ماذا نستفيد من قصة صديقي الذي مات رحمه الله قبل أن يدرك رمضان ؟؟

أما بعد أيها المسلمون والمسلمات:

في يوم الأحد الماضي وبعد صلاة الظهر مباشرة قام صديقي أبو سعود إمام احد المساجد في حي بترومين ، وقال لجماعته انه سوف يصلى على زوجة جارنا فلان بعد صلاة العصر في المسجد الفلاني فسارعوا بارك الله فيكم للمشاركة في الأجر .
وبعد صلاة العصر انتظر الجماعة إمامهم أبو سعود فلم يحضر فظنوا انه ذهب للصلاة على تلك الجنازة ، وبعد التحري من خبره علموا أنه أصبح جنازة قبل صلاة العصر .

كيف حدث هذا ؟؟ لقد شعر رحمه الله بعد صلاة الظهر ببعض الآلام فذهب إلى أحد المستشفيات الذين حاولوا إنقاذه ، ولكن اجله المحتوم قد حان ، ففارقت روحه جسده ، بعد أن عانا عدة أمراض مزمنة طيلة حياته رحمه الله رحمة واسعة .

إخواني في الله : إن نهاية صديقي هذا تكرر لملايين الناس ، ولكني طرحتها في هذا اليوم للتذكير بأن هذا الرجل كان يستعد لرمضان مثل ما نستعد ، فأتته المنيةُ قبل دخول رمضان ، ونحن والحمد لله مازلنا نتنقل في نعم الله ظاهرة وباطنه ، وتلك النهاية قد تحصل لأحدنا في أي لحظة من لحظات حياته ..

أيها الإخوة في الله : ومن باب شكر الله تعالى واستغلال المنحة الربانية في رمضان فعلينا أن نستعد لهذا الشهر الكريم ، وان نعد العدة العملية ، والنية الصادقة للقيام بحق هذا الشهر الكريم ، حتى يرضى الله عنا ، فيكرمنا بمغفرة الذنوب ، ورفع الدرجات ، والحصول على وسام التقوى الذي وعدنا به الله تعالى في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
وحتى نستفيد من رمضان ، ونستغلَه أحسن استغلال ، فان علينا أن ننظر إلى أهداف صيام هذا الشهر الكريم فنحاول أن نحقق ما استطعنا منها ، ولعلنا في هذا اليوم المبارك ،نستعرض أهم الأهداف من فرض رمضان على الأمة ..

أيها الإخوة في الله : كلنا يعلم أن ترك الأكل والشرب من أوضح أهداف الصيام ، وهذا يجعلنا نبحث عن فوائد هذه الدعوة الربانية ، ونحاول الاستفادة منها ..
أحبابي الكرام : إن الصوم يعلمنا الصبر عن أهم الشهوات في حياة الإنسان ، وهذا يجعل المسلم يضغط على نفسه من بعد الفجر حتى غروب الشمس .. كل ذلك استجابة الأمر الله تعالى ..
وهذا يجعل المسلم الواعي يقول : إذا كنت أستطيع كبح جماح شهوة ضرورية ، فمن باب أولى أن اكبح جماحها في أمور تافهة لا قيمة لها ، وقد تغضب الله تعالى ..
إن العاقل هو من يستفيد من الامتناع عن الشهوات المباحة المهمة في ترك الشهوات التافهة والمحرمة .

أيها الإخوة : ثم إن ترك الأكل والشرب يجعلك تشعر بشعور المحتاجين من حولك ، فتحاول أن تبحث عنهم وتساعدهم بقدر ما تستطيع ، فهناك الفقراء والمساكين ، والأيتام والأرامل والمطلقات اللواتي لا عائل لهن ..

هولاء يمر بعضهم بظروف صعبة لا يعلمها إلا الله ، فبعضهم لا يجد قوت يومه ، في ظل ارتفاع الأسعار والإيجارات وضعف التكافل الاجتماعي .
فإذا شعرت بالجوع مع علمك بوجود أنواع الطعام عندك ، فاعلم أن هناك من يشعر بالجوع ولا يوجد في بيته شيئا يأكله .

وهذا الكلام إخواني ليس من فراغ ، فيعلم الله إني دخلت في الأسبوع الماضي بعض البيوت التي يقول أهلها إننا في بعض الأحيان لا نجد ما نأكله ..
وهذا يجعلنا نتذكر إخواننا المحتاجين ، ونبحث عنهم ولا نعتمد على جهود الجمعيات الخيرية التي تقوم بدور كبير ، ولكن لابد أن نشعر بشعور إخواننا المحتاجين ونشاهد عن قرب مدى حاجتهم ، وبالتالي نحمد الله تعالى على نعمه ، فلا نبذر في الأكل كما هو حاصل من البعض هداهم الله

إخواني في الله : ومن أهم أهداف صوم رمضان حفظ الجوارح عما يغصب الله تعالى ، والتحكم في أهم وسائل التأثير في حياتنا ، وهي السمع والبصر واللسان ..ونحن وان كنا سوف نحاسب على كيفية استعمالنا لهذه الجوارح في غير رمضان كما في قوله تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )
فنحن في رمضان أكثر مسؤولية ، والتحكم في هذه المصادر ينبغي أن يكون أكثر وذلك من اجل مصلحتنا نحن ، لأن الله تعالى ليس بحاجة إلى صيامنا أو أي شيء من عبادتنا .. يقول صلى الله عليه وسلم (في الحديث الصحيح ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)
إذا لابد من التحكم في مصادر التأثير والتأثر من لسان وسمع وبصر وشم ولمس ونحو ذلك ، لابد أن نتحكم فيها في نهار رمضان وفي ليله ، مما ينعكس على بقية الشهور.

