من أقبح الأخطاء تلك التي يرتكبها الإنسان متعمّداً، ثم يعلّلها من أجل أن يكسوها قناعاً يخفي عن عينيه الزائغتين قبحها. كي يستمرّ عليها، ويستمرِئها.
ويزداد قبح هذه الأخطاء حين تعتدي شظاياها على أجساد الآخرين وأرواحهم وممتلكاتهم.
ولعمر الحق .. لست أدري كيف استشرت ظاهرة التعدي على الملك العام في الآونة الأخيرة؟ وكيف اتخذت أشكالاًَ وصوراً جديدة؟!
فهذا (الموقر) كلما أعجبته قطعة على مكتبه في العمل تحوّلت إلى مكتبه في المنزل.
وذاك (المستعير) تحوّلت غرفته إلى مكتبة ضخمة ذات تخصصات مختلفة.
وذلك (الموظف) تكوّن لديه متحف رائع دون أن يدفع درهماً ولا ديناراً.
وهذا (المسؤول) تزيّنت ممتلكاته الخاصة بكل الإمكانات التي تتوافر في عمله.
وهذا المواطن (الصالح) بعد أن استفاد من القرض العقاري، رفض أن يسدّده.
وذاك (المحترم) عُرف من سماته (الجليلة) أنه يتقبل (الهدية) وخاصة إذا كانت (سمينة)، من أيّ مراجع صاحب حقّ.
وذلك (الصعلوك) أصبح من أكثر الناس جاهاً يستذلّ الناس به؛ لأن شيئاً من حوائجهم تحت يديه.
إن مثل هذا يقع في المؤسسات (حكومية أو خاصة) قليلاً وكثيراً -للأسف الشديد- ويُصدم أحدنا من الواقعين في شباكه بتعليلاتهم الكثيرة لما يصنعون.
فواحد يقول: إن هذا المكتب مكتبي الخاص، وكل ما فيه إنما وُضع لخدمتي، وها أنا ذا أقوم ببعض أعمال المكتب في المنزل، فلماذا إذن أمتنع من الإفادة من أدوات مكتبي في منزلي؟! (عجبي من هذا المِنطيق).
وثانٍ يقول: إني كما آخذ أعطي، وكما أحمل من عملي أضع فيه، ولا داعي لكل هذه الحساسية الزائدة في المقادير!؟ (إنه العدل موديل 2001م ).
وثالث يقول: ماذا أفعل مع هؤلاء المراجعين الذين غمروني بحبهم وهداياهم، هل أكسر خواطرهم؟ أليس هذا من الكبر؟! (لو كنت في بيت أمك هل سيطرق عليك الناس بابك ليعطوك؟!).
ورابع يقول: إنني مواطن، ولي حق في المال العام، فإذا ابتلعت ما اقترضت منه فإنما أخذت حقي. (وأين العقد الذي أبرمته على إرجاع ما أخذت؟ وأين حقوق الناس الذين ينتظرون دورهم بعد أن ترجع النقود إلى موقعها ليستفيدوا كما استفدت؟) .
وخامس .. وسادس .. ومئة .. والمسألة تكبر وتكبر، فالأيدي التي تدرّبت على القليل وهي صغيرة، سوف تكبر، وتمتد إلى الكثير.
إن كل قطعة أخذتها دون حق سوف تبقى تقول لك ـ كلما نظرت إليها ـ :"إنني لست لك".
وضميرك الحيّ الذي نشأ على العبوديّة الخالصة للخالق -عز وجل- لن يدعك كثيراً، سوف يلحّ عليك ويقول: إنها ليست لك.
وكل إنسان يكتشف مهارتك في (السرقة المقنعة) سوف تهبط من عينه بقدر ما كان لك من مكانة فيها، ولسوف تصرخ نظراته في عينيك (أرجعها .. إنها ليست لك).
أما في يوم المعاد، فقد روى الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْيَمَنِ فَلَمَّا سِرْتُ أَرسَلَ فِي أَثَرِي فَرُدِدْتُ فَقَالَ: أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ؟ لَا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِي فَإِنَّهُ غُلُولٌ (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) لِهَذَا دَعَوْتُكَ فَامْضِ لِعَمَلِكَ.
********
الإسلام اليوم
حاشجيات @hashgyat
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️