لنفسه.. نريد أن يتربى الصغير وينشأ لينفع أمة محمد r، ليجعل الأب والأم نصب أعينهما أننا نريد عالما ربانيا، وداعية مخلصًا، ومجاهدًا مغوارا، وطبيبا، ومهندسا، ومزارعا، الجميع همهم رفعة الإسلام، إنهم ليسوا لك وحدك، هم لأمة محمد r أجمع، وهذا من أعظم أبواب الدعوة اليوم ! فتأمل لو خرج لنا كل بيت خمسة دعاة إلى الله عز وجل كم يكون العدد بعد سنوات؟
يا باغي الخير أقبل
أبواب الخير كثيرة ومتنوعة.. هذه جملة من تلك الأبواب لعلك تطرقها جميعًا.
قال r: "كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة" .
وقال عليه الصلاة والسلام: "الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" .
وقال r: "سبق درهم مائة ألف درهم" قالوا: يا رسول الله وكيف؟ قال: "رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به، ورجل له مال كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألف فتصدق به" .
وقال عليه الصلاة والسلام: "لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين" .
ومع التفاوت في الأعمال إلا أن الإسلام جعل الأجر والمثوبة لكل عمل تقوم به، ولا تعلم ماذا يتقبل من الأعمال؟ وما هي أرجى أعمالك عند الله وأكثرها قبولا؟ فلا تحقرن من العمل شيئا قل أو كثر.
ما الذي يمنعك؟
أنت -ولله الحمد- مسلمٌ، ولهذا الدين عليك حقوق عظيمة، لكنك في الناحية العملية ضعيف الانتاج قليل الهمة، دعنا نناقش ما يتعذر به البعض من الأوهام:
1- الكسل والفتور: وهذا لا نراه إلا في هذا الجانب الدعوي، أما في الجوانب الأخرى فأنت صاحب همة ونشاط.. رحلة صيد، لعب كرة.. الذهاب إلى الاستراحة لديك همة وعزيمة، إذا لديك همة وعزيمة، لكنك لم تصرفها لصالح هذا الدين ولذا أصابك الكسل والفتور.
2- تلبيس إبليس: يلبس إبليس على الكثير بأمور كثيرة؛ منها الخوف من أهل الدنيا وهذا مردود عليك لأمور منها.
أولاً: انضبط في أمر الدعوة ولا مدخل لأحد عليك، ورأينا من أفنوا أعمارهم في الدعوة ولم يصبهم ولله الحمد أذى.
ثانيًا: تجنب المواقف الحساسة فإن المؤمن كيس فطن يبحث عن المصلحة ويتجه إليها، ويدرأ المفسدة بمصلحة أخرى.
ثالثًا: عليك بالتوكل على الله عز وجل فإن الله يحفظ عبده }إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{ ولو قال لك مسئول كبير مثلا من أهل الدنيا. اذهب وادع وإذا جرى لك شيء فأنا المسئول وسوف أحميك.. ألست تنطلق بلا تردد وتتحدث بلا تهيب؟ الله عز وجل أعظم وأجل، وعلى الله فليتوكل المتوكلون }فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{.
رابعًا: الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بأن يقيك الشرور، وأن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين، فأنت ضعيف بذاتك، وقوي بجوار الله عز وجل وحفظه وتسديده.
خامسًا: إن أصابك أمر في جانب الدعوة إلى الله عز وجل فقد أصاب قبلك من الأنبياء والمرسلين الشيء الكثير فاصبر واحتسب وأبشر }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{ إنه قسم من الله عظيم لمن دعا إليه وجاهد في سبيله باللسان والقلم والمال، بأنه يهديه سبيل النجاة.. وهي عصمة من الانحرافات ونجاة من الفتن وتثبيت على الطريق.
وتأمل في حديث النبي r: "لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه" .
() الأولى إطلاق كلمة (النصرانية والنصارى).
() الدعوة إلى الله وما ينبغي أن يتحلى به الدعاة (16).
مختصر من كتاب / كيف أخدم الإسلام ,, لعبد الملك القاسم
أم رغد المتفائلة @am_rghd_almtfayl
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
miss- rano :جزاك الله خيييرجزاك الله خييير
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
يارب تحمي المسلمين والمسلمات في مشارق الدنيا ومغاربها
يارب تحمي المسلمين والمسلمات في مشارق الدنيا ومغاربها
الصفحة الأخيرة
لاحرمك..الله الأجر