نصر

نصر @nsr_1

محرر في عالم حواء

لم يكد يؤدي الغرض منه لإثارته

ملتقى الإيمان

أقبلت سلمى نحو الهاتف لتجيب الرنين ، فاذا بها زميلتها ليلى تعرض عليها الخروج للسوق بصحبتها ليلى: ألا ترغبين مصاحبتي للسوق هذا اليوم يا سلمى؟ س : لا مانع لدي ، ولكن اتركي لي فرصة لأستعد، فما رأيك أن ألبس اليوم ؟ ليلى : إلبسي ما شئت ، فأنا سألبس ما سيكون مفاجأة لك لم تريهامن قبل . س : إذن سألبس فستاني الجديد، لقد استلمته من الخياط بالأمس ، وإني متاكدة أن الموديل يعجبك .

ليلى: عشر دقائق وسأكون مع السائق (ا) عند بابكم فلا تتأخري ! وصلت ليلى لبيت زميلتها سلمى، فانتظرتها فترة من الزمن ! ثم خرجت وتوجهتا للسوق بصحبة السائق ! س : ماهذا الموديل الجديد يا ليلي ، فأنا لأول مرة أراك تلبسين العباءة بهذه الطريقة؟ ليلى : إنها طريقة وموضة جديدة وجميلة ، أليس كذلك ؟ ! س : لكن الا ترين أنها غريبة وفيها مبالغة نوعا ما، لأنك قد وضعت العباءة على كتفيك وصار رأسك بهذا الغطاء ملفت ومثير. ليلى : لا عليك يا عزيزتي ، فقد رأيت أكثر من واحدة فعلت ذلك لقد بدت عليهن جميلة، فأحببت مسايرتهن . بدأت سلمى وليلى بالتجول في السوق ، بعد أن أخبرتا السائق أن يرجع إليهما بعد ساعتين ! وقد كانت ليلى على هيئتها المثيرة؟ فالثوب ذو لون صارخ ومثير، والعباءة على كتفيها حتى صار وجودها كعدمه ، وقد بدئ رأسها عليه غطاء مزركش ومطرزوقامت بلفه من جهة لأخرئ ثم شبكته بالدبابيس وقد تدلى جزء منه من أحد الجانبين ، ولم يكد هذا الغطاء يؤدي الغرض منه لإثارته وشفافيته . أما سلمى فكان فستانها الجديد (تنورة) ضيقة حتى صارت كالقيد في رجليها فمقدار خطوتها شبرأو شبرين ! بالرغم من الفتحة التي جعلتها على أحد الجانبين والتي يظهر من خلالها معظم ساقها ولم تكن العباءة تصل ركبتيها لقصرها حتى تسترماقد يظهر منها ؟ وكانت تمد يدها بين الحين والآخر لتعدل النقاب الذي جعلته على وجهها ولم يسترإلا جزءا منه ، حيث لم تتقن طريقة لبس النقاب لأنها رأت إحدئ قريباتها فأرادت تقليدها . وكانت ليلى وسلمى بمنظرهما ذلك عرضة لتحرش الفارغين ومضايقاتهم وسببا لأسى وحزن الغيورين . بينما كانت ليلى وسلمى تتجولان في السوق ارتبكت كل واحدة منهما بسبب ورقة صغيرة ألقيت بجانبهما، كان مصدرها يد أحد الشباب الفارغين الذين يتصيدون عورات المسلمين وحرماتهم ، ليسقطوا بنات المسلمين في هوة العار والدمار، لقد كان الموقف مؤثرا في نفس كل من ليلى وسلمى فقد جاءت كل منها للسوق عدة مرات ولم يصادفهما مثل هذاالموقف ، وكانت كل واحدة منهما تخمن وتفكر في سبب ذلك الموقف ، ربما لأنهما من قبل تأتيان للسوق بملابس محافظة إلى حد ما ، أو ربما لأن أحد المحارم كان بصحبة الواحدة منهما ، أو ربما لأنهما لم تأتيا هذا السوق منذ فترة ليست بالقصيرة، هكذا تتابعت الأفكار في ذهن كل واحدة منهما واستمرتا بالتسوق رغم الأنظار الجائعة التي كانت تتبعهما . ******** دخلت ليلى وسلمى إلى أحد المحلات ، وبينما كانت احداهما منهمكة في التفاوض مع أحد الباعة، حيث