وقفت عند باب كبير علق في اعلاه لوحه كتب عليها "مغسلة الأموات للنساء "فوقفت قليلا اقرأ تلك اللوحة واتسائل ماخلف ذلك الباب ؟ ياترى مافيه ؟فقرعت الباب بهدوء فلم يٌفتح لي !ثم قرعت وقرعت ومامن مجيب !!فقرعته بشده!واخيرا فُتح ..وإذا بامراه متوسطة العمر تقف خلف الباب وهي تلبس قفازين ومريلة بلاستيكية قد امتلأت بالمياه فنظرت إالي ثم ابتعدت عن الباب لتسمح لي بالدخول وقلت :السلام عليكم وانا ادخل الى المكان فردت السلام وانا في حاله لايعلمها الا الله مشيت بخطى خائفه وقلب مضطرب ..فسألت الله الثبات "اللهم ثبتني"فماذا أرى ؟
غرفه كبيرة..خراطيم مياه قد علقت بمواسير في الاعلى وعن شمالي طاولة كبيرة قد وضع عليها اكوام كثيرة من الاقمشة البيضاء ..يالدهشتي ماتلك الاقمشة ؟
انها الاكفان التي يكفن بها الميت !!من القطن الابيض لـاخطوط لاورود لارسومات ثم هناك طاولات مفتوحة من الاعلى يوضع عليها الميت ..وقد وضع على ثلاث طاولات منها ثلاث جنائز لنساء فنظرت الى هناك فإذا بدولاب كبيرجداً قد ملئ بأدوات التغسيل من اقمشة وقطن ومقصات ومايطيّب به الميت واربطة وكافور وسدر ورائحة الكافور قد ملأت المكان وصوت صب المياه يملأ الآذان ثم نظرت الى الارض فإذا سطول المياه إحداها قد ملئ بالكافور والماء والآخر بالسدر والماء والثالث بالماء فقط ..
وانا انظر الى كل ذلك بدهشه وذهول وقد تزايدت ضربات قلبي ...
فانا انتقلت الى عالم آخر لم يره الكثير من الناس وإذا بتلك الأخوات العاملات في تغسيل الأموات من النساء يعملن بنشاط وصمت والسنتهن تلهج بالدعاء لتلك الجنازه بين فترة وأخرى ..ياألله ياألله ارحمنا برحمتك واغفر لها وارحمها ..اللهم بدلها دارا خيرا من دارها وأهلا خيرا من اهلها ..اللهم حرم لحمها وشحمها ودمها على النار ...ثم قالت لي احداهن :هل هذه المرأه هي التي تريدين تغسيلها ؟
قلت : نعم واذا هناك امراتين غيرها قد غطيتا كل واحدة على طاولة ..فاتجهت اليها وانا امشي بهدوء ..سمعت صوتا واذا هي احد المغسلات تناديني :انتبهي ,الطفلة التي فوق الطاولة التي امامك !فالتفت فإذا طفلة قد لفت بقماش ووضعت على الطاولة فقد انتهت من تغسيلها الآن ...فاقتربت من المرأة التي اريد تغسيلها وانا اشعر بخوف شديد ,قالت المغسلة ويبدوا انها رئيستهن ..امرأة كبيرة في السن تعلوها المهابة ووجهها مشرقا كانه البدر وتعمل بجد و تنتقل من مكان الى اخر بحماس شديد قالت :هيا ابدأي فالوقت متاخر فسيصلى عليها بعد صلاة العصر فبدات اقدم رجلا وأواخر الاخرى واقتربت من الجنازة واذا هي قد لفت بعناية بالغة بقماش ابيض كبير فاخذت المقص وبدات اقص الرباط ويدي ترتجف وهي تحمل ذلك المقص الكبير ووضعت بجانبي تلك المراهةقاروره الطيب والقطن والكافور وقالت :خذي ماتشائين ..
ثم اذا بصوت المراة المغسلة يناديني ويقطع حبل افكاري هل فصلت لها اكفان ؟ لابد ان تقصي الاكفان قبل ان تبدأي !!فنظرت اليها وانا افكر ..اكفان !!..فقالت : وانتبهي لمقاساتها فقلت بتعجب :..مقاسها ..يالله ,نظرت الي وقالت :مالك ؟اتعرفين ؟قلت :نعم نعم اعرف .
وامسكت المقص اريد ان اقص فما استطاعت يدي لتمسكه من الرهبه والخوف فتركته وعدت الى الجنازة ونظرت فإذا تحت القماش الاول بلاستيك كبير قد لفت به فلما كشفت البلاستيك ظهرت !!
فإذا السكون على وجهها فقلت في نفسي ايه رحلتي نعم رحلتي ..عن هذه الدنيا الى دار اخرى ..لقد تركتي كل شيء ..كل شيء الزوج ,الاولاد ,الدار .الذهب ,الاقارب ,لاكلام ..انه طريق كلنا سائرون عليه وكل نفس ستلقى هذا المصير ولكن هل من معتبر ؟وبدانا بتغسيلها وتقليبها من جهة الى اخرى ..لاتعترض ..لاتقاوم لاترفض ..ووضعنا السدروالماء ثم الكافور وضفرنا شعرها والبسناها ثوبها الجديد ..ذلك القماش الابيض بعدقصه من تلك الاكفان بعد تطييبها ووضعنا الاربطة حتى لاينفك ذلك الكفن واحكمنا الرباط حتى لايسقط عندما تحمل على الاعناق ثم غطيناها بتلك العباءه السوداء التي كانت لاتخرج الا بها وهي حية ..واقبل الاهل لوداعها والسلام عليها الزوج والولد والبنات انها آخر لحظه ينظرون اليها ستوضع بتلك الحفرة الضيقة ويوضع عليها التراب ..فراشها التراب ووسادتها الطين ..ونظرت اليها بناتها فعلت الصرخات تملأ المكان ..صرخات الحزن والفراق ولكن انتهى كل شيء وقضي الامر ..لابد من الرضلى والتسليم ..انه قدر الله ..هاهي تحمل على الاعناق ثم وضعت امام الإمام ..ليصلى عليها فما أضعفك ياإنسان ..كيف تظلم ؟ كيف تكذب ؟ بل كيف تعصي الإله الذي خلقك فسواك فعدلك ..الم تعلم انك ستصير الى هذا المصير ؟واصطفت النساء في مصلاهن للصلاة عليها والدموع تملأ العيون وسحابات الحزن تغطي الوجوه والألسنه تلهج بالدعاء ...اللهم ارحم موتى المسلمين وارحمنا إذا صرنا الى ماصاروا اليه إذا حملنا على الأعناق وغطى علينا التراب ..وارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض ..يوم لاينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليـــم ...........
م/ن
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
حائليه 1
•
جزاك الله خير
الصفحة الأخيرة