ليتني ..وليتها ..ولكن ..

الأدب النبطي والفصيح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
إنني لأول مرة أشارك معكم ...
وهذه قصة كتبتها وأتمنى أن تنال إعجابكم .. وأحب أن تردوا عليّّّ برأيكم ..

**************************************
بين أوراقي ودفاتري القديمة كثيراً ما أعثر على أسماء وكلمات وصور فوتوغرافية صغيرة لشخصيات أكون متأكداً من أنني كنت أعرفها ، ولكنني لا أكاد أتذكر شيئاً عنها الآن ..فقد مرت عليها الأيام بمعولها وتاكلت حافات شريط ذكرياتها وتبخرت الصور بفعل حرارة الأحداث المتلاحقة .. فبقيت طيفاً مهدماً هو أضعف من أن يجعلني أحيط علماً بالمكان والزمان اللذين جمعاني بالناس والأحباب ..وكل ما بقي راسخاً ثابتاً لا تمسحه الأحداث ولا يزله مر الأيام .. إنه إحساس عميق بالحسرة والندم ..لكن الله فتح لي طريق التوبة مفروشاً بالزهور ...
توفي والدي وكان عمري تسع سنوات .. وربتني والدتي والتي كابت تحبني حباً غامراً..وكانت تمنحني الكثير من الدلال والثقة بلا حدود .. وكانت معي في خطأي وصوابي وحتى في ظلمي .. كانت تشعر أنني البديل الذي يملأ الفراغ الذي تركه والدي ..لقد كانت تعلق عليِِّّ امالاّ كبيرة .. لأنني كبير أشقائي.. وقد استغليت هذه المحبة حتى أنني كنت أطلب منها الكثير مما كانت تعجز عنه ولكن كانت تلبي كل ما أريد..ليتها لم تمنحني الكثير!!..ليتها كانت تضربني!!.. حتى أنني كنت أتجرأ أضربها ومع ذلك كانت هي التي تراضيني .. ليتني لم أفعل ذلك!!..ليتها كانت تغضب مني!!..هكذا كانت في أشد حالات الضعف أمامي ..مما جعلني أتمادى في غييّّّ ..هذه الأجواء بوجود أم ضعيفه وغياب الوالد عني أو أي جهة رقابية هيأت الأجواء للتعرف على رفقة السوء ..وأنا في السابع عشر من عمري .. وكانت وفاة والدي بداية الإنحراف حيث تركت الصلاة .. وتوقفت عن التلقي للكثير من القيم والمبادئ والأخلاق التي كنت أتلقاها من أبي ..
ليتني استمريت عليها!!..ليتني لم اتعرف على هؤلاء الخبثاء!!..ليتني كنت أعرف الدين والإسلام!!.. لكن لا تنفع الاّه .. ولا ينفع الندم وانا أكتب هذه السطور..
وفي المدرسة بدأ مشوارالإنحراف ..حيث تعرفت على شلة من الشباب الفاسدين كانوا يأخذونني معهم اينما ذهبوا ..وأنا كنت أتباهى أمامهم لعدم وجود الرقيب عليّّّ حيث توفي والدي وأمي ليست لها الحيلة بمواجهتي ..ليتها واجهتني!!..ليتها عاقبتني!!..ليتها طردتني من بيتي!!.. وفي بداية الطريق كنت أتأخر عن البيت ليلاً ولم أرجع إلا في أنصاف الليل..وإذا دخلت البيت أرى أمي أمامي وهي تقول :ابني (محمد)أين انت ؟!..وأنا لم أجاوبها ولو بكلمة واحدة .. ابني
لقد انشغلت عليك.. لماذا تأخرت ؟!..
فأرد عليها قائلاً:إنني كبرت وأصبحت رجلاً ولا تسأليني هذه الأسئلة مرة أخرى ..فتسكت أمي واستدير بوجهي ..واذهب عنها ..فكنت متعبها بدراستي ..كنت أذهب للمدرسة فقط للإتفاق انا وزملائي لبرنامج هذا اليوم ..وفي ذلك اليوم بعد مروري سنة وبضعة أشهر على تعرفي لهذه الشلة اتفقنا على ان نسافر سوياً إلى إحدى البلدان المجاورة التي ينتشر فيها الفساد .. فبذلك استطعت سرقة جوازي السفر من غرفة امي ..فلما قدم الوقت الذي تم الإتفاق عليه ذهبت إلى أمي وهي رافعة يديها متضرعة إلى الله تدعو لي بالهداية..وأخبرتها ولكنها لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة ..ومرت الأيام والشهور والسنوات وانا على حالي هذا لكنه يزداد سوءاًيوماًعن يوم ..حتى أنني لم أكمل دراستي الثانوية ..