إخواني الله : تخيلوا معي التناقض العجيب : رجل يمتنع عن الأكل والشرب طاعة لله ،و في نفس الوقت ربما يسمع الموسيقى من خلال الأغنية الماجنة أو الموسيقى المصاحبة للأخبار والمسلسلات ،..يفعل هذا وكأنه لا يقرأ قول الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) .. ولهو الحديث في الآية اقسم الصحابي الجليل عبد الله مسعود رضي الله عنه ثلاث مرات على انه الغناء ..

ومرة أخرى تجد هذا الصائم يشاهد المرأة السافرة من خلال الفلم أو من خلال نشرة الأخبار ، وربما في ارض الواقع ، والمرأة نفس الشيء ، تشاهد الرجل في الفيلم او حتى في المحاضرات والدروس .. وكأنه شيء عادي عنده .. يفعل هذا وكان لا يقرأ قول الله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ، ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )
وأيضا تجد هذا الصائم سواء في البيوت أو الأعمال أو المجالس يسب ويلعن ويغتاب وينم ويستهزأ وغير ذلك من المناهي اللفظية ..يفعل هذا وربما يتناسى قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ(16)إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17)مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )

أيها الإخوة في الله : إن الصوم في رمضان مشروع كبير وخطير ، شرعه الله تعالى لمصلحة الشخص خاصة ، ولمصلحة الأمة عامة ، بل لمصلحة العالم .. فلندرك أهداف هذا المنحة الربانية ، ولنحرص على الاستفادة القصوى منها ..


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(25)وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(26) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(27)وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(28)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(29)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم ..


الخطبة الثانية

الحمد لله فاطر السماوات والأرض ، خلق الخلق لحكمة يعلمها ، فأمرهم بفعل الخير ودلهم على طرقه ، ونهاهم عن الشر ونبههم إلى سبله.
واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمد عبد الله ورسوله ..صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا .

أما بعد إخواني في الله :
ومن أهم أهداف الصيام هو زيادة إيمان الفرد المسلم بعدد من الطاعات الخاصة والعامة ، وكلنا أحبابي الكرام نعرفها وسوف نقرؤها أو تقرأ علينا خلال رمضان ، وتبقى عند البعض مجرد معلومات نظرية ، حتى إن البعض يتضايق من كثرة سماعه لها ..

فالله الله إخواني وأخواتي : في استغلال أيام وليالي هذا الشهر المبارك .. ولنحرص على قيام الليل ولا نفرط في ليلة واحدة مهما كان السبب ، خصوصا العشر الأواخر من رمضان ، ويا حبذا لو خططنا للاعتكاف في أحد المساجد التي نرتاح فيها ..
ولنحرص أيضا على كثرة قراءة القرآن ،وختمه ويا حبذا لو كان بجوار حدنا أحدُ التفاسير المعتبرة كتفسير الشيخ السعدي رحمه ، حتى يطلع على تفسير بعض الجمل والعبارات التي تخفى عليه ..

كما نحرص إفطار الصائمين ، بأي طريقة كانت ، سواء عن طريق دفعها للمشرفين على مشاريع إفطار الصائمين ، أو إعداد الطعام ودفعه للمحتاجين ،واو دعوة الصائمين إلى البيت أو نحو ذلك ..المهم أن نرى يوم القيامة في سجل حسناتنا عددا من أجور الصائمين ..
إخواني في الله تفطير صائم في الداخل من ثلاثة ريالات إلى خمسة في اليوم الواحد ..يعني لو فطرة صائم لمدة شهر بملغ خمسة ريالات ،لكان المجموع ( 150 ) ريال .. وهذا المبلغ يدفعه البعض قيمة نعلة لأحد الأطفال ،اولعبة أو ربما شيء يغضب الله ..


إخواني : استغلوا الأموال التي بين أيديكم في فعل الخيرات ، اليوم انتم تملكونها وتتصرفون فيها، وغد يتصرف بها غيركم ، وربما لا يذكرون البعض بالخير .

فهنيئا لمن وجد في صحيفته ما يسره..

وختاما إخواني في الله : إن هذا الشهر المبارك فرصة كما تعلمون لمغفرة ما تقدم من الذنوب ، قد لا تتكرر ، فأخونا أبو سعود رحمه الله الذي ذكرته لكم في المقدمة وغيره لم يدركوا هذا الشهر ، وأظنهم لو علموا أنهم لن يدركوا هذا الشهر لما فرطوا في دقيقة من رمضان الماضي ..فلنكثر من فعل الطاعة وترك السيئات ..لعل الله تعالى يرحمنا ويحشن خاتمتنا ..
أسال الله تعالى أن يجعلني وإياكم من المعتبرين ، كما أسال تعالى أن يجعلنا