مأساة (( ياسمين )
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ياسميـن زهـرة جمـيلة في السابعة عشرة من عُمرها ، نشأت وسط بستان طاهر تملؤه الروعة
و الحيوية و روح الإيمان و التقوى ، فـمعَ إشراقة شمس كل صباح تـتنفسُ نُسيمات الهدى
و تتغذى على الورع و الينع ، و تتجرع الإيمان شُربا ...
و فجأة
انقلبت حيـاة ياسمـين ، فبـعدَ أن كانت مؤمنة بالله تقية تخافه و تخشاه ، أصبحت تجاهر بالمعصية
تستبيح الحرام و لا تــُبالي ، أصابـتها عدوى مـن صديــقـتها المنـحرفة التي طالما أحبتها ياسمين
و وضعت فيــها كُلَّ ثقتها ، حتى أصبحت تتبعها كالعمياء ، إلى أن سقطت في حضيض حفرة سوداء
التقـيت مع تلكـَ الفتاة المعذبة
سألتهــا كـيف تـقضـين يومك ؟!
ليتني ما سألت .. لقد صعقتني إجاباتها ، فصورتها المنطبعة في مخيلتي أنها رمزًا للفتاة المسلمة الملتزمة منذ زمن
أجابتني دون حياء ، و كأنَّ ما تفعله شيئا عاديـًا :
أستيقظ الصباح لأفتحَ جهاز الكمبيوتر الخاص بي و من ثم الدخول إلى الإنترنت و محادثة
فأنا لو مضى عليَّ يوم بدون أن أحدثه تصيبني ’حــالة نفسية ’ ...
قاطعتها الحديث و انا ضاحكة و قلت :
سبيدر مان هذا شخصية كارتونية !
قالت :
لاااا لا ... إنه صديقي ، و هذه كُنـيته
قالت " صديقي " من هُـنا ، و أنا أصابتني الدهشة ، لعلني فهمت ان ياسمين انحرفت عن الطريق القويم
ثم قالت :
و بعدَ أن أبدأ يومي بمحادثة سبيدر و قد يستغرق هذا ثلاث أو أربع ساعات ( على حسب الظروف )
ثم أقوم بالإستعداد للإستماع إلى الأغاني المفضلة عندي ، فأنا و أتدرب مع معلمة التربية الرياضية
بالمدرسة على الرقصات الجديدة ، و عندي نشاطات عديدة أعملها خلال اليوم .
زيــن يا يـاسمين ... لعلكِ تشعرين أنكِ في نعمة بقولك ، أصبتِ القول في موضعه
لكن أخبريني ايضا أين خمارك الجميل الذي كان يكسوكِ حلة البهاء و الكرامة ؟
قالت :
أرجوكِ ... أنا فعلا وجدت أنه يعيقني في حركتي ، كلما أردت فعل شيء لابد أن أرفعه ، فوجدت أنه حرام علي
فعل ذلك ، فلقت أبتعد عن الشبهات و أحترم ديني و لا أهزيء الحجاب و أخلعه افضل .
حَـزنت على أختَ الإسلام أشدَّ الحُزن ، ليست هذه الصديقة التي عهدتها منذ زمن
لقد أصبحت تصادق الشباب ، و تفعل المحرمات ، و تلوث سمعها بالأغاني و الموسيقى ، و المُــصيـــبة
أنها أصبحت فيلسوفة ، تتفلسف في أمور الدين كما يحلو لها .
أخذتها جانــبــًا و نصحتها ، كنت أحدثها و أنا يـكاد الدمع من عيني يـفرُ ، فإذا بها تـُعرض عني ، تركتني و هي تقول
" يا حبيبتي لقد أصبحت إنسانة أخرى ، والله انتِ تعيشين في سجن ، تعالي جربي حياتي ستشعرين بسعادة غامرة "
انتظرت إلى أن خـيم ستــارُ اللــيل ، و حلَّ الثلث الآخر ، فـصليتـُ لربي ، و القلب يبكي و العين تذرف الأدمعَ
على الصديقة ، أخـذت أدعو لها ، و ألح على الله في الدعاء بأن يهديها و ينير بصيرتها و ينقذها مما هي فيه .
لم أيأس منها ... ففي اليوم التالي سارعت بالكتابة إليها و أرسلت لها رسالة عبر الإيميل ، رسالة طويلة جدًا
بينتُ لها فيها خطأ ما تفعل ، و أن ما تعيشه هو سعادة مؤقتة ، و أنها تسير على درب التيه و الضياع إلى غير ذلك
نصحتها علها تستجيب ... فما تلقيت منها ردًا .
