ماذا حدث " لهناء" خلف أسوار الجامعة ؟؟!

الأسرة والمجتمع

استيقظت هناء على مضض فهي لم تنم إلى في وقت متأخر من الليل نظرت إلى الساعة إنها الثامنة والنصف .. آه .. لقد تأخرت على موعد الجامعة وثبت بسرعة من السرير حملت حقيبتها وأخذت تملأها بكل ما تجده أمامها بغض النظر عن أهميته .. بدلت ثيابها ثم نزلت مسرعة تتخطى السلالم .. ركبت مع السائق وهي تقول له " هيا السرعة القصوى أرجوك لا أريد أن أتأخر " قبعت هناء في المقعد الخلفي للسيارة وأخذت تنظر يمنة ويسرة وتقول في نفسها ياله من طريق ممل فقد سأمت الانتظار عند إشارات المرور .. الطرقات مزدحمة الكل ذاهب إلى عمله .. هذا لا يعقل هل ستتأخر اليوم أيضا ً كعادتها ؟ ..

وصلت هناء إلى الجامعة خلعت عباءتها وهي تتأفف منها ومن شدة الحر .. ووقفت تنتظر نوره وهديل وهي تقول عجيب ليس من عادتهما التأخير ولكنها تذكرت أنهما لن تحضران اليوم فغداً موعد اختبار مادة اللغة العربية وهذه المادة تحتاج وقتا ً طويلا ً وجهداً جهيدا ً كم كانت تود البقاء في المنزل لاستذكارها ولكنها لم تسلم البحث الذي سيكون اليوم آخر موعد لتسليمه .. ازدادت غما ً على غم وأخذت تؤنب نفسها وتقول هذا أخر الإهمال والتسويف بل هذا ما جنيته على نفسي .. ليتني على الأقل أحضرت الملازم معي فالوقت لن يكفيني إن رجعت إلى البيت .. آه .. وماذا بعد فأنا أكره الوحدة ليت هديل ونوره معي نلعب ونتمازح ونقتل الوقت بأحاديثنا الرائعة كنت أود أن أخبرهما بما حدث البارحة في بيتنا وعن أشياء كثيرة ضايقتني .. قامت هناء تتجول في ممرات الجامعة وحدها وتقلت نظرها هنا وهناك ..هذه تأكل.. وتلك تتحدث ..وثالثة تقرأ بكل شغف .. وهي تسير بكل حزن وبينما هي كذاك سمعت صوتا ً يناديها من الخلف

" هناء .. هناء قفي لحظة " نظرت إلى الخلف فإذا بها سارة تلك الفتاة المهذبة الخلوقة إنها الأولى على الدفعة الكل يحبها ويقدرها .. فرحت هناء كثيرا ً فأخيرا ً وجدت من سيشاطرها همومها توقفت هناء وأقبلت إليها سارة ألقت السلام وأخذتا تتبادلان أطراف الحديث ويحثان بعضهما على المذاكرة بجد .. نظرت سارة في وجهه هناء وعرفت بحسن تفرسها أن متاعب الدنيا كلها على رأسها فقالت لها لماذا هذه السحابة من الحزن التي تخيم على وجهك ؟

قالت هناء بكل ألم وحرقة .. إنها الوحدة .. الملل .. الكآبة ..مللت يا سارة هذه الحياة الرتيبة الباهتة ماذا عساني أن أفعل اليوم كأمس كغد لا جديد .. المشاكل تعصف بي .. الهموم تكبلني .. أنا يا سارة مللت الهروب من الواقع مللت الكذب على نفسي بأن غدا ً سيكون أفضل من سابقه .. عجبا ً لك يا سارة كم أتسائل كيف أن الابتسامة لا تفارقك .. ألا تعانين كما نعاني .. ألا تحسين بمتاعب الحياة مثلنا يا سارة ؟ نظرت سارة إلى هناء بعيون مشفقة محبة وقالت لها بلى يا هناء أعاني.. بلى يا هناء أحس ولكني أشكو بثي وحزني لله رب العالمين ..وقبضت بقوة على يد هناء وهمست بأذنها .. عليك بالسحر .. عليك بالسحر يا هناء فلن تجدي لقلبك دواء أنفع منه ولن تجدي في سواه لذة ً وسرورا ً تضاهيه.. قالت هناء بتعجب : السحــــــر !!!

ردت عليها سارة نعم إنه آخر الليل إلى طلوع الفجر إنه الوقت الذي تفتح به أبواب الجنان وينزل الرب به إلى السماء السابعة ....

ازداد عجب هناء كيف ذلك ؟؟ ينزل الرب !!!

ابتسمت سارة ابتسامة عريضة .. نعم يا حبيبتي ينزل الرب إلى السماء السابعة في كل ليلة من الثلث الأخير فيقول : " هل من سأل فأعطيه ؛ هل من دع ٍ فأجيبه ؛ هل من مستغفر فأغفر له ؛ هل من مستغيث فأغيثه ؛ هل من مضطر فأكشف عنه " لمست سارة الشوق واللهفة لمعرفة المزيد في عيني هناء فقالت ألا تعرفين أن هناك ساعة من الليل ما يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى بها خيرا ً إلى أعطاه ..

فأين أنت يا هناء عن كل هذا ؟

أين أنت عن السحر حين تهدأ الحياة ..وتزكو النفس ..ويجتمع القلب.. ويعم السكون .. وتشتاق الأرواح إلى لقاء خالقها والأنس به ومناجاته وتمريغ لأنف له ..

أين أنت يا هناء إذا قام العشاق يتسابقون إلى حبيبهم وطبيبهم وسلوتهم يسألونه من فضله .. ما بين بكاء ..ودعاء ..وصلاة ..ورجاء .. يرفعون الأكف وينشرون الدموع بكل ذل وخضوع راجين الرحمة ..

بل أين أنت عن السجود روح القيام هذا الحدث الذي يكون الإنسان فيه أقرب ما يكون من ربه فيناجيه بصوت خاشع " يا رب سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي يا رب أبوء لك بنعمتك علي هذه يداي وما جنيت على نفسي " كما كان صلى الله عليه وسلم يقول .. إن في السجود لذة تساوي الدنيا وما فيها آما سمعت الشاعر حين يترنم قائلا ً:

تـألــه قلبـي لمـا سجــدت=== أهيم بمحراب خير الأنــام
وأرسل من شفتي الدعاء ً=== وفي السمع سجع الحمــام

وفــي أعيني مـن سنا الله ===برق يحس ولكنه لا يشـام

له في خلا ياي بث ورفع ===إلى شرفات حما ً لا يضام
أهيم كمن مـال فـي نشوة=== ونـفســي عيونهـا لا تنــام

أحس أن كياني تمدد حتى=== تخطـى الدنــا والحطـــام
أقـــول ارتويت أجـــل لا=== وكيف ارتويت وكلي أوام

ألا إنهــا علامات التجلي ===هيـام سجود يفوق الهيــام

فسبحانك الله ملأ الوجود ===وملأ السجود وملأ القيام

ولذلك يا هناء فالكثير ممن رحمهم الله يعشقون الليل وكيف لا يعشقونه وهو وقت نزول حبيبهم .. ألم تسمعي قول الله تعالى :( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا ً وطمعا ً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء ً بما كانوا يعملون ) .

قال ابن القيم بصدد هذه الآية :" تأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقومون إلى صلاتهم في الليل بقرة الأعين بالجنة " .

بل تأملي معي يا هناء قوله تعالى : ( إن المتقين في جنات وعيون أخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا ً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ).

ينامون قليلا ً ويتهجدون ورغم كل ذلك يستغفرون الله ويجودون بأموالهم فليت شعري ماذا قدم المفرطون أمثالنا ...

بكت هناء وبكت وأخذت تلوم نفسها أين أنا من كل هذا ؟؟

احتضنتها سارة وقالت لها بصوت صادق محب .. يا هناء إن حياة النفس في السمو.. ونجاتها في العلو .. ومثل القلب مثل الطائر كلما على بعد عن الآفات وكلما نزل احتوشته الآفات كما قال ابن القيم رحمه الله .. واعذريني يا حبيبتي فأنا أعرف أنه كلام جديد عليك ودخيل على قواميسك وغريب على حياتك كلها ولكني واثقة من أن فيه راحتك .. يا هناء كيف غفلت عن الله الذي ما أتجه إليه ذليل إلى أعزه ولا فقير إلى أغناه ولا مظلوم إلا نصره ولا محروم إلا أعطاه ... شكرت هناء سارة كثيرا ً ودعت لها بكل حرارة ثم ودعتها قائلة اللقاء غداً إن شاء الله ...