لم تأبه لاتباع البائع بصره لذراعيها، واطلاعه على نحرها كلما غفلت عن الامساك بعباءتها ، لقد سألت الأخرئ البائع عن ثمن إحدى السلع فكأنما كانت توقظه من نومه ! حيث كان مشدوها بالمنظر الفاتن أمامه ، كان صوت تلك الفتاة متكسرا يثيرالمشاعر، سواء قصدت ذلك أو لم تقصده . وفي هذه اللحظات كانت إحدئ النساء المرتادات للسوق على مقربة من ليلى وسلمى، وكان يظهر عليها الحشمة والوقار، وقد سترت ما ينبغي ستره فأضفى ذلك عليها سترا إلى سترها، فأنبأ مظهرها عن مخبرها. فاغتنمت وجود ليلى وسلمى في مكان مستترفتوجهت إليهما بقولها: من فضلك أيتها الأخت الكريمة، أتسمحين لي بملحوظة يسيرة؟ ليلى : لا مانع ، تحدثي كما شئت قالت المرأة : * لقد لاحظت هيئتك وزميلتك ملفتة للأنظار، ولا تليق بنساء عاقلات فاضلات من أمثالكن ، فما هكذا تلبس الرشيدة العباءة ، ولا بهذه الاثارة يكون مظهرها ، ألا ترين أن هذه الملابس التي ترتدينها أنت وصاحبتك غير مناسبة في السوق والأماكن العامة؟ ! ليلى : لكن لم أكشف عن وجهي ، المقصود العباءة والخمار وهما معي كما ترين ! ثم ما الفرق بين أن تكون العباءة على رأسي أو على كتفي ! المهم أن تكون محيطة بجسمي . . . أليس كذلك ؟! فأجابت المرأة : * لقد لمست من حديثك - أيتها الأخت الفاضلة - الأدب والموضوعية، فاذني لي أن أجيب عن اعتذارك : أيتها الأخت الكريمة : ليست غاية الحجاب أن تستر المرأة وجهها فحسب ، أو أن تجعل قطعة قماش أسود على جسمها على أي هيئة كانت ، لا، بل ان الحجاب أعظم وأشمل من ذلك كله ، إنه صون المرأة من التبذل الممقوت ، وحصن حصين يحمي المرأة ويقي المجتمع من الافتتان بها . أختي العزيزة : إن ملابسك وصاحبتك ، وغيركما كثيرات في هذا السوق بهنن ا التساهل والتهاون مخالف لما أمرنا الله تعالى به ، إني أراك - وصاحبتك - وقد لبست ما تعلمين أنت وعن قناعة أنه لا يليق بالمرأة العاقلة الرشيدة فضلا عن المسلمة المحتشمة، وإلا فهذه الملابس الفاتنة، وهذه العباءة بقصرها ووضعها على الكتف ، والفتحة في الثوب والتي يبدو من خلالها شيء من الساق ، وهذا الحذاء ذي الكعب المرتفع ، وهذه الرائحة المغرية ، وبعض ملامح جسدك بسبب ضيق الثوب ورقة العباءة -أسألك وبكل صراحة - هل أنت - وصاحبتك مقتنعة ولو بشيء واحد من ذلك كله ، أو ترين أنه من دواعي احرام المرأة؟ ! سلمى : إن كلامك - أختي - معقول ، ولكن المعنى أن يكون الإيمان في القلب ، وليست المظاهر هي كل شيء ، فأنا محترمة لنفسي ، محافظة على كرامتي وعفافي ، ولا أبالي بمن يعاكسني ! أو يتبع نظره إلي . فأجابت المرأة: * أختي الحبيبة : كلامك هذا يمكن أن يقوله من يصدر في أفعاله وأقواله عن هوئ نفسه ممن لا يعلم ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكننا نحن معاشر المسلمين من الرجال والنساء نتبع أمر الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة، ألم تسمعي قول الله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم *(2) . وقوله تعالى :( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ثم