لولا ان راى بر هان ربه

ملتقى الإيمان

(لـولا أن رأى برهـان ربـه)
ا
آية كريمة تشعُّ نوراً وضياءً في أوائل الآيات من سورة يوسف،كثيراً ما طرقت مسامعنا.. جوَّدها المجوِّدون، وترنَّم بها المترنمون .. فاضت أعين الصحابة الكرام والمؤمنين بالدمع لدى سماعها، وبشهودها عادوا غانمين، وبالتقوى " الشهود النوراني الأعظمي " رافلين، بمعيّة رسول الله سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين .. كما ونظرت أعين البعض فيها نظرةً في الفراغ دون أن تعي قلوبهم شيئاً. إذاً فلنهيء أنفسنا للبحث في بحر معانيها وشروحها، واكتشاف لآلئها وكنوزها.
في البداية دعنا نلقي نظرة في التفاسير الزائغة: عن البرهان، عمَّا رآه سيدنا يوسف عليه السلام. فقد وردت في ذلك أقاويل كثيرة وقبيحة لا منطق ولا صحَّة عن مفسِّريها عميان القلوب، ومنها:
ـ أنـه رأى صورة سيدنا يعقوب عليه السلام عاضّاً على أصبعه بفمه ..
ـ وقيل عنه في رواية " أن سيدنا يعقوب ضرب في صدر يوسف فخرجت الشهوة من بين أنامله " فمن أين حضر سيدنا يعقوب من البدو ودخل عليها والباب مغلق ؟!!. ومن البداهة: أن الغائب لا يكون حاضراً والحاضر لا يكون غائباً ".. وما إليها من دنيء الأقوال، ما يترفع عن سماعها من كان في قلبه ذرةٌ من خردلٍ من إيمان.
ـ وقيل أن سيدنا يوسف عليه السلام رفع رأسه إلى سقف البيت، فإذا بكتابةٍ على الحائط لآية{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (32) سورة الإسراء.
ـ ويُقال أن يوسف عليه السلام رأى ثلاث آيات من كتاب الله
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} (10) سورة الإنفطار .
والآية: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ..} (61) سورة يونس.{أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ..} (33) سورة الرعد.
مع أن القرآن لم يكن قد أنزل، أي قبل خلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بل قبل الإنجيل والتوراة، فمن أين جاؤوا بهذه الآيات افتراءً ؟!. ويقال أنه رأى آية من آيات الله تزجره عما كان قد همَّ به.. وقيل البرهان إنما هو خيال سيده حين دنا من الباب، وما إلى ذلك ممّا ذهب لتفسيره الأرذال، حين فسّروا عن الأطهار، بموازينهم الخبيثة الخفيفة، وكلّ إناءٍ بما فيه ينضح.
وكما نرى أقاويل كثيرة مختلفة في مبناها، متفقة في فحواها، وهو أن سيدنا يوسف عليه السلام ذلك النبي الطاهر الشريف، قد مالت نفسه إلى الفاحشة، وكاد أن يقع بأمر لا يقع به إلا من بَعُدَ عن ربه، واستحوذت الدنيا على قلبه أشد الاستحواذ، وأصبح عبداً مطيعاً لسلطان الشهوات والنزغات.
هذا ولم يفهموا حقيقة قول ربّهم:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ..} (24) سورة يوسف.
يهمُّ الإنسان بحسب ما في نفسه، فالشهم الطاهر الجريء يهم بإنقاذ شرف إحدى النساء من أيدي خاطفيها من أهل الفواحش، أما الرجل الدنيء النفس الزاني، فهو يشاركهم في عمل الفاحشة وإذا همَّ أحد اللصوص بسلب مالك، ومدَّ يده إلى جيبك، وهممتَ أنت بصده وإلقاء القبض عليه، فهل ما هممتَ به يماثل ما همَّ به؟!.. الهمَّتان متعاكستان، لذلك فالأنبياء الكرام البررة وهم صفوة الله من خلْقه، وخيرته من عباده، لا يهمُّون إلا بمعالي الأمور، ومكارم الأخلاق، فهم نبراس الكمال، ولا يَصْدُر منهم إلاّ الكمال والطهر والعفاف. أما همُّ الزانية الفاجرة فهمُّها على العكس في إتيان الفاحشة، لأنها عمياء القلب، لا تعلم نتائج هذا الأمر الشنيع بالهلاك عليها.