وفي ذلك اليوم دخلت عليّّ أمي وهي تحاول أن تقنعني بفكرة الزواج ،فرفضت لهذه الفكرة ..ثم بدأت بالإلحاح عليّ كلما رأتني..ثم قالت :يا محمد ما عليك إلا أن توافق وانا مستعدة لتأمين ما تحتاجه للزواج بإذن الله..فوافقت وبدأت أمي للبحث عن الزوجة ولكن كانت النتيجة الفشل بسببي فذهبت امي إلى إحدى القرى المجاورة فحصلت على العائلة المحتاجةالتي وافقت من زواج ابنتهم مني ..فتم الزواج ورزقني الله بأولاد لكنني لم أتوب بل تعرفت على مجموعة جديدة من رفاق السوء..وازداد حالي سوءاًعلى أمي وزوجتي وكنت أفعل ما أفعل حتى أنني يصيبني الخجل من أن أصرح ما أنا فيه ..وفي ذلك اليوم قبض علي وانا متلبس بالجريمة وأودعت السجن المركزي وكانت أمي تزورني بين فترة وأخرى ..وفي إحدى الزيارات تظاهرت بالبكاء والضيقة لأستجلب عطفها وتعطيني المال الذي أسدد به ديوني عند بعض الناس ..فتألمت لذلك وقالت:حتى وأنت في السجن يامحمد لم يفارق لسانك هذا الكلام ..الا تتق الله فارتفع ضغطها ثم قالت :يامحمد لا أحس بيدي اليمنى ..وبعدها بقليل قالت :لا أشعر برجلي اليمنى ..ثم وقعت على الأرض وتجمع الشرطة فحملوها وأوصلوها إلى المستشفى ..لقد أصيبت بجلطة، وبعد يومين جاءني الخبر وأنا في السجن بوفاتها وتأثرت كثيراً لهذا الحدث ..وانعزلت عن الناس..نعم إنني أنا السبب..نعم إنها عاشت أفظع وأسوأ أيام حياتها بسببي ..ليتني وليتني وليتني ولكنه لا ينفع الندم فقد فات الأواّن..ثم خرجت من ذلك المكان ولكنني لم أتعظ ولو بأقل القليل فكنت أضرب زوجتي وأبنائي..فقد كانت زوجتي وبناتي قد أخفأن عني مجوهراتهن في صنوق حتى لا أسطو عليه ..ولكنني عثرت عليه وبدأت أبيع منه شيئاً فشيئاً..وقبل أن ينتهي أحسو بنقصانه فأخفأوه في مكان اّخر، فاحتجت إلى المال فعمدت إلى سرقة الأجهزة الخاصة والجوالات حتى انفضحت بين جميع أفراد الأسرة واتفقوا جميعاًعلى مقاطعتي حتى كلمة( بابا) حرموني منها..ومرت الأيام وأنا منبوذاً ولم أرى شيئاً أسرقه..فاضطرت للذهاب إلى ولدي الكبير(خالد) وقعت على أقدامه أقبلها وأرجوه بأن يعطيني مبلغاً من المال الذي اشتري به المسكرات فانتفض ولدي(خالد)وقال:
ياأبت كيف تفعل هذا وأنت والدي؟! أنت الذي علمتنا العزه والكرامه..كيف تقبل بمثل هذا الذل وصرخ بوجهه قائلا:
ياأبت إنك لا تعتبر أبانا لاتحس فينا ولاتأتي للبيت إلا لحاجتك فكيف تكون لنا المثال؟!
في هذه اللحظه سقطت على وجهي لاأدري ماذا حدث؟!..لقد كانت كلمات ولدي صفعة أليمة لم أشعر بمثل ألمها في حياتي حتى من كلمات أمي رحمها الله..
جلست في ذلك اليوم أحاسب نفسي لأفعالي إنني قضيت أسوأ وأفضع أيام حياتي..منفياً مهجوراً عن الأهل والأحباب والحياة السعيدة ..فكانت النتيجة شلل أمي على يدي ..لم أشعر أولادي بلحظة حنان وسعادة ..لم أشتري لهم ..لم أجلس معهم ..لم أخرجهم رحلة يفرحوا بها .. لم أعلمهم الصلاة والصيام وغيرها ..يا ويلي من ربي ..إنني سوف أحاسب وأجازى على ذلك المكتوب في صحيفة أعمالي .. النتيجة موت أمي بسببي ، وتشتت إخوتي ، وابتعاد أولادي عني ..كيف مررت بهذه الأيام؟؟؟... لقد بدأ النور في التسلل إلى فؤادي ..لقد بدأت سُحُب الضلال تنقشع عن قلبي المظم بالمعاصي ..لقد بدأت العزيمة تتفجر في داخلي ..وبدأ التحول الكبير إلى عالم الإيمان ..وبدأت أنزع ثوب الجاهلية ..وأرتدي ثوب الطهارة والإيمان ..لقد هممت بالصلاة وبدأت بها ..ثم بدأت أنصح زملائي الذين كانوا معي في معاصيي وهم بين مستهزئ وبين متأثر ..حتى تركتهم تماماً.. ثم بدأت أبحث عن عمل وبدأت انضم إلى جماعة من الدعاة.. صرت داعية من الدعاة .. نعم من الدعاة ..كيف لا؟؟!.. والله فتح لي سبيل الهداية والخير والصلاح نعم إنني أعيش هذه الأيام أجمل لحظات حياتي ..أتذكر كيف ابني تسبب في إنقاذ حياتي بفضل الله !!!.. ومن ثم هدايتي إلى طريق الإيمان .. إنني إشعر بالسعادة الحقيقية لأول مرة ..بعد أن كنت أعيش بالوهم طيلة هذه السنوات من عمري ..أسأل الله لي ولغيري من التائبين بالثبات حتى الممات .. وأسأله سبحانه أن يغفر لي ذنوبي ...
*******************************************