إن قولك إن المظاهر ليست كل شيء ، هذا فيه مجانبة للصواب لأن المظاهر لها وزنها واعتبارها وتأثيرها ولذلك جاء الشرع بالعناية بها ومراعاتها في أمور كثيرة، ثم إن المظاهر لها تأثيرها على باطن الانسان وسلوكه ، وهذا شيء ملموس ، ومظهركمايدفع غيركما للخطأ في حقكماحتى ولو كنتما محافظتين . ليلى: لكن يا أختنا نحن لم نفعل شيئا محرما، نعم قد يكون مكروها وليس بمحرم أجابت المرأة : ياعزيزتي : تدبري قول خالقك ورازقك ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ماظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن .. * الآية(4) فالخمار المذكور هنا هو ما يغطي الرأس والوجه ، والجيب هو فتحة الصدر مما يلي العنق ، فلا تتغافلي عن أن الله تعالى يأمر كل مؤمنة بان تغطي صدرها وعنقها بالخمار إضافة إلى تغطيتها لرأسها ، وهذا ياتى بجلباب أو عباءة تسدل من أعلى الرأس على بقية الجسم وليس بعباءة على الكتف. ليلى : لكن ألا ترين أني قد غطيت رأسي وجسمي بالعباءة ولو كانت على كتفي وبذلك أكون قد غطيت زينتي ولم أظهرها؟ أجابت المرأة : لأقف معك ياعزيزتي وقفة مصارحة وتأمل : عندما تنظرين إلى امرأة قد لبست ما يسمى (الكاب ) مثلا أوجعلت عباءتها على كتفها، ألا يكون في ذلك تجسيما لأعضائها ، وإظهارا لتقاطيع الجسم وإبراز تلك المفاتن . يا أختي : ألا يسمى هذا تبرج وسفور قد جاء الشرع بالنهي عنه والتحذير منه ، قال رسول اللةصلى الله عليه وسلم ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد - ذكر منهما - نساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا). * أو عندما تلبس المرأة البرقع أو النقاب وجعلته واسعا بحيث قد أبدت ماحول عينيها، بما على وجهها وعيونها من مساحيق التجميل ، ألا يسبب هذا وذاك افتتان الرجال بها ومن ثم فهو نوع من التبرج وإشاعة أسباب ومظاهر الفتنة وكل ذلك قد جاء الشرع بالنهي عنه والوعيد له . أو عندما تلبس المرأة ملابس قصيرة من غيرأن تسترقدمها ويداها وأظهرت شيئا من نحرها بأن قصرت غطاء وجهها، أليس ذلك من أسباب فتنة الرجال ، ومسببات الفواحش وقد نهى الله عن ذلك كله . * أو عندما تلبس المرأة ملابس ضيقة ذات ألوان زاهية ومغرية ثم تتجول في السوق ، وقد لبست عباءة رقيقة، قد رفعتها إلى وسط جسمها لتزيد من تحديد أعضاء جسمها، أليس ذلك الفعل وهذا المنظر مما جاء الشرع بالنهي عنه أيتها الأخت الشريفة : ألا توافقينني أن تلك المظاهر لا يمكن أن تليق أبدا بامرأة عاقلة حصينة، تخشى موقفا مفزعا يوم القيامة. ألا توافقينني أنك عندما ترين من مظهرها كما وصفت لك الآن فإن احترامها وتوقيرها يكاد أن ينعدم في نفسك ، بخلاف ما لو رأيت امرأة في هذا السوق أو غيره ، وقد حافظت على حشمتها ووقارها ولم توذ أحدا بمظهر من مظاهر السفور، ألا يكون لهذه المرأة المتسترة محل تقدير واحترام في نفسك ، فلماذا لا نكون جميعا بهذا الوصف الرائع وتلك الأخلاق الفاضلة لنجعل هذه الأجساد دررا مصونة لا ينال منها ولو بمجرد النظر إلا من أذن الله