لماذا لم يعرف اجدادنا البطالة؟

الملتقى العام

تحدثت في آخر مقال عن خطأ البقاء بانتظار الوظيفة في حين يجب خلقها من العدم.. عن خطأ العائلة والمجتمع في تربية أبنائه على فكرة (التوظف لدى الغير) وليس المبادرة إلى توظيف الغير لصالحهم..

فالتفكير بالطريقة الأولى وصفة مؤكدة للفقر والحاجة (كما يخبرنا بذلك كتاب ماذا يعلم الأثرياء أطفالهم؟) في حين تضمن الطريقة الثانية الثراء والنجاح والانعتاق من عبودية الراتب كما يخبرنا بذلك كل ثري عصامي رفض فكرة التوظيف من أساسها!!
.. هل سألت نفسك يوما لماذا كان آباؤنا وأجدادنا في الماضي على فقرهم وبؤسهم لا يعرفون شيئا اسمه البطالة؟.. هل سألت نفسك لماذا يعجز الشاب هذه الأيام عن تحصيل رزقه بنفسه في حين كان نظيره قبل أربعين أو خمسين عاما قادرا على إعالة نفسه (مع إخوانه الأيتام)!!
... يكمن السر في حالة ذهنية مفادها (خلق الوظيفة) لا انتظار توفيرها من قبل الآخرين.. في وجود تربية مسبقة واستعداد مبكر يكبر مع الطفل لتبني مهنة أو حرفة واضحة..

فالطفل في الماضي كان ينشأ في جو مهني وعملي بحيث يتعلم في دكان والده أو مكتب عمه أو ورشة خاله قبل دخوله إلى سوق العمل.. أما هذه الأيام فيكاد التخصص المهني ينعدم في حياتنا، ويختفي من مناهجنا الدراسية، فيكبر أبناؤنا وبأيديهم ورقة مقواة لاتضمن الرزق بحد ذاتها ..
في الماضي لم يكن مفهوم البطالة واردا رغم بؤس الحال وانعدام الضمانات الحكومية بفضل الاعتماد على الذات في كسب الرزق وبناء الثروة (وبالتالي حفظ كرامة المرء واستقلاليته بدل طرق الأبواب بملف أخضر هزيل) . أما اليوم فتركنا للأجانب ممارسة الأعمال والمهن المربحة وعلمنا أطفالنا بأن "الوظيفة" لدى الغير هي مصدر الرزق الوحيد..

.. عودوا مجددا لزمن الآباء والأجداد حيث لم يكن المجتمع يرى عيبا في ممارسة أي مهنة وكان المرء يدخل سوق العمل بطريقة طبيعية سلسة .. ثم تغيرت الأحوال في زمن الطفرة وأصبنا بخلل حقيقي في المفهوم والممارسة لدرجة أصبحنا المجتمع الوحيد في العالم الذي يخيط فيه الأجانب ثيابنا، ويبنون فيه منازلنا، ويطبخون فيه طعامنا .. بل ويوصلون بناتنا الى المدارس.. وحين نتأمل جميع الخدمات المشابهة التي يؤديها الأجانب نكتشف أن مشكلتنا لاتكمن في (قلة الأعمال) بل في ضعف التأهيل والترفع عن الحرف وعدم الجرأة في اقتحام المشاريع الصغيرة والمستقلة !
لهذا أقول بصراحة إن الحل لا يكمن في سعودة الوظائف بل في تغيير مفهوم "العمل" لدى الشباب وتشجيع الدولة للمشاريع الصغيرة . فسعودة الوظائف حل مؤقت وغير كامل، بل وتتعارض مع انضمامنا لمنظمة العمل الدولية. ولو افترضنا نجاحنا في سعودة كل شيء فماذا سنفعل بالأجيال القادمة والمبتعثون الجدد الذين سيدخلون سوق العمل ويطالبون بحقهم في التوظيف (وحينها لن يكون هناك أجانب نستولي على أعمالهم !!؟)
.. الحل الطبيعي للبطالة (الذي كان يمارسه آباؤنا في الماضي والدول المتقدمة في الحاضر) هو مبادرة الأفراد لخلق أعمالهم بأنفسهم وتقديم فرص التوظيف لغيرهم، وهي مبادرة مطلوبة حتى من أصحاب التخصصات الأكاديمية والمتواجدين على رأس العمل أنفسهم كون الفرص الحكومية أصبحت متشبعة بالفعل،
وحين يصبح هذا المبدأ شائعا في المجتمع تكفينا حالة نجاح واحدة (ضمن عشر محاولات فاشلة) لخلق مايكفي من الفرص الثانوية لكل من عجز عن خلق وظيفته بنفسه!!
ورغم اتفاقي معكم على صعوبة البداية وشراسة المنافسة وفوضى سوق العمل إلا أن كل هذا يتلاشى أمام العزيمة القوية والرغبة الحقيقية في العمل وبناء الثروة.. وفي المقابل يفشل مسبقا كل من يحتج بقلة الوظائف وانعدام الفرص ومنافسة الأجانب، بل وحتى عدم امتلاك شهادة أكاديمية أو حرفية..
فرغم كل العقبات التي نعرفها جميعنا لن يكون أحدنا أكثر بؤسا من صاحب الدينارين الذي قال له نبينا الكريم: خذ فأسا واحتطب..
1
308

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

{ سمو }
{ سمو }
موضوع رائع ....؛؛
فعلاً حالياً الحرف والمهن مهملة تماماً
ولابد من توجيه الشباب لمثل هذي الأعمال

وما ننكر انه يوجد شباب عندهم الرغبة في القيام بأي عمل
....؛؛
وبدء حياتهم بعمل صغير ... ورشة أو ما شابه
لكن يواجهون مشكلة التصاريح وتعقيدات البلدية
وارتفاع إجارات المحلات وغيرها
....؛؛

ياليت يتم دعم الشباب وتسهيل الاجراءات
لأن بعض الشباب حاولوا لكن تم استنزاف حمساهم بكثرة التعقيدات
....؛؛

:26: