عملية التهام الطعام من أسهل العمليات مشقة على الانسان, فهو يأكل ويستلذ ويشبع ويربي شحماً على حواف بطنه, ثم يسعى بعدها الى اتباع طرق التنحيف والتي لا تفلح ادوية العطار فيما افسده الدهر.
واذا كانت تلك العملية من السهولة بحيث ان يأكل المرء كثيراً فهذا سبب رئيسي لمصدر مشاكله الصحية كما يقول الاطباء عن المعدة انها بيت الداء والدواء, وقديماً لم يكن الناس يأكلون بكثرة لأن مشقة اعداد الطعام كانت تدفعهم للاقتصاد فلا يأكلون الا اذا شعروا بالجوع, وان اكلوا لا يستزيدون لأن مشقة اعداد الطعام تصبح مضاعفة عندما تضاف اليها طريقة الحصول عليه.
ما يقود لكل ما تقدم انتشار نظام الوجبات السريعة الجاهزة او نظام (الفاست فود) الذي حول عيدان القصب الى طبول جوفاء في حقل اجرد لكثرة التهامهم للوجبات سريعة الاعداد او جاهزة الأكل والتي لا يخلو شارع منها, ولأن تلك الوجبات مرتبطة بمبدأ نأكل وندردش فقد خلقت طقساً اجتماعياً جديداً بديلاً عن اكتمال شمل العائلة حول طاولة الطعام في المنزل حيث كانت الأم تدخل مطبخها صباحاً ولا تخرج الا ظهراً وقد ملأت عدة قدور بأطعمة رائعة المذاق صحية الهدف, ولكنها اليوم تستطيع ان تجلس في اي مقهى او مطعم وجبات سريعة تدخن سيجارتها ريثما يحضر لها النادل طبقاً اختارته من عدة اصناف صورها معلقة فوق رأس النادل وجميع تلك الصور لا تطابق الواقع لا من حيث الحجم ولا النوعية سوى الثمن الذي يضاف اليه 15% من ثمن الوجبة كخدمة,
ويمكن لتلك (الفاست فود) ان تكون اثني عشر اصبعاً من البطاطا المقلية وشريحتين من الطماطم المثلجة وقطعة لحم تفوح منها رائحة زيت رخيص وينز منها الدم المخلوط بالمواد الحافظة وعلى حواف الطبق توجد ورقة خضراء محيرة التسمية فهي ليست خساً وليست هندباء, وعلى الارجح قد تكون ورقة شجرة ظل تم الاستعانة بها بعد نفاد اللون الاخضر من مطبخ الفاست فود.
لقد خلقت تلك الوجبة نظاماً سريعاً في عملية الأكل وحولت حياة الناس الى سرعة مضاعفة وأطاحت بكثير من التقاليد الاصيلة التي كانت تسيج العلاقات الاجتماعية برباط من المودة والتفاهم والحب وكان الطعام مصدراً رائعاً لتصالح أذواق الناس خاصة عندما يجمع الكل تقريباً على الاشادة بطريقة الاعداد والنكهة الحلوة التي تعكس شخصية الطباخ وروحه الطيبة في تنويع الأطعمة, وعادة ما يكون للأم او للسيدة الكبيرة في المنزل نصيب الاسد من المدح والرضا.
ان ما فعلته الوجبة السريعة في حياة الانسان العصري اكثر قسوة من عصر التكنولوجيا, فقد غيرت تلك الوجبة منظومة عمل اليوم وأحالت وجبة الغداء الى التقاعد واطاحت بوجبة الصباح, اما العشاء فلم يعد له اي مكان على خريطة الطعام لأن دورة عمل اليوم كانت تبدأ بوجبة صباحية جيدة تم الاستعاضة عنها بسندويتش اي كلام ووجبة الغداء التي كانت تقود الانسان الى البيت ليجالس أهل بيته استبدلت بـ (فاست فود) من ماركة ماشي حالك, في حين ان العشاء صار في خبر كان ........
--------------------------------------------------------
جريدة البيان

ديباج الجنان @dybag_algnan
عضوة شرف في عالم حواء
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️