له سلمى :لكننا لم نقصد التبرج أو السفور، ولكن نحن نحب الملابس المميزة ولا نقصد فتنة أحد من الناس أجابت المرأة بقولها: * لقد أنزل الله آيات الحجاب وهو- سبحانه - يعلم أن من النساء من تتحجب للزينة والفتنة، وتتجمل بالخمار لأنها تديره على رأسها مائلا ذات اليمين وذات الشمال ، وتجعل عليه أنواع الزينة كما تتجمل أيضا بالعباءة بطريقة لبسها وبنوعها الذي تستحدث له كل يوم زينة جديدة، إن من تفعل ذلك قد فعلت عكس ما أراد الله منها، وزعمت أنها أطاعت ربها واحتجبت كما أمر ألا فلتعلم تلك المسكينة أن الله عليم بما في نفسها من شهوة التجمل والتبرج ، وأنه لا يخفى عليه ما في قلبها وهو العليم الخبير. * ثم اسمحي لي أختي الكريمة أن أقول لك : إني أشم منك رائحة عطر مثيرة، مع أنك مررت وستمرين بمجامع الرجال وهذا أمر محرم حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أيما امرأة استعطرت ثم خرجت ، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ) وأضيف يا عزيزتي -إن لبس الحذاء بكعب مرتفع حيث يظهر صوت ضربه في الأرض من دواعي الفتنة وقد قال الله عزوجل :( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن )(5). ثم إنني أعجب ، كيف تقبل المرأة المصونة العفيفة عرض جمالها في السوق سلعة رخيصة تتداولها الأعين ، وكيف يرضى لها حياؤها أن تكون مبعث إثارة وشهوة في نفس كل رجل يراها، بل كيف تطيق الشعور بأنه يصبو إليها ويتمناها ! ! إنها لو فكرت في ذلك قليلا لاحمرت خجلا، ولسترت جمالها وزينتها عن الأعين الشرهة، لقد قال الله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما*إنه إحاطة للمرأة بهالة من الصون والكرامة ، لتكون في إطار من الإجلال ، والإكبار، لقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بان يلزم أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن ، والجلباب هو الثوب الواسع ، أي أن يتسترن بالثياب الواسعة ليعرفن بالحصانة والتقوئ والعفاف ، فلا يؤذين باعمال سافلة دنيئة، ولا تنغص حياتهن بنظرات وقحة جريئة، ولا توجه إليهن أقوال مهينة بذيئة . وأخيرا أنبهك - أيتها الأخت الغالية - إلى خطورة التوسع في الكلام مع البائعين ، أو إلانة الكلام لهم بالرقة والخضوع ، فذلك مزلق خطير، وقد قال الله - عز وجل - : ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي .في قلبه مرض ليلى :إن كلامك - يا أختنا - مما يؤيده العقل وتحبه النفوس ، ولكن كثيرا من النساء كماترين الأن يفعلن هذا الذي توضحين خطاه وخطورته ، فهل يمكن انهن جميعا يجهلن ذلك فأجابت : يا عزيزتي : إن هؤلاء النساء اللاتي تعنينهن لا يخلو حالهن من أحد أمرين : * إما أن الواحدة منهن جاهلة بأمور دينها ، ولا تحرص على التعلم والتفقه في دين الله ، بل تتبع الناس وتقلدهم وقد لا تفهم الأمر الذي قلدتهم فيه ، ولكن هكذا بالتقليد، ولوكان في ذلك سخط ربها -عزوجل -. * وإما أن تكون الواحدة من أولئك قد عرفت الحق ورأت نوره فأغمضت عينيها وأشاحت بوجهها عن هذا النور، ونأت عنه لتظل في الظلام باختيارها ، وقد غلبت شهوتها على إرادتها، وطغى هواها على . تقواها، ولذا تجرأت على معصية الله على علم وقد قال الله تعالى : فرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكر و ن أيتها الأخت الكريمة : ما أسعد المرأة التي تشعر بان جمالها برىء لم يقترف إثما ولم يؤذ أحدا، ولم يسبب حسرة، ولم يثر شهوة، ولم تلتهم لحمها الأنظار، ولم تلك عرضها الأفواه ، فجمالك إذا صنته كان سعادة ونعمة ، وإذا ابتذلته حولته شقاوة ونقمة . فكم من جميلة أغراها الشيطان بالانغماس في التبرج والتزين المحرم ، والافراط في الخروج والتجول ، تهيم على وجهها مستعرضة لزينتها في كل سوق وتجول مستلفتة إليها الأنظار في كل مكان ، فذهب شبابها وخسرت مستقبلها في الدارين ، ورغب الرجال عن الزواج منها ، ونفروا منها مستنكرين ولم يتزوجها واحد ممن كان يحوم حولها متملقا، وكان ينظر إلى ذلك الجمال العاري معجبا محملقا، بل كان يتزلف إليها ويغرها بمعسول الكلام وزخرف القول ، وهي ربما لم تفرط في عرضها ولكنها عملت ما يوجب الشك ، وكانت مستهترة فخسرت بجهلها وطيشها الدنيا والآخرة ليلى: إن أردت الصراحة يا أختنا فإن كلامك كله صحيح ومقبول لكن هذا يحتاج إلى جهد لتطبيقه لأن أكثر الناس بخلاف ما تقولين ، إن فعل ذلك يحتاج إلى قناعة وإرادة قوية فأنا أحس أني سأشدد على نفسي وهذا عسيرنوعا ما أجابت المرأة: يا أيتها الأخت الحبيبة : إني والله مشفقة عليك وعلى صاحبتك وعلى كثير من النساء، فأي كلام هذا، وأي قناعة نريدها حتى نتبع ما أمر الله به ! أعندما نفاجأ بنزع الروح وسكرات الموت لتقول الواحدة منا : إني تبت الآن ، وما يغنيها ذلك حينئذ . إن الواحدة منا لو تذكرت مالها ومصيرها لما أقدمت على كثير من أخطاءها فكيف بك يوم تنظرين الى هذه الدنيا نظرة الفراق والوداع وعيون أهلك ترمقك ويتحسرون ألا يستطيعوا رد القضاء عنك ، وقلبك يتقطع حسرة وندامة على أخطاء أسرفت بها على نفسك ، وعلى أعمال خير وبر فرطت بها. هل تصورت نفسك وأنت تنازعين الموت ثم فارقت هذه الدنيا بحلوها ومرها، فاحب م هلك إليك من يبادر إلى شراء كفنك الذي خلا من كل حلي وزينة تلبسينها الأن ، وجسدك الذي طالما عنيت به وربما تسببت في فتنة الرجال به ، هذا الجسد الغض الذي كسوته بما حرم الله ، سيسكن بلا حراك إلا عندما تقلبك المغسلة، أو حينما ترفعين على نعش فوق أكتاف الرجال لتودعي في قبرك ، أو حينما يتقدم أحد أقاربك أو غيرهم ليجعلك في القبر على جنبك الأيمن موجهة إلى القبلة، فاذا برأسك يميل إلى الأرض فيجعل حثوة من تراب تحته لترفده ، أو حينما ينقطع تعلق الأحياء بك مباشرة مع آخرعقدة يحلها من كفنك من تولى دفنك وانزالك القبر. هل تأملت اللحظات التي يتقدم فيها أبوك أو أخوك أو زوجك أو قريبك ليصف اللبنات على اللحد ويجتهد في سد الثغرات بينها بالطين رحمة بك . وبعد أن يهال عليك التراب ويتم دفنك فاذا بك تبدأين أولى مراحل الحياة البرزخية ، حيث تسمعين صوت نعال ذويك وهم ينصرفون من عند القبر، ثم تواجهين مصيرك الذي