عاودت المراسلة إليها بعد فترة أيضا ألح عليها في ان تطمئنني و نصحتها للمرة الثالثة ... فما تلقيت ردًا
و بعد أن أحسست أني فشلت معها ، أرسلت لها عبر البريد رسالة على عنوان بيتها ، ايضا لم اتلق الرد
بعدَ مُـضي شهرين كاملين ، إذا بالجوال يهتف بإتصــال غريب عني ، فإذا بي أرد :
السلام عليكم !
أخذت أرددها مرارا و لا أحد يرد علي
أغلقت المكالمة
فإذا بالإتصال يعاود كرته ، قمت بالرد و للمرة الأخيرة ... فإذا بي أسمعُ صوتَ شهقات متتالية
أحـدٌ يــبكي
تساءلت فزعة :
من المُتكلم ؟
صوت غريب عني يرد :
- أنتِ الأخت فلانة ؟
- نعم أنا هي ... من حضرتك ؟
- أنا والدة يـاسمـين
- حياك الله يا خالة
- أريد أن أشكرك
- علامَ الشكر ؟
- اسمحي لي أن آخذ بعضـًا من وقتك يا بنتي
- لا عليك ، تفضلي
رغم أني كنت سعيدة جدًا عندما علمتُ أنها مكالمة من والدة ياسمين ، فأخيرًا سأستطيع الوصول إليها
و الإطمـئنان عن حالها ؛ فلم يهن عليَّ أن أتركها في ضلالها ، لما أعلمه من الخير المكنون في قلبها .
و للعلم فإن هذه الأخت من أسرة ملتزمة بشرع الله عز وجل .
ظلَّت والدة ياسمين تتحدث حديثا طويلا و استرسلت قائلة :
- أنتِ الوحيدة التي تعرفيـن ما كانت عليه ياسمين من هداية و تقوى ، و كيف انقلب حالها و هذا الذي لم
يتوقعه أحد منها ، حاولت جاهدة أن أنقذها مما هي فيه و لا فائدة ، حاول والدها أن ينصحها و لا فائدة
تدخل جميع أفراد الأسرة و في النهـاية تقول لنا ، حاولنا معها بكل شدة
حرمنها من الجلوس على الكمبيوتر و لاحظت وجود تلك الميكروبات المدعوة شرائط اغاني في بيتنا
فرميتها و هددناها بكل الطرق ، و أيضا لا فائدة بالشدة أو باللين ،إلى أن وقعت ابنتي صغيرة السن في داهية
نعم ... داهية و أي داهية ، لقد قام ذئبٌ من الذئاب التي تعرفت عليه من على الإنترفساد بفعل منكر
معها ، وقعت معه في الفاحشة ، و بعدَ أيام من هذه الحادثة لاحظنا عليها تغيرات عديدة ، فلقد أصبحت حزينة و
انطوائية ، لا تتحدث إلى أحد ، و امتنعت امتناعا كاملا عن الطعام ،أصبحت لا تقرب نحو جهاز الكمبيوتر ، و لا تسـمع
الأغاني كما كانت معتادة كل يوم ، ظلت على هذه الحالة يومين كاملين ، انتهزت هذه الفرصة لنصحها فوجدتها تبكي
و تبدي عدم الرغبة في الإستماع إلى كلامي ، إلى أن وصلها جوابك على المنزل يا بنتي ، فأخذته أنا عندما علمت أنه
لياسمين لم أعطه لها دون أن أقرأه ، و عندما تأكدت أنه من صديقة لها أعطيته إياها ، ففرحت به و أخذت تقرأه و تبكي
ثم وجدتها تعتذر لي و تعاهدني أنها لن تعود لمثل هذا أبدًا ، ثم كانت الفاجعة أن أخبرتني بما وقعت به مع هذا الشاب
و استحلفتني بالله ألا أخبر أحد ، و من وقتها أصابني عجز في أحد أطرافي و سقط مغشيا علي من هو الفاجعة
و بعدها بأياهم قررت ياسمين أن تخرج إلى المدرسة ، و قد ارتدت زيها الشرعي و لباسها الفضفاض الساتر
و قد عاهدتني على لبس النقاب فيما بعد ، و عند خروجها من البيت .....
إلى هنا توقفت والدة ياسمين ، و أخذت تبكي بشدة ، حتى اني جعلت أبكي لبكائها ، رغم جهلي بسبب بكائها
ثم انقطع خط الهاتف و لم تكمل حديثها بعد .