النبي المبصر بنور الله، يُدرك ما في هذا الأمر الشنيع من الهلاك، لذا فهمُّه مخالف لهمِّها، فهي تهمُّ بسلب شرفه، وهو يهمّ بالنجاة بشرفه وشرفها.
ولو صدّقنا قول الزنادقة بأن هِمّته كهمَّتها، لَما كان سيدنا يوسف عليه السلام نبياً، ولا صدِّيقاً، بل لانطبق القول على شخص خبيث زانٍ .. وحاشا للأنبياء عن هذه الوصمة الشيطانية .. حمانا الله وإياكم من تصديق أقوال إيحاءات الشياطين لأمثالهم.
ولو أننا أمعنا النظر في السورة، وربطنا الآيات ببعضها البعض لكشفنا زيف هذه الأقاويل وافتراءها .. فبعد أن شهد شاهدٌ من أهل زوجة العزيز بشهادة تدينها، وتبيّن براءة سيدنا يوسف عليه السلام خشي العزيز أن يشيع الأمر بين الناس، ولذلك أوصى سيدنا يوسف بالكتمان، والتفت إلى زوجته ولامها، وإلى ذلك يشير الله تعالى بقوله: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}،{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ } (28-29) سورة يوسف
كما وقد جاءت براءة ثانية لسيدنا يوسف عليه السلام، وشهادة من زوجة العزيز ذاتها بطهارته وعفّته:{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ...} (32) سورة يوسف :وعلى الرغم من ذلك، فقد فسَّر العميان هذا بخلافه وعكسوه.
ولقد رأى العزيز والوزراء من الأدلة والبراهين على براءة وطهارة سيدنا يوسف عليه السلام الشيء الكثير، فقرَّروا أن يسجنوه ريثما ينطفئ هذا الأمر، وينساه الناس، فلا يبقى هذا اللغط بحق زوجة العزيز .. كما وقد خاف الوزراء والوجهاء على نسائهم الهائمات المغرمات بجمال سيدنا يوسف الطاهر الأمين، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} (35) سورة يوسف.
الموضوع الأصلى من هنا: منتديات البارود ما هو البرهان الذى رآه سيدنا يوسف عليه السلام
وإليك اعتراف واضح وصريح لزوجة العزيز بأنها مخطئة، وأن سيدنا يوسف عليه السلام طاهر شريف، حين سأل الملِكُ النساء:{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (51) سورة يوسف: وهذه براءة من الله له أمام الناس جميعاً. ولكن عدم معرفة الإنسان بمقام النبوة، وما ينشأ عنه من العصمة، قد يجرُّه إلى الاعتقاد بإمكان وقوع الأخطاء من الأنبياء ..
وقد يتفاقم به الأمر فينسب لهم الخطأ، ويسعى في تأويل أعمالهم العالية بما لا يليق بشرف مقامهم وعظيم مكانتهم، أما سمع قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..} (90) سورة الأنعام :هل يظن أولئك الضالون المضلون أنه تعالى يأمرنا بأن نهمَّ بالفحشاء!. حاشا لله وكلاَّ.
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ}، {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (26-27) سورة الأنبياء
والله تعالى ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. فهم عليهم السلام لا ينطقون إلاَّ بكلام الله ولا يعملون إلاَّ بأمره. {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ..} (3) سورة يوسف
،ولم يقل أرذل القصص، كما زعم بعض المفسِّرين المضلين.

اقتبسنا هذه العلوم من مركز أبحاث العلامة محمد أمين شيخو

0
326

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️