أعددت له باعمالك في هذه ا الدنيا ، فتتوالى عليك الكربات بدءا بفتنة القبروسؤال منكرونكير. . . أتريدين القناعة في ذلك الموقف لتلتزمي أوامر الله ! ! فتقولي : إرب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت أيتها الأخت الحبيبة : إن هذا الجسد الناعم لا يطيق عذاب الله وعقابه ، وإن من ورائنا أهوال لا يعلم عظمها إلا الله تعالى . أولو ترى إذ المجرمون نكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون "(10) يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترئ الناس سكارئ وما هم بسكارئ ولكن عذاب الله شديد*(11) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مارأيت منظرا قط إلا القبر أفظع منه " وقال : "كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن ، وحنف جبهته ، وأصنف سمعه ، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ ، فينفخ )(12). ويوم تزفر النيران فيه وتقسم جهرة للسامعينا وعزة ربي وجلال خالقي لأنتقمن منهم أجمعينا وقد شاب الصغير بغير ذنب فكيف تكون حال المجرمينا فكفف بالموت مفزعا للقلوب ، ومبكيا للعيون ، ومفرقا للجماعات ، وهادما للذات ، وقاطعا للأمنيات . *** انزوت ليلى - وهي تكفكف دموعها - محاولة تعديل نبرة صوتها حيث تغيرمع بكائها وعبراتها، وأما سلمى فكادت دموعها تبل غطاؤ وجهها، ولم تتكلم ولوبكلمة واحدة. ليلى :أيتها الأخت الكريمة، لقد لمست بكلماتك العظيمة شغاف قلوبنا ونبهتنا لأمور غفلنا عنها كثيرا فكأنما استيقظنا من نوم عميق كنا نغط فيه . سلمى : جزاك الله خير الجزاء أيتها الأخت النبيلة، واننا بحاجة لمن يرشدنا ويوجهنا من أمثالك فهلا قبلت صحبتنا . قالت المرأة : * بكل سرور، فهذا عنواني ، وسأكون على اتصال قريب بكما - بإذن الله -، إني إذا أستاذنكما الآن ، فإن قلبي يملؤه السرور والفرح لاستجابتكما فبارك الله فيكما وثبتنا جميعا على الحق . إنني أستميحكما عذرا بالانصراف وآمل اللقاء بكما قريبا . ليلى وسلمى: إلى اللقاء أيتها الأخت الفاضلة، ونعاهدك من هذه الساعة على تقويم سلوكنا ومظهرنا . فلا عباءة فاتنة، ولا ثياب متبرجة، ولا مظاهرإغراء ولا خروج إلا لحاجة بل الحشمة والعفاف بإذن الله . همت كل من ليلى وسلمى بالانصراف من السوق وقد اغرورقت عيونهما بالدموع الحرئ ، وعادت قلوبهما تنبض بالهدئ والتقوى وإبتغاء مرضات الله ، ثم غادرتا السوق ولما تزل دموعهما باقية آثارها على وجهيهما حتى غادرتا عتبة السوق . *** هنيئا لليلى وسلمى هذه الإنابة، وهذه القلوب الرقيقة التي دب فيها روح الإيمان ، وهنيئا لهما قبول إنابتهما - بإذن الله - لتغسل دموعهما ما تلطخت به صحائف أعمالهما من أعمال لا يرضاها الله تعالى، يقول النبىصلى الله عليه وسلم (عينان لا تمسهما النار أبدا : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " . ما أحوجنا جميعا إلى تأمل أوضاعنا وتقويمها وفق شرع الله ، لنبادر إلى الإنابة إلى الله والاستعداد للقائه
0
368

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️