استدعيتُ والدتي و حكيتُ لها على عجالة ممن هذه المكالمة و عما نتحدث ، و قمت أنا بالإتصال على الرقم
الذي حدثتني منه والدة ياسمين ، و جعلت أمي بجانبي حتى تحدثها بعد أن تنتهي والدة ياسمين من الحديث معي .
سألتها أنا :
و ماذا بعد خروجها من البيت للذهاب إلى المدرسة ؟!!
قالت :
عند خروجها من البيت ، أخذ ذلك الذئب يترقبها إلى أن دخلت أحد محاور الشارع ، فهجم عليها و كتم أنفاسها
و طعنها بطعنة في وجهها ، و كل ذلك في ظني لانها رفضت أن تذهب معه و أخبرته أنها أعلمتنا بالأمر في البيت .
و بعد ساعات ، إذا بجرس الهاتف يدق ، و يقول قائل أن ياسمين ابنتي في المستشفى في القسم كذا و يجب الحضور
فورًا ، ذهبت أنا ووالدها فطلبوا منـا التحقيق نحن و أناس آخرين لا نعرفهم ، المهم أنهم قاموا بسجن هذا الشاب في النهاية
و إذا بإبنتي على ذلك السرير الأبيض ...
- ماذا حدث لها ؟
لا مـجيب
- يا خالة رجاء طمئنيني عليها
فجاءني صوتها المبحوح يكمل :
ابنتي على السرير بالمستشفى تحتضر ، و إذا بها تموت و بجانبها مئات الأجهزة و المحاليل ...
أكلمت معي والدة ياسمين ، ثم حدثتها والدتي و أخذت تثبتها و تشد من أزرها إلى آخر الحوار .
هاهي الأخت ياســمـين قد ماتـت
ماتــت ياسمين لتتركَ لنا و لفتياتنا المعذبات المنخدعات العبرة و العظة
ماتـت و ما تركت إلا الحسرة و المرض لوالديها ... لقد مات والدها بعد موتها بسبعة أيام
و أمها تكــابد المر و الألم
أهدرت حيـــاتها و أفـنت شابابها في الملهيات و المغريات
ماذا أستـفادت ؟ ما الخير الذي حلَّ عليها حين اتبعت نفسها شيئا فشيئا ؟
كـانت تعتقد أنَّ السعادة في اللهو و المرح و محادثة الشباب و اللعب بالمغريات ... فهل أصابتها سعادة ؟
كـثير ممن كن على حالها فانتحرن تخلصـًا من هذا العذاب الذي صنعوه لأنفسهن بأيديهن
فمــا أنتِ يا فــتـــاة ؟
هل ستظلــين مصرة على ماتفعلــين و تكون خاتمـتكِ كخاتمة واحدة ممن اتبعتِ دروبهن و جلعتهن
قدوتك من فنانات و ممثلات و غيرهن ؟
و الله ثم والله ، إن السعادة كل السعادة في طــاعة الله عز وجل ، و السعادة كل السعادة حين الإنتصار على شهوات
النفس ، ليـس الجري وراء كل جديد في هذا الزمن هو السعادة ، و اعلمي إن كنتِ بعيدة عن حياة الطاعات ، أنكِ
تعيشين على الأرض حياة الأنعام ، تتمتعين و تأكلين كما تأكل الأنعام ، فلا يمكن ابدا للعبد أن يعيش حياة يسعد بها
و يأنس فيها ، إلا وهو متمتع بالإيمان و بالعمل بشرع الرحمن عز وجل .
و قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِيِنَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ و للرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْييكُمْ}
فاعلمي أخية أن الله شرَّع لنا الشرع المتين من أجل أن نسعد في الدنيا و الآخرة فالله تعالى لا يستفيد شيئا
من طاعات العباد و لا يتضرر بشيء من معاصيهم
قال عز وجل {وَمَن يَنقَلبْ عَلَى عَقِبيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا}
فأنتِ بطاعتك تنفعين نفسك و أنتِ التي تتضررين من معصيكِ و أنحرافك
و حذار أن تكوني ممن قال الله عنهم {أَمْواتٌ غَيْرُ أحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُون أَيَّانَ يُبْعَثونَ}
و استشعري ما أنتِ فيه من نعمة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم
{ نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحة و الفراغ } رواه البخاري
و اعلمي { إنَّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر} رواه الترمذي

رييدا @ryyda
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.




الصفحة الأخيرة
والله يهدي جميع بنات المسلمين