أتمنى أن تحوز رضاكم ..
3
663

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ندى البستان
ندى البستان
قصة واقعيه تحدث كثيراً ولكن من يعتبر...
الله يعطيك العافيه على هالقصة...
دموع على سفوح المجد
أحسنت وبارك الله فيك ... قصة جميلة و مؤثرة وهادفة .
من الواضح أن لديك موهبة أدبية مبكرة .. وهذه الموهبة تحتاج إلى مزيد إطلاع وقراءة في كتب الأدب العربي ...
أعجبني استخدامك للكلمات و العبارات الأدبية وحسن توظيفك لها في خدمة المعاني .
وكذلك أعجبني خيالك الجيد والذي يلاحظ في استخدام بعض العبارات الأدبية مثل ( فقد مرت عليها الأيام بمعولها وتآكلت حافات شريط ذكرياتها وتبخرت الصور بفعل حرارة الأحداث المتلاحقة )
و أود منك مراعاة بعض الملاحظات اليسيرة :
1- عدم اختصار و اقتضاب بعض مجريات الأحداث التي لابد من ذكرها لأن الاقتضاب الشديد يؤثر في تسلسل القصة المنطقي .
2- زيادة العنصر الحواري و إعطائه حقه ، فالقصة غالبا ما يكون فيها سرد للأحداث ولكن لا بد أن يكون فيها حوار يستشف منه القارئ شخصية المتحاورين ونفسيتهم وجانب الخير والشر فيهم بحسب أدوارهم .

و أخيرا بارك الله فيك و بداية ممتازة و إلى الأمام .

:41:
بحور 217
بحور 217
حديقة الياسمين ...

قصتك جميلة ولها هدف رائع ...

بداية القصة كانت غاية في الجمال لكنك لم تستمري على نفس الطريقة في السرد ... فقد أهملت نوعا ما العبارة الأدبية وتجاهلت عرض المشاعر باستفاضة أكبر ..

لو لم تذكري منذ البداية أن الله قد من عليه بالتوبة لكان هذا أكثر تشويقا ..

في انتظار إبداعات قادمة .