رجعت هناء إلى البيت صعدت إلى غرفتها .. ارتمت على السرير وهي تفكر بكلام سارة .. السحر .. قيام الليل .. البكاء .. السجود .. آه .. كيف تقوم الليل وهي لا تصلي أصلا ً .. كيف تقوم الليل وهي لم تسجد لله سجدة في حياتها .. بل كيف كان ينزل الرب سبحانه وتعالى إلى السماء السابعة وهي في سكرة الهوى تنتقل من قناة إلا قناة ومن مطرب إلا أخر.. أو تتنقل بين أسطر التشات ونهارها كله يذهب في النوم أين هي من عشاق الليل ؟؟

أخذت تتقلب في محاولات فاشلة للنوم ولكنها بعد دقائق قررت النهوض لإنهاء المذاكرة .. مضى الوقت وهاهو الليل يخيم بظلامه .. وهاهي نفس هناء قد اشتاقت لتجرب ما سمعت اليوم من سارة .. توضأت لأول مرة تتوضأ استعدت لتستقبل القبلة وما أن استقرت واقفة حتى خرت على الأرض باكية ..تتمتم بكلمات تفوح بعبير الندم وأريج التوبة والرجوع لتذوق حلاوة الأسحار ولذة المناجاة وتمريغ الأنف للواحد القهار .. لتذوق جنة الدنيا وتودع أيام الملل والتعاسة والشقاء وتستقبل عهدا ً جديدا ً .. ومن ذلك اليوم أصبح السحر انسها وأحب شيء إلى قلبها وقيام الليل ديدنها الذي لا تتركه أبدا ً كيف لا وقد علمت أنه شرف المؤمن ..

فرحمك الله يا سارة وكثر من أمثالك .. آما أنت يا هناء فأعدوا لك من كل قلبي بالثبات على الحق ..

أخي الغالي .. أختي الحبيبة

إذا أرهقتــك همـوم الحيـــاة=== ومسك منها عظيم الضرر

وذقــت الأمرين حتـى بكيت=== وضج فؤادك حتى انفجر

وسدت بوجهـك كل الدروب=== وأوشكت تسقط بين الحفر

فيمم إلــى الـــله فـي لهفـــة=== وبـث الشكـاة لــرب البشر

يا من سدت بوجهه الدروب وقفلت بوجهه الأبواب وحاطرته المشاكل والهموم فاليتجه إلا الله وليشكو إليه بثه وحزنه ومن ثم يتجه إلى الناس..


لا تنسوني من دعائكم في ظهر الغيب
بقلم / همس الشمس :41: في لحظة غروب
18
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حبيبة أبوها
حبيبة أبوها
ونعم بالله




جزاك الله غاليتي وانار الله طريقك:27:







:26:
بسمة للأبد
بسمة للأبد
ماشاء الله تبارك الله

قصة رااااائعة..... بل وأكثر غاليتي همس الشمس في لحظة غروب

هل هي من نسج الخيال 100% ؟

بجد أعجبتني ... ممكن نكون صحاب؟ << ما عندها وقت :17:

وفقك الله وزادك حبا وقربا إليه أختك بسمة :)
الملاك الغريب
ما شاء الله
كتبتي فاتقنتي ...... كلماتك صافيه كصفاء الماء
بارك الله فيك

ونفع بما كتبتي كل المسلمين ... :17:
همس الشمس في لحظة غروب
شكرا ً لكن جميعا ً أسعدتن قلبي القصة من نسج الخيال ولكن تستمد أحداثها من الواقع فهي تصور واقع بعض فتياتنا وقد حصلت هذه القصة على المركز الأول بمسابقه أجمل قصه قصيرة على مستوى الرياض عام 1424 ويسعدني أن أكون صديقتك ..وشكرا ً لكن جميعا ً مرة أخرى واتمنى أن أجد لكتاباتي قبولا ً عندكم ..
الزهره الحزينه
جزاك الله خير